منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم اليوم, 03:49 PM   رقم المشاركة : ( 185841 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الشهيد القديس تيموثاوس أسقف افسس
تلميذ القديس بولس الرسول


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


 
قديم اليوم, 04:14 PM   رقم المشاركة : ( 185842 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




حوار بين أليفانا وأحيور قائد بني عمون



يروى لنا الكاتب غلبة ملك أشور على أرفكشاد ملك مادي فاستسلمت الممالك المحيطة له، وصار الكل عبيدًا له، وإذ لم يرسل له اليهودي إليه مستسلمين، سأل ملك أشور القائد العموني عن هذا الشعب الذي لم يستسلم فأجاب إنهم لن ينهزموا إلا إذا أثموا ضد إلههم.
اغتاظ أليفانا لأن إسرائيل استخف به، ولم يقابله بالسلم كسائر الشعوب. روى حيور قائد بني عمون قصة قيام إسرائيل منذ دعوة إبراهيم، وكيف خلصهم الرب من فرعون وملوك الكنعانيين واليبوسيين والحثيين إلخ. وأنه لا يمكن النصرة عليهم ما لم يرتكبوا إثمًا في حق إلههم. أراد عظماء إليفانا قتل أحيور، معتبرين إياه أنه يستهين بالملك وجيشه، وأنه يخدعهم.

1. مجلس حرب في معسكر أليفانا

وأُخبِرَ أَليفانا، رَئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أَشُّور،
بِأَنَّ بني إِسْرائيلَ يستَعِدُّونَ لِلحَرْب
وبِأَنَّهم سَدُّوا مَسالِكَ الجَبَل،
وسَوَّروا كُلَّ رَأسِ جَبلٍ عالٍ،
ووَضَعوا الحَواجِزَ في السُّهول [1].
فغَضِبَ غَضَبًا شَديدًا
واستَدْعى جَميعَ رُؤَساء مُوآب وقُوَّادِ عَمُّون وجَميعَ رُؤَساءِ السَّاحِل [2].
دهش أليفانا أن شعب إسرائيل وحده دون كل الشعوب اختار أن يقاومه وأنهم يعدون أنفسهم بالفعل للدخول في معركة [1-2]. لهذا استدعى الرؤساء الأسرى وبدأ يسألهم في تشامخ عما وراء موقف إسرائيل [3-4].
كان أليفانا يجهل تمامًا إمكانيات هذا العالم الساكن في المرتفعات.
استدعاء أليفانا القيادات العسكرية للأمم التي خضعت له يكشف عما حلّ بأليفانا من ارتباكٍ شديد، إذ لم يكن يتوقع أمة ما تتجاسر وتفعل ما فعله اليهود. أراد أليفانا أن يستفيد من خبرة هؤلاء القادة بكونهم في جوارٍ للأمة اليهودية يعرفون أسرارهم الحربية. كان يتوقع أن يقدموا تقارير عسكرية لا علاقة لها بالعبادة والحياة الروحية. فقد آمن أليفانا بالقوة والسطوة والإمكانيات العسكرية.
وقالَ لهم: "أَخبِروني، يا بَني كَنْعان،
مَن هو ذلك الشَّعبُ المُقيمُ في النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة؟
وما هي المُدُنُ الَّتي يَسكُنُها،
وما هو عَدَدُ جَيشِهم،
وعلى أَيِّ شيءٍ تَقومُ قُدرَتُهم وقوَّتُهم،
ومَن هو المَلِكُ القائِمُ علَيهِم والقائِدُ لِقُوَّاتِهم [3].
ولماذا اسْتَهانوا بِالمَجيءِ لِمُلاقاتي،
على خِلافِ ما صَنَعَ سُكَّانُ المَنطِقةِ الغَربيَّة؟" [4]
لا نعرف بأية لهجة قدم هولوفرنيس هذه الأسئلة، هل تحدث بلغة الاستخفاف والاستهانة بهم، أم تحدث بلغة الدهشة لموقفهم. لكن واضح أنه كان في حيرة من الموقف الذي اتخذه اليهود، والذي لم تجسر أمة أخرى أو دولة أن تفعله.
2. مشورة أحيور العموني لقائد أشور

فأَجابَه أَحْيور Achior، رَئيسُ بَني عَمّونَ جَميعًا:
"لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ
فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ السَّاكِنِ في تِلكَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيّة
والمُقيمِ بِالقُربِ مِنكَ،
ولا يَخرُجُ كَذِبٌ مِن فَم عَبدِكَ [5].
أ. رأى بعض الدارسين أن كلمة "أحيور" مشتقة عن الفعل العبري hywr ، وأنه يعني "النور هو أخي (الإلهي)". وهو اسم لائق به حيث ألقى بنورٍ على تاريخ إسرائيل لهولوفرنيس، وأنه صار أخيرًا أخا يهوديًا، حيث قبل الإيمان اليهودي (يهو 10: 14).
ب. يرى D.N. Freedman أنه يُمكن تفسير كلمة "أحيور" لتعني "الإله الشمس هو أخي الإلهي"، وهو أمر يتناسب مع يهوه الذي قيل عنه: "جعل للشمس مسكنًا فيها..." (مز 19: 4-6)، أو لأنه موآبي يعبد الإله الشمس.
ح. يرى آخرون مثل Cowley, Steinmamnأن هذا الاسم مشتق عن الكلمة السريانية Ahihud، وتعني: "أخ يهوذا" كما جاء في الترجمة السبعينية في عد 23: 27.
د. يرى Henri Cazelles أن Achior مأخوذة عن Ahikar وهو اسم حكيم وثني مشهور.
في رأي البعض أن أحيور أحد الأمميين الأتقياء الذين دعاهم الله للإيمان، مثل راحاب (يش 2-6)، ونعمان السرياني (2 مل 5) وخصي كنداكة الأثيوبي (أع 8: 26-40) وكرنيليوس (أع)، وغيرهم.
غير أن البعض وهم يرون فيه شخصًا ليس فقط يجيد تاريخ الشعب اليهودي بدقة، وإنما الفكر اللاهوتي لهذا التاريخ (يهو 5: 5-21) أنه يهودي لم يختتن.
يعتقد البعض أن أحيور هنا هو نفسه Ahiker ابن أخ طوبيت وربشاقى الذي لسنحاريب. لا نعجب إن كان لأحيور خلفية إسرائيلية، ففي الحملة الثالثة اُختير بصفة خاصة لمخاطبة اليهود بلغتهم. فقد كان ربشاقى ضليعًا في الآرامية والعبرية وقد طلب منه الرؤساء الثلاثة من اليهود الذين جاءوا معه ألا يتكلم بلغة الشعب (إش 36: 11-12).
كلمة "ربشاقى" معناها حرفيًا "الرجل العظيم" مثل Turtanوهو لقب عسكري يميز حامله عن بقية كل القيادات العسكرية. نراه في سفر يهوديت يتكلم مباشرة بعد القائد الأكبر أليفانا نفسه.
نظر اليهود إلى أحيور قائد العمونيين نظرة ملؤها الامتنان، وحسبوه الوثني الصالح.
جاء خطاب أحيور عرضًا مختصرًا لتاريخ اليهود. وقد عرض الكتاب المقدس هذا التاريخ باختصار في مواقفٍ كثيرة، كما جاء في مز 78؛ 105؛ 106؛ حز 16؛ 20؛ حك 10؛ أع7. أما صلب التاريح كله كما ورد هنا فإن إمكانيات الشعب اليهودي تتوقف لا على قدراتهم العسكرية، وإنما على علاقتهم بالله إلههم، فإن أطاعوه وسلكوا حسب وصاياه لا تقف أمامهم أية قوات بشرية أو طبيعية، وإن عصوا وصاياه انحلوا وسقطوا.
لقد حمل الخطاب تحذيرا لأليفانا مؤكدًا له أنه سيلحق به وبجيشه عارًا، فإن إمكانيات اليهود غير منظورة، لا يقدر بشر على مواجهتها.
* في سفر يهوديت، عندما سأل أليفانا عدو الإسرائيليين من أي نوع هذه الأمة، وأية حرب تُعلن ضدها، أجابه أحور قائد العمونيين هكذا: لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ.... (يهو 5: 5-9)، كما روى أحور العموني. من هذا واضح أن بيت تارح عانى اضطهادًا من الكلدانيين من أجل التقوى الحقيقية التي بها عبدوا الله الواحد الحقيقي.
القديس أغسطينوس
إِنَّ هذا الشَّعبَ هو مِن نِسْلِ الكَلْدانِيِّين Chaldeans [6].
مما دعا البعض إلى وجود خلفية يهودية وراء شخصية أحيور، أنه تحدث عن التاريخ الإسرائيلي ابتداء من إبراهيم إلى عصره (يهو 5: 6-19). فهل يمكن لعموني وثني أن تكون له مثل هذه المعرفة في شيء من التفصيل؟ على أي الأحوال دعاه أليفاز: "مرتزق إفرايمي" (يهو 6: 2). ويرى البعض أن الحل سهل وبسيط، وهو أنه إفرايمي لكنه إلى ذلك الوقت لم يكن قد اختتن، فحسب كأنه أممي عموني.
أَقاموا أَوَّلًا فيما بَينَ النَّهْرَين Mesopotamia،
لأَنَّهم أَبَوُا إتباع آِلهَةِ آبائِهمِ المُقيمينَ بِأَرضِ الكَلْدانِيِّين Chaldea [7].
يقصد بأرض الكلدانيين حاران في شمال ما بين النهرين (تك 11: 31؛ نح 9: 7).
جاء في الترجمة السريانية وأيضًا الفولجاتا "التي عُبدت"، وكأن الضمير هنا لا يعود على "آبائهم" وإنما على "آلهة آبائهم".
وخَرَجوا عن طَريقِ آبائِهم وسَجَدوا لإِِلهِ السَّماء،
لِلإِلهِ الَّذي عَرَفوه.
فطُرِدوا مِن وَجهِ آلهتهِم،
وهَرَبوا إلى ما بَينَ النَّهرَين،
وأَقاموا هُناكَ أيَّامًا كَثيرة [8].
يقصد بالطريق هنا "العبادة"، وذلك كما ورد في، 2 مل 16: 3 عن آحاز بن يوثام ملك يهوذا "سار في طريق ملوك إسرائيل حتى أنه عبر في النار حسب أرجاس الأمم..."
إله السماء: كثيرًا ما يشار إلى الله الحقيقي بتعبير "إله السماء" (2 أي 36:23؛ عزرا 1: 2؛ 5: 11، 12؛ دا 2: 37؛ طوبيا 10: 11، 12؛ يهو 6: 19، 11: 17).
يرى البعض أن هذه الآية، جاءت اعتراضيه وسط الحديث. لم يذكر سفر التكوين 11: 31-12: 5 (راجع أيضًا نح 9: 7-8، أع 7: 2-4) أن إبراهيم وأهل بيته قد طردوا، إنما خرجوا بكامل حرية إرادتهم. غير أنه جاء في المدراش أن إبراهيم قد طُرد من أور الكلدانيين. وربما قد وجد إبراهيم مضايقات بسبب رفضه لعبادة القمر، الذي كان الكلدانيون يتعبدون له، واحتمل مضايقاتهم حتى جاءته الدعوة بالخروج فأطاع.
وأَمَرَهُم إِلهُهم أَن يَخرُجوا مِن مُقامِهِم،
ويَذْهَبوا إلى أَرضِ كَنْعان،
فسَكَنوا هُناكَ وامتَلأوا ذَهَبًا وفِضَّةً،
وكثُرَت قُطْعانُهم جِدًّا [9].
ونَزَلوا إلى مِصْر،
لأنَّ المَجاعةَ عَمَّت وَجهَ أَرضِ كَنْعان،
وأَقاموا هُناكَ فظَلُّوا على قَيدِ الحَياة،
وصاروا جُمْهورًا كبيرًا، وكانَ نَسلُهمِ لا يُحْصى [10].
فقاوَمَهم مَلِكُ مِصْر،
وخَدَعَهم بِتسْخيرِهم لِعَمَلِ اللَّبِن،
وأَذَلُّوهم واستَعبَدوهم [11].
فصَرَخوا إلى إِلهِهم،
فضَرَبَ كُلَّ أَرضِ مِصْرَ ضَرَباتٍ لا عِلاجَ لَها.
وطَرَدَهمُ المِصرُّيونَ مِن وَجهِهم [12].
فجفَّفَ اللهُ البَحرَ الأَحمَرَ أَمامَهم [13].
وقادَهم في طَريقِ سيناءَ وقادِشَ بَرْنِيع Kadesh-Barnea.
فطَرَدوا جَميعَ سُكَّانِ البَرِّيَّة [14].
قدمت لنا الترجمة الفولجاتا تفسيرًا للآيات 12-14، ترجمة القديس جيروم عن المخطوط الكلداني:
[فتح إله السماء البحر لهم عند هروبهم، فصارت المياه واقفة في ثباتٍ كحائطٍ من الجانبين، وساروا خلال عمق البحر وعبروا فيه بالأقدام بكونه جافًا. وعندما اقتفى جيش المصريين الذي لا يُعد أثرهم في ذلك الموضع ابتلعتهم المياه، ولم تترك أحدًا منهم ليروي للأجيال المتعاقبة ما حدث. وعندما خرجوا من البحر الأحمر سكنوا في جبل سيناء، الموضع الذي لم يكن ممكنًا لأي إنسان أن يقطنه أو ابن إنسان أن يستريح فيه، هناك صارت الينابيع المرة عذبة لهم ليشربوا منها، وتقبلوا طعامًا من السماء لمدة أربعين عامًا" (الترجمة الفولجاتا 5: 12-15).
وأَقاموا في أَرضِ الأَمورِيِّين
وأَبادوا جَميعَ الحَشْبونِيِّينَ Esebon بِقُوَّتِهم.
وبَعدَ أَن عَبَروا الأُردُنّ،
اِستَولَوا على كُلِّ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة [15].
يرى البعض ما جاء في الترجمات الحديثة للعبارة "جميع الحشبونيين" في الأصل "الذين في حشبون"، وقد كانت حشبون عاصمة الأموريين كما جاء في عد 21: 25-26، 34، إذ كان سيحون ملك الأموريين ساكنًا في حشبون. تقع حشبون عبر الأردن جنوب وادي حسبان في الجزء الشمالي لموآب، تبعد حوالي 50 ميلًا شرق أورشليم.
وطَرَدوا مِن وَجهِهِمِ الكَنْعانِيَينَ والفَرِزِّيَينَ Pherezite
واليَبوسِيِّينَ Jebusite وشَكيمَ Sychemite وجَميعَ الجِرْجاشِيِّين Gergesites
وأَقاموا هُناكَ أَيَّامًا كثيرة [16].
وما داموا لا يَخطَئونَ إلى إِلهِهم،
كانَتِ الخَيراتُ مَعَهم،
لأَنَّه كان معَهم إِلهٌ يُبغِضُ الإِثم [17].
جاء في الأصحاح 28 من سفر التثنية يقدم الوعد بالخيرات من كل جانب لمن يسمع صوت الرب، ويسلك حسب وصاياه.
ولَمَّا حادوا عنِ الطَّريقِ الَّذي رَسَمَه لَهم،
أُبيدوا إلى حَدٍّ بَعيدٍ في حُروب عَديدة،
وتَمَّ سبيهم إلى أَرضٍ غير أَرضِهم.
ولم يَبقَ مِن هَيكَلِ إِلهِهم إِلًا الأَساس،
وسَقَطَت مُدُنُهم في أَيدي خُصومِهِم [18].
والآن فقَد تابوا إلى إِلهِهم،
وصَعِدوا مِنَ الشَّتاتِ الَّذي تشتَّتوا فيه،
واستَعادوا أُورَشليم حَيثُ مَقدِسُهم،
وأَقاموا في النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،
فقَد كانَت غيرَ مأهولة [19].
والآن، فإن كانَت في هذا الشَّعبِ جَهالة،
وأَخطَأَوا إلى إِلهِهم
ورَأَينا أَنَّ عِندَهم سَبَبَ الضُّعْفِ هذا،
نَصعَدُ ونُحارِبُهم [20].
وإِن لم يكُنْ إِثْمٌ في أُمَّتِهم،
فلْيَعدِلْ سيِّدي،
لِئَلاَّ يُدافِعَ عَنهُم رَبّهُم وإِلهُهم،
فنَكونَ عُرضَةً لِتَعْييرِ الأَرضِ كُلِّها" [21].
فلمَّا انتَهْى أَحْيورُ مِن هذا الكَلام،
تذَمَّرَ كُلُّ الشَّعبِ المُتَحَلِّقِ حَولَ الخَيمة،
وهَمَّ بِتَمزيقِه عُظَمَاءُ أَليفانا
وجَميعُ سُكَّانِ السَّاحِلِ وموآب [22].
حسب أليفانا خطاب أحيور إهانة مرّة لأليفانا وجيشه، كما حسبه إهانة لنبوخذنصر إله الأرض كلها. فإن كانت المعركة تمس الآلهة، ففي ذهنه ليس من إله يقف أمام نبوخذنصر.
كما أثار هذا الخطاب رجال أليفانا سواء الآشوريين أو ممن خضعوا له من الأمم، وحسبوا ذلك إهانة لهم لا تغتفر، فلن يسمحوا لأنفسهم أن يهددهم شعب أو جيش أو شخص ما أو إله ما.
لم يكن يتوقع الجنود المرتزقة دفاع أحيور عن إسرائيل مما أذهلهم فأرادوا تمزيقه قطعًا قطعًا.
إذ قالوا:لأَنَّنا لا نَخافُ مِن وجوه بَني إِسْرائيل،
فهذا شَعبٌ لا قُوَّةَ لَه ولا قُدرَةَ على قِتالٍ عَنيف [23].
سنَصعَدُ إِذًا، وستَلتَهِمُهم قُوَّاتُكَ التِهامًا،
أيُّها السَّيِّدُ أَليفانا" [24].
جاءت في الترجمة الفولجاتا ما يقابل هذه العبارة، هكذا:
[لذلك فلكي يعلم أحيور أنه يخدعنا، دعنا نصعد على الجبال، وعندما يؤخذ رجالهم الأقوياء كمسجونين، ليُطعن معهم بالسيف، حتى تعرف كل أمةٍ أن نبوخذنصر هو إله الأرض، وليس آخر معه" [28-29].
جاءت الترجمة الحرفية: "سيصيرون طعامًا لجيشك".

مجلس حرب في معسكر أليفانا
الأصحاح الخامس
وأُخبِرَ أَليفانا، رَئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أَشُّور، بِأَنَّ بني إِسْرائيلَ يستَعِدُّونَ لِلحَرْب وبِأَنَّهم سَدُّوا مَسالِكَ الجَبَل وسَوَّروا كُلَّ رَأسِ جَبلٍ عالٍ ووَضَعوا الحَواجِزَ في السُّهول [1].
فغَضِبَ غَضَبًا شَديدًا واستَدْعى جَميعَ رُؤَساء مُوآب وقُوَّادِ عَمُّون وجَميعَ رُؤَساءِ السَّاحِل [2].
وقالَ لهم: "أَخبِروني، يا بَني كَنْعان، مَن هو؟ ذلك الشَّعبُ المُقيمُ في النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة، وما هي المُدُنُ الَّتي يَسكُنُها، وما هو عَدَدُ جَيشِهم، وعلى أَيِّ شيءٍ تَقومُ قُدرَتُهم وقوَّتُهم، ومَن هو المَلِكُ القائِمُ علَيهِم والقائِدُ لِقُوَّاتِهم [3].
ولماذا اسْتَهانوا بِالمَجيءِ لِمُلاقاتي على خِلافِ ما صَنَعَ سُكَّانُ المَنطِقةِ الغَربيَّة؟" [4].
فأَجابَه أَحْيور، رَئيسُ بَني عَمّونَ جَميعًا: "لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ السَّاكِنِ في تِلكَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيّة والمُقيمِ بِالقُربِ مِنكَ، ولا يَخرُجُ كَذِبٌ مِن فَم عَبدِكَ [5].
إِنَّ هذا الشَّعبَ هو مِن نِسْلِ الكَلْدانِيِّين [6].
أَقاموا أَوَّلًا فيما بَينَ النَّهْرَين، لِأَنَّهم أَبَوُا آتِّباِعَ آِلهَةِ آبائِهمِ المُقيمينَ بِأَرضِ الكَلْدانِيِّين [7].
وخَرَجوا عن طَريقِ آبائِهم وسَجَدوا لِإِلهِ السَّماء، لِلإِلهِ الَّذي عَرَفوه. فطُرِدوا مِن وَجهِ آلهتهِم وهَرَبوا إلى ما بَينَ النَّهرَين وأَقاموا هُناكَ أيَّامًا كَثيرة [8].
وأَمَرَهُم إِلهُهم أَن يَخرُجوا مِن مُقامِهِم ويَذْهَبوا إلى أَرضِ كَنْعان، فسَكَنوا هُناكَ وآمتَلأوا ذَهَبًا وفِضَّةً وكثُرَت قُطْعانُهم جِدًّا [9].
ونَزَلوا إلى مِصْر، لِأَنَّ المَجاعةَ عَمَّت وَجهَ أَرضِ كَنْعان، وأَقاموا هُناكَ فظَلُُّوا على قَيدِ الحَياة وصاروا جُمْهورًا كبيرًا وكانَ نَسلُهمِ لا يُحْصى [10].
فقاوَمَهم مَلِكُ مِصْر وخَدَعَهم بِتسْخيرِهم لِعَمَلِ اللَّبِن وأَذَلُّوهم واستَعبَدوهم [11].
فصَرَخوا إلى إِلهِهم، فضَرَبَ كُلَّ أَرضِ مِصْرَ ضَرَباتٍ لا عِلاجَ لَها. وطَرَدَهمُ المِصرُّيونَ مِن وَجهِهم [12].
فجفَّفَ اللهُ البَحرَ الأَحمَرَ أَمامَهم [13]. وقادَهم في طَريقِ سيناءَ وقادِشَ بَرْنِيع. فطَرَدوا جَميعَ سُكَّانِ البَرِّيَّة [14].
وأَقاموا في أَرضِ الأَمورِيِّين وأَبادوا جَميعَ الحَشْبونِيِّينَ بِقُوَّتِهم. وبَعدَ أَن عَبَروا الأُردُنّ، اِستَولَوا على كُلِّ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة [15].
وطَرَدوا مِن وَجهِهِمِ الكَنْعانِيَينَ والفَرِزِّيَينَ واليَبوسِيِّينَ وشَكيمَ وجَميعَ الجِرْجاشِيِّين وأَقاموا هُناكَ أَيَّامًا كثيرة [16].
وما داموا لا يَخطَأَونَ إلى إِلهِهم، كانَتِ الخَيراتُ مَعَهم، لِأَنَّه كان معَهم إِلهٌ يُبغِضُ الإِثم [17].
ولَمَّا حادوا عنِ الطَّريقِ الَّذي رَسَمَه لَهم، أُبيدوا إلى حَدٍّ بَعيدٍ في حُروب عَديدة، وتَمَّ جلاؤُهم إلى أَرضٍ غير أَرضِهم. ولم يَبقَ مِن هَيكَلِ إِلهِهم إِلًا الأَساس، وسَقَطَت مُدُنُهم في أَيدي خُصومِهِم [18].
والآن فقَد تابوا إلى إِلهِهم وصَعِدوا مِنَ الشَّتاتِ الَّذي تشتَّتوا فيه واستَعادوا أُورَشليم حَيثُ مَقدِسُهم وأَقاموا في النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة، فقَد كانَت غيرَ مأهولة [19].
والآن، فإن كانَت في هذا الشَّعبِ جَهالة وأَخطَأَوا إلى إِلهِهم ورَأَينا أَنَّ عِندَهم سَبَبَ الضُّعْفِ هذا، نَصعَدُ ونُحارِبُهم [20].
وإِن لم يكُنْ إِثْمٌ في أُمَّتِهم، فلْيَعدِلْ سيِّدي، لِئَلاَّ يُدافِعَ عَنهُم رَبّهُم وإِلهُهم، فنَكونَ عُرضَةً لِتَعْييرِ الأَرضِ كُلِّها" [21].
فلمَّا انتَهْى أَحْيورُ مِن هذا الكَلام، تذَمَّرَ كُلُّ الشَّعبِ المُتَحَلِّقِ حَولَ الخَيمة، وهَمَّ بِتَمزيقِه عُظَمَاءُ أَليفانا وجَميعُ سُكَّانِ السَّاحِلِ وموآب [22].
لأَنَّنا لا نَخافُ مِن بَني إِسْرائيل، فهذا شَعبٌ لا قُوَّةَ لَه ولا قُدرَةَ على قِتالٍ عَنيف [23].
سنَصعَدُ إِذًا، وستَلتَهِمُهم قُوَّاتُكَ التِهامًا، أيُّها السَّيِّدُ أَليفانا" [24].


