في مَثَلِ الفرِّيسي والعشَّار (لو 18: 14) يُصَوِّر القديس يوحنا الذهبي الفم الفرِّيسي وقد هاجم العشَّار حتى في صلاته قائلاً إنه ليس مثله يرتكب خطايا كثيرة وخطيرة. وقد انتفع العشَّار من مَوْقِف الفرِّيسي، فلم يُعاتِبه بكلمة، ولا برَّر نفسه، كما يفعل كثيرون، إنما بانسحاق قلب قال: "اللهم ارحمني أنا الخاطي"، فخرج مُبَرَّرًا. يُعَلِّق القديس يوحنا الذهبي الفم، قائلاً:
v أترون اليقظة؟ لقد قَبلَ التوبيخ، وطهَّر نفسه. لقد عرف خطاياه، وتَرَكَها. الاتهام بالخطية أدَّى إلى ترك الخطية، وبغير قصد، صار عدوُّه نافعًا له. أقصد أي مجهود طُلِبَ من العشَّار لكي يسرع وينبطح أرضًا، ويسهر، ويعطي خيراته للمحتاجين، ويجلس طويلاً في التراب، حتى يتخلَّى عن هذه الخطايا؟
قيل إنه بدون أي شيء من هذا النوع ترك كل شرِّه بكلمة، بالتوبيخات وإساءة الأعداء لنا، إن قبلناها بروحٍ صادقة! فإنها نافعة لنا سواء كان ما يقولونه كذبًا أو حقيقيًا، فلماذا ننزعج؟ لماذا نبكي؟ إن لم تؤذِ نفسك، يا من أنت قابل للموت، لا يستطيع صديق أو عدو أو الشيطان نفسه أن يؤذيك.
بالحقيقة حيث أن الذين يُسيئون إلينا وينشرون الإشاعات، هؤلاء الذين تبلغ مؤامراتهم الحياة نفسها (أي يُدَبِّرون لقتلنا)، فإنهم يعملون لصالحنا، ويُضَفِّر بعضهم لنا إكليل الاستشهاد، إن قدَّمنا البرهان (العملي)، بينما يستهجن البعض خطايانا، إذا بهم يجعلوننا أبرارًا كما في حالة العشَّار، فلماذا نثور عليهم؟
ليتنا لا نقول: هذا وذاك أثارني، وفلان قادني للتصرُّف بطريقة مُشِينة. فإننا في كل حالةٍ نحن مسئولون عن ذلك. أقصد، إن كنا قد أعددنا أنفسنا لإظهار القِيَم السليمة، حتى الشيطان لا يقدر أن يدفعنا إلى الغضب. هذا واضح في داود!
القديس يوحنا الذهبي الفم