* يسقط العقل الكسول خطوة بخطوة بعدم الحذر من كلام العبث، عندما ينحدر فينطق بالكلام الضار.
إننا نكتفي أولًا بأن نتكلم عن شئون الآخرين، ثم بعدها يقرض اللسان قادحًا حياتهم، وأخيرًا ننزع إلى السّب الصريح. وهكذا عندما نَبْذُر الإثارة، تبدأ المنازعات، وتشُبُ النيران في بؤرة الغضب، وينطفئ حينئذ سلام القلب. لذلك حسنًا يقول سليمان: "ابتداء الخصام إطلاق الماء" (أم 17: 14).
إطلاق الماء ما هو إلا إطلاق اللسان بثرثرة. ومن الناحية الأخرى يقول الحكيم: "كلمات فم الإنسان مياه عميقة، (نبع الحكمة نهرٌ متدفقٌ)" (أم 18: 4). هكذا عندما نطلق الماء، نصير ينبوعًا للخصام والمنازعات. والذين لا يتحكمون بألسنتهم يكسرون التآلف. ولذلك نقرأ المكتوب: "رامٍ يطعنُ الكل هكذا من يستأجرُ الجاهل أو يستأجرُ المحتالين" (أم 26: 10).
والأكثر من ذلك، فإن الذين يدمنون كثرة الكلام يحيدون تمامًا عن طريق البرّ المستقيم. لذلك يشهد النبي قائلًا: "رجل لسانٍ لا يثبت في الأرض" (مز 140: 11). ويقول سليمان أيضًا: "كثرة الكلام لا تخلو من معصية (أما الضابط شفتيه فعاقل)" (أم 10: 19). ولذلك يقول إشعياء:" (ويكون صنع العدل سلامًا) وعمل العدل سكونًا وطمأنينة إلي الأبد" (إش 32: 17). وهذا يشير إلى أنه حيث لا يكون هناك ضبط للكلام يفتر برّ النفس. لذلك يقول يعقوب: "إن كان أحد فيكم يظن أنه دَيِّنٌ، وهو ليس يُلْجِمُ لسانه، بل يخدع قلبه فديانة هذا باطلة." (يع 1: 26) كذلك يقول أيضًا: "ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع، مبطئًا في التكلم، مبطئا في الغضب" (يع 1: 19). وعندما يصف قوة اللسان يضيف قائلًا:" (وأما اللسان فلا يستطيع أحد من الناس أن يذلِّله) هو شر لا يُضْبَطْ مملوءٌ سمًا مميتًا" (يع 3: 8).
لأجل ذلك يحذرنا الحق ذاته في قوله: "إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يُعْطَوْنَ عنها حسابًا يوم الدين" (مت 12: 36). والمقصود هنا أي كلمة بطالة غير مبررة وليست ضرورية ولا تهدف لأي نفع للتقوى. لذلك، إن كنا سنعطي حسابًا عن أية كلمة بطالة، فينبغي أن نتفكر في العقاب المذخر للثرثرة التي هي مؤذية، وتحمل كل إثم.
الأب غريغوريوس (الكبير)