تسليم أَحْيور إلى بني إسرائيل



غضب أليفانا على أحيور فسلمه لبني إسرائيل حتى متى ضرب إسرائيل يقتله معهم. "لكي أريك أن لا إله إلا نبوخذنصر... فتعلم عن خبرة أن نبوخذنصر هو رب الأرض كلها" (يهو 2:6، 4). ربطه رجال أليفانا في شجرة وتركوه وإذ حلّه بنو إسرائيل روى لهم أن أليفانا ورجاله غضبوا منه لأنه قال "إن إله السماء هو المدافع عنهم" (يهو 13:6).
1. غضب أليفانا على أحيور

ولَمَّا هَدَأَ ضَجيجُ الرِّجالِ المُتحلِّقينَ حَولَ المَجلِس،
قالَ أليفانا، رئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أَشُّور،
لأَحْيورَ أَمامَ جُمْهور الغُرَباء ولجَميعِ بَني موآب [1].
مَن أَنتَ، يا أَحْيور،
ويا مُرتَزِقَةَ أَفرائيم،
حَتَّى تنبَّأتَ لَنا كَما فَعلتَ اليَوم
ورَدَدتَنا عن مُحارَبةِ نَسْل إِسْرائيلِ،
لأَنَّ إِلهَهم يُدافِعُ عَنهُم؟
مَن هو إِلهٌ إِلاَّ نبوخذْنَصَّر؟ [2]
مرتزقة أفرايم: هكذا يهين أليفانا أحيور فيحسبه مأجورًا من اليهود.
بتهكم سخر أليفانا بأحيور، إذ حسبه يقوم بدور النبي، فيتنبأ له ألا يحارب، ولم يدرك أليفانا أن أحيور لم يقم بدور نبي، إنما يسرد حقائق تاريخية، ويسجل عمل الله مع شعبه الذي لا يقدر الزمن أن يمحوه.
لعل أليفانا كان يتطلع إلى نفسه كممثل للملك الآشوري أنه هو وحده النبي الذي يتنبأ عن نصرة الملك الأكيدة، بكونه الإله الوحيد الذي يلزم أن تتعبد له كل الأرض.
استخدم الله هذا القائد العموني للشهادة لله ولعمله مع شعبه، بالرغم من استفحال العداء بين اليهود والعمونيين (نح13: 2)، حيث يوصي نحميا اليهود بعدم قبول العموني والموآبي في جماعة الرب. وورد في 1صم11: 2 عن ناحاش العموني أنه أراد تقوير العين اليمنى لكل يهودي علامة عهد مهينة ومخزية. وفي إر40: 14 أرسل بعليش ملك عمون إسماعيل بن نثنيا ليقتل جدليا بن أخيقام.
يستخف أليفانا بالله، قائلًا: "من هو إله إلاَّ نبوخذنصر؟" في عصور الاضطهاد كان يُطلب من المسيحي أن يلقي حفنة من البخور، يتلقاها من يد كاهن الوثن، أمام تمثال القيصر وهو يقول: "كيريوس سيزاروس"، أي الرب هو قيصر. فكان المسيحيون يصرون على القول: "كيريوس خرستوس"، أي المسيح هو الرب.
قام أحيور بدور مشابه لدور بلعام الرائي الذي رفض أن يلعن شعب إسرائيل، لذا يدعو البعض أحيور "بلعام العموني".
فهو الَّذي يُرسِلُ قُوَّتَه ويُبيدُهم مِنِ وَجهِ الأرض،
ولا يُنَجِّيهِم إِلهُهم.
بل نحنُ عبيدَه نَضرِبُهم ضَربَنا لِرَجُلٍ واحد،
ولا يقاوِمونَ قُوَّةَ خيولنا [3].
في عجرفة واعتداد بالذات قال هولوفرنيس: "ولا ينجيهم إلههم". بهذا أرسل سنحاريب إلى حزقيا الملك يقول: "من من كل آلهة الأراضي أنقذ أرضهم من يدي حتى ينقذ الرب أورشليم من يدي" (2 مل 18: 35). "لا يخدعك إلهك الذي أنت متكل عليه قائلًا: لا تُدفع أورشليم إلى يد ملك أشور" (2 مل 19: 10).
فإِنَّنا نطأهم بأقدامنا،
فتَسكَرُ جِبالُهم مِن دِمائِهم
وتَمتَلِئ سُهولُهم من أَمْواتِهم.
لا تَثبُتُ أَمامَنا خطواتُ أَقدامِهم،
بل يَهلِكونَ هَلاكًا،
يَقولُ نَبوخَذنَصَّر المَلِك، رَبُّ الأَرضِ كُلِّها.
فإِنَّه قال: كلِماتُ أَقْوالِيِ لن تكونَ باطلة [4].
أَمَّا أَنتَ، يا أَحْيور، يا مُرتَزِقَ عَمُّون،
يا مَن فاهَ بِهذا الكَلام في يَومِ إثمه،
لن تَرى وَجْهي بَعدَ اليَوم،
حَتَّىَ أَنتَقِمَ مِن نَسْلِ الآتينَ مِن مِصْر [5].
بعد أن دعاه مأجور اليهود، عاد فدعاه مأجور بني عمون (أصله)، وبحسب العادات القديمة كانت الدولة التي تغلب تقتل كل الجنود المرتزقة الذين حاربوا مع العدو المنهزم؛ حتى في تبادل الأسرى لا يُسلم الجندي المرتزق بل يُقتل.
"فاه بهذا الكلام في يوم إثمه": يقصد بيوم إثمه يوم اتهامه وإدانته، وكأنه قد حكم على نفسه بفمه، فيستحق الموت.
وحينَئِذٍ سَيفُ جَيشي ورُمْحُ خُدَّامي يَختَرِقانِ جَنبَيكَ،
فتَسقُطُ بَينَ قتلاهُم متى أَعود [6].
إنقاذ السيف أو الرمح في جنبي العدو عادة قديمة كانت تُستخدم في التعذيب والقتل. وقد اقتبسها اليهود عن الوثنيين فيما بعد. فقد قُتل 24 رجلًا بهذه الطريقة حتى سمي الموضع حلقت هصوريم Hazzurim Hekath (2صم2: 16)، ومعناها "حقل حدود السيف" أو "حقل أسنان الصوان". استخدمت هذه الوسيلة في المبارزة والتمثيل بالمجرمين أيام الرومان، ولعل هذا يفسر لنا لماذا طعن الجندي الروماني السيد المسيح بالحربة في جنبه.
"فتسقط بين قتلاهُم متى أعود": حسب أليفانا أحيور كمن تنبأ، لكنه نبي كاذب، لذا في استخفاف به لم يرد أن يقتله بل يسلمه لمن تنبأ عن خلاصهم، فيرى بعينيه دمارهم، ويستلمه مع قادة جيوشهم فيقتله كواحدٍ منهم.
وسيَذهَبُ بِكَ رِجالي إلى النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،
وَيجعَلونَكَ في إِحْدى مُدُنِ المُنحَدَرات [7].
ولن تَهلِكَ قَبلَ أَن تُستَأصَلَ معَهم [8].
وبِما أَنَّكَ تَرْجو في قَلبِكَ أَلاَّ يُقبَضَ علَيهم،
فلا يَسقُطْ وَجهكَ.
تَكلَّمتُ ولَن تَسقُطَ كلِمةٌ مِن كَلماتي" [9].
2. تسليم أحيور لبني إسرائيل لكي يُقتل بعد قتلهم

وأَمَرَ أَليفانا خُدَّامه القائمينَ في خَيمَتِه بِأَن يُمسِكوا أَحْيور،
ويَذهَبوا بِه إلى بَيتَ فَلْوى،
ويُسلِموه إلى أَيدي بَني إسْرائيل [10].
فأَمسَكَه خُدَّامه، وقادوه خارِجَ المُعَسكَرِ إلى السَّهْل،
وذَهَبوا مِن وَسَطِ السَّهل نَحوَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،
ووَصَلوا إلى إلىَنابيعِ الَّتي كانَت إلى أَسفَلِ بَيتَ فَلْوى [11].
حاصر جيش الآشوريين بيت فلوي ليقطع عنهم الماء، وكان يفصل بين معسكر الآشوريين وبيت فلوي وادٍ عريض، قطعه رسل أليفانا ومعهم أحيور مقيدًا لتسليمه أسيرًا لليهود.
ولَمَّا رآهُم رِجالُ المَدينةِ الواقِعَةِ على رأسِ الجَبَل،
أَخَذوا أَسلِحَتَهم، وخَرَجوا مِنَ المَدينةِ إلى رأسِ الجَبَل،
وجَميعُ الرِّجالِ الَّذينَ مَعَهم مَقاليعُ كانوا يَرْمونَهم بالحِجارة،
لِمَنعِهم مِنَ الصُّعود [12].
فتَسَلَّلوا في أَسفَلِ الجَبَلِ،
ورَبَطوا أَحْيور وتَركوه طَريحًا عند سَفحِ الجبَل،
ورَجَعوا إلى سَيِّدِهم [13].
أضافت ترجمة الفولجاتا: "ربطوا... في شجرة بيديه ورجليه".
تقدم بعض رجال المدينة بسلاحهم ظانين أنهم طلائع جيش الآشوريين قد تقدموا للبدء في المعركة.

لكن لم تكن مهمة جنود أليفانا الاشتباك معهم. لهذا انحرفوا إلى أسفل ليقيدوا أحيور في شجرة ويتركوه هناك، إذ خشوا أن يهرب أحيور. ولعلهم ظنوا أنه قد اقترب وقت المعركة فتركوه مقيدًا حتى متى بدأت يعرفون أين يجدوه، فيقبضون عليه كأحد الأسرى.
مرة أخرى صار أحيور داخل بيت فلوي في آمان روى لهم حواره مع أليفاز، وكانت يهوديت دون شك تسمع له، لعلها تنتفع شيئًا من المعلومات أو الحوار، عندما تبدأ خطتها لقتل أليفاز؟
3. أحيور يروي لبني إسرائيل حديثه مع أليفانا

فنَزَلَ بَنو إِسْرائيلَ مِن مَدينتِهم وأَتَوه وحَلُّوه،
وقادوه إلى بَيتَ فَلْوى،
وقَدَّموه إلى رُؤَساءَ مَدينَتِهم [14].
يبدو أن أحيور أوعز أليهم بأن لديه ما يود أن يخبرهم به، فأحضروه أمام شيوخ الشعب الذين يدبرون أمر المدينة.
وكانوا في تِلكَ الأَيَّام عُزَيَّا Uzziah بنَ مِيخا Micah مِن سِبطِ شِمْعون
وكَبْري Chabris بنَ عُتْنيئيل Gothoniel
وكَرْمي Charmis بنَ مَلْكيئيل Melchiel [15].
يبدو أن عزيا كان متقدمًا على هؤلاء المسئولين وقادة الشعب. كان مسئولًا أمام يواقيم رئيس الكهنة، وهو الذي أخذ أحيور إلى بيته، وصنع له مأدبة احتفاءً به (يهو 6: 21). وعلى عزيا اجتمع الشعب محتجين لأنه لم يستسلم لأليفانا (يهو 7: 30)، وهو الذي بارك يهوديت بعد النصرة (يهو 13: 18).
كان شمعون أحد الأسباط القاطنة في أقصى جنوب اليهودية، تحت حتى برية نجب (1أي 4: 28). هذا في بداية استقرار إسرائيل في كنعان، لكن مند أيام الملك آسا سمح للشمعونيين أن يقطنوا في الشمال حوالي القرن التاسع ف.م كما جاء في 2أي 15: 9، كغرباء يعيشون وسط أفرايم ومنسَّى تعتمد دائرة المعارف اليهود على هذا في محاول وضع سفر يهوديت في فترة فارس.
فدَعَوا جَميعَ شُيوخِ المَدينة،
وأَسرَعَ جَميعُ الشُّبَّانِ والنِّساءَ إلى المَجلِس.
وأَقاموا أَحْيورَ في وَسْطِ شَعبِهِم كُلِّه،
فسَأَلَه عُزَيَّا عَمَّا جَرى [16].
فأَجابَ وأَخبَرَهم بِما قيلَ في مَجلِسِ أَليفانا،
وبِكُلِّ ما قالَه في رُؤَساءِ بَني أَشُّور،
وبِمَا فاهَ بِه أَليفانا مِن كَلامِ تَبَجُّحٍ على بَيتِ إِسْرائيل [17].
4. واستَغاثوا بإِلهِ إِسْرائيلَ

فارتَمى الشَّعبُ وسَجَدَ لله، وصَرَخَ قائلًا: [18]
"أَيُّها الرَّبّ، إِلهُ السَّماء،
اُنظُرْ إلى كِبرِيائِهم، وأرحَمْ تَذَلُّلَ نَسْلِنا،
وانظُرْ قي هذا اليَوم إلى وَجهِ المقَدَّسين لَك" [19].
عرف الشعب قانون النصرة والهزيمة، بالتواضع أمام الله ننال النصرة وبالكبرياء تحل الهزيمة: "انظر إلى كبريائهم، وارحم تذلل أنفسنا".
ومع شعور الشعب بأنهم خطاة يطلبون في تواضع أن يقبل صلوات القديسين وشفاعتهم عنهم: "وانظر في هذا اليوم إلى وجه المقدسين لك".
وشدَّدوا عَزيمةَ أَحْيور،
وأَثنَوا علَيه ثَناءً عَظيمًا [20].
صار أحيور منذ ذلك الوقت صديقًا لليهود.
كان يمكن لأحيور أن يعتذر لأليفانا ويتملق الأشوريين، لكن حتمًا شعر أليفانا ومن معه أنه كان يتكلم بشهادة لله نابعة عن أعماقه. هذا ولم نسمع عن أحيور أنه خاف لئلا يبطش به الجنود دون انتظار القبض عليه فيما بعد. لقد حملت كلماته إيمانًا وشجاعة وشهادة عملية.
قدمت الفولجاتا نصًا مطولًا لهذه الآية: [أراحوا أحيور، قائلين: "إله آبائنا، الذي أبرزت أنت قوته، سيقدم لك عودة فترى خرابهم. وعندما يعطي الرب إلهنا هذه الحرية لخدامه، فليكن الله معك أيضًا، وأنت في وسطنا، وكما يُسرك، فإنك أنت وكل (أقوالك) ستناقشه معنا" (يهو 6: 16-18).
هذه الإطالة ربما كانت تفسيرًا للقديس جيروم، ولم تكن في النص الآرامي.
وذَهَبَ بِه عُزَيَّا مِنَ المَجلِسِ إلى بَيتِه،
وأَقامَ مأدُبةً لِلشُّيوخ.
واستَغاثوا بإِلهِ إِسْرائيلَ ذلكَ اللَّيلَ كُلَّه [21].
عمل مأدبة يأكل فيها أحيور مع شيوخ الشعب في بيت عزيا لا يقف عند الإحتفاء به، والتعبير عن الشكر له عن شهادته، وتخفيف ما حلّ به من أليفانا ورجاله، وإنما تحمل قبوله على مائدة الشركة اليهودية، وهي أول إشارة لقبوله كأممي في مجمعهم.
جاء في الترجمة اللاتينية أن الشعب الذي كان صائمًا أكل بفرحٍ في هذه الوليمة، وأنهم كانوا يجتمعون معًا طول اليوم ثم يعودون في المساء إلى بيوتهم. ولعل الكل قد شعر أن ما حدث بخصوص أحيور هو استجابة الله لصلواتهم وتذللهم، فتيقنوا من حلول النصرة، وإن كانوا لم يعرفوا بعد كيف تتحقق.
تسليم أَحْيور إلى بني إسرائيل
الأصحاح السادس
ولَمَّا هَدَأَ ضَجيجُ الرِّجالِ المُتحلِّقينَ حَولَ المَجلِس، قالَ أليفانا، رئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أَشُّور، لِأَحْيورَ أَمامَ جُمْهور الغُرَباء ولجَميعِ بَني موآب [1].
مَن أَنتَ، يا أَحْيور، ويا مُرتَزِقَةَ أَفرائيم، حَتَّى تنبَّأتَ لَنا كَما فَعلتَ اليَوم ورَدَدتَنا عن مُحارَبةِ نَسْل إِسْرائيلِ، لأِنَّ إِلهَهم يُدافِعُ عَنهُم؟ مَن هو إِلهٌ إِلاَّ نبوكَدْنَصَّر؟ فهو الَّذي يُرسِلُ قُوَّتَه ويُبيدُهم مِنِ وَجهِ الأرض، ولا يُنَجِّيهِم إِلهُهم [2].
بل نحنُ عبيدَه نَضرِبُهم ضَربَنا لِرَجُلٍ واحد ولا يقاوِمونَ قُوَّةَ أَفْراسِنا [3].
فإِنَّنا نُحرِقُهم بَعضَهم بِبَعض، فتَسكَرُ جِبالُهم مِن دِمائِهم وتَمتَلِئ سُهولُهم من أَمْواتِهم. لا تَثبُتُ أَمامَنا أَخامِضُ أَقدامِهم، بل يَهلِكونَ هَلاكًا، يَقولُ نَبوخَذنَصَّر المَلِك، رَبُّ الأَرضِ كُلِّها. فإِنَّه قال، وكلِماتُ أَقْوالِهِ لن تكونَ باطلة [4].
أَمَّا أَنتَ، يا أَحْيور، يا مُرتَزِقَ عَمُّون، يا مَن فاهَ بِهذا الكَلام في يَومِ ذَنْبِه، لن تَرى وَجْهي بَعدَ اليَوم، حَتَّىَ أَنتَقِمَ مِن نَسْلِ الآتينَ مِن مِصْر [5].
وحينَئِذٍ سَيفُ جَيشي ورُمْحُ خُدَّامي يَختَرِقانِ جَنبَيكَ، فتَسقُطُ بَينَ جَرْحاهُم متى أَعود [6].
وسيَذهَبُ بِكَ رِجالي إلى النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة وَيجعَلونَكَ في إِحْدى مُدُنِ المُنحَدَرات [7].
ولن تَهلِكَ قَبلَ أَن تُستَأصَلَ معَهم [8].
وبِما أَنَّكَ تَرْجو في قَلبِكَ أَلاَّ يُقبَضَ علَيهم، فلا يَسقُطْ وَجهكَ. تَكلَّمتُ ولَن تَسقُطَ كلِمةٌ مِن كَلماتي" [9].
وأَمَرَ أَليفانا خُدَّامه القائمينَ في خَيمَتِه.بِأَن يُمسِكوا أَحْيور ويَذهَبوا بِه إلى بَيتَ فَلْوى ويُسلِموه إلى أَيدي بَني إسْرائيل [10].
فأَمسَكَه خُدَّامه وقادوه خارِجَ المُعَسكَرِ إلى السَّهْل، وذَهَبوا مِن وَسَطِ السَّهل نَحوَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة، ووَصَلوا إلى إلىَنابيعِ الَّتي كانَت إلى أَسفَلِ بَيتَ فَلْوى [11].
ولَمَّا رآهُم رِجالُ المَدينةِ الواقِعَةِ على رأسِ الجَبَل، أَخَذوا أَسلِحَتَهم وخَرَجوا مِنَ المَدينةِ إلى رأسِ الجَبَل، وجَميعُ الرِّجالِ الَّذينَ مَعَهم مَقاليعُ كانوا يَرْمونَهم بالحِجارة لِمَنعِهم مِنَ الصُّعود [12].
فتَسَلَّلوا في أَسفَلِ الجَبَلِ ورَبَطوا أَحْيور وتَركوه طَريحًا عند سَفحِ الجبَل، ورَجَعوا إلى سَيِّدِهم [13].
فنَزَلَ بَنو إِسْرائيلَ مِن مَدينتِهم وأَتَوه وحَلُّوه وقادوه إلى بَيتَ فَلْوى وقَدَّموه إلى رُؤَساءَ مَدينَتِهم [14].
وكانوا في تِلكَ الأَيَّام عُزَيَّا بنَ مِيخا مِن سِبطِ شِمْعون وكَبْري بنَ عُتْنيئيل وكَرْمي بنَ مَلْكيئيل [15].
فدَعَوا جَميعَ شُيوخِ المَدينة، وأَسرَعَ جَميعُ الشُّبَّانِ والنِّساءَ إلى المَجلِس. وأَقاموا أَحْيورَ في وَسْطِ شَعبِهِم كُلِّه، فسَأَلَه عُزَيَّا عَمَّا جَرى [16].
فأَجابَ وأَخبَرَهم بِما قيلَ في مَجلِسِ أَليفانا وبِكُلِّ ما قالَه في رُؤَساءِ بَني أَشُّور وبِمَا فاهَ بِه أَليفانا مِن كَلامِ تَبَجُّحٍ على بَيتِ إِسْرائيل [17].
فارتَمى الشَّعبُ وسَجَدَ للِه وصَرَخَ قائلًا: [18]
"أَيُّها الرَّبّ، إِلهُ السَّماء، اُنظُرْ إلى كِبرِيائِهم، وارحَمْ تَذَلُّلَ نَسْلِنا، وانظُرْ قي هذا اليَوم إلى وَجهِ المقَدَّسين لَك" [19].
وشدَّدوا عَزيمةَ أَحْيور وأَثنَوا علَيه ثَناءً عَظيمًا [20].
وذَهَبَ بِه عُزَيَّا مِنَ المَجلِسِ إلى بَيتِه وأَقامَ مأدُبةً لِلشُّيوخ. واستَغاثوا بإِلهِ إِسْرائيلَ ذلكَ اللَّيلَ كُلَّه [21].


محاصرة بيتَ فَلْوى



1. حملة على إسرائيل

أشار بنو عمون وموآب على أليفانا ألا يحاربهم بالقتال فإن بني إسرائيل رجال جبال وتلال، لكن يقيم حراسة على الينابيع حتى تجف فيستسلموا بسبب العطش.
ارتجف الشعب وثاروا على عزيا لأنه لم يستسلم لأليفانا، وها هم يموتون عطشًا. بكى عزيا وطلب منهم أن ينتظروا رحمة الله، سائلًا أن لا يستسلموا لمدة خمسة أيام، فإن لم يقدم الله لهم معونة يفعلون ما يريدون.
وفي الغَدِ أَمَرَ أَليفانا جَميعَ قُوَّاتِه
وكُلَّ شَعبه الَّذي انضِمَّ إِليه لِمُناصَرَته
بِالرَّحيلِ والزًّحْفِ على بَيتَ فَلْوى،
وباحتِلالِ مُنحَدَراتِ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،
وبِشَنِّ المَعركَةِ على بَني إِسْرائيل [1].
وفي ذلك اليَوم نَفسِه،
رَحَلَ مِنهُم كُلُّ رَجُلِ حَرْب.
وكانَ جَيشُ رِجالِ الحَرْبِ مِائةً وسبعينَ أَلفًا مِنَ المُشاة
واثَني عَشَرَ أَلفًا مِنَ الفُرْسان،
ماعَدا الأَمتِعةَ والرِّجالَ المُتَرَجِّلينَ المُنضمِّينَ إِلَيهم،
فكانوا جَمْعًا غَفيرًا جِدًّا [2].
خرج أليفانا للحملة ضد الأمم ومعه 120 ألف جنديًا و12 ألف فارسًا، ويبدو أن حوالي 50 ألفًا من المشاة انضمت إلى جيشه من جنود الأمم التي طلبت منه العفو. بينما كان عدد الجنود لبيت فلوي لا يتعدى الألف، إن اعتبرنا أن تعداد سكان بيت فلوي كله لا يتعدى عشرات الألوف. فليس من تكافؤ بين الجيشين. فقد أراد الله تأكيد أنه "لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود. من أنت أيها الجبل العظيم، أمام زربابل، تصير سهلًا" (زك 4: 7).
يقصد بالرجال المترجلين، الرجال الذين كانوا جنودًا لا للدخول في المعارك مع زملائهم، وإنما كانوا متفرغين لقيادة الحيوانات الحاملة المئونة للجيش.
فعَسكَروا في الوَادي المُجاوِرِ لِبَيتَ فَلْوى عِندَ عَينِ الماء،
وانتَشَروا في العُمْقِ مِن دوتانَ Dothaim إلى بَلْما Belmaim ،
وفي الطُّولِ مِن بَيتَ فَلْوى إلى قَليمونَ Cynamon الَّتي قُبالةَ يِزْرَعيل Esdraelon [3].
استعد المشاة والفرسان للحرب معًا ضد بني إسرائيل، وصعدوا على قمة التل الذي يطل على دوثان Dothan، من الموضوع الذي يُدعى بلما Belna إلى كيلمون Chelmon المقابلة ل Esdraelon (يحسب النص في Douay). أما النص اليوناني فأشار أنهم عسكروا في الوادي بالقرب من بيت فلوي بجوار الينبوع، وانتشروا في دوثان Dothan حتى بلبيم Balbaim، على امتداد من بيت فلوي إلى كايمون Caymon التي في مواجهة Esdraelon.
بلماBelmaim, Belbaim: مدينة تقع بالقرب من تل دوثان (دوثائين) على طريق للقوافل وبالقرب من السامرة. ربما هي المدينة المذكورة في 8: 3، وتدعى بلمون والتي كان يقع بالقرب منها الحقل الذي مات في منسى زوج يهوديت. وربما كانت هي أيضًا بيباي المذكورة في 15: 4 من بين البلاد التي أرسل إليها عزيا لمطاردة الأعداء.
يظن البعض أنها آبل بيت معكة المذكورة في 2صم20: 14، تقع في شمال فلسطين التي طارد إليها يوآب شبع بن بكري. ويرى آخرون أنها كانت مملكة صغيرة ذُكرت في سجلات تحتمس الثالث للمدن التي غزاها.
قليمون Cyamon، الاسم اليوناني للكلمة Okneam، وردت في 1 مل 4: 12؛ 1 أي 6: 68، تحت يقمعام، وهي كلمة عبرية معناها "يقيم الشعب"، وتحت اسم قرتان (يش21: 32). وقد أخذت هذا الاسم "قليمون" في العصر الهيليني، وتقع على مسافة 12 كم شمال غرب مجدو، أمام وادي يزرعيل، وبالقرب من سهل شارون في طرف مرج بن عامر على طريق عكا، ومكانها اليوم كفر كاما. وقد وردت قليمون في قائمة المدن التي استولى عليها تحتمس الثالث، حيث ترد في اللغة العبرية يقنعام، وتُسمى حاليًا تل قليمون أو التلاميذ يوكنيم بجانب عين كيمون.
أَمَّا بنو إِسْرائيل، فلَمَّا رَأَوا كَثرَتَهم
اِرتَعَدوا ارتِعادًا شَديدًا
وقالَ كُلُّ واحِدٍ لِقَريبِه:
"والآن سيَجتَزُّ هؤلاءَ وَجهَ الأَرضِ كُلِّها،
فلا الجِبالُ العالِية ولا الوِديان ولا التلال تَقِفُ أَمامَ قُوَّتِهم" [4].
ثُمَّ أَخَذَ كُلُّ واحِدٍ عُدَّتَه الحَربِيَّة،
وأَشعَلوا النِّيرانَ على أَبْراجِهم،
وظَلُّوا يَحرِسونَ طَوالَ تلكَ اللَّيلة [5].
إشعالهم النار فوق الأبراج يعني يقظتهم وسهرهم ومراقبتهم للموقف.
2. مشورة قُوَّادِ بَني عيسو وموآب والسَّاحِلِ

وفي اليَوم الثَّاني أَخرَجَ أَليفانا جَميعِ فُرسانِه في وَجهِ بَني إِسرائيلَ
الَّذينَ كانوا في بَيت فَلْوِى [6].
وفَحَصَ المُنحدَرَاتِ المُؤَدِّيةَ إلى مَدينتِهم،
وتفَقَّدَ كُلَّ عَينِ ماء واحتَلَّها،
وجَعَلَ فيها مَواقِعَ مُقاتِلين،
ورَجَعَ هو إلى جَيشِه [7].
جاء في الفولجاتا:
[الآن إذ سار هولوفرنيس وجد ينبوعًا كان يمدهم بالماء، يجري خلال قناة خارج المدينة في الجانب الجنوبي، فأمر باغلاق القناة. إلا أنه كان يوجد ينابيع ليست بعيدة عن الأسوار، كانوا يسحبون منها الماء خفية، ويشربون منها القليل، لا تكفي لإروائهم تمامًا (يهو 7: 6-7).]
فدَنا إِلَيه جَميعُ رُؤَساءِ بَني عيسو
وجَميعُ قُوَّادِ شَعبِ موآب وقُوَّادُ السَّاحِلِ وقالوا [8].
يبرز هنا رؤساء أدوم وموآب وقواد الساحل ليظهروا حقدهم على بني إسرائيل. كانوا أعداءً تقليديين لليهود استمرت لقرونٍ طويلة، يقول عنهم يوسيفوس: "إنهم يكرهوننا جدًا"
بقدر ما كان لبيت فلوي من امتيازات بسبب الجبال التي تحيط بها وتحميها، فإن نقطة الضعف هناك قلة المياه وصعوبة الحصول عليها داخل المدينة.
كثير من المدن سقطت بعد حصارها متى حُرمت من مصادر المياه، خاصة إن كانت لا تتمتع بسقوط أمطارٍ عليها. على سبيل المثال: سقطت السامرة سنة 722 ق.م. عندما حاصرها الأشوريين، وكانت تعتمد على الينابيع وماء الأنهار. ظن الآراميون قديمًا أن إله اليهود إله الجبال، وأن آلهة المياه أقوى من آلهة الجبال.
"لِيَسمَعْ سَيِّدُنا كَلِمةً،
لِئَلاَّ نَقَعَ خَسائِرُ في جَيشِكَ [9].
فإِنَّ شَعبَ بَني إِسْرائيلَ هذا لا يتَّكِلُ على رِماحِه،
بل على عُلُوِّ الجبالِ الَّتي يُقيمُ فيها.
ولَيسَ مِنَ السَّهْلِ الصُّعودُ إلى رُؤُوسِ جِبالِه [10].
والآن، يا سيِّد، فلا تُقاتِلْهم كما يُقاتَلُ في مَعرَكةٍ مُنَظَّمة،
فلا يَسقُطَ مِن جَيشِكَ ولا رَجُلٌ واحِد [11].
أِبْقِ في مُعَسكَرِكَ مُحافِظًا على جَميعِ رِجالِ جَيشِكَ،
ولْيَستَولِ رِجالُكَ على عَينِ الماء الخارِجِ مِن سَفْحِ الجَبَل [12].
هنا تدخل القادة المحليون من آدوم وموآب لينصحوا أليفاز أنه ليس من حاجة للمخاطرة بجندي واحد من جيشه بالسلوك الطبيعي في المعركة بينما يستطيع أن يخضع مقاوميه بقطع مئونة المياه عنهم.
يفهم من النص أن العين الرئيسية هي التي شُق لها مجرى إلى داخل المدينة، بينما لم تكن كمية الماء التي تدرها الينابيع الصغيرة بكافية لتوصلها إلى داخل المدينة. وكان الماء في المجرى يجري ليجتمع في جب بئر عميق يقوم السكان برفعه عن طريق الشادوف أو السواقي. وكانو يخزنون الماء في أحواضٍ معدة لذلك.
فمِن هُناكَ يَستَقي جَميعُ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى.
والعَطَشُ يُهلِكُهم فيُسلِمون مَدينَتَهم.
ونَحنُ وجَيشُنا نَصعَدُ إلى رُؤُوسِ الجِبالِ القَريبة
ونُعَسكِرُ فيها كما في مَوقِعٍ أَماميّ،
لِئَلاَّ يَخرُجَ أَيُّ رَجُلٍ مِنَ المَدينة [13].
طلب قادة الجيوش الخاضعة لأليفانا أن يصعدوا هم إلى رؤوس الجبال القريبة ويعسكروا ليقتنصوا كل من يخرج من المدينة لطلب الماء. وقد كانت عادة الملوك القدماء استخدام جنود الحلفاء أو الخاضعين لهم من أممٍ أخرى ضد العدو، خاصة إن وجدت عداوة بينهم. وذلك كما استخدم بيلاطس بنطس فرقًا من الجنود السامريين في إخماد ثورات اليهود. من هنا فقد استعان أليفانا بجنود العمونيين وهم كثيرون (يهو 7: 17-18) لحراسة عيون الماء، واشترك معهم الأدوميون، واحتلوا المنطقة جميعها فيما يشبه الحصار الكامل.
فيَذوبونَ جوعًا هُم ونِساؤُهم وأَولادُهم،
وقَيلَ أَن يُدرِكَهُمُ السَّيفُ يُصرَعونَ في شَوارعِ مدينَتِهم [14].
فتُكافِئُهم شَرَّ مُكافأَةٍ على تمردهم،
وعلى عَدَمِ الذَّهابِ لِمُلاقاةِ وَجهِكَ في سَلام" [15].
3. احتلال عُيونَ ماءِ بَني إِسْرائيلَ وينابيعَهم

فحَسُنَ كلامُهم عِندَ أَليفانا
وعِندَ جَميعِ ضُبَّاطِه،
وأَمَرَ بِالعَمَلِ بحَسَبِ قَولهم [16].
إدراك القائد أنه يصعب اقتحام المدينة بسبب العوامل الجغرافية. فعوض المغامرة باقتحام المدينة التجأ إلى محاصرتها وقطع موارد الماء عنها، وذلك لتحقيق الأهداف التالية:
أولًا: تعرض الشعب للجوع والعطش مما يدفعهم إلى الضغط على قادتهم بتسليم المدينة.
ثانيًا:خلال الحصاروحرمان الشعب من الماء يسقطون في التذمر، فيفقدوا العون الإلهي.
ثالثًا: يجد الشعب ضرورة استهلاك نصيب الله من العشور والبكور بسبب المجاعة فيحل عليهم غضب الله.
وقد حدث فعلًا أن نفذ الماء عن المدينة، وحلت المجاعة، وبعد خمسة أسابيع تذمر الشعب على القادة، قائلين بأنه كان أفضل لهم أن يستسلموا للعدو ويعيشوا عبيدًا عن أن يموتوا جوعًا.
فتَحَرَّكَ جَيشٌ مِن بَني عَمُّوَن
ومَعَهم خَمْسَةُ آلافٍ مِن بَني أَشُّور،
وعَسكَروا في الوَادي،
واحتَلُّوا عُيونَ ماءِ بَني إِسْرائيلَ وينابيعَهم [17].
يرى البعض أن خمسة آلاف جندي هو عدد كبير بالنسبة لمهمة بسيطة مثل هذه، لكن هذا العدد ليس بكثيرٍ بالنسبة لتعداد الآشوريين مع حلفائهم. وقد ورد في الترجمة اللاتينية أن أليفانا وضع على كل عين فرقة من مائة جندي.
إذ حُسن في عيني أليفاز ورجاله مشورة قادة أدوم وموآب، أصدر أمره بالتنفيذ. فتحرك من جيش العمونيين ومعهم 5000 جنديًا من الآشوريين، وعسكروا في الوادي، ووضعوا أياديهم على مصدر المياه وينابيع الإسرائيليين، ثم صعد الأدوميون والعمونيون وعسكروا على المرتفعات التي في مقابل دوثان، وأرسلوا بعض رجالهم نحو الجنوب والشرق تجاه أغريبا Egrebeh بجوار Chusi بالقرب من وادي مخمور Wadi Mochmur. أما بقية الآشوريون فبقوا في السهل، وغطوا وجه الأرض.
وصَعِدَ بَنو عِيسو وبَنو عَمُّون،
وعَسكَروا في النَّاحيةِ الجَبَلِيَّة قُبالةَ دوتائين
وأَرسَلوا أُناسًا مِنهُم نَحوَ الجَنوبِ والشَّرقِ
قُبالةَ أَغرَبيلَ Ekrebel الَّتي بِالقُربِ مِن خُوس Chusi عِندَ وادي مُخْمور Mochmur.
وعَسكَرَت بَقِيَّةُ قُوَّاتِ الأَشّوريينَ في السَّهْل،
فغَطَّت وَجهَ الأَرضِ كلَّه،
وعَسكَرَت خِياَمُهم وأَمتِعَتُهم في كُتلَةٍ ضَخْمة،
فقد كانوا جَمعًا غفيرًا جِدًّا [18].
أغربيل Ekrebel, Egrebel,Aqrabeh: موقع في جنوب شرقي دوثان بجوار خوس يصل بينهما جدول مخمور وقد رفض أهلها وهم عمونيون وموآبيون أن يمدوا بني إسرائيل بالخبز والماء عند عبورهما من هناك، وتحالفت فيما بعد مع أشور ضد إسرائيل، وربما كانت هي Akrabeh الواقعة على بعد 40 كم شمال أورشليم.
خوس Chusi أو Chous: تقع غرب اغربيل، وبالقرب من شكيم، جنوب نابلس الحديثة. يرى بعض الدارسين أنها قرية Quezh الحالية، تبعد حوالي ستة أميال من نابلس Nablus.
مخمور Mochmur: يرى البعض أنه وادٍ يقع جنوب شرقي دوثان، وربما هو وادي مخفولية Makhfrlyeh جنوب نابلس، تدعى باللاتينية Machur. يرىAvi-yanoh وأهارون Aharon أنه وادي كانا Wadi Qana، يبعد حوالي 15 ميلًا من أغربيل.
4. صَراَخ بَني إِسْرائيل إلى الرَّبِّ إلهِهم

وخارَت عَزيمَةُ بَني إِسْرائيل،
فصَرَخوا إلى الرَّبِّ إلهِهم،
لأنَّ جَميعَ أَعْدائِهم طَوَّقوهم،
ولم يكُن هُناكَ سَبيلٌ إلى الإفْلاتِ مِن وَسْطِهم [19].
يمكننا أن ندرك مدى تأثير الحصار على مدينة تُحرم من الطعام والشراب مما حدث أثناء حصار أورشليم عام 70م، فقد روى يوسيفوس أن إحدى النساء ذبحت طفلها وأكلته. فلا نعجب من قول الكاتب "خارت عزيمة بني إسرائيل"، فقد لاح الموت لسكان بني فلوي، وبدأ اليأس يتطرق إلى قلوبهم، خاصةً وهم يرون أطفالهم كادوا أن يموتوا بسبب العطش. لقد خارت عزيمتهم بسبب الضعف البشري.
وظَلَّ حَولَهم كُلُّ مُعَسكَرِ أَشُّور،
مِنِ مُشاةٍ ومَركَباتٍ وفُرْسان،
مُدَّةَ أَربَعةٍ وثَلاثين يَومًا.
فنَفِدَت لدى جَميعِ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى آنِيَةُ الماءَ جَميعُها [20].
وجَفَّتِ الآبار ولم يكُنْ عِندَهم مِنَ الماءِ ما يُرْويهِم يَومًا واحِدًا،
لأنَّ ماءَ الشّرْبِ كانَ يُقَنَّنُ علَيهم [21].
لا تزال توجد جباب على قمة جبل تابور حتى الآن.
وكانَ أَطفالُهم خائِرِي القِوى،
وكانَ النِّساءُ والشُّبَّانُ مَنْهوكينَ مِنَ العَطَش،
وكانوا يَسقُطونَ في شَوارِعِ المَدينة وفي مَمَرَّاتِ الأَبْواب،
فلم تَعُدْ فيهِم أَيَّةُ قوة [22].
5. يأس الشعب

فاجتَمَعَ كُلُّ الشَّعبِ، مِن شُبَّان ونِساءٍ وأَولاد،
على عُزَيَّا وعلى رُؤَساءَ المَدينة،
وصَرَخوا بِصَوتٍ عَظيمٍ، فقالوا أَمامَ جَميعِ الشُّيوخ [23].
"لِيَحكُمِ اللهُ بَينَكم وبَينَنا،
فقد أَلْحَقْتُم بِنا ضَرَرًا جَسيمًا،
إِذ لِم تُكَلِّموا بَني أَشُّورَ كَلامَ سَلام [24].
طلبوا تسليم المدينة لأليفانا، إذ كانوا يعلمون أن العمل كعبيدٍ للآشوريين أفضل بكثيرٍ من مصيرهم إن اقتحم أليفانا المدينة واستولى عليها. فقد كان من عادة الغزاة التنكيل بسكان المدن المقاومة متى هزموها والانتقام منهم. فلا يكتفون بقتلهم إنما يذيقونهم العذاب. على سبيل المثال عندما غزا لاسكندر الأكبر صور وغزة صلب منهم آلافًا على طول الطريق هناك، كما قام بتعذيب قائد غزة الفارسي عذابًا مروعًا.
صار عزيا في موقف شبيه بما حدث مع موسى النبي حين تذمر الشعب عليه بسبب العطش (عد 20: 2-13).
والآن، فإِنَّه لَيسَ لَنا مِن معين،
بل باعَنا اللهُ إلى أَيديهِم لِنُصرَعَ أَمامَهم في عَطَشٍ وهَلاكٍ عَظيمَين [25].
ورد هذا التعبير في إستير 4:7، وهو يفهم بالمعنى الوارد في إشعياء 50: 1؛ 52: 3، حيث يؤكد الله أن إسرائيل لم يُبع بمالٍ، بل بالحري جاء تعبير "بيع" هنا مجازًا ليعبر عن دخولهم في العبودية أو سقوطهم في الأسر. وكما جاء في سفر اللاويين: "وإذا افتقر أخوك عندك وبيع لك فلا تستعبده استعباد عبدٍ" (لا 25: 39). ويقول الرسول بولس: "وأما أنا فجسدي، مبيع تحت الخطية" (رو7: 14).
والآن فادْعوهم،
وأَسلِموا المَدينةَ كُلَّها لِلنَّهْبِ إلى شَعبِ أَليفانا وكُلِّ جَيشِه [26].
فخَيرٌ لَنا أَن نَكونَ غنيمَتَهم،
لأَنَّنا نَصيرُ عَبيدًا وتَحْيا نُفوسُنا،
ولا نَرى بِأَعيُننا أَطْفالَنا يَموتون،
ونِساءَنا وأَولادَنا يَلفِظونَ أَرْواحَهم [27].
نَستَحلِفُكم بِالسَّماءِ والأَرضِ وبإِلهِنا ورَبِّ آبائِنا،
الَّذي يُعاقِبُنا بِسَبَبِ خطايانا وخطايا آبائِنا،
أَن تَعمَلوا بِهذا الكَلامِ في هذا اليَوم نَفسِه" [28].
كانت العقيدة الراسخة لدى اليهود بين الضيقات التي تحل بهم، سواء على مستوى الأشخاص أو الجماعة، علتها الخطية، خطية الشخص وخطايا آبائه. وكما جاء في (سفر الخروج 20: 5 ومراثي 5: 7) أن الله يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء.
وارتَفَعَ في وَسْطِ الجَماعَةِ كُلِّها نَحيبٌ شَديدٌ كنَحيبِ رَجُلٍ واحِد،
وصَرَخوا إلى الرَّبِّ الإِلهِ بِصوتٍ عَظيم [29].
6. عزيا يطالبهم بأن يعطوا الرب مهلة خمسة أيام

فقالَ لَهم عُزَيَّا: "تَشَجَّعوا، يا إِخوَتي،
لِنَصمُدْ خَمسةَ أَيَّامٍ أَيضًا يُحَوِّلُ فيها الرَّبُّ إِلهُنا رَحمَتَه إِلَينا،
فإِنَّه لن يَترُكَنا حتَّى النَهاية [30].
أخطأ عزيا حيث حدد زمنًا معينًا (خمسة أيام) لعمل الله، وإلاَّ يستسلم للأعداء، وقد وبخته يهوديت على هذا القول، لأن فيه عدم إيمان وعدم تسليم حقيقي لله أن يعمل كيفما يشاء وفي الوقت اللائق. غير أننا لا نتجاهل الجانب الإيماني وثقة عزيا الحتمية، إذ يقول: "فإنه لن يتركنا حتى النهاية"
لماذا حدد الموعد بخمسة أيام؟
‌أ. ربما لم تكن في نية عزيا تسليم المدينة نهائيًا، وإنما قال هذا لتهدئة مشاعر الشعب المضطربة. وقد حدد الزمن ربما لأن المئونة والماء الذين بالمدينة لم يكونا يكفيان إلاَّ لمدة خمسة أيام.
‌ب. لعله تحدث معهم في يوم الاثنين، فأقنعهم بالانتظار حتى ينتهي يوم السبت بكونه يوم الراحة الذي تقدم فيه ذبائح وتقدمات وعبادة بصورة خاصة.
وإِن مَضَت تِلكَ الأَيَّامُ ولم تأتِنا الإِغاثة، عَمِلتُ بِقَولِكم" [31].
وفَرَّقَ الشَّعبَ كُلَّ واحِدٍ إلى مَركَزِه،
فانصَرَفوا إلى أَسْوارِ مَدينَتِهم وأَبراجِها،
وأَرسَلوا النِّساءَ والأَولادَ إلى بُيوتهم.
وكانوا بالمَدينةِ في انهِيارٍ شديد [32].
2. حصار بيتَ فَلْوى
حملة على إسرائيل
نص الأصحاح السابع
وفي الغَدِ أَمَرَ أَليفانا جَميعَ قُوَّاتِه وكُلَّ شَعبه الَّذي انضِمَّ إِليه لِمُناصَرَته بِالرَّحيلِ والزًّحْفِ على بَيتَ فَلْوى وباحتِلالِ مُنحَدَراتِ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة وبِشَنِّ المَعركَةِ على بَني إِسْرائيل [1].
وفي ذلك اليَوم نَفسِه، رَحَلَ مِنهُم كُلُّ رَجُلِ حَرْب. وكانَ جَيشُ رِجالِ الحَرْبِ مِائةً وعِشْرينَ أَلفًا مِنَ المُشاة وآثَني عَشَرَ أَلفًا مِنَ الفُرْسان، ما عَدا الأَمتِعةَ والرِّجالَ المُتَرَجِّلينَ المُنضمِّينَ إِلَيهم، فكانوا جَمْعًا غَفيرًا جِدًّا [2].
فعَسكَروا في الوَهدَةِ المُجاوِرةِ لِبَيتَ فَلْوى عِندَ عَينِ الماء، وانتَشَروا في العُمْقِ مِن دوتانَ إلى بَلْما، وفي الطُّولِ مِن بَيتَ فَلْوى إلى قَليمونَ الَّتي قُبالةَ يِزْرَعيل [3].
أَمَّا بنو إِسْرائيل، فلَمَّا رَأَوا كَثرَتَهم اِرتَعَدوا آرتِعادًا شَديدًا وقالَ كُلُّ واحِدٍ لِقَريبِه: "والآن سيَجتَزُّ هؤلاءَ وَجهَ الأَرضِ كُلِّها، فلا الجِبالُ العالِية ولا الوِهادُ ولا الرَّوابي تَقِفُ أَمامَ قُوَّتِهم" [4].
ثُمَّ أَخَذَ كُلُّ واحِدٍ عُدَّتَه الحَربِيَّة وأَشعَلوا النِّيرانَ على أَبْراجِهم وظَلُّوا يَحرِسونَ طَوالَ تلكَ اللَّيلة [5].
وفي اليَوم الثَّاني أَخرَجَ أَليفانا جَميعِ فُرسانِه في وَجهِ بَني إِسرائيلَ الَّذينَ كانوا في بَيت فَلْوِى [6].
وفَحَصَ المُنحدَرَاتِ المُؤَدِّيةَ إلى مَدينتِهم وتفَقَّدَ كُلَّ عَينِ ماء واحتَلَّها وجَعَلَ فيها مَواقِعَ مُقاتِلين ورَجَعَ هو إلى جَيشِه [7].
فدَنا إِلَيه جَميعُ رُؤَساءِ بَني عيسو وجَميعُ قُوَّادِ شَعبِ موآب وقُوَّادُ السَّاحِلِ وقالوا [8].
"لِيَسمَعْ سَيِّدُنا كَلِمةً، لِئَلاَّ نَقَعَ خَسائِرُ في جَيشِكَ [9].
فإِنَّ شَعبَ بَني إِسْرائيلَ هذا لا يتَّكِلُ على رِماحِه، بل على عُلُوِّ الجبالِ الَّتي يُقيمُ فيها. ولَيسَ مِنَ السَّهْلِ الصُّعودُ إلى رُؤُوسِ جِبالِه [10].
والآن، يا سيِّد، فلا تُقاتِلْهم كما يُقاتَلُ في مَعرَكةٍ مُنَظَّمة، فلا يَسقُطَ مِن جَيشِكَ ولا رَجُلٌ واحِد [11].
إِبْقِ في مُعَسكَرِكَ مُحافِظًا على جَميعِ رِجالِ جَيشِكَ، ولْيَستَولِ رِجالُكَ على عَينِ الماء الخارِجِ مِن سَفْحِ الجَبَل [12].
فمِن هُناكَ يَستَقي جَميعُ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى. والعَطَشُ يُهلِكُهم فيُسلِمون مَدينَتَهم. ونَحنُ وجَيشُنا نَصعَدُ إلى رُؤُوسِ الجِبالِ القَريبة ونُعَسكِرُ فيها كما في مَوقِعٍ أَماميّ، لِئَلاَّ يَخرُجَ أَيُّ رَجُلٍ مِنَ المَدينة [13].
فيَذوبونَ جوعًا هُم ونِساؤُهم وأَولادُهم، وقَيلَ أَن يُدرِكَهُمُ السَّيفُ يُصرَعونَ في شَوارعِ مدينَتِهم [14].
فتُكافِئُهم شَرَّ مُكافأَةٍ على عِصْيانِهم وعلى عَدَمِ الذَّهابِ لِمُلاقاةِ وَجهِكَ في سَلام" [15].
فحَسُنَ كلامُهم عِندَ أَليفانا وعِندَ جَميعِ ضُبَّاطِه، وأَمَرَ بِالعَمَلِ بحَسَبِ قَولهم [16].
فتَحَرَّكَ جَيشٌ مِن بَني عَمُّوَن ومَعَهم خَمْسَةُ آلافٍ مِن بَني أَشُّور وعَسكَروا في الوَهدَة واحتَلُّوا عُيونَ ماءِ بَني إِسْرائيلَ وينابيعَهم [17].
وصَعِدَ بَنو عِيسو وبَنو عَمُّون وعَسكَروا في النَّاحيةِ الجَبَلِيَّة قُبالةَ دوتائين وأَرسَلوا أُناسًا مِنهُم نَحوَ الجَنوبِ والشَّرقِ قُبالةَ أَغرَبيلَ الَّتي بِالقُربِ مِن خُوس عِندَ سَيلِ مُخْمور. وعَسكَرَت بَقِيَّةُ قُوَّاتِ الأَشّوريينَ في السَّهْل فغَطَّت وَجهَ الأَرضِ كلَّه، وعَسكَرَت خِياَمُهم وأَمتِعَتُهم في كُتلَةٍ ضَخْمة، فقد كانوا جَمعًا غفيرًا جِدًّا [18].
وخارَت عَزيمَةُ بَني إِسْرائيل فصَرَخوا إلى الرَّبِّ إلهِهم، لِأَنَّ جَميعَ أَعْدائِهم طَوَّقوهم، ولم يكُن هُناكَ سَبيلٌ إلى الإفْلاتِ مِن وَسْطِهم [19].
وظَلَّ حَولَهم كُلُّ مُعَسكَرِ أَشُّور، مِنِ مُشاةٍ ومَركَباتٍ وفُرْسان، مُدَّةَ أَربَعةٍ وثَلاثين يَومًا. فنَفِدَت لدى جَميعِ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى آنِيَةُ الماءَ جَميعُها [20].
وجَفَّتِ الآبار ولم يكُنْ عِندَهم مِنَ الماءِ ما يُرْويهِم يَومًا واحِدًا، لِأَنَّ ماءَ الشّرْبِ كانَ يُقَنَّنُ علَيهم [21].
وكانَ أَطفالُهم خائِرِي القِوى، وكانَ النِّساءُ والشُّبَّانُ مَنْهوكينَ مِنَ العَطَش وكانوا يَسقُطونَ في شَوارِعِ المَدينة وفي مَمَرَّاتِ الأَبْواب، فم تَعُدْ فيهِم أَيَّةُ عَزيمة [22].
فاجتَمَعَ كُلُّ الشَّعبِ، مِن شُبَّان ونِساءٍ وأَولاد، على عُزَيَّا وعلى رُؤَساءَ المَدينة وصَرَخوا بِصَوتٍ عَظيمٍ فقالوا أَمامَ جَميعِ الشُّيوخ [23].
"لِيَحكُمِ اللهُ بَينَكم وبَينَنا، فقد أَلْحَقْتُم بِنا ضَرَرًا جَسيمًا، إِذ لِم تُكَلِّموا بَني أَشُّورَ كَلامَ سَلام [24].
والآن، فإِنَّه لَيسَ لَنا مِن نَصير، بل باعَنا اللهُ إلى أَيديهِم لِنُصرَعَ أَمامَهم في عَطَشٍ وهَلاكٍ عَظيمَين [25].
والآن فادْعوهم وأَسلِموا المَدينةَ كُلَّها لِلنَّهْبِ إلى شَعبِ أَليفانا وكُلِّ جَيشِه [26].
فخَيرٌ لَنا أَن نَكونَ غنيمَتَهم، لأَنَّنا نَصيرُ عَبيدًا وتَحْيا نُفوسُنا ولا نَرى بِأَعيُننا أَطْفالَنا يَموتون ونِساءَنا وأَولادَنا يَلفِظونَ أَرْواحَهم [27].
نَستَحلِفُكم بِالسَّماءِ والأَرضِ وبإِلهِنا ورَبِّ آبائِنا، الَّذي يُعاقِبُنا بِسَبَبِ خطايانا وخطايا آبائِنا، أَن تَعمَلوا بِهذا الكَلامِ في هذا اليَوم نَفسِه" [28].
وارتَفَعَ في وَسْطِ الجَماعَةِ كُلِّها نَحيبٌ شَديدٌ كنَحيبِ رَجُلٍ واحِد وصَرَخوا إلى الرَّبِّ الإِلهِ بِصوتٍ عَظيم [29].
فقالَ لَهم عُزَيَّا: "تَشَجَّعوا، يا إِخوَتي، لِنَصمُدْ خَمسةَ أَيَّامٍ أَيضًا يُحَوِّلُ فيها الرَّبُّ إِلهُنا رَحمَتَه إِلَينا، فإِنَّه لن يَترُكَنا حتَّى النَهاية [30].
وإِن مَضَت تِلكَ الأَيَّامُ ولم تأتِنا الإِغاثة، عَمِلتُ بِقَولِكم" [31].
وفَرَّقَ الشَّعبَ كُلَّ واحِدٍ إلى مَركَزِه، فانصَرَفوا إلى أَسْوارِ مَدينَتِهم وأَبراجِها، وأَرسَلوا النِّساءَ والأَولادَ إلى بُيوتهم. وكانوا بالمَدينةِ في انهِيارٍ شديد [32].


الله واهب النصرة

يهوديت 8-16
غيرة يهوديت على شعب الله

اتسمت يهوديت بالتقوى:

ا. كرّست غرفة سرية في أعلى البيت تقيم فيها مع جواريها، فقد آمنت بالحياة السرية مع الله.
ب. كانت ترتدي المسوح على حقويها.
ج. كانت تصوم كل أيام حياتها ما عدا أيام الأعياد الأسبوعية والشهرية والسنوية.
د. نالت شهرة عظيمة لا من أجل جمالها الباهر وإنما من أجل تقواها.
ه. بالإيمان الحيّ رفضت تحديد زمان لعمل الله، وطالبت أن يقدموا توبة بروح التواضع.
و. دبّرت خطة لمقابلة أليفانا دون أن تخبر أحدًا، إنما طلبت مساعدتهم: "لا تصنعوا شيئًا غير الصلاة عني إلى الرب إلهنا" (يهو 33:8).

1. تعريف يهوديت

وفي تِلكَ الأَيَّام بَلَغ الخبَرُ يَهوديت،
بِنتَ مَرارِيَ Merari بنِ أَخْسَ Ox بن يوسفَ Joseph بنِ عُزِّيئيلَ Ozel بنِ حِلْقِيَّا Elcia بنِ حَنَنْيا Ananiah بن جِدعَونَ Gedeon بنِ رافائيمَ Raphaim بنِ أَحيطوبَ Acitho بنِ إِيليَّا Eliu بنِ حِلْقِيَّا بنِ أَليآبَ Eliab بنِ نَتَنائيلَ Nathanael بنِ شَلوميئيلِ Samael بنِ صورِشَدَّايَ Salasadal بنِ إِسْرائيل [1].
يقدم لنا السفر أنساب يهوديت إلى الجيل السادس عشر حيث يبلغ إلى رئيسين مشهورين من سبط شمعون معاصرين لموسى النبي، وقد قام بتعينهما، وهما سالاميل وساراسداي (عد 2: 12). هكذا ترجع يهوديت إلى أصل نبيل.
ذكر التفاصيل الخاصة بنسب يهوديت يؤكد أنها ليس قصة خيالية أو رمزية بل واقع تاريخي لشخصية حقيقية. وكما جاء في دائرة المعارف الكاثوليكية أن ذكر تفاصيل موت رجلها منسَّى (يهو 8: 2-4) يجعل من الصعب أن تُحسب قصتها كفن قصصي، إنما يؤكد أن يهوديت هي بطلة تاريخية حقيقية.
أورد الكاتب سلسلة نسب يهوديت لستة عشر جيلًا، فهي يهودية تحرص على التعرف على الأنساب. وقد كان اليهود يلقنون اطفالهم سلسلة نسبه، فما أن تسأل الطفل اليهودي حتى يسرد قائمة طويلة عن آبائه وأجداده؛ وهذه علامة اعتزازه بانتسابه الأصيل للأمة اليهودية كشعب الله.
يرى دميان ماكي أن يهوديت تمت بصلة قرابة لعزيا، بل ويراها أنه أخته الصغيرة من جهة الأب دون الأم. وقد كانت صغيرة حتى أن بوغا أو ربساريس الأشوري في حديثه عنها في المعسكر الأشوري قال "هذه الفتاة الجميلة this pretty girl" (يهو 12: 13).
وكان مَنَسَّى Manasseh زَوجُها مِن سِبْطِها وعَشيرتها،
وقد ماتَ في أَيَّامِ حِصادِ الشَّعير [2].
كان زوجها منسى غنيًا جدًا كما يظهر من الثروة التي تركها لها (يهو 8: 7). مع غناه كان يدير موضوع حصاد الشعير وسط العمال، فأصابته ضربة شمس. كثيرًا ما يحدث هذا في منطقة الشرق الأوسط في الصيف أثناء الظهيرة.
فإِنَّه كانَ يُراقِبُ رابِطي الحُزَمِ في السَّهْل،
فَوقَعَ الحَرُّ الحارِقُ على رأسِه فلازمَ الفِراشَ وماتَ في بَيتَ فَلْوى مَدينتِه.
فدَفَنوه مع آبائِه في الحَقْلِ الَّذي بَينَ دوتائينَ Dothaim وبَلَمون Balamo [3].
وكانت يَهوديتُ مُتَرمِّلةً في بَيتِها مُنذُ ثَلاثِ سَنواتٍ وأَربَعةِ أَشهُر [4].
كثيرًا ما ترتبط الأرامل بالأيتام والمساكين والغرباء والضيوف بكونهن يحتجن إلى اهتمام المؤمنين ورعايتهم، ويحسب الله كل خدمة تُقدم لهن كأنها مقدمة له شخصيًا. لكن بعض الأرامل استطعن أن يكرسن طاقاتهن للعبادة والعمل لحساب المجتمع، فانتقلن من فئة تحتاج إلى فئة مكرسة للرب تقوم بعمل قيادي. من بين هؤلاء الأرامل حنة النبية (لو2: 36-37).
وكانَت قد هَيَّأَت لِنَفسِها عُلِّيَّةً على سَطحِ بَيتها،
وكانَت تَضَعُ مِسْحًا على وَسْطِها،
وتَرتَدي ثِيابَ تَرَمُّلِها [5].
اعتاد اليهود أن يخصصوا العلية للصلاة مثل سارة ابنة راكويل Raquel (طو3: 17)، ودانيال (دا6: 10)، وبطرس الرسول (أع10: 9).
لم يذكر ليهوديت أن لها ابن أو ابنة، وكان من حقها الزواج من شقيق رجلها أو من الوَّلي لتقيم له نسلًا، لكنها أرادت أن تعيش حياة البتولية، فانقطعت للعبادة في علية بيتها، ترتدي ثياب الترمل التي تخلو من كل زينة، ثياب سوداء أو غامقة.
* واضح أن كل ما فيه احتشام يكون دائمًا نافعًا. فالقديسة يهوديت بالاحتشام لم تبال بسلامها، ووضعت نهاية لمخاطر الحصار، وبفضيلتها كسبت ما هو نافع للكل بصفةٍ عامةٍ.
القديس أمبروسيوس
وكانَت تَصومُ جَميعَ أَيَّامِ تَرَمُّلِها،
ما خَلا السُّبوتَ وعَشِيَّتَها ورُؤُوسَ الشهورِ وعَشِيَّتَها
وأَعيادَ بَيتِ إِسْرائيلَ وأَفْراحَهم [6].
"ما عدا عشيات السبوت": لا توجد أية وصية بخصوص عدم الصوم في عشيات الأعياد، لكن يبدو أن هذا كان سائدًا باعتبار أن اليوم يبدأ من عشيته.
لم يكن الترمل يُلزم المرأة اليهودية بالصوم، أما يهوديت التي تطلب حياة الشركة مع الله فقضت كل أيام ترملها صائمة فيما عدا أيام الأعياد الاسبوعية (السبوت) والشهرية (رؤوس الشهور) والسنوية.
* إذ صام أهل نينوى ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ هربوا من تنفيذ الغضب عليهم، وبالصوم هرب وإستير ومردخاي ويهوديت من الشريرين المُسلَّحين أليفانا وهامان.
قوانين الرسل
* لا تكن الأرامل متجولات ولا مغرمات بالأطاييب، ولا متسكعات من بيت إلى بيت؛ لكن ليتهن يكن مثل يهوديت التي كانت تهتم أن تكون جادة، ومثل حِنة مكرمة من أجل تعقلها. لست أصدر أمرًا كرسولٍ، لأنه من أنا؟ وما هو بيت أبي؟ حتى أحسب نفسي مساويًا للرسل؟ لكنني كجندي صالح أخذ موقف من ينصحكنّ.
القديس أغناطيوس الأنطاكي
وكانَت جَميلةَ الطَّلعَةِ ظَريفَةَ الهَيئَةِ جِدًّا،
وقد تَرَكَ لَها مَنَسَّى زَوجُها ذَهَبًا وفِضَّةً وخُدَّاما وجَواريَ وقُطْعانًا وحُقولًا،
وكانَت تُقيمُ في أَمْلاكِها [7].
لم تستطع هذه الثروة أن تدفع قلبها إلى التشامخ، بل تحلت بكثير من الفضائل في تواضع حقيقي، مع اتكال على عمل الله الفائق، فصارت موضع سرور الله، وتقدير أهالي المدينة كلها. كانت تحمل بركة الرب وتمجد الله بحياتها كما بلسانها.
ولم يكُنْ هُناكَ أَحَدٌ يَقولُ علَيها كلِمةَ سُوء،
لأَنَّها كانت تتَّقي اللهَ كَثيرًا [8].
* كما أن يهوديت المشهورة جدًا بحكمتها وذات سمعة طيبة من أجل ضبط نفسها، "صلَّت إلى الله نهارًا وليلًا لأجل إسرائيل" هكذا أيضًا الأرملة التي تود أن تكون مثلها تقدم شفاعة عن كنيسة الله بلا انقطاع. فسيسمع الله لها، لأن فكرها ثابت على هذا الأمر وحده، ولا يميل نحو النهم أو الطمع أو طلب الأشياء الثمينة. عيناها طاهرتان، وسمعها نقي، ويداها غير دنستين، وقدماها هادئتان، وفمها ليس معدًا للنهم وللكلمات التافهة، إنما تنطق بما هو لائق، وتشترك في الأمور الخاصة بحفظها وحده. وإذ هي جادة ولا تسبب قلقًا يُسر بها الله، فحالما تسأل شيئًا تنال طلبتها كقوله: "تتكلم (تستغيث) فأقول: هأنذا" (إش 58: 9). لتكن مثل هذه متحررة من محبة المال، ومن التشامخ، لا تطلب الربح القبيح، ولا نهمه بل عفيفة. ووديعة ولا تسبب اضطرابًا لأحدٍ، تقية، محتشمة، جالسة في بيتها، مسبحة، مصلية، تقرأ (الكتاب المقدس)، ساهرة، صائمة، تتحدث مع الله باستمرار في أغانٍ وتسابيح. لتغزل الصوف، تعين الآخرين أكثر منها أن تطلب منهم. لتفكر في الأرملة التي كرَّمها الإنجيل بشهادة الرب، هذه التي جاءت إلى الهيكل وألقت فلسين قيمتهما ربع في الخزانة. رآها المسيح ربنا وسيدنا، فاحص القلوب، وقال: "الحق أقول لكم إن هذه الأرملة ألقت في الخزانة أكثر من الجميع، لأن الجميع من فضلتهم ألقوا، وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12: 43-44؛ لو 21: 2).
قوانين الرسل
2. يهوديت توبخ القادة لعدم إيمانهم

وسَمِعَت كَلِماتِ الشَّعبِ السَّيِّئَةَ على الرَّئيس،
لأِنَّ عَزيمَتَهم خارَت بِسَبَبِ قِلَّةِ المِياه.
وسَمِعَت أَيضًا يَهوديتُ جَميعَ الكلامِ الَّذي كَلَّمَهم بِه عُزَيَّا،
إِذ أَقسَمَ لَهم بِتَسْليم المَدينةِ بَعدَ خَمسةِ أَيَّامٍ إلى الآشُّوريِّين [9].
إذ عاشت كما في قلاية في علية بيتها مع جواريها اللواتي كن يقتدن بها لم يكن يشغلها شيء من أمور العالم، لكن قلبها المرتفع إلى الله بغنى نعمته كان يتسع حبها كسيدها. كانت تحمل بالحب شعبها، تصلي لحسابه، وتشتهي بنيانه روحيًا. فمع اعتزالها جسديًا شاركت شعبها بقلبها وفكرها وحواسها في الرب. حزنت لإساءة الشعب لرئيس البلدة، وتألمت لانهيارهم روحيًا ونفسيًا من أجل قلة المياه؛ وتمررت نفسها من أجل كلمات عزيا الذي حدد موعدًا لعمل الله وألا استسلم للعدو!
* إنني أحدث النساء أن يجعلن هذا هو عملهن، وأن يقدمن المشورة اللائقة. فإنه إذ لهن قوة عظيمة للصلاح هكذا أيضًا للشر. امرأة حطمت أبشالوم، وامرأة حطمت أمنون، وامرأة كادت تحطم أيوب، وامرأة أنقذت نابال من القتل. نسوة حفظن الأمم مثل دبورة ويهوديت، اللواتي أظهرن نجاحًا يليق بالرجال. هكذا ربوات من النسوة فعلن هكذا.
القديس يوحنا ذهبي الفم
فأرسَلَت وَصيفَتَها القَيِّمةَ على جَميعِ أَمْوالِها،
ودَعَت شُيوخَ مَدينتِها
عُزَيَّا Uzziah وكَرْبي Chabris وكَرْمي Charmis [10].
لم تكن يهوديت ذات مركز رسمي في المجتمع، ولم تكن تنشغل بإدارة بلدها مع الرئيس وشيوخ الشعب، لكنها إذ رأت انهيار الإيمان على مستوى الشعب والقادة أرسلت وصيفتها الخاصة التي تقوم بتدبير شئون ممتلكاتها وأمورها المادية، وطلبت القادة للحضور لمناقشة الموقف الخطير، إذ يمس الحق الإلهي.
فأَتَوا إلَيها، فقالَت لَهم: "اِسمَعوا لي، يا رُؤَساءَ السُّكَّانِ في بَيتَ فَلْوى،
لَيسَ صائبًا كَلامُكمُ الذي تَكلَّمتُم بِه أَمامَ الشَّعبِ في هذا اليَوم،
فأَقسَمتُم ذلك إلىَمينَ الَّذي أَدَّيتُموه بَينَ اللهِ وبَينَكم،
فوَعَدتُم بِتَسْليمِ المَدينةِ إلى أَعدائِنا،
إِن لم يُغِثْنا الرَّبُّ في الأَيَّامِ الخَمْسة [11].
بكل تقدير لهذه الأرملة المملوءة حبًا وتقوى وغيرة جاء القادة دون تردد، وبروح المحبة مع التصاق بالحق الإلهية عاقبتهم على ما صدر منهم بخصوص تحديد مدة معينة لعمل الله وتدخله. في هذا نوع من ممارسة الضغط على الله، فصاروا يجربونه، الأمر الذي لا يليق في التعامل مع الله.
* الأرملة الصالحة عادة لا تنقصها الشجاعة. فإنها شجاعة حقيقية تتعدى الطبيعة العادية وضعف الجنس بتكريس الذهن، كما هو الأمر في تلك التي تُدعى يهوديت. هذه التي بمفردها استطاعت أن تقوم من المذلة التامة وتحمي من العدو رجالًا سقطوا بالحصار، وضُربوا بالخوف، وانحلوا بواسطة الجوع... عندما كان الرجال المسلحون في خوفٍ، بدأوا فعلًا الحوار في الاستسلام نهائيًا، خرجت خارج الأسوار تفوق الجيش الذي خلصته، في أكثر شجاعة من الذين دخلت معهم في معركة.
القديس أمبروسيوس
والآن فمَن أَنتُم، حتَّى جَرَّبتُمُ اللهَ في هذا اليَوم،
وأَقَمتُم أَنفُسَكم في وَسْطِ البَشَر عوضَ اللهِ؟ [12]
يذكر لنا الكتاب المقدس كيف حاول اليهود عبر تاريخهم أن يجربوا الله، مما يدخل بهم تحت الغضب لا الرحمة (خر17: 2-7؛ عد14: 22؛ تث6: 16؛ أي28: 2؛ 40: 20؛ 42: 3؛ مز78: 18؛ 95: 9؛ 106: 11؛ إش7: 12؛ مت4: 7؛ أع15: 10؛ 1كو10: 9).
ليس لنا أن نحدد لله موعد تدخله، لأننا لا نعرف فكر الله ولا حكمته، إنما في يقينٍ من أبوته وحكمته وقدرته نعرض أمورنا عليه في صلواتنا، بتسليمٍ كامل لعمله في الوقت الذي يراه مناسبًا، وبالطريقة التي يريدها. لندرك أنه يعمل لخيرنا، كأبٍ حكيمٍ قدير.
والآن فإِنَّكم تَمتَحِنونَ الرَّبَّ القَدير،
فلَن تَفهَموا شيَئًا لِلأَبَد [13].
لأَنَّكم لن تَكتَشِفوا أَعْماقَ قَلبِ الإِنسان،
ولن تُدكوا أَفكارَ ذِهنِه،
فكَيفَ تَهتَدونَ إلى اللهِ الَّذي صَنَعَ كُلَّ ذلك،
وتَفهَمونَ فِكرَه، وتُدركونَ تَدبيرَه؟
لا، يا إِخْوَتي، لا تُثيروا غَضَبَ الرَّبِّ إِلهِنا [14].
إن كان الإنسان لا يستطيع إدراك أعماق إنسانٍ آخر، بل وأحيانًا لا يدرك أسراره هو الداخلية، فكيف يدرك خطة الله وحكمته، ويمارس نوعًا من الضغط عليه والمساومة كأنه أكثر حكمة من الله وأكثر غيرة على الحق الإلهي.
شتان ما بين اللجاجة في الصلاة مع تسليمٍ كامل لمشيئته الإلهية وبين الإصرار على حلٍ معين في تصلفٍ وعنادٍ.
فإِن لم يَشَأْ أَن يُغيثَنا في الأَيَّام الخَمسَة،
فلَه سُلْطانٌ به يَحمِينا في الأَيَّامِ الَّتي يَشاء،
أو يُبيدُنا أَمامَ أَعدائِنا [15].
أَمَّا أَنتُم فَلا تَرتَهِنوا تَدابيرَ الرَّبِّ إِلهِنا،
فإِنَّ اللهَ لَيسَ كالإِنْسانِ فيُهَدَّد،
ولا كابنِ الإِنسانِ فيُحتَكَم [16].
ولذلك فَلْنَنتَظِرْ مِن لَدُنِه الخَلاص، ولنستَغثْ به،
فيُصغِيَ إلى صَوتِنا، إِن حَسُنَ لَدَيه [17].
3. يهوديت والتسليم في يدي الله

فإنَّه لم يَقُمْ في أَجْيالِنا،
ولا في أَيَّامِنا سِبطٌ أَو عَشيرةٌ أَو أَرضٌ أَو مَدينةٌ مِن عِندِنا،
تَسجُدُ لآلِهَةٍ مِن صُنعَ الأَيدي،
كما جَرى في الأَيَّامِ القَديمة [18].
مع الحديث الصريح عن خطأ القادة والشعب لا تنكر يهوديت ما اتسموا به من مواقف روحية نبيلة، ولا تتجاهل أمرًا يُسرّ الله به، وهو عدم اشتراكهم في العبادة الوثنية التي كثيرًا ما سقط فيها آباؤهم.
هنا تظهر حكمة يهوديت العجيبة فمع خطورة الموقف وشجاعتها في الكشف عن الأخطاء لم يدفعها حماسها إلى جمال الجانب الصالح في حياة من تحدثهم. تطالبهم بالتوبة، وتسندهم بمديحهم في سلوكهم الورع من جهة عبادة الله الواحد.
فأُسلِمَ آباؤنا إلى السَّيفِ والنَّهْب،
وسَقَطوا سُقوطًا عَظيمًا أَمامَ أَعدائِنا [19].
أَمَّا نحنُ فلم نَعرِفْ إِلهًا غيرَه.
ولذلك فإِنَّنا نَرْجو أَنَّه لن يَزْدَرِيَنا،
ولَن يُعرِضَ عن نَسْلِنا [20].
فإِن قُبِضَ علَينا قُبِضَ كذلك على إلىَهودِيَّةِ كُلِّها،
ونُهِبَ مَكانُنا المُقَدَّس،
وطالَبَ اللهُ دَمَنا بِتَدنيسِه [21].
وأَوقَعَ علىُ رُؤُوسِنا بَينَ الأُمَم،
حَيثُ نَصيرُ عَبيدًا مَقتَلَ إِخوَتِنا وجَلاءَ الأَرضِ ودَمارَ ميراثِنا،
وأَصبَحْنا مَعثَرةً وعارًا أَمامَ مُمتَلِكينا [22].
فإنَّ عُبودِيَّتَنا لن تؤُولَ إلى الحُظْوَة،
بل إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا يُحوِّلُها إلى هَوان [23].
والآن، يا إِخوَتي، لِنُظهِرْ إلى إِخوَتِنا أَنَّ نُفوسَهم معتمدةٌ علَيِنا
وأَنَّ المكانَ المُقَدَّسَ والمَقدِسَ والمَذبَحَ مُعتَمِدَةٌ علَينا [24].
كما سلكت يهوديت مع القادة بالحديث في صراحة كاملة عن خطأهم دون نسيان الجانب الطيب في حياتهم، طالبتهم بمساندة الشعب، ليدركوا أنهم كقادة سيحل بهم ما يحل بالشعب بل وأكثر، وأن الأمر يمس مدينة الله أورشليم والهيكل المقدس، فحتمًا ما يفعله أو يسمح به إنما بحكمة تمس شعبه وخدامه ومدينته وهيكله ومذبحه! هكذا يليق بالقادة أن يمتلئوا رجاءً وطمأنينة من جهة خطة الله، ليسكبوا هذا الرجاء في قلوب الشعب.
4. يهوديت تكشف عن غاية التجربة

وماعدا ذلك كلَّه،
فلْنَشكُرِ الرَّبَّ إِلهَنا الَّذي يَمتَحِنُنا كَما امتَحَنَ آباءَنا [25].
دفعت يهوديت التقية القادة ليحولوا تذمرهم ونوحهم إلى ذبائح شكر لله الصانع الخيرات، حتى حين يسمح لشعبه بتجربة تبدو مرة وقاسية.

فالشكر لله هو مفتاح حلّ المشاكل واستدرار مراحم الله القديرة والفائقة للفكر البشري.
اُذكُروا كُلَّ ما صَنَعَه إلى إِبْراهيم،
وكمِ امتحن إِسحق وكُلَّ ما جَرى لِيَعْقوبَ في ما بَينَ النَّهرَين في سورِية،
حينَ كانَ يَرْعى خِرافَ لابانَ أَخي أُمِّه [26].
طلبت يهوديت من القادة أن يوجهوا أنظار الشعب إلى معاملات الله مع آبائهم، فقد سمح بتجربة إبراهيم لتزكيته ونموه الروحي.
ما قالته يهوديت كان نبوة تحققت حيث أنقذ الله شعبه في الوقت المناسب، وخلال هذه الأرملة التقية.
فكَما أَنَّه امتَحَنَهم بِالنّار لِيَسبِرَ قُلوبَهم؟
كذلك لن يَنتَقِمَ مِنَّا،
بلَ الرَّبُّ يُؤَدِّبُ الَّذينَ يَقتَرِبونَ مِنه إِنْذارًا لَهم" [27].
5. عزيا يطلب صلوات يهوديت

فقالَ لَها عُزَيَّا: "كُلُّ ما قُلْتِه تَكَلَّمتِ بِه بقَلْبٍ طَيِّب،
وما مِن أَحَدٍ يُعارِضُ كَلامَكِ [28].
عمل الله في حياة يهوديت تجلى في كلماتها التي كان لها فاعليتها على الشيوخ فامتلأوا سلامًا داخليًا وراحةً صادقة.
لأَنَّ حِكمَتَكِ لم تَظْهَرْ في هذا اليَوم فَقَط،
بل مُنذُ أَوَّلِ أَيَّامِكِ عَرَفَ الشَّعبُ كُلُّه ذَكاءَكِ وحُسنَ ما يَتصَوَّرُه قَلبُكِ [29].
لكِنَّ الشَّعبَ عَطِشَ عَطَشًا شَديدًا،
وأَرغَمَنا على العَمَلِ بِمَا وَعَدْنا به،
وعلى إلْزامِ أَنْفُسِنا بِقَسَمٍ لن نَنقُضَه [30].
والآن فصَلِّي لأَجلِنا،
فإِنَّكِ امرَأَةٌ تَقِيَّة،
فيُرسِلَ الرَّبُّ مَطَرًا يَملأُ آبارَنا،
فلا تَخورَ عَزائِمُنا بَعدَ اليَوم" [31].
شعروا أنها مرسلة من الله، فعرضوا عليها موقفهم الحرج لا ليبرروا خطأهم وإنما لكي تصلي لأجلهم.
كانوا يظنون أن الحلّ هو في نزول أمطار يملأ الآبار التي في داخل المدينة فلا يخور الشعب، ولم يكن أمامهم بديل آخر.
6. يهوديت تبدأ خطة العمل

فقالَت لَهم يَهوديت: "اِسمَعوا لي،
سأَصنعُ عَمَلًا يَبلغٌ ذِكرُه بَني نَسلِنا مِن جيلٍ إلى جيل [32].
التزمت يهوديت بالعمل مع الصلاة والتقوى، وقد تدربت على الحياة السرية في علاقتها مع الله، لذلك لم تكشف للشيوخ أسرار خطتها، إنما اكتفت بالحديث بالقدر الذي فيه يمكنها الخروج من المدينة ودخولها دون مساءلة من حراس الأبواب. كما طلبت السرية التامة، فلا يفصحوا لأحدٍ عن دورها.
أكدت لهم هذه الأرملة التقية أنها لم تستدعهم لتنتقدهم، وإنما وهي تتكلم بالحق الإلهي ستقوم بعملٍ هام يذكره التاريخ مع تأكدها بالإيمان أن الخلاص قادم قبل حلول الموعد الذي حددوه لله.
* يا لعظمة قوة فضيلتها، أنها امرأة يلزمها أن تقدم مشورة في أخطر الأمور وتتركها في أيدي قادة الشعب! مرة أخرى يا لعظمة قوة فضيلتها أن تثق في الله أن يعينها! يا لعظمة النعمة أن تجد معونة الله!
القديس أمبروسيوس
في هذه اللَّيلَة، أَنتُم تَقِفونَ على الباب،
وأَنا أَخرُجُ مع وَصيفَتي،
وقَبلَ الأَيَّامِ الَّتي وَعَدتُم فيها بِتَسْليمِ المَدينةِ إلى أَعْدائِنا،
يَفتَقدُ الرَّبُّ إِسْرائيلَ عن يَدي [33].
لا تَفحَصوا أَنتُم عن تَصَرُّفي،
لأَنِّي لن أَقولَ لَكم شَيئًا قَبلَ أَن يتمَّ ما أَنا سأفعله" [34].
لقد طلبت يهوديت التزامهم بالسلوك اللائق بالإيمان الحيّ، كما طلبت صلواتهم وبركتهم لها، دون أن يفحصوا ما ستفعله.
إنها تعمل عملًا لم يقم به أحد غيرها، لكنها تعمل خلال الكنيسة وتحت مظلتها.
فقالَ لَها عُزَيَّا والشَّيخان:
"اِذْهَبي بِسَلام، والرَّبُّ الإلهُ بتقدمك في الانتِقامِ مِن أَعدائِنا" [35].
ثُمًّ غادَروا العُلِّيَّة،
وانصَرَفوا إلى مَرا كِزِهم [36].
3. يهوديت
تعريف يهوديت
الأصحاح الثامن
وفي تِلكَ الأَيَّام بَلَغ الخبَرُ يَهوديت، بِنتَ مَرارِيَ بنِ أَخْسَ بن يوسفَ بنِ عُزِّيئيلَ بنِ حِلْقِيَّا بنِ حَنَنْيا بن جِدعَونَ بنِ رافائيمَ بنِ أَحيطوبَ بنِ إِيليَّا بنِ حِلْقِيَّا بنِ أَليآبَ بنِ نَتَنائيلَ بنِ شَلوميئيلِ بنِ صورِشَدَّايَ بنِ إِسْرائيل [1].
وكان مَنَسَّى زَوجُها مِن سِبْطِها وعَشيرتها، وقد ماتَ في أَيَّامِ حِصادِ الشَّعير [2].
فإِنَّه كانَ يُراقِبُ رابِطي الحُزَمِ في السَّهْل، فَوقَعَ الحَرُّ الحارِقُ على رأسِه فلازمَ الفِراشَ وماتَ في بَيتَ فَلْوى مَدينتِه. فدَفَنوه مع آبائِه في الحَقْلِ الَّذي بَينَ دوتائينَ وبَلَمون [3].
وكانت يَهوديتُ مُتَرمِّلةً في بَيتِها مُنذُ ثَلاثِ سَنواتٍ وأَربَعةِ أَشهُر [4].
وكانَت قد هَيَّأَت لِنَفسِها عُلِّيَّةً على سَطحِ بَيتها، وكانَت تَضَعُ مِسْحًا على وَسْطِها وتَرتَدي ثِيابَ تَرَمُّلِها [5].
وكانَت تَصومُ جَميعَ أَيَّامِ تَرَمُّلِها، ما خَلا السُّبوتَ وعَشِيَّتَها ورُؤُوسَ الشهورِ وعَشِيَّتَها وأَعيادَ بَيتِ إِسْرائيلَ وأَفْراحَهم [6].
وكانَت جَميلةَ الطَّلعَةِ ظَريفَةَ الهَيئَةِ جِدًّا، وقد تَرَكَ لَها مَنَسَّى زَوجُها ذَهَبًا وفِضَّةً وخُدَّاما وجَواريَ وقُطْعانًا وحُقولًا، وكانَت تُقيمُ في أَمْلاكِها [7].
ولم يكُنْ هُناكَ أَحَدٌ يَقولُ علَيها كلِمةَ سُوء، لأَنَّها كانت تتَّقي اللهَ كَثيرًا [8].
يهوديت والشّيوخ
وسَمِعَت كَلِماتِ الشَّعبِ السَّيِّئَةَ على الرَّئيس، لأِنَّ عَزيمَتَهم خارَت بِسَبَبِ قِلَّةِ المِياه، وسَمِعَت أَيضًا يَهوديتُ جَميعَ الكلامِ الَّذي كَلَّمَهم بِه عُزَيَّا، إِذ أَقسَمَ لَهم بِتَسْليم المَدينةِ بَعدَ خَمسةِ أَيَّامٍ إلى الآشُّوريِّين [9].
فأرسَلَت وَصيفَتَها القَيِّمةَ على جَميعِ أَمْوالِها ودَعَت شُيوخَ مَدينتِها عُزَيَّا وكَرْبي وكَرْمي [10].
فأَتَوا إلَيها فقالَت لَهم: "اِسمَعوا لي، يا رُؤَساءَ السُّكَّانِ في بَيتَ فَلْوى، لَيسَ صائبًا كَلامُكمُ الذي تَكلَّمتُم بِه أَمامَ الشَّعبِ في هذا اليَوم، فأَقسَمتُم ذلك إلىَمينَ الَّذي أَدَّيتُموه بَينَ اللهِ وبَينَكم، فوَعَدتُم بِتَسْليمِ المَدينةِ إلى أَعدائِنا، إِن لم يُغِثْنا الرَّبُّ في الأَيَّامِ الخَمْسة [11].
والآن فمَن أَنتُم حتَّى جَرَّبتُمُ اللهَ في هذا اليَوم وأَقَمتُم أَنفُسَكم فَوقَ اللهِ في وَسْطِ البَشَر؟ [12]
والآن فإِنَّكم تَمتَحِنونَ الرَّبَّ القَدير، فلَن تَفهَموا شيَئًا لِلأَبَد [13].
لأَنَّكم لن تَكتَشِفوا أَعْماقَ قَلبِ الإِنسان ولن تُدكوا أَفكارَ ذِهنِه. فكَيفَ تَهتَدونَ إلى اللهِ الَّذي صَنَعَ كُلَّ ذلك وتَفهَمونَ فِكرَه وتُدركونَ تَدبيرَه؟ لا، يا إِخْوَتي، لا تُثيروا غَضَبَ الرَّبِّ إِلهِنا [14].
فإِن لم يَشَأْ أَن يُغيثَنا في الأَيَّام الخَمسَة، فلَه سُلْطانٌ به يَحمِينا في الأَيَّامِ الَّتي يَشاء أو يُبيدُنا أَمامَ أَعدائِنا [15].
أَمَّا أَنتُم فَلا تَرتَهِنوا تَدابيرَ الرَّبِّ إِلهِنا، فإِنَّ اللهَ لَيسَ كالإِنْسانِ فيُهَدَّد ولا كابنِ الإِنسانِ فيُحتَكَم [16].
ولذلك فَلْنَنتَظِرْ مِن لَدُنِه الخَلاص ولنستَغثْ به فيُصغِيَ إلى صَوتِنا، إِن حَسُنَ لَدَيه [17].
فإنَّه لم يَقُمْ في أَجْيالِنا ولا في أَيَّامِنا سِبطٌ أَو عَشيرةٌ أَو أَرضٌ أَو مَدينةٌ مِن عِندِنا تَسجُدُ لِآلِهَةٍ مِن صُنعَ الأَيدي، كما جَرى في الأَيَّامِ القَديمة [18].
فأُسلِمَ آباؤنا إلى السَّيفِ والنَّهْب وسَقَطوا سُقوطًا عَظيمًا أَمامَ أَعدائِنا [19].
أَمَّا نحنُ فلم نَعرِفْ إِلهًا غيرَه. ولذلك فإِنَّنا نَرْجو أَنَّه لن يَزْدَرِيَنا ولَن يُعرِضَ عن نَسْلِنا [20].
فإِن قُبِضَ علَينا قُبِضَ كذلك على إلىَهودِيَّةِ كُلِّها ونُهِبَ مَكانُنا المُقَدَّس وطالَبَ اللهُ دَمَنا بِتَدنيسِه [21].
وأَوقَعَ علىُ رُؤُوسِنا بَينَ الأُمَم حَيثُ نَصيرُ عَبيدًا مَقتَلَ إِخوَتِنا وجَلاءَ الأَرضِ ودَمارَ ميراثِنا، وأَصبَحْنا مَعثَرةً وعارًا أَمامَ مُمتَلِكينا [22].
فإنَّ عُبودِيَّتَنا لن تؤُولَ إلى الحُظْوَة، بل إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا يُحوِّلُها إلى هَوان [23].
والآن، يا إِخوَتي، لِنُظهِرْ إلى إِخوَتِنا أَنَّ نُفوسَهم مَنوطةٌ بِنا وأَنَّ المكانَ المُقَدَّسَ والمَقدِسَ والمَذبَحَ مُعتَمِدَةٌ علَيكم [24].
وما عدا ذلك كلَّه، فلْنَشكُرِ الرَّبَّ إِلهَنا الَّذي يَمتَحِنُنا كَما امتَحَنَ آباءَنا [25].
اُذكُروا كُلَّ ما صَنَعَه إلى إِبْراهيم وكمِ آمتَحَنَ إِسحق وكُلَّ ما جَرى لِيَعْقوبَ في ما بَينَ النَّهرَين في سورِية، حينَ كانَ يَرْعى خِرافَ لابانَ أَخي أُمِّه [26].
فكَما أَنَّه امتَحَنَهم بِالنّار لِيَسبِرَ قُلوبَهم؟ كذلك لن يَنتَقِمَ مِنَّا، بلَ الرَّبُّ يُؤَدِّبُ الَّذينَ يَقتَرِبونَ مِنه إِنْذارًا لَهم" [27].
فقالَ لَها عُزَيَّا: "كُلُّ ما قُلْتِه تَكَلَّمتِ بِه بقَلْبٍ طَيِّب، وما مِن أَحَدٍ يُعارِضُ كَلامَكِ [28].
لأَنَّ حِكمَتَكِ لم تَظْهَرْ في هذا اليَوم فَقَط، بل مُنذُ أَوَّلِ أَيَّامِكِ عَرَفَ الشَّعبُ كُلُّه ذَكاءَكِ وحُسنَ ما يَتصَوَّرُه قَلبُكِ [29].
لكِنَّ الشَّعبَ عَطِشَ عَطَشًا شَديدًا وأَرغَمَنا على العَمَلِ بِمَا وَعَدْنا به وعلى إلْزامِ أَنْفُسِنا بِقَسَمٍ لن نَنقُضَه [30].
والآن فصَلِّي لِأَجلِنا، فإِنَّكِ امرَأَةٌ تَقِيَّة، فيُرسِلَ الرَّبُّ مَطَرًا يَملأُ آبارَنا، فلا تَخورَ عَزائِمُنا بَعدَ اليَوم" [31].
فقالَت لَهم يَهوديت: "اِسمَعوا لي، سأَصنعُ عَمَلًا يَبلغٌ ذِكرُه بَني نَسلِنا مِن جيلٍ إلى جيل [32].
في هذه اللَّيلَة، أَنتُم تَقِفونَ على الباب وأَنا أَخرُجُ مع وَصيفَتي، وقَبلَ الأَيَّامِ الَّتي وَعَدتُم فيها بِتَسْليمِ المَدينةِ إلى أَعْدائِنا، يَفتَقدُ الرَّبُّ إِسْرائيلَ عن يَدي [33].
لا تَفحَصوا أَنتُم عن تَصَرُّفي، لِأَنِّي لن أَقولَ لَكم شَيئًا قَبلَ أَن يتمَّ ما أَنا فاعِلَتُه" [34].
فقالَ لَها عُزَيَّا والشَّيخان: "اِذْهَبي بِسَلام والرَّبُّ الإلهُ يَتقدَّمُكِ في الِانتِقامِ مِن أَعدائِنا" [35].
ثُمًّ غادَروا العُلِّيَّة وانصَرَفوا إلى مَرا كِزِهم [36].





 
قديم اليوم, 04:14 PM   رقم المشاركة : ( 185843 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




حوار بين أليفانا وأحيور قائد بني عمون



يروى لنا الكاتب غلبة ملك أشور على أرفكشاد ملك مادي فاستسلمت الممالك المحيطة له، وصار الكل عبيدًا له، وإذ لم يرسل له اليهودي إليه مستسلمين، سأل ملك أشور القائد العموني عن هذا الشعب الذي لم يستسلم فأجاب إنهم لن ينهزموا إلا إذا أثموا ضد إلههم.
اغتاظ أليفانا لأن إسرائيل استخف به، ولم يقابله بالسلم كسائر الشعوب. روى حيور قائد بني عمون قصة قيام إسرائيل منذ دعوة إبراهيم، وكيف خلصهم الرب من فرعون وملوك الكنعانيين واليبوسيين والحثيين إلخ. وأنه لا يمكن النصرة عليهم ما لم يرتكبوا إثمًا في حق إلههم. أراد عظماء إليفانا قتل أحيور، معتبرين إياه أنه يستهين بالملك وجيشه، وأنه يخدعهم.

1. مجلس حرب في معسكر أليفانا

وأُخبِرَ أَليفانا، رَئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أَشُّور،
بِأَنَّ بني إِسْرائيلَ يستَعِدُّونَ لِلحَرْب
وبِأَنَّهم سَدُّوا مَسالِكَ الجَبَل،
وسَوَّروا كُلَّ رَأسِ جَبلٍ عالٍ،
ووَضَعوا الحَواجِزَ في السُّهول [1].
فغَضِبَ غَضَبًا شَديدًا
واستَدْعى جَميعَ رُؤَساء مُوآب وقُوَّادِ عَمُّون وجَميعَ رُؤَساءِ السَّاحِل [2].
دهش أليفانا أن شعب إسرائيل وحده دون كل الشعوب اختار أن يقاومه وأنهم يعدون أنفسهم بالفعل للدخول في معركة [1-2]. لهذا استدعى الرؤساء الأسرى وبدأ يسألهم في تشامخ عما وراء موقف إسرائيل [3-4].
كان أليفانا يجهل تمامًا إمكانيات هذا العالم الساكن في المرتفعات.
استدعاء أليفانا القيادات العسكرية للأمم التي خضعت له يكشف عما حلّ بأليفانا من ارتباكٍ شديد، إذ لم يكن يتوقع أمة ما تتجاسر وتفعل ما فعله اليهود. أراد أليفانا أن يستفيد من خبرة هؤلاء القادة بكونهم في جوارٍ للأمة اليهودية يعرفون أسرارهم الحربية. كان يتوقع أن يقدموا تقارير عسكرية لا علاقة لها بالعبادة والحياة الروحية. فقد آمن أليفانا بالقوة والسطوة والإمكانيات العسكرية.
وقالَ لهم: "أَخبِروني، يا بَني كَنْعان،
مَن هو ذلك الشَّعبُ المُقيمُ في النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة؟
وما هي المُدُنُ الَّتي يَسكُنُها،
وما هو عَدَدُ جَيشِهم،
وعلى أَيِّ شيءٍ تَقومُ قُدرَتُهم وقوَّتُهم،
ومَن هو المَلِكُ القائِمُ علَيهِم والقائِدُ لِقُوَّاتِهم [3].
ولماذا اسْتَهانوا بِالمَجيءِ لِمُلاقاتي،
على خِلافِ ما صَنَعَ سُكَّانُ المَنطِقةِ الغَربيَّة؟" [4]
لا نعرف بأية لهجة قدم هولوفرنيس هذه الأسئلة، هل تحدث بلغة الاستخفاف والاستهانة بهم، أم تحدث بلغة الدهشة لموقفهم. لكن واضح أنه كان في حيرة من الموقف الذي اتخذه اليهود، والذي لم تجسر أمة أخرى أو دولة أن تفعله.
2. مشورة أحيور العموني لقائد أشور

فأَجابَه أَحْيور Achior، رَئيسُ بَني عَمّونَ جَميعًا:
"لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ
فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ السَّاكِنِ في تِلكَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيّة
والمُقيمِ بِالقُربِ مِنكَ،
ولا يَخرُجُ كَذِبٌ مِن فَم عَبدِكَ [5].
أ. رأى بعض الدارسين أن كلمة "أحيور" مشتقة عن الفعل العبري hywr ، وأنه يعني "النور هو أخي (الإلهي)". وهو اسم لائق به حيث ألقى بنورٍ على تاريخ إسرائيل لهولوفرنيس، وأنه صار أخيرًا أخا يهوديًا، حيث قبل الإيمان اليهودي (يهو 10: 14).
ب. يرى D.N. Freedman أنه يُمكن تفسير كلمة "أحيور" لتعني "الإله الشمس هو أخي الإلهي"، وهو أمر يتناسب مع يهوه الذي قيل عنه: "جعل للشمس مسكنًا فيها..." (مز 19: 4-6)، أو لأنه موآبي يعبد الإله الشمس.
ح. يرى آخرون مثل Cowley, Steinmamnأن هذا الاسم مشتق عن الكلمة السريانية Ahihud، وتعني: "أخ يهوذا" كما جاء في الترجمة السبعينية في عد 23: 27.
د. يرى Henri Cazelles أن Achior مأخوذة عن Ahikar وهو اسم حكيم وثني مشهور.
في رأي البعض أن أحيور أحد الأمميين الأتقياء الذين دعاهم الله للإيمان، مثل راحاب (يش 2-6)، ونعمان السرياني (2 مل 5) وخصي كنداكة الأثيوبي (أع 8: 26-40) وكرنيليوس (أع)، وغيرهم.
غير أن البعض وهم يرون فيه شخصًا ليس فقط يجيد تاريخ الشعب اليهودي بدقة، وإنما الفكر اللاهوتي لهذا التاريخ (يهو 5: 5-21) أنه يهودي لم يختتن.
يعتقد البعض أن أحيور هنا هو نفسه Ahiker ابن أخ طوبيت وربشاقى الذي لسنحاريب. لا نعجب إن كان لأحيور خلفية إسرائيلية، ففي الحملة الثالثة اُختير بصفة خاصة لمخاطبة اليهود بلغتهم. فقد كان ربشاقى ضليعًا في الآرامية والعبرية وقد طلب منه الرؤساء الثلاثة من اليهود الذين جاءوا معه ألا يتكلم بلغة الشعب (إش 36: 11-12).
كلمة "ربشاقى" معناها حرفيًا "الرجل العظيم" مثل Turtanوهو لقب عسكري يميز حامله عن بقية كل القيادات العسكرية. نراه في سفر يهوديت يتكلم مباشرة بعد القائد الأكبر أليفانا نفسه.
نظر اليهود إلى أحيور قائد العمونيين نظرة ملؤها الامتنان، وحسبوه الوثني الصالح.
جاء خطاب أحيور عرضًا مختصرًا لتاريخ اليهود. وقد عرض الكتاب المقدس هذا التاريخ باختصار في مواقفٍ كثيرة، كما جاء في مز 78؛ 105؛ 106؛ حز 16؛ 20؛ حك 10؛ أع7. أما صلب التاريح كله كما ورد هنا فإن إمكانيات الشعب اليهودي تتوقف لا على قدراتهم العسكرية، وإنما على علاقتهم بالله إلههم، فإن أطاعوه وسلكوا حسب وصاياه لا تقف أمامهم أية قوات بشرية أو طبيعية، وإن عصوا وصاياه انحلوا وسقطوا.
لقد حمل الخطاب تحذيرا لأليفانا مؤكدًا له أنه سيلحق به وبجيشه عارًا، فإن إمكانيات اليهود غير منظورة، لا يقدر بشر على مواجهتها.
* في سفر يهوديت، عندما سأل أليفانا عدو الإسرائيليين من أي نوع هذه الأمة، وأية حرب تُعلن ضدها، أجابه أحور قائد العمونيين هكذا: لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ.... (يهو 5: 5-9)، كما روى أحور العموني. من هذا واضح أن بيت تارح عانى اضطهادًا من الكلدانيين من أجل التقوى الحقيقية التي بها عبدوا الله الواحد الحقيقي.
القديس أغسطينوس
إِنَّ هذا الشَّعبَ هو مِن نِسْلِ الكَلْدانِيِّين Chaldeans [6].
مما دعا البعض إلى وجود خلفية يهودية وراء شخصية أحيور، أنه تحدث عن التاريخ الإسرائيلي ابتداء من إبراهيم إلى عصره (يهو 5: 6-19). فهل يمكن لعموني وثني أن تكون له مثل هذه المعرفة في شيء من التفصيل؟ على أي الأحوال دعاه أليفاز: "مرتزق إفرايمي" (يهو 6: 2). ويرى البعض أن الحل سهل وبسيط، وهو أنه إفرايمي لكنه إلى ذلك الوقت لم يكن قد اختتن، فحسب كأنه أممي عموني.
أَقاموا أَوَّلًا فيما بَينَ النَّهْرَين Mesopotamia،
لأَنَّهم أَبَوُا إتباع آِلهَةِ آبائِهمِ المُقيمينَ بِأَرضِ الكَلْدانِيِّين Chaldea [7].
يقصد بأرض الكلدانيين حاران في شمال ما بين النهرين (تك 11: 31؛ نح 9: 7).
جاء في الترجمة السريانية وأيضًا الفولجاتا "التي عُبدت"، وكأن الضمير هنا لا يعود على "آبائهم" وإنما على "آلهة آبائهم".
وخَرَجوا عن طَريقِ آبائِهم وسَجَدوا لإِِلهِ السَّماء،
لِلإِلهِ الَّذي عَرَفوه.
فطُرِدوا مِن وَجهِ آلهتهِم،
وهَرَبوا إلى ما بَينَ النَّهرَين،
وأَقاموا هُناكَ أيَّامًا كَثيرة [8].
يقصد بالطريق هنا "العبادة"، وذلك كما ورد في، 2 مل 16: 3 عن آحاز بن يوثام ملك يهوذا "سار في طريق ملوك إسرائيل حتى أنه عبر في النار حسب أرجاس الأمم..."
إله السماء: كثيرًا ما يشار إلى الله الحقيقي بتعبير "إله السماء" (2 أي 36:23؛ عزرا 1: 2؛ 5: 11، 12؛ دا 2: 37؛ طوبيا 10: 11، 12؛ يهو 6: 19، 11: 17).
يرى البعض أن هذه الآية، جاءت اعتراضيه وسط الحديث. لم يذكر سفر التكوين 11: 31-12: 5 (راجع أيضًا نح 9: 7-8، أع 7: 2-4) أن إبراهيم وأهل بيته قد طردوا، إنما خرجوا بكامل حرية إرادتهم. غير أنه جاء في المدراش أن إبراهيم قد طُرد من أور الكلدانيين. وربما قد وجد إبراهيم مضايقات بسبب رفضه لعبادة القمر، الذي كان الكلدانيون يتعبدون له، واحتمل مضايقاتهم حتى جاءته الدعوة بالخروج فأطاع.
وأَمَرَهُم إِلهُهم أَن يَخرُجوا مِن مُقامِهِم،
ويَذْهَبوا إلى أَرضِ كَنْعان،
فسَكَنوا هُناكَ وامتَلأوا ذَهَبًا وفِضَّةً،
وكثُرَت قُطْعانُهم جِدًّا [9].
ونَزَلوا إلى مِصْر،
لأنَّ المَجاعةَ عَمَّت وَجهَ أَرضِ كَنْعان،
وأَقاموا هُناكَ فظَلُّوا على قَيدِ الحَياة،
وصاروا جُمْهورًا كبيرًا، وكانَ نَسلُهمِ لا يُحْصى [10].
فقاوَمَهم مَلِكُ مِصْر،
وخَدَعَهم بِتسْخيرِهم لِعَمَلِ اللَّبِن،
وأَذَلُّوهم واستَعبَدوهم [11].
فصَرَخوا إلى إِلهِهم،
فضَرَبَ كُلَّ أَرضِ مِصْرَ ضَرَباتٍ لا عِلاجَ لَها.
وطَرَدَهمُ المِصرُّيونَ مِن وَجهِهم [12].
فجفَّفَ اللهُ البَحرَ الأَحمَرَ أَمامَهم [13].
وقادَهم في طَريقِ سيناءَ وقادِشَ بَرْنِيع Kadesh-Barnea.
فطَرَدوا جَميعَ سُكَّانِ البَرِّيَّة [14].
قدمت لنا الترجمة الفولجاتا تفسيرًا للآيات 12-14، ترجمة القديس جيروم عن المخطوط الكلداني:
[فتح إله السماء البحر لهم عند هروبهم، فصارت المياه واقفة في ثباتٍ كحائطٍ من الجانبين، وساروا خلال عمق البحر وعبروا فيه بالأقدام بكونه جافًا. وعندما اقتفى جيش المصريين الذي لا يُعد أثرهم في ذلك الموضع ابتلعتهم المياه، ولم تترك أحدًا منهم ليروي للأجيال المتعاقبة ما حدث. وعندما خرجوا من البحر الأحمر سكنوا في جبل سيناء، الموضع الذي لم يكن ممكنًا لأي إنسان أن يقطنه أو ابن إنسان أن يستريح فيه، هناك صارت الينابيع المرة عذبة لهم ليشربوا منها، وتقبلوا طعامًا من السماء لمدة أربعين عامًا" (الترجمة الفولجاتا 5: 12-15).
وأَقاموا في أَرضِ الأَمورِيِّين
وأَبادوا جَميعَ الحَشْبونِيِّينَ Esebon بِقُوَّتِهم.
وبَعدَ أَن عَبَروا الأُردُنّ،
اِستَولَوا على كُلِّ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة [15].
يرى البعض ما جاء في الترجمات الحديثة للعبارة "جميع الحشبونيين" في الأصل "الذين في حشبون"، وقد كانت حشبون عاصمة الأموريين كما جاء في عد 21: 25-26، 34، إذ كان سيحون ملك الأموريين ساكنًا في حشبون. تقع حشبون عبر الأردن جنوب وادي حسبان في الجزء الشمالي لموآب، تبعد حوالي 50 ميلًا شرق أورشليم.
وطَرَدوا مِن وَجهِهِمِ الكَنْعانِيَينَ والفَرِزِّيَينَ Pherezite
واليَبوسِيِّينَ Jebusite وشَكيمَ Sychemite وجَميعَ الجِرْجاشِيِّين Gergesites
وأَقاموا هُناكَ أَيَّامًا كثيرة [16].
وما داموا لا يَخطَئونَ إلى إِلهِهم،
كانَتِ الخَيراتُ مَعَهم،
لأَنَّه كان معَهم إِلهٌ يُبغِضُ الإِثم [17].
جاء في الأصحاح 28 من سفر التثنية يقدم الوعد بالخيرات من كل جانب لمن يسمع صوت الرب، ويسلك حسب وصاياه.
ولَمَّا حادوا عنِ الطَّريقِ الَّذي رَسَمَه لَهم،
أُبيدوا إلى حَدٍّ بَعيدٍ في حُروب عَديدة،
وتَمَّ سبيهم إلى أَرضٍ غير أَرضِهم.
ولم يَبقَ مِن هَيكَلِ إِلهِهم إِلًا الأَساس،
وسَقَطَت مُدُنُهم في أَيدي خُصومِهِم [18].
والآن فقَد تابوا إلى إِلهِهم،
وصَعِدوا مِنَ الشَّتاتِ الَّذي تشتَّتوا فيه،
واستَعادوا أُورَشليم حَيثُ مَقدِسُهم،
وأَقاموا في النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،
فقَد كانَت غيرَ مأهولة [19].
والآن، فإن كانَت في هذا الشَّعبِ جَهالة،
وأَخطَأَوا إلى إِلهِهم
ورَأَينا أَنَّ عِندَهم سَبَبَ الضُّعْفِ هذا،
نَصعَدُ ونُحارِبُهم [20].
وإِن لم يكُنْ إِثْمٌ في أُمَّتِهم،
فلْيَعدِلْ سيِّدي،
لِئَلاَّ يُدافِعَ عَنهُم رَبّهُم وإِلهُهم،
فنَكونَ عُرضَةً لِتَعْييرِ الأَرضِ كُلِّها" [21].
فلمَّا انتَهْى أَحْيورُ مِن هذا الكَلام،
تذَمَّرَ كُلُّ الشَّعبِ المُتَحَلِّقِ حَولَ الخَيمة،
وهَمَّ بِتَمزيقِه عُظَمَاءُ أَليفانا
وجَميعُ سُكَّانِ السَّاحِلِ وموآب [22].
حسب أليفانا خطاب أحيور إهانة مرّة لأليفانا وجيشه، كما حسبه إهانة لنبوخذنصر إله الأرض كلها. فإن كانت المعركة تمس الآلهة، ففي ذهنه ليس من إله يقف أمام نبوخذنصر.
كما أثار هذا الخطاب رجال أليفانا سواء الآشوريين أو ممن خضعوا له من الأمم، وحسبوا ذلك إهانة لهم لا تغتفر، فلن يسمحوا لأنفسهم أن يهددهم شعب أو جيش أو شخص ما أو إله ما.
لم يكن يتوقع الجنود المرتزقة دفاع أحيور عن إسرائيل مما أذهلهم فأرادوا تمزيقه قطعًا قطعًا.
إذ قالوا:لأَنَّنا لا نَخافُ مِن وجوه بَني إِسْرائيل،
فهذا شَعبٌ لا قُوَّةَ لَه ولا قُدرَةَ على قِتالٍ عَنيف [23].
سنَصعَدُ إِذًا، وستَلتَهِمُهم قُوَّاتُكَ التِهامًا،
أيُّها السَّيِّدُ أَليفانا" [24].
جاءت في الترجمة الفولجاتا ما يقابل هذه العبارة، هكذا:
[لذلك فلكي يعلم أحيور أنه يخدعنا، دعنا نصعد على الجبال، وعندما يؤخذ رجالهم الأقوياء كمسجونين، ليُطعن معهم بالسيف، حتى تعرف كل أمةٍ أن نبوخذنصر هو إله الأرض، وليس آخر معه" [28-29].
جاءت الترجمة الحرفية: "سيصيرون طعامًا لجيشك".

مجلس حرب في معسكر أليفانا
الأصحاح الخامس
وأُخبِرَ أَليفانا، رَئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أَشُّور، بِأَنَّ بني إِسْرائيلَ يستَعِدُّونَ لِلحَرْب وبِأَنَّهم سَدُّوا مَسالِكَ الجَبَل وسَوَّروا كُلَّ رَأسِ جَبلٍ عالٍ ووَضَعوا الحَواجِزَ في السُّهول [1].
فغَضِبَ غَضَبًا شَديدًا واستَدْعى جَميعَ رُؤَساء مُوآب وقُوَّادِ عَمُّون وجَميعَ رُؤَساءِ السَّاحِل [2].
وقالَ لهم: "أَخبِروني، يا بَني كَنْعان، مَن هو؟ ذلك الشَّعبُ المُقيمُ في النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة، وما هي المُدُنُ الَّتي يَسكُنُها، وما هو عَدَدُ جَيشِهم، وعلى أَيِّ شيءٍ تَقومُ قُدرَتُهم وقوَّتُهم، ومَن هو المَلِكُ القائِمُ علَيهِم والقائِدُ لِقُوَّاتِهم [3].
ولماذا اسْتَهانوا بِالمَجيءِ لِمُلاقاتي على خِلافِ ما صَنَعَ سُكَّانُ المَنطِقةِ الغَربيَّة؟" [4].
فأَجابَه أَحْيور، رَئيسُ بَني عَمّونَ جَميعًا: "لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ السَّاكِنِ في تِلكَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيّة والمُقيمِ بِالقُربِ مِنكَ، ولا يَخرُجُ كَذِبٌ مِن فَم عَبدِكَ [5].
إِنَّ هذا الشَّعبَ هو مِن نِسْلِ الكَلْدانِيِّين [6].
أَقاموا أَوَّلًا فيما بَينَ النَّهْرَين، لِأَنَّهم أَبَوُا آتِّباِعَ آِلهَةِ آبائِهمِ المُقيمينَ بِأَرضِ الكَلْدانِيِّين [7].
وخَرَجوا عن طَريقِ آبائِهم وسَجَدوا لِإِلهِ السَّماء، لِلإِلهِ الَّذي عَرَفوه. فطُرِدوا مِن وَجهِ آلهتهِم وهَرَبوا إلى ما بَينَ النَّهرَين وأَقاموا هُناكَ أيَّامًا كَثيرة [8].
وأَمَرَهُم إِلهُهم أَن يَخرُجوا مِن مُقامِهِم ويَذْهَبوا إلى أَرضِ كَنْعان، فسَكَنوا هُناكَ وآمتَلأوا ذَهَبًا وفِضَّةً وكثُرَت قُطْعانُهم جِدًّا [9].
ونَزَلوا إلى مِصْر، لِأَنَّ المَجاعةَ عَمَّت وَجهَ أَرضِ كَنْعان، وأَقاموا هُناكَ فظَلُُّوا على قَيدِ الحَياة وصاروا جُمْهورًا كبيرًا وكانَ نَسلُهمِ لا يُحْصى [10].
فقاوَمَهم مَلِكُ مِصْر وخَدَعَهم بِتسْخيرِهم لِعَمَلِ اللَّبِن وأَذَلُّوهم واستَعبَدوهم [11].
فصَرَخوا إلى إِلهِهم، فضَرَبَ كُلَّ أَرضِ مِصْرَ ضَرَباتٍ لا عِلاجَ لَها. وطَرَدَهمُ المِصرُّيونَ مِن وَجهِهم [12].
فجفَّفَ اللهُ البَحرَ الأَحمَرَ أَمامَهم [13]. وقادَهم في طَريقِ سيناءَ وقادِشَ بَرْنِيع. فطَرَدوا جَميعَ سُكَّانِ البَرِّيَّة [14].
وأَقاموا في أَرضِ الأَمورِيِّين وأَبادوا جَميعَ الحَشْبونِيِّينَ بِقُوَّتِهم. وبَعدَ أَن عَبَروا الأُردُنّ، اِستَولَوا على كُلِّ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة [15].
وطَرَدوا مِن وَجهِهِمِ الكَنْعانِيَينَ والفَرِزِّيَينَ واليَبوسِيِّينَ وشَكيمَ وجَميعَ الجِرْجاشِيِّين وأَقاموا هُناكَ أَيَّامًا كثيرة [16].
وما داموا لا يَخطَأَونَ إلى إِلهِهم، كانَتِ الخَيراتُ مَعَهم، لِأَنَّه كان معَهم إِلهٌ يُبغِضُ الإِثم [17].
ولَمَّا حادوا عنِ الطَّريقِ الَّذي رَسَمَه لَهم، أُبيدوا إلى حَدٍّ بَعيدٍ في حُروب عَديدة، وتَمَّ جلاؤُهم إلى أَرضٍ غير أَرضِهم. ولم يَبقَ مِن هَيكَلِ إِلهِهم إِلًا الأَساس، وسَقَطَت مُدُنُهم في أَيدي خُصومِهِم [18].
والآن فقَد تابوا إلى إِلهِهم وصَعِدوا مِنَ الشَّتاتِ الَّذي تشتَّتوا فيه واستَعادوا أُورَشليم حَيثُ مَقدِسُهم وأَقاموا في النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة، فقَد كانَت غيرَ مأهولة [19].
والآن، فإن كانَت في هذا الشَّعبِ جَهالة وأَخطَأَوا إلى إِلهِهم ورَأَينا أَنَّ عِندَهم سَبَبَ الضُّعْفِ هذا، نَصعَدُ ونُحارِبُهم [20].
وإِن لم يكُنْ إِثْمٌ في أُمَّتِهم، فلْيَعدِلْ سيِّدي، لِئَلاَّ يُدافِعَ عَنهُم رَبّهُم وإِلهُهم، فنَكونَ عُرضَةً لِتَعْييرِ الأَرضِ كُلِّها" [21].
فلمَّا انتَهْى أَحْيورُ مِن هذا الكَلام، تذَمَّرَ كُلُّ الشَّعبِ المُتَحَلِّقِ حَولَ الخَيمة، وهَمَّ بِتَمزيقِه عُظَمَاءُ أَليفانا وجَميعُ سُكَّانِ السَّاحِلِ وموآب [22].
لأَنَّنا لا نَخافُ مِن بَني إِسْرائيل، فهذا شَعبٌ لا قُوَّةَ لَه ولا قُدرَةَ على قِتالٍ عَنيف [23].
سنَصعَدُ إِذًا، وستَلتَهِمُهم قُوَّاتُكَ التِهامًا، أيُّها السَّيِّدُ أَليفانا" [24].


تسليم أَحْيور إلى بني إسرائيل



غضب أليفانا على أحيور فسلمه لبني إسرائيل حتى متى ضرب إسرائيل يقتله معهم. "لكي أريك أن لا إله إلا نبوخذنصر... فتعلم عن خبرة أن نبوخذنصر هو رب الأرض كلها" (يهو 2:6، 4). ربطه رجال أليفانا في شجرة وتركوه وإذ حلّه بنو إسرائيل روى لهم أن أليفانا ورجاله غضبوا منه لأنه قال "إن إله السماء هو المدافع عنهم" (يهو 13:6).
1. غضب أليفانا على أحيور

ولَمَّا هَدَأَ ضَجيجُ الرِّجالِ المُتحلِّقينَ حَولَ المَجلِس،
قالَ أليفانا، رئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أَشُّور،
لأَحْيورَ أَمامَ جُمْهور الغُرَباء ولجَميعِ بَني موآب [1].
مَن أَنتَ، يا أَحْيور،
ويا مُرتَزِقَةَ أَفرائيم،
حَتَّى تنبَّأتَ لَنا كَما فَعلتَ اليَوم
ورَدَدتَنا عن مُحارَبةِ نَسْل إِسْرائيلِ،
لأَنَّ إِلهَهم يُدافِعُ عَنهُم؟
مَن هو إِلهٌ إِلاَّ نبوخذْنَصَّر؟ [2]
مرتزقة أفرايم: هكذا يهين أليفانا أحيور فيحسبه مأجورًا من اليهود.
بتهكم سخر أليفانا بأحيور، إذ حسبه يقوم بدور النبي، فيتنبأ له ألا يحارب، ولم يدرك أليفانا أن أحيور لم يقم بدور نبي، إنما يسرد حقائق تاريخية، ويسجل عمل الله مع شعبه الذي لا يقدر الزمن أن يمحوه.
لعل أليفانا كان يتطلع إلى نفسه كممثل للملك الآشوري أنه هو وحده النبي الذي يتنبأ عن نصرة الملك الأكيدة، بكونه الإله الوحيد الذي يلزم أن تتعبد له كل الأرض.
استخدم الله هذا القائد العموني للشهادة لله ولعمله مع شعبه، بالرغم من استفحال العداء بين اليهود والعمونيين (نح13: 2)، حيث يوصي نحميا اليهود بعدم قبول العموني والموآبي في جماعة الرب. وورد في 1صم11: 2 عن ناحاش العموني أنه أراد تقوير العين اليمنى لكل يهودي علامة عهد مهينة ومخزية. وفي إر40: 14 أرسل بعليش ملك عمون إسماعيل بن نثنيا ليقتل جدليا بن أخيقام.
يستخف أليفانا بالله، قائلًا: "من هو إله إلاَّ نبوخذنصر؟" في عصور الاضطهاد كان يُطلب من المسيحي أن يلقي حفنة من البخور، يتلقاها من يد كاهن الوثن، أمام تمثال القيصر وهو يقول: "كيريوس سيزاروس"، أي الرب هو قيصر. فكان المسيحيون يصرون على القول: "كيريوس خرستوس"، أي المسيح هو الرب.
قام أحيور بدور مشابه لدور بلعام الرائي الذي رفض أن يلعن شعب إسرائيل، لذا يدعو البعض أحيور "بلعام العموني".
فهو الَّذي يُرسِلُ قُوَّتَه ويُبيدُهم مِنِ وَجهِ الأرض،
ولا يُنَجِّيهِم إِلهُهم.
بل نحنُ عبيدَه نَضرِبُهم ضَربَنا لِرَجُلٍ واحد،
ولا يقاوِمونَ قُوَّةَ خيولنا [3].
في عجرفة واعتداد بالذات قال هولوفرنيس: "ولا ينجيهم إلههم". بهذا أرسل سنحاريب إلى حزقيا الملك يقول: "من من كل آلهة الأراضي أنقذ أرضهم من يدي حتى ينقذ الرب أورشليم من يدي" (2 مل 18: 35). "لا يخدعك إلهك الذي أنت متكل عليه قائلًا: لا تُدفع أورشليم إلى يد ملك أشور" (2 مل 19: 10).
فإِنَّنا نطأهم بأقدامنا،
فتَسكَرُ جِبالُهم مِن دِمائِهم
وتَمتَلِئ سُهولُهم من أَمْواتِهم.
لا تَثبُتُ أَمامَنا خطواتُ أَقدامِهم،
بل يَهلِكونَ هَلاكًا،
يَقولُ نَبوخَذنَصَّر المَلِك، رَبُّ الأَرضِ كُلِّها.
فإِنَّه قال: كلِماتُ أَقْوالِيِ لن تكونَ باطلة [4].
أَمَّا أَنتَ، يا أَحْيور، يا مُرتَزِقَ عَمُّون،
يا مَن فاهَ بِهذا الكَلام في يَومِ إثمه،
لن تَرى وَجْهي بَعدَ اليَوم،
حَتَّىَ أَنتَقِمَ مِن نَسْلِ الآتينَ مِن مِصْر [5].
بعد أن دعاه مأجور اليهود، عاد فدعاه مأجور بني عمون (أصله)، وبحسب العادات القديمة كانت الدولة التي تغلب تقتل كل الجنود المرتزقة الذين حاربوا مع العدو المنهزم؛ حتى في تبادل الأسرى لا يُسلم الجندي المرتزق بل يُقتل.
"فاه بهذا الكلام في يوم إثمه": يقصد بيوم إثمه يوم اتهامه وإدانته، وكأنه قد حكم على نفسه بفمه، فيستحق الموت.
وحينَئِذٍ سَيفُ جَيشي ورُمْحُ خُدَّامي يَختَرِقانِ جَنبَيكَ،
فتَسقُطُ بَينَ قتلاهُم متى أَعود [6].
إنقاذ السيف أو الرمح في جنبي العدو عادة قديمة كانت تُستخدم في التعذيب والقتل. وقد اقتبسها اليهود عن الوثنيين فيما بعد. فقد قُتل 24 رجلًا بهذه الطريقة حتى سمي الموضع حلقت هصوريم Hazzurim Hekath (2صم2: 16)، ومعناها "حقل حدود السيف" أو "حقل أسنان الصوان". استخدمت هذه الوسيلة في المبارزة والتمثيل بالمجرمين أيام الرومان، ولعل هذا يفسر لنا لماذا طعن الجندي الروماني السيد المسيح بالحربة في جنبه.
"فتسقط بين قتلاهُم متى أعود": حسب أليفانا أحيور كمن تنبأ، لكنه نبي كاذب، لذا في استخفاف به لم يرد أن يقتله بل يسلمه لمن تنبأ عن خلاصهم، فيرى بعينيه دمارهم، ويستلمه مع قادة جيوشهم فيقتله كواحدٍ منهم.
وسيَذهَبُ بِكَ رِجالي إلى النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،
وَيجعَلونَكَ في إِحْدى مُدُنِ المُنحَدَرات [7].
ولن تَهلِكَ قَبلَ أَن تُستَأصَلَ معَهم [8].
وبِما أَنَّكَ تَرْجو في قَلبِكَ أَلاَّ يُقبَضَ علَيهم،
فلا يَسقُطْ وَجهكَ.
تَكلَّمتُ ولَن تَسقُطَ كلِمةٌ مِن كَلماتي" [9].
2. تسليم أحيور لبني إسرائيل لكي يُقتل بعد قتلهم

وأَمَرَ أَليفانا خُدَّامه القائمينَ في خَيمَتِه بِأَن يُمسِكوا أَحْيور،
ويَذهَبوا بِه إلى بَيتَ فَلْوى،
ويُسلِموه إلى أَيدي بَني إسْرائيل [10].
فأَمسَكَه خُدَّامه، وقادوه خارِجَ المُعَسكَرِ إلى السَّهْل،
وذَهَبوا مِن وَسَطِ السَّهل نَحوَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،
ووَصَلوا إلى إلىَنابيعِ الَّتي كانَت إلى أَسفَلِ بَيتَ فَلْوى [11].
حاصر جيش الآشوريين بيت فلوي ليقطع عنهم الماء، وكان يفصل بين معسكر الآشوريين وبيت فلوي وادٍ عريض، قطعه رسل أليفانا ومعهم أحيور مقيدًا لتسليمه أسيرًا لليهود.
ولَمَّا رآهُم رِجالُ المَدينةِ الواقِعَةِ على رأسِ الجَبَل،
أَخَذوا أَسلِحَتَهم، وخَرَجوا مِنَ المَدينةِ إلى رأسِ الجَبَل،
وجَميعُ الرِّجالِ الَّذينَ مَعَهم مَقاليعُ كانوا يَرْمونَهم بالحِجارة،
لِمَنعِهم مِنَ الصُّعود [12].
فتَسَلَّلوا في أَسفَلِ الجَبَلِ،
ورَبَطوا أَحْيور وتَركوه طَريحًا عند سَفحِ الجبَل،
ورَجَعوا إلى سَيِّدِهم [13].
أضافت ترجمة الفولجاتا: "ربطوا... في شجرة بيديه ورجليه".
تقدم بعض رجال المدينة بسلاحهم ظانين أنهم طلائع جيش الآشوريين قد تقدموا للبدء في المعركة.

لكن لم تكن مهمة جنود أليفانا الاشتباك معهم. لهذا انحرفوا إلى أسفل ليقيدوا أحيور في شجرة ويتركوه هناك، إذ خشوا أن يهرب أحيور. ولعلهم ظنوا أنه قد اقترب وقت المعركة فتركوه مقيدًا حتى متى بدأت يعرفون أين يجدوه، فيقبضون عليه كأحد الأسرى.
مرة أخرى صار أحيور داخل بيت فلوي في آمان روى لهم حواره مع أليفاز، وكانت يهوديت دون شك تسمع له، لعلها تنتفع شيئًا من المعلومات أو الحوار، عندما تبدأ خطتها لقتل أليفاز؟
3. أحيور يروي لبني إسرائيل حديثه مع أليفانا

فنَزَلَ بَنو إِسْرائيلَ مِن مَدينتِهم وأَتَوه وحَلُّوه،
وقادوه إلى بَيتَ فَلْوى،
وقَدَّموه إلى رُؤَساءَ مَدينَتِهم [14].
يبدو أن أحيور أوعز أليهم بأن لديه ما يود أن يخبرهم به، فأحضروه أمام شيوخ الشعب الذين يدبرون أمر المدينة.
وكانوا في تِلكَ الأَيَّام عُزَيَّا Uzziah بنَ مِيخا Micah مِن سِبطِ شِمْعون
وكَبْري Chabris بنَ عُتْنيئيل Gothoniel
وكَرْمي Charmis بنَ مَلْكيئيل Melchiel [15].
يبدو أن عزيا كان متقدمًا على هؤلاء المسئولين وقادة الشعب. كان مسئولًا أمام يواقيم رئيس الكهنة، وهو الذي أخذ أحيور إلى بيته، وصنع له مأدبة احتفاءً به (يهو 6: 21). وعلى عزيا اجتمع الشعب محتجين لأنه لم يستسلم لأليفانا (يهو 7: 30)، وهو الذي بارك يهوديت بعد النصرة (يهو 13: 18).
كان شمعون أحد الأسباط القاطنة في أقصى جنوب اليهودية، تحت حتى برية نجب (1أي 4: 28). هذا في بداية استقرار إسرائيل في كنعان، لكن مند أيام الملك آسا سمح للشمعونيين أن يقطنوا في الشمال حوالي القرن التاسع ف.م كما جاء في 2أي 15: 9، كغرباء يعيشون وسط أفرايم ومنسَّى تعتمد دائرة المعارف اليهود على هذا في محاول وضع سفر يهوديت في فترة فارس.
فدَعَوا جَميعَ شُيوخِ المَدينة،
وأَسرَعَ جَميعُ الشُّبَّانِ والنِّساءَ إلى المَجلِس.
وأَقاموا أَحْيورَ في وَسْطِ شَعبِهِم كُلِّه،
فسَأَلَه عُزَيَّا عَمَّا جَرى [16].
فأَجابَ وأَخبَرَهم بِما قيلَ في مَجلِسِ أَليفانا،
وبِكُلِّ ما قالَه في رُؤَساءِ بَني أَشُّور،
وبِمَا فاهَ بِه أَليفانا مِن كَلامِ تَبَجُّحٍ على بَيتِ إِسْرائيل [17].
4. واستَغاثوا بإِلهِ إِسْرائيلَ

فارتَمى الشَّعبُ وسَجَدَ لله، وصَرَخَ قائلًا: [18]
"أَيُّها الرَّبّ، إِلهُ السَّماء،
اُنظُرْ إلى كِبرِيائِهم، وأرحَمْ تَذَلُّلَ نَسْلِنا،
وانظُرْ قي هذا اليَوم إلى وَجهِ المقَدَّسين لَك" [19].
عرف الشعب قانون النصرة والهزيمة، بالتواضع أمام الله ننال النصرة وبالكبرياء تحل الهزيمة: "انظر إلى كبريائهم، وارحم تذلل أنفسنا".
ومع شعور الشعب بأنهم خطاة يطلبون في تواضع أن يقبل صلوات القديسين وشفاعتهم عنهم: "وانظر في هذا اليوم إلى وجه المقدسين لك".
وشدَّدوا عَزيمةَ أَحْيور،
وأَثنَوا علَيه ثَناءً عَظيمًا [20].
صار أحيور منذ ذلك الوقت صديقًا لليهود.
كان يمكن لأحيور أن يعتذر لأليفانا ويتملق الأشوريين، لكن حتمًا شعر أليفانا ومن معه أنه كان يتكلم بشهادة لله نابعة عن أعماقه. هذا ولم نسمع عن أحيور أنه خاف لئلا يبطش به الجنود دون انتظار القبض عليه فيما بعد. لقد حملت كلماته إيمانًا وشجاعة وشهادة عملية.
قدمت الفولجاتا نصًا مطولًا لهذه الآية: [أراحوا أحيور، قائلين: "إله آبائنا، الذي أبرزت أنت قوته، سيقدم لك عودة فترى خرابهم. وعندما يعطي الرب إلهنا هذه الحرية لخدامه، فليكن الله معك أيضًا، وأنت في وسطنا، وكما يُسرك، فإنك أنت وكل (أقوالك) ستناقشه معنا" (يهو 6: 16-18).
هذه الإطالة ربما كانت تفسيرًا للقديس جيروم، ولم تكن في النص الآرامي.
وذَهَبَ بِه عُزَيَّا مِنَ المَجلِسِ إلى بَيتِه،
وأَقامَ مأدُبةً لِلشُّيوخ.
واستَغاثوا بإِلهِ إِسْرائيلَ ذلكَ اللَّيلَ كُلَّه [21].
عمل مأدبة يأكل فيها أحيور مع شيوخ الشعب في بيت عزيا لا يقف عند الإحتفاء به، والتعبير عن الشكر له عن شهادته، وتخفيف ما حلّ به من أليفانا ورجاله، وإنما تحمل قبوله على مائدة الشركة اليهودية، وهي أول إشارة لقبوله كأممي في مجمعهم.
جاء في الترجمة اللاتينية أن الشعب الذي كان صائمًا أكل بفرحٍ في هذه الوليمة، وأنهم كانوا يجتمعون معًا طول اليوم ثم يعودون في المساء إلى بيوتهم. ولعل الكل قد شعر أن ما حدث بخصوص أحيور هو استجابة الله لصلواتهم وتذللهم، فتيقنوا من حلول النصرة، وإن كانوا لم يعرفوا بعد كيف تتحقق.
تسليم أَحْيور إلى بني إسرائيل
الأصحاح السادس
ولَمَّا هَدَأَ ضَجيجُ الرِّجالِ المُتحلِّقينَ حَولَ المَجلِس، قالَ أليفانا، رئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أَشُّور، لِأَحْيورَ أَمامَ جُمْهور الغُرَباء ولجَميعِ بَني موآب [1].
مَن أَنتَ، يا أَحْيور، ويا مُرتَزِقَةَ أَفرائيم، حَتَّى تنبَّأتَ لَنا كَما فَعلتَ اليَوم ورَدَدتَنا عن مُحارَبةِ نَسْل إِسْرائيلِ، لأِنَّ إِلهَهم يُدافِعُ عَنهُم؟ مَن هو إِلهٌ إِلاَّ نبوكَدْنَصَّر؟ فهو الَّذي يُرسِلُ قُوَّتَه ويُبيدُهم مِنِ وَجهِ الأرض، ولا يُنَجِّيهِم إِلهُهم [2].
بل نحنُ عبيدَه نَضرِبُهم ضَربَنا لِرَجُلٍ واحد ولا يقاوِمونَ قُوَّةَ أَفْراسِنا [3].
فإِنَّنا نُحرِقُهم بَعضَهم بِبَعض، فتَسكَرُ جِبالُهم مِن دِمائِهم وتَمتَلِئ سُهولُهم من أَمْواتِهم. لا تَثبُتُ أَمامَنا أَخامِضُ أَقدامِهم، بل يَهلِكونَ هَلاكًا، يَقولُ نَبوخَذنَصَّر المَلِك، رَبُّ الأَرضِ كُلِّها. فإِنَّه قال، وكلِماتُ أَقْوالِهِ لن تكونَ باطلة [4].
أَمَّا أَنتَ، يا أَحْيور، يا مُرتَزِقَ عَمُّون، يا مَن فاهَ بِهذا الكَلام في يَومِ ذَنْبِه، لن تَرى وَجْهي بَعدَ اليَوم، حَتَّىَ أَنتَقِمَ مِن نَسْلِ الآتينَ مِن مِصْر [5].
وحينَئِذٍ سَيفُ جَيشي ورُمْحُ خُدَّامي يَختَرِقانِ جَنبَيكَ، فتَسقُطُ بَينَ جَرْحاهُم متى أَعود [6].
وسيَذهَبُ بِكَ رِجالي إلى النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة وَيجعَلونَكَ في إِحْدى مُدُنِ المُنحَدَرات [7].
ولن تَهلِكَ قَبلَ أَن تُستَأصَلَ معَهم [8].
وبِما أَنَّكَ تَرْجو في قَلبِكَ أَلاَّ يُقبَضَ علَيهم، فلا يَسقُطْ وَجهكَ. تَكلَّمتُ ولَن تَسقُطَ كلِمةٌ مِن كَلماتي" [9].
وأَمَرَ أَليفانا خُدَّامه القائمينَ في خَيمَتِه.بِأَن يُمسِكوا أَحْيور ويَذهَبوا بِه إلى بَيتَ فَلْوى ويُسلِموه إلى أَيدي بَني إسْرائيل [10].
فأَمسَكَه خُدَّامه وقادوه خارِجَ المُعَسكَرِ إلى السَّهْل، وذَهَبوا مِن وَسَطِ السَّهل نَحوَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة، ووَصَلوا إلى إلىَنابيعِ الَّتي كانَت إلى أَسفَلِ بَيتَ فَلْوى [11].
ولَمَّا رآهُم رِجالُ المَدينةِ الواقِعَةِ على رأسِ الجَبَل، أَخَذوا أَسلِحَتَهم وخَرَجوا مِنَ المَدينةِ إلى رأسِ الجَبَل، وجَميعُ الرِّجالِ الَّذينَ مَعَهم مَقاليعُ كانوا يَرْمونَهم بالحِجارة لِمَنعِهم مِنَ الصُّعود [12].
فتَسَلَّلوا في أَسفَلِ الجَبَلِ ورَبَطوا أَحْيور وتَركوه طَريحًا عند سَفحِ الجبَل، ورَجَعوا إلى سَيِّدِهم [13].
فنَزَلَ بَنو إِسْرائيلَ مِن مَدينتِهم وأَتَوه وحَلُّوه وقادوه إلى بَيتَ فَلْوى وقَدَّموه إلى رُؤَساءَ مَدينَتِهم [14].
وكانوا في تِلكَ الأَيَّام عُزَيَّا بنَ مِيخا مِن سِبطِ شِمْعون وكَبْري بنَ عُتْنيئيل وكَرْمي بنَ مَلْكيئيل [15].
فدَعَوا جَميعَ شُيوخِ المَدينة، وأَسرَعَ جَميعُ الشُّبَّانِ والنِّساءَ إلى المَجلِس. وأَقاموا أَحْيورَ في وَسْطِ شَعبِهِم كُلِّه، فسَأَلَه عُزَيَّا عَمَّا جَرى [16].
فأَجابَ وأَخبَرَهم بِما قيلَ في مَجلِسِ أَليفانا وبِكُلِّ ما قالَه في رُؤَساءِ بَني أَشُّور وبِمَا فاهَ بِه أَليفانا مِن كَلامِ تَبَجُّحٍ على بَيتِ إِسْرائيل [17].
فارتَمى الشَّعبُ وسَجَدَ للِه وصَرَخَ قائلًا: [18]
"أَيُّها الرَّبّ، إِلهُ السَّماء، اُنظُرْ إلى كِبرِيائِهم، وارحَمْ تَذَلُّلَ نَسْلِنا، وانظُرْ قي هذا اليَوم إلى وَجهِ المقَدَّسين لَك" [19].
وشدَّدوا عَزيمةَ أَحْيور وأَثنَوا علَيه ثَناءً عَظيمًا [20].
وذَهَبَ بِه عُزَيَّا مِنَ المَجلِسِ إلى بَيتِه وأَقامَ مأدُبةً لِلشُّيوخ. واستَغاثوا بإِلهِ إِسْرائيلَ ذلكَ اللَّيلَ كُلَّه [21].


محاصرة بيتَ فَلْوى



1. حملة على إسرائيل

أشار بنو عمون وموآب على أليفانا ألا يحاربهم بالقتال فإن بني إسرائيل رجال جبال وتلال، لكن يقيم حراسة على الينابيع حتى تجف فيستسلموا بسبب العطش.
ارتجف الشعب وثاروا على عزيا لأنه لم يستسلم لأليفانا، وها هم يموتون عطشًا. بكى عزيا وطلب منهم أن ينتظروا رحمة الله، سائلًا أن لا يستسلموا لمدة خمسة أيام، فإن لم يقدم الله لهم معونة يفعلون ما يريدون.
وفي الغَدِ أَمَرَ أَليفانا جَميعَ قُوَّاتِه
وكُلَّ شَعبه الَّذي انضِمَّ إِليه لِمُناصَرَته
بِالرَّحيلِ والزًّحْفِ على بَيتَ فَلْوى،
وباحتِلالِ مُنحَدَراتِ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،
وبِشَنِّ المَعركَةِ على بَني إِسْرائيل [1].
وفي ذلك اليَوم نَفسِه،
رَحَلَ مِنهُم كُلُّ رَجُلِ حَرْب.
وكانَ جَيشُ رِجالِ الحَرْبِ مِائةً وسبعينَ أَلفًا مِنَ المُشاة
واثَني عَشَرَ أَلفًا مِنَ الفُرْسان،
ماعَدا الأَمتِعةَ والرِّجالَ المُتَرَجِّلينَ المُنضمِّينَ إِلَيهم،
فكانوا جَمْعًا غَفيرًا جِدًّا [2].
خرج أليفانا للحملة ضد الأمم ومعه 120 ألف جنديًا و12 ألف فارسًا، ويبدو أن حوالي 50 ألفًا من المشاة انضمت إلى جيشه من جنود الأمم التي طلبت منه العفو. بينما كان عدد الجنود لبيت فلوي لا يتعدى الألف، إن اعتبرنا أن تعداد سكان بيت فلوي كله لا يتعدى عشرات الألوف. فليس من تكافؤ بين الجيشين. فقد أراد الله تأكيد أنه "لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود. من أنت أيها الجبل العظيم، أمام زربابل، تصير سهلًا" (زك 4: 7).
يقصد بالرجال المترجلين، الرجال الذين كانوا جنودًا لا للدخول في المعارك مع زملائهم، وإنما كانوا متفرغين لقيادة الحيوانات الحاملة المئونة للجيش.
فعَسكَروا في الوَادي المُجاوِرِ لِبَيتَ فَلْوى عِندَ عَينِ الماء،
وانتَشَروا في العُمْقِ مِن دوتانَ Dothaim إلى بَلْما Belmaim ،
وفي الطُّولِ مِن بَيتَ فَلْوى إلى قَليمونَ Cynamon الَّتي قُبالةَ يِزْرَعيل Esdraelon [3].
استعد المشاة والفرسان للحرب معًا ضد بني إسرائيل، وصعدوا على قمة التل الذي يطل على دوثان Dothan، من الموضوع الذي يُدعى بلما Belna إلى كيلمون Chelmon المقابلة ل Esdraelon (يحسب النص في Douay). أما النص اليوناني فأشار أنهم عسكروا في الوادي بالقرب من بيت فلوي بجوار الينبوع، وانتشروا في دوثان Dothan حتى بلبيم Balbaim، على امتداد من بيت فلوي إلى كايمون Caymon التي في مواجهة Esdraelon.
بلماBelmaim, Belbaim: مدينة تقع بالقرب من تل دوثان (دوثائين) على طريق للقوافل وبالقرب من السامرة. ربما هي المدينة المذكورة في 8: 3، وتدعى بلمون والتي كان يقع بالقرب منها الحقل الذي مات في منسى زوج يهوديت. وربما كانت هي أيضًا بيباي المذكورة في 15: 4 من بين البلاد التي أرسل إليها عزيا لمطاردة الأعداء.
يظن البعض أنها آبل بيت معكة المذكورة في 2صم20: 14، تقع في شمال فلسطين التي طارد إليها يوآب شبع بن بكري. ويرى آخرون أنها كانت مملكة صغيرة ذُكرت في سجلات تحتمس الثالث للمدن التي غزاها.
قليمون Cyamon، الاسم اليوناني للكلمة Okneam، وردت في 1 مل 4: 12؛ 1 أي 6: 68، تحت يقمعام، وهي كلمة عبرية معناها "يقيم الشعب"، وتحت اسم قرتان (يش21: 32). وقد أخذت هذا الاسم "قليمون" في العصر الهيليني، وتقع على مسافة 12 كم شمال غرب مجدو، أمام وادي يزرعيل، وبالقرب من سهل شارون في طرف مرج بن عامر على طريق عكا، ومكانها اليوم كفر كاما. وقد وردت قليمون في قائمة المدن التي استولى عليها تحتمس الثالث، حيث ترد في اللغة العبرية يقنعام، وتُسمى حاليًا تل قليمون أو التلاميذ يوكنيم بجانب عين كيمون.
أَمَّا بنو إِسْرائيل، فلَمَّا رَأَوا كَثرَتَهم
اِرتَعَدوا ارتِعادًا شَديدًا
وقالَ كُلُّ واحِدٍ لِقَريبِه:
"والآن سيَجتَزُّ هؤلاءَ وَجهَ الأَرضِ كُلِّها،
فلا الجِبالُ العالِية ولا الوِديان ولا التلال تَقِفُ أَمامَ قُوَّتِهم" [4].
ثُمَّ أَخَذَ كُلُّ واحِدٍ عُدَّتَه الحَربِيَّة،
وأَشعَلوا النِّيرانَ على أَبْراجِهم،
وظَلُّوا يَحرِسونَ طَوالَ تلكَ اللَّيلة [5].
إشعالهم النار فوق الأبراج يعني يقظتهم وسهرهم ومراقبتهم للموقف.
2. مشورة قُوَّادِ بَني عيسو وموآب والسَّاحِلِ

وفي اليَوم الثَّاني أَخرَجَ أَليفانا جَميعِ فُرسانِه في وَجهِ بَني إِسرائيلَ
الَّذينَ كانوا في بَيت فَلْوِى [6].
وفَحَصَ المُنحدَرَاتِ المُؤَدِّيةَ إلى مَدينتِهم،
وتفَقَّدَ كُلَّ عَينِ ماء واحتَلَّها،
وجَعَلَ فيها مَواقِعَ مُقاتِلين،
ورَجَعَ هو إلى جَيشِه [7].
جاء في الفولجاتا:
[الآن إذ سار هولوفرنيس وجد ينبوعًا كان يمدهم بالماء، يجري خلال قناة خارج المدينة في الجانب الجنوبي، فأمر باغلاق القناة. إلا أنه كان يوجد ينابيع ليست بعيدة عن الأسوار، كانوا يسحبون منها الماء خفية، ويشربون منها القليل، لا تكفي لإروائهم تمامًا (يهو 7: 6-7).]
فدَنا إِلَيه جَميعُ رُؤَساءِ بَني عيسو
وجَميعُ قُوَّادِ شَعبِ موآب وقُوَّادُ السَّاحِلِ وقالوا [8].
يبرز هنا رؤساء أدوم وموآب وقواد الساحل ليظهروا حقدهم على بني إسرائيل. كانوا أعداءً تقليديين لليهود استمرت لقرونٍ طويلة، يقول عنهم يوسيفوس: "إنهم يكرهوننا جدًا"
بقدر ما كان لبيت فلوي من امتيازات بسبب الجبال التي تحيط بها وتحميها، فإن نقطة الضعف هناك قلة المياه وصعوبة الحصول عليها داخل المدينة.
كثير من المدن سقطت بعد حصارها متى حُرمت من مصادر المياه، خاصة إن كانت لا تتمتع بسقوط أمطارٍ عليها. على سبيل المثال: سقطت السامرة سنة 722 ق.م. عندما حاصرها الأشوريين، وكانت تعتمد على الينابيع وماء الأنهار. ظن الآراميون قديمًا أن إله اليهود إله الجبال، وأن آلهة المياه أقوى من آلهة الجبال.
"لِيَسمَعْ سَيِّدُنا كَلِمةً،
لِئَلاَّ نَقَعَ خَسائِرُ في جَيشِكَ [9].
فإِنَّ شَعبَ بَني إِسْرائيلَ هذا لا يتَّكِلُ على رِماحِه،
بل على عُلُوِّ الجبالِ الَّتي يُقيمُ فيها.
ولَيسَ مِنَ السَّهْلِ الصُّعودُ إلى رُؤُوسِ جِبالِه [10].
والآن، يا سيِّد، فلا تُقاتِلْهم كما يُقاتَلُ في مَعرَكةٍ مُنَظَّمة،
فلا يَسقُطَ مِن جَيشِكَ ولا رَجُلٌ واحِد [11].
أِبْقِ في مُعَسكَرِكَ مُحافِظًا على جَميعِ رِجالِ جَيشِكَ،
ولْيَستَولِ رِجالُكَ على عَينِ الماء الخارِجِ مِن سَفْحِ الجَبَل [12].
هنا تدخل القادة المحليون من آدوم وموآب لينصحوا أليفاز أنه ليس من حاجة للمخاطرة بجندي واحد من جيشه بالسلوك الطبيعي في المعركة بينما يستطيع أن يخضع مقاوميه بقطع مئونة المياه عنهم.
يفهم من النص أن العين الرئيسية هي التي شُق لها مجرى إلى داخل المدينة، بينما لم تكن كمية الماء التي تدرها الينابيع الصغيرة بكافية لتوصلها إلى داخل المدينة. وكان الماء في المجرى يجري ليجتمع في جب بئر عميق يقوم السكان برفعه عن طريق الشادوف أو السواقي. وكانو يخزنون الماء في أحواضٍ معدة لذلك.
فمِن هُناكَ يَستَقي جَميعُ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى.
والعَطَشُ يُهلِكُهم فيُسلِمون مَدينَتَهم.
ونَحنُ وجَيشُنا نَصعَدُ إلى رُؤُوسِ الجِبالِ القَريبة
ونُعَسكِرُ فيها كما في مَوقِعٍ أَماميّ،
لِئَلاَّ يَخرُجَ أَيُّ رَجُلٍ مِنَ المَدينة [13].
طلب قادة الجيوش الخاضعة لأليفانا أن يصعدوا هم إلى رؤوس الجبال القريبة ويعسكروا ليقتنصوا كل من يخرج من المدينة لطلب الماء. وقد كانت عادة الملوك القدماء استخدام جنود الحلفاء أو الخاضعين لهم من أممٍ أخرى ضد العدو، خاصة إن وجدت عداوة بينهم. وذلك كما استخدم بيلاطس بنطس فرقًا من الجنود السامريين في إخماد ثورات اليهود. من هنا فقد استعان أليفانا بجنود العمونيين وهم كثيرون (يهو 7: 17-18) لحراسة عيون الماء، واشترك معهم الأدوميون، واحتلوا المنطقة جميعها فيما يشبه الحصار الكامل.
فيَذوبونَ جوعًا هُم ونِساؤُهم وأَولادُهم،
وقَيلَ أَن يُدرِكَهُمُ السَّيفُ يُصرَعونَ في شَوارعِ مدينَتِهم [14].
فتُكافِئُهم شَرَّ مُكافأَةٍ على تمردهم،
وعلى عَدَمِ الذَّهابِ لِمُلاقاةِ وَجهِكَ في سَلام" [15].
3. احتلال عُيونَ ماءِ بَني إِسْرائيلَ وينابيعَهم

فحَسُنَ كلامُهم عِندَ أَليفانا
وعِندَ جَميعِ ضُبَّاطِه،
وأَمَرَ بِالعَمَلِ بحَسَبِ قَولهم [16].
إدراك القائد أنه يصعب اقتحام المدينة بسبب العوامل الجغرافية. فعوض المغامرة باقتحام المدينة التجأ إلى محاصرتها وقطع موارد الماء عنها، وذلك لتحقيق الأهداف التالية:
أولًا: تعرض الشعب للجوع والعطش مما يدفعهم إلى الضغط على قادتهم بتسليم المدينة.
ثانيًا:خلال الحصاروحرمان الشعب من الماء يسقطون في التذمر، فيفقدوا العون الإلهي.
ثالثًا: يجد الشعب ضرورة استهلاك نصيب الله من العشور والبكور بسبب المجاعة فيحل عليهم غضب الله.
وقد حدث فعلًا أن نفذ الماء عن المدينة، وحلت المجاعة، وبعد خمسة أسابيع تذمر الشعب على القادة، قائلين بأنه كان أفضل لهم أن يستسلموا للعدو ويعيشوا عبيدًا عن أن يموتوا جوعًا.
فتَحَرَّكَ جَيشٌ مِن بَني عَمُّوَن
ومَعَهم خَمْسَةُ آلافٍ مِن بَني أَشُّور،
وعَسكَروا في الوَادي،
واحتَلُّوا عُيونَ ماءِ بَني إِسْرائيلَ وينابيعَهم [17].
يرى البعض أن خمسة آلاف جندي هو عدد كبير بالنسبة لمهمة بسيطة مثل هذه، لكن هذا العدد ليس بكثيرٍ بالنسبة لتعداد الآشوريين مع حلفائهم. وقد ورد في الترجمة اللاتينية أن أليفانا وضع على كل عين فرقة من مائة جندي.
إذ حُسن في عيني أليفاز ورجاله مشورة قادة أدوم وموآب، أصدر أمره بالتنفيذ. فتحرك من جيش العمونيين ومعهم 5000 جنديًا من الآشوريين، وعسكروا في الوادي، ووضعوا أياديهم على مصدر المياه وينابيع الإسرائيليين، ثم صعد الأدوميون والعمونيون وعسكروا على المرتفعات التي في مقابل دوثان، وأرسلوا بعض رجالهم نحو الجنوب والشرق تجاه أغريبا Egrebeh بجوار Chusi بالقرب من وادي مخمور Wadi Mochmur. أما بقية الآشوريون فبقوا في السهل، وغطوا وجه الأرض.
وصَعِدَ بَنو عِيسو وبَنو عَمُّون،
وعَسكَروا في النَّاحيةِ الجَبَلِيَّة قُبالةَ دوتائين
وأَرسَلوا أُناسًا مِنهُم نَحوَ الجَنوبِ والشَّرقِ
قُبالةَ أَغرَبيلَ Ekrebel الَّتي بِالقُربِ مِن خُوس Chusi عِندَ وادي مُخْمور Mochmur.
وعَسكَرَت بَقِيَّةُ قُوَّاتِ الأَشّوريينَ في السَّهْل،
فغَطَّت وَجهَ الأَرضِ كلَّه،
وعَسكَرَت خِياَمُهم وأَمتِعَتُهم في كُتلَةٍ ضَخْمة،
فقد كانوا جَمعًا غفيرًا جِدًّا [18].
أغربيل Ekrebel, Egrebel,Aqrabeh: موقع في جنوب شرقي دوثان بجوار خوس يصل بينهما جدول مخمور وقد رفض أهلها وهم عمونيون وموآبيون أن يمدوا بني إسرائيل بالخبز والماء عند عبورهما من هناك، وتحالفت فيما بعد مع أشور ضد إسرائيل، وربما كانت هي Akrabeh الواقعة على بعد 40 كم شمال أورشليم.
خوس Chusi أو Chous: تقع غرب اغربيل، وبالقرب من شكيم، جنوب نابلس الحديثة. يرى بعض الدارسين أنها قرية Quezh الحالية، تبعد حوالي ستة أميال من نابلس Nablus.
مخمور Mochmur: يرى البعض أنه وادٍ يقع جنوب شرقي دوثان، وربما هو وادي مخفولية Makhfrlyeh جنوب نابلس، تدعى باللاتينية Machur. يرىAvi-yanoh وأهارون Aharon أنه وادي كانا Wadi Qana، يبعد حوالي 15 ميلًا من أغربيل.
4. صَراَخ بَني إِسْرائيل إلى الرَّبِّ إلهِهم

وخارَت عَزيمَةُ بَني إِسْرائيل،
فصَرَخوا إلى الرَّبِّ إلهِهم،
لأنَّ جَميعَ أَعْدائِهم طَوَّقوهم،
ولم يكُن هُناكَ سَبيلٌ إلى الإفْلاتِ مِن وَسْطِهم [19].
يمكننا أن ندرك مدى تأثير الحصار على مدينة تُحرم من الطعام والشراب مما حدث أثناء حصار أورشليم عام 70م، فقد روى يوسيفوس أن إحدى النساء ذبحت طفلها وأكلته. فلا نعجب من قول الكاتب "خارت عزيمة بني إسرائيل"، فقد لاح الموت لسكان بني فلوي، وبدأ اليأس يتطرق إلى قلوبهم، خاصةً وهم يرون أطفالهم كادوا أن يموتوا بسبب العطش. لقد خارت عزيمتهم بسبب الضعف البشري.
وظَلَّ حَولَهم كُلُّ مُعَسكَرِ أَشُّور،
مِنِ مُشاةٍ ومَركَباتٍ وفُرْسان،
مُدَّةَ أَربَعةٍ وثَلاثين يَومًا.
فنَفِدَت لدى جَميعِ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى آنِيَةُ الماءَ جَميعُها [20].
وجَفَّتِ الآبار ولم يكُنْ عِندَهم مِنَ الماءِ ما يُرْويهِم يَومًا واحِدًا،
لأنَّ ماءَ الشّرْبِ كانَ يُقَنَّنُ علَيهم [21].
لا تزال توجد جباب على قمة جبل تابور حتى الآن.
وكانَ أَطفالُهم خائِرِي القِوى،
وكانَ النِّساءُ والشُّبَّانُ مَنْهوكينَ مِنَ العَطَش،
وكانوا يَسقُطونَ في شَوارِعِ المَدينة وفي مَمَرَّاتِ الأَبْواب،
فلم تَعُدْ فيهِم أَيَّةُ قوة [22].
5. يأس الشعب

فاجتَمَعَ كُلُّ الشَّعبِ، مِن شُبَّان ونِساءٍ وأَولاد،
على عُزَيَّا وعلى رُؤَساءَ المَدينة،
وصَرَخوا بِصَوتٍ عَظيمٍ، فقالوا أَمامَ جَميعِ الشُّيوخ [23].
"لِيَحكُمِ اللهُ بَينَكم وبَينَنا،
فقد أَلْحَقْتُم بِنا ضَرَرًا جَسيمًا،
إِذ لِم تُكَلِّموا بَني أَشُّورَ كَلامَ سَلام [24].
طلبوا تسليم المدينة لأليفانا، إذ كانوا يعلمون أن العمل كعبيدٍ للآشوريين أفضل بكثيرٍ من مصيرهم إن اقتحم أليفانا المدينة واستولى عليها. فقد كان من عادة الغزاة التنكيل بسكان المدن المقاومة متى هزموها والانتقام منهم. فلا يكتفون بقتلهم إنما يذيقونهم العذاب. على سبيل المثال عندما غزا لاسكندر الأكبر صور وغزة صلب منهم آلافًا على طول الطريق هناك، كما قام بتعذيب قائد غزة الفارسي عذابًا مروعًا.
صار عزيا في موقف شبيه بما حدث مع موسى النبي حين تذمر الشعب عليه بسبب العطش (عد 20: 2-13).
والآن، فإِنَّه لَيسَ لَنا مِن معين،
بل باعَنا اللهُ إلى أَيديهِم لِنُصرَعَ أَمامَهم في عَطَشٍ وهَلاكٍ عَظيمَين [25].
ورد هذا التعبير في إستير 4:7، وهو يفهم بالمعنى الوارد في إشعياء 50: 1؛ 52: 3، حيث يؤكد الله أن إسرائيل لم يُبع بمالٍ، بل بالحري جاء تعبير "بيع" هنا مجازًا ليعبر عن دخولهم في العبودية أو سقوطهم في الأسر. وكما جاء في سفر اللاويين: "وإذا افتقر أخوك عندك وبيع لك فلا تستعبده استعباد عبدٍ" (لا 25: 39). ويقول الرسول بولس: "وأما أنا فجسدي، مبيع تحت الخطية" (رو7: 14).
والآن فادْعوهم،
وأَسلِموا المَدينةَ كُلَّها لِلنَّهْبِ إلى شَعبِ أَليفانا وكُلِّ جَيشِه [26].
فخَيرٌ لَنا أَن نَكونَ غنيمَتَهم،
لأَنَّنا نَصيرُ عَبيدًا وتَحْيا نُفوسُنا،
ولا نَرى بِأَعيُننا أَطْفالَنا يَموتون،
ونِساءَنا وأَولادَنا يَلفِظونَ أَرْواحَهم [27].
نَستَحلِفُكم بِالسَّماءِ والأَرضِ وبإِلهِنا ورَبِّ آبائِنا،
الَّذي يُعاقِبُنا بِسَبَبِ خطايانا وخطايا آبائِنا،
أَن تَعمَلوا بِهذا الكَلامِ في هذا اليَوم نَفسِه" [28].
كانت العقيدة الراسخة لدى اليهود بين الضيقات التي تحل بهم، سواء على مستوى الأشخاص أو الجماعة، علتها الخطية، خطية الشخص وخطايا آبائه. وكما جاء في (سفر الخروج 20: 5 ومراثي 5: 7) أن الله يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء.
وارتَفَعَ في وَسْطِ الجَماعَةِ كُلِّها نَحيبٌ شَديدٌ كنَحيبِ رَجُلٍ واحِد،
وصَرَخوا إلى الرَّبِّ الإِلهِ بِصوتٍ عَظيم [29].
6. عزيا يطالبهم بأن يعطوا الرب مهلة خمسة أيام

فقالَ لَهم عُزَيَّا: "تَشَجَّعوا، يا إِخوَتي،
لِنَصمُدْ خَمسةَ أَيَّامٍ أَيضًا يُحَوِّلُ فيها الرَّبُّ إِلهُنا رَحمَتَه إِلَينا،
فإِنَّه لن يَترُكَنا حتَّى النَهاية [30].
أخطأ عزيا حيث حدد زمنًا معينًا (خمسة أيام) لعمل الله، وإلاَّ يستسلم للأعداء، وقد وبخته يهوديت على هذا القول، لأن فيه عدم إيمان وعدم تسليم حقيقي لله أن يعمل كيفما يشاء وفي الوقت اللائق. غير أننا لا نتجاهل الجانب الإيماني وثقة عزيا الحتمية، إذ يقول: "فإنه لن يتركنا حتى النهاية"
لماذا حدد الموعد بخمسة أيام؟
‌أ. ربما لم تكن في نية عزيا تسليم المدينة نهائيًا، وإنما قال هذا لتهدئة مشاعر الشعب المضطربة. وقد حدد الزمن ربما لأن المئونة والماء الذين بالمدينة لم يكونا يكفيان إلاَّ لمدة خمسة أيام.
‌ب. لعله تحدث معهم في يوم الاثنين، فأقنعهم بالانتظار حتى ينتهي يوم السبت بكونه يوم الراحة الذي تقدم فيه ذبائح وتقدمات وعبادة بصورة خاصة.
وإِن مَضَت تِلكَ الأَيَّامُ ولم تأتِنا الإِغاثة، عَمِلتُ بِقَولِكم" [31].
وفَرَّقَ الشَّعبَ كُلَّ واحِدٍ إلى مَركَزِه،
فانصَرَفوا إلى أَسْوارِ مَدينَتِهم وأَبراجِها،
وأَرسَلوا النِّساءَ والأَولادَ إلى بُيوتهم.
وكانوا بالمَدينةِ في انهِيارٍ شديد [32].
2. حصار بيتَ فَلْوى
حملة على إسرائيل
نص الأصحاح السابع
وفي الغَدِ أَمَرَ أَليفانا جَميعَ قُوَّاتِه وكُلَّ شَعبه الَّذي انضِمَّ إِليه لِمُناصَرَته بِالرَّحيلِ والزًّحْفِ على بَيتَ فَلْوى وباحتِلالِ مُنحَدَراتِ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة وبِشَنِّ المَعركَةِ على بَني إِسْرائيل [1].
وفي ذلك اليَوم نَفسِه، رَحَلَ مِنهُم كُلُّ رَجُلِ حَرْب. وكانَ جَيشُ رِجالِ الحَرْبِ مِائةً وعِشْرينَ أَلفًا مِنَ المُشاة وآثَني عَشَرَ أَلفًا مِنَ الفُرْسان، ما عَدا الأَمتِعةَ والرِّجالَ المُتَرَجِّلينَ المُنضمِّينَ إِلَيهم، فكانوا جَمْعًا غَفيرًا جِدًّا [2].
فعَسكَروا في الوَهدَةِ المُجاوِرةِ لِبَيتَ فَلْوى عِندَ عَينِ الماء، وانتَشَروا في العُمْقِ مِن دوتانَ إلى بَلْما، وفي الطُّولِ مِن بَيتَ فَلْوى إلى قَليمونَ الَّتي قُبالةَ يِزْرَعيل [3].
أَمَّا بنو إِسْرائيل، فلَمَّا رَأَوا كَثرَتَهم اِرتَعَدوا آرتِعادًا شَديدًا وقالَ كُلُّ واحِدٍ لِقَريبِه: "والآن سيَجتَزُّ هؤلاءَ وَجهَ الأَرضِ كُلِّها، فلا الجِبالُ العالِية ولا الوِهادُ ولا الرَّوابي تَقِفُ أَمامَ قُوَّتِهم" [4].
ثُمَّ أَخَذَ كُلُّ واحِدٍ عُدَّتَه الحَربِيَّة وأَشعَلوا النِّيرانَ على أَبْراجِهم وظَلُّوا يَحرِسونَ طَوالَ تلكَ اللَّيلة [5].
وفي اليَوم الثَّاني أَخرَجَ أَليفانا جَميعِ فُرسانِه في وَجهِ بَني إِسرائيلَ الَّذينَ كانوا في بَيت فَلْوِى [6].
وفَحَصَ المُنحدَرَاتِ المُؤَدِّيةَ إلى مَدينتِهم وتفَقَّدَ كُلَّ عَينِ ماء واحتَلَّها وجَعَلَ فيها مَواقِعَ مُقاتِلين ورَجَعَ هو إلى جَيشِه [7].
فدَنا إِلَيه جَميعُ رُؤَساءِ بَني عيسو وجَميعُ قُوَّادِ شَعبِ موآب وقُوَّادُ السَّاحِلِ وقالوا [8].
"لِيَسمَعْ سَيِّدُنا كَلِمةً، لِئَلاَّ نَقَعَ خَسائِرُ في جَيشِكَ [9].
فإِنَّ شَعبَ بَني إِسْرائيلَ هذا لا يتَّكِلُ على رِماحِه، بل على عُلُوِّ الجبالِ الَّتي يُقيمُ فيها. ولَيسَ مِنَ السَّهْلِ الصُّعودُ إلى رُؤُوسِ جِبالِه [10].
والآن، يا سيِّد، فلا تُقاتِلْهم كما يُقاتَلُ في مَعرَكةٍ مُنَظَّمة، فلا يَسقُطَ مِن جَيشِكَ ولا رَجُلٌ واحِد [11].
إِبْقِ في مُعَسكَرِكَ مُحافِظًا على جَميعِ رِجالِ جَيشِكَ، ولْيَستَولِ رِجالُكَ على عَينِ الماء الخارِجِ مِن سَفْحِ الجَبَل [12].
فمِن هُناكَ يَستَقي جَميعُ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى. والعَطَشُ يُهلِكُهم فيُسلِمون مَدينَتَهم. ونَحنُ وجَيشُنا نَصعَدُ إلى رُؤُوسِ الجِبالِ القَريبة ونُعَسكِرُ فيها كما في مَوقِعٍ أَماميّ، لِئَلاَّ يَخرُجَ أَيُّ رَجُلٍ مِنَ المَدينة [13].
فيَذوبونَ جوعًا هُم ونِساؤُهم وأَولادُهم، وقَيلَ أَن يُدرِكَهُمُ السَّيفُ يُصرَعونَ في شَوارعِ مدينَتِهم [14].
فتُكافِئُهم شَرَّ مُكافأَةٍ على عِصْيانِهم وعلى عَدَمِ الذَّهابِ لِمُلاقاةِ وَجهِكَ في سَلام" [15].
فحَسُنَ كلامُهم عِندَ أَليفانا وعِندَ جَميعِ ضُبَّاطِه، وأَمَرَ بِالعَمَلِ بحَسَبِ قَولهم [16].
فتَحَرَّكَ جَيشٌ مِن بَني عَمُّوَن ومَعَهم خَمْسَةُ آلافٍ مِن بَني أَشُّور وعَسكَروا في الوَهدَة واحتَلُّوا عُيونَ ماءِ بَني إِسْرائيلَ وينابيعَهم [17].
وصَعِدَ بَنو عِيسو وبَنو عَمُّون وعَسكَروا في النَّاحيةِ الجَبَلِيَّة قُبالةَ دوتائين وأَرسَلوا أُناسًا مِنهُم نَحوَ الجَنوبِ والشَّرقِ قُبالةَ أَغرَبيلَ الَّتي بِالقُربِ مِن خُوس عِندَ سَيلِ مُخْمور. وعَسكَرَت بَقِيَّةُ قُوَّاتِ الأَشّوريينَ في السَّهْل فغَطَّت وَجهَ الأَرضِ كلَّه، وعَسكَرَت خِياَمُهم وأَمتِعَتُهم في كُتلَةٍ ضَخْمة، فقد كانوا جَمعًا غفيرًا جِدًّا [18].
وخارَت عَزيمَةُ بَني إِسْرائيل فصَرَخوا إلى الرَّبِّ إلهِهم، لِأَنَّ جَميعَ أَعْدائِهم طَوَّقوهم، ولم يكُن هُناكَ سَبيلٌ إلى الإفْلاتِ مِن وَسْطِهم [19].
وظَلَّ حَولَهم كُلُّ مُعَسكَرِ أَشُّور، مِنِ مُشاةٍ ومَركَباتٍ وفُرْسان، مُدَّةَ أَربَعةٍ وثَلاثين يَومًا. فنَفِدَت لدى جَميعِ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى آنِيَةُ الماءَ جَميعُها [20].
وجَفَّتِ الآبار ولم يكُنْ عِندَهم مِنَ الماءِ ما يُرْويهِم يَومًا واحِدًا، لِأَنَّ ماءَ الشّرْبِ كانَ يُقَنَّنُ علَيهم [21].
وكانَ أَطفالُهم خائِرِي القِوى، وكانَ النِّساءُ والشُّبَّانُ مَنْهوكينَ مِنَ العَطَش وكانوا يَسقُطونَ في شَوارِعِ المَدينة وفي مَمَرَّاتِ الأَبْواب، فم تَعُدْ فيهِم أَيَّةُ عَزيمة [22].
فاجتَمَعَ كُلُّ الشَّعبِ، مِن شُبَّان ونِساءٍ وأَولاد، على عُزَيَّا وعلى رُؤَساءَ المَدينة وصَرَخوا بِصَوتٍ عَظيمٍ فقالوا أَمامَ جَميعِ الشُّيوخ [23].
"لِيَحكُمِ اللهُ بَينَكم وبَينَنا، فقد أَلْحَقْتُم بِنا ضَرَرًا جَسيمًا، إِذ لِم تُكَلِّموا بَني أَشُّورَ كَلامَ سَلام [24].
والآن، فإِنَّه لَيسَ لَنا مِن نَصير، بل باعَنا اللهُ إلى أَيديهِم لِنُصرَعَ أَمامَهم في عَطَشٍ وهَلاكٍ عَظيمَين [25].
والآن فادْعوهم وأَسلِموا المَدينةَ كُلَّها لِلنَّهْبِ إلى شَعبِ أَليفانا وكُلِّ جَيشِه [26].
فخَيرٌ لَنا أَن نَكونَ غنيمَتَهم، لأَنَّنا نَصيرُ عَبيدًا وتَحْيا نُفوسُنا ولا نَرى بِأَعيُننا أَطْفالَنا يَموتون ونِساءَنا وأَولادَنا يَلفِظونَ أَرْواحَهم [27].
نَستَحلِفُكم بِالسَّماءِ والأَرضِ وبإِلهِنا ورَبِّ آبائِنا، الَّذي يُعاقِبُنا بِسَبَبِ خطايانا وخطايا آبائِنا، أَن تَعمَلوا بِهذا الكَلامِ في هذا اليَوم نَفسِه" [28].
وارتَفَعَ في وَسْطِ الجَماعَةِ كُلِّها نَحيبٌ شَديدٌ كنَحيبِ رَجُلٍ واحِد وصَرَخوا إلى الرَّبِّ الإِلهِ بِصوتٍ عَظيم [29].
فقالَ لَهم عُزَيَّا: "تَشَجَّعوا، يا إِخوَتي، لِنَصمُدْ خَمسةَ أَيَّامٍ أَيضًا يُحَوِّلُ فيها الرَّبُّ إِلهُنا رَحمَتَه إِلَينا، فإِنَّه لن يَترُكَنا حتَّى النَهاية [30].
وإِن مَضَت تِلكَ الأَيَّامُ ولم تأتِنا الإِغاثة، عَمِلتُ بِقَولِكم" [31].
وفَرَّقَ الشَّعبَ كُلَّ واحِدٍ إلى مَركَزِه، فانصَرَفوا إلى أَسْوارِ مَدينَتِهم وأَبراجِها، وأَرسَلوا النِّساءَ والأَولادَ إلى بُيوتهم. وكانوا بالمَدينةِ في انهِيارٍ شديد [32].


الله واهب النصرة

يهوديت 8-16
غيرة يهوديت على شعب الله

اتسمت يهوديت بالتقوى:

ا. كرّست غرفة سرية في أعلى البيت تقيم فيها مع جواريها، فقد آمنت بالحياة السرية مع الله.
ب. كانت ترتدي المسوح على حقويها.
ج. كانت تصوم كل أيام حياتها ما عدا أيام الأعياد الأسبوعية والشهرية والسنوية.
د. نالت شهرة عظيمة لا من أجل جمالها الباهر وإنما من أجل تقواها.
ه. بالإيمان الحيّ رفضت تحديد زمان لعمل الله، وطالبت أن يقدموا توبة بروح التواضع.
و. دبّرت خطة لمقابلة أليفانا دون أن تخبر أحدًا، إنما طلبت مساعدتهم: "لا تصنعوا شيئًا غير الصلاة عني إلى الرب إلهنا" (يهو 33:8).

1. تعريف يهوديت

وفي تِلكَ الأَيَّام بَلَغ الخبَرُ يَهوديت،
بِنتَ مَرارِيَ Merari بنِ أَخْسَ Ox بن يوسفَ Joseph بنِ عُزِّيئيلَ Ozel بنِ حِلْقِيَّا Elcia بنِ حَنَنْيا Ananiah بن جِدعَونَ Gedeon بنِ رافائيمَ Raphaim بنِ أَحيطوبَ Acitho بنِ إِيليَّا Eliu بنِ حِلْقِيَّا بنِ أَليآبَ Eliab بنِ نَتَنائيلَ Nathanael بنِ شَلوميئيلِ Samael بنِ صورِشَدَّايَ Salasadal بنِ إِسْرائيل [1].
يقدم لنا السفر أنساب يهوديت إلى الجيل السادس عشر حيث يبلغ إلى رئيسين مشهورين من سبط شمعون معاصرين لموسى النبي، وقد قام بتعينهما، وهما سالاميل وساراسداي (عد 2: 12). هكذا ترجع يهوديت إلى أصل نبيل.
ذكر التفاصيل الخاصة بنسب يهوديت يؤكد أنها ليس قصة خيالية أو رمزية بل واقع تاريخي لشخصية حقيقية. وكما جاء في دائرة المعارف الكاثوليكية أن ذكر تفاصيل موت رجلها منسَّى (يهو 8: 2-4) يجعل من الصعب أن تُحسب قصتها كفن قصصي، إنما يؤكد أن يهوديت هي بطلة تاريخية حقيقية.
أورد الكاتب سلسلة نسب يهوديت لستة عشر جيلًا، فهي يهودية تحرص على التعرف على الأنساب. وقد كان اليهود يلقنون اطفالهم سلسلة نسبه، فما أن تسأل الطفل اليهودي حتى يسرد قائمة طويلة عن آبائه وأجداده؛ وهذه علامة اعتزازه بانتسابه الأصيل للأمة اليهودية كشعب الله.
يرى دميان ماكي أن يهوديت تمت بصلة قرابة لعزيا، بل ويراها أنه أخته الصغيرة من جهة الأب دون الأم. وقد كانت صغيرة حتى أن بوغا أو ربساريس الأشوري في حديثه عنها في المعسكر الأشوري قال "هذه الفتاة الجميلة this pretty girl" (يهو 12: 13).
وكان مَنَسَّى Manasseh زَوجُها مِن سِبْطِها وعَشيرتها،
وقد ماتَ في أَيَّامِ حِصادِ الشَّعير [2].
كان زوجها منسى غنيًا جدًا كما يظهر من الثروة التي تركها لها (يهو 8: 7). مع غناه كان يدير موضوع حصاد الشعير وسط العمال، فأصابته ضربة شمس. كثيرًا ما يحدث هذا في منطقة الشرق الأوسط في الصيف أثناء الظهيرة.
فإِنَّه كانَ يُراقِبُ رابِطي الحُزَمِ في السَّهْل،
فَوقَعَ الحَرُّ الحارِقُ على رأسِه فلازمَ الفِراشَ وماتَ في بَيتَ فَلْوى مَدينتِه.
فدَفَنوه مع آبائِه في الحَقْلِ الَّذي بَينَ دوتائينَ Dothaim وبَلَمون Balamo [3].
وكانت يَهوديتُ مُتَرمِّلةً في بَيتِها مُنذُ ثَلاثِ سَنواتٍ وأَربَعةِ أَشهُر [4].
كثيرًا ما ترتبط الأرامل بالأيتام والمساكين والغرباء والضيوف بكونهن يحتجن إلى اهتمام المؤمنين ورعايتهم، ويحسب الله كل خدمة تُقدم لهن كأنها مقدمة له شخصيًا. لكن بعض الأرامل استطعن أن يكرسن طاقاتهن للعبادة والعمل لحساب المجتمع، فانتقلن من فئة تحتاج إلى فئة مكرسة للرب تقوم بعمل قيادي. من بين هؤلاء الأرامل حنة النبية (لو2: 36-37).
وكانَت قد هَيَّأَت لِنَفسِها عُلِّيَّةً على سَطحِ بَيتها،
وكانَت تَضَعُ مِسْحًا على وَسْطِها،
وتَرتَدي ثِيابَ تَرَمُّلِها [5].
اعتاد اليهود أن يخصصوا العلية للصلاة مثل سارة ابنة راكويل Raquel (طو3: 17)، ودانيال (دا6: 10)، وبطرس الرسول (أع10: 9).
لم يذكر ليهوديت أن لها ابن أو ابنة، وكان من حقها الزواج من شقيق رجلها أو من الوَّلي لتقيم له نسلًا، لكنها أرادت أن تعيش حياة البتولية، فانقطعت للعبادة في علية بيتها، ترتدي ثياب الترمل التي تخلو من كل زينة، ثياب سوداء أو غامقة.
* واضح أن كل ما فيه احتشام يكون دائمًا نافعًا. فالقديسة يهوديت بالاحتشام لم تبال بسلامها، ووضعت نهاية لمخاطر الحصار، وبفضيلتها كسبت ما هو نافع للكل بصفةٍ عامةٍ.
القديس أمبروسيوس
وكانَت تَصومُ جَميعَ أَيَّامِ تَرَمُّلِها،
ما خَلا السُّبوتَ وعَشِيَّتَها ورُؤُوسَ الشهورِ وعَشِيَّتَها
وأَعيادَ بَيتِ إِسْرائيلَ وأَفْراحَهم [6].
"ما عدا عشيات السبوت": لا توجد أية وصية بخصوص عدم الصوم في عشيات الأعياد، لكن يبدو أن هذا كان سائدًا باعتبار أن اليوم يبدأ من عشيته.
لم يكن الترمل يُلزم المرأة اليهودية بالصوم، أما يهوديت التي تطلب حياة الشركة مع الله فقضت كل أيام ترملها صائمة فيما عدا أيام الأعياد الاسبوعية (السبوت) والشهرية (رؤوس الشهور) والسنوية.
* إذ صام أهل نينوى ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ هربوا من تنفيذ الغضب عليهم، وبالصوم هرب وإستير ومردخاي ويهوديت من الشريرين المُسلَّحين أليفانا وهامان.
قوانين الرسل
* لا تكن الأرامل متجولات ولا مغرمات بالأطاييب، ولا متسكعات من بيت إلى بيت؛ لكن ليتهن يكن مثل يهوديت التي كانت تهتم أن تكون جادة، ومثل حِنة مكرمة من أجل تعقلها. لست أصدر أمرًا كرسولٍ، لأنه من أنا؟ وما هو بيت أبي؟ حتى أحسب نفسي مساويًا للرسل؟ لكنني كجندي صالح أخذ موقف من ينصحكنّ.
القديس أغناطيوس الأنطاكي
وكانَت جَميلةَ الطَّلعَةِ ظَريفَةَ الهَيئَةِ جِدًّا،
وقد تَرَكَ لَها مَنَسَّى زَوجُها ذَهَبًا وفِضَّةً وخُدَّاما وجَواريَ وقُطْعانًا وحُقولًا،
وكانَت تُقيمُ في أَمْلاكِها [7].
لم تستطع هذه الثروة أن تدفع قلبها إلى التشامخ، بل تحلت بكثير من الفضائل في تواضع حقيقي، مع اتكال على عمل الله الفائق، فصارت موضع سرور الله، وتقدير أهالي المدينة كلها. كانت تحمل بركة الرب وتمجد الله بحياتها كما بلسانها.
ولم يكُنْ هُناكَ أَحَدٌ يَقولُ علَيها كلِمةَ سُوء،
لأَنَّها كانت تتَّقي اللهَ كَثيرًا [8].
* كما أن يهوديت المشهورة جدًا بحكمتها وذات سمعة طيبة من أجل ضبط نفسها، "صلَّت إلى الله نهارًا وليلًا لأجل إسرائيل" هكذا أيضًا الأرملة التي تود أن تكون مثلها تقدم شفاعة عن كنيسة الله بلا انقطاع. فسيسمع الله لها، لأن فكرها ثابت على هذا الأمر وحده، ولا يميل نحو النهم أو الطمع أو طلب الأشياء الثمينة. عيناها طاهرتان، وسمعها نقي، ويداها غير دنستين، وقدماها هادئتان، وفمها ليس معدًا للنهم وللكلمات التافهة، إنما تنطق بما هو لائق، وتشترك في الأمور الخاصة بحفظها وحده. وإذ هي جادة ولا تسبب قلقًا يُسر بها الله، فحالما تسأل شيئًا تنال طلبتها كقوله: "تتكلم (تستغيث) فأقول: هأنذا" (إش 58: 9). لتكن مثل هذه متحررة من محبة المال، ومن التشامخ، لا تطلب الربح القبيح، ولا نهمه بل عفيفة. ووديعة ولا تسبب اضطرابًا لأحدٍ، تقية، محتشمة، جالسة في بيتها، مسبحة، مصلية، تقرأ (الكتاب المقدس)، ساهرة، صائمة، تتحدث مع الله باستمرار في أغانٍ وتسابيح. لتغزل الصوف، تعين الآخرين أكثر منها أن تطلب منهم. لتفكر في الأرملة التي كرَّمها الإنجيل بشهادة الرب، هذه التي جاءت إلى الهيكل وألقت فلسين قيمتهما ربع في الخزانة. رآها المسيح ربنا وسيدنا، فاحص القلوب، وقال: "الحق أقول لكم إن هذه الأرملة ألقت في الخزانة أكثر من الجميع، لأن الجميع من فضلتهم ألقوا، وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12: 43-44؛ لو 21: 2).
قوانين الرسل
2. يهوديت توبخ القادة لعدم إيمانهم

وسَمِعَت كَلِماتِ الشَّعبِ السَّيِّئَةَ على الرَّئيس،
لأِنَّ عَزيمَتَهم خارَت بِسَبَبِ قِلَّةِ المِياه.
وسَمِعَت أَيضًا يَهوديتُ جَميعَ الكلامِ الَّذي كَلَّمَهم بِه عُزَيَّا،
إِذ أَقسَمَ لَهم بِتَسْليم المَدينةِ بَعدَ خَمسةِ أَيَّامٍ إلى الآشُّوريِّين [9].
إذ عاشت كما في قلاية في علية بيتها مع جواريها اللواتي كن يقتدن بها لم يكن يشغلها شيء من أمور العالم، لكن قلبها المرتفع إلى الله بغنى نعمته كان يتسع حبها كسيدها. كانت تحمل بالحب شعبها، تصلي لحسابه، وتشتهي بنيانه روحيًا. فمع اعتزالها جسديًا شاركت شعبها بقلبها وفكرها وحواسها في الرب. حزنت لإساءة الشعب لرئيس البلدة، وتألمت لانهيارهم روحيًا ونفسيًا من أجل قلة المياه؛ وتمررت نفسها من أجل كلمات عزيا الذي حدد موعدًا لعمل الله وألا استسلم للعدو!
* إنني أحدث النساء أن يجعلن هذا هو عملهن، وأن يقدمن المشورة اللائقة. فإنه إذ لهن قوة عظيمة للصلاح هكذا أيضًا للشر. امرأة حطمت أبشالوم، وامرأة حطمت أمنون، وامرأة كادت تحطم أيوب، وامرأة أنقذت نابال من القتل. نسوة حفظن الأمم مثل دبورة ويهوديت، اللواتي أظهرن نجاحًا يليق بالرجال. هكذا ربوات من النسوة فعلن هكذا.
القديس يوحنا ذهبي الفم
فأرسَلَت وَصيفَتَها القَيِّمةَ على جَميعِ أَمْوالِها،
ودَعَت شُيوخَ مَدينتِها
عُزَيَّا Uzziah وكَرْبي Chabris وكَرْمي Charmis [10].
لم تكن يهوديت ذات مركز رسمي في المجتمع، ولم تكن تنشغل بإدارة بلدها مع الرئيس وشيوخ الشعب، لكنها إذ رأت انهيار الإيمان على مستوى الشعب والقادة أرسلت وصيفتها الخاصة التي تقوم بتدبير شئون ممتلكاتها وأمورها المادية، وطلبت القادة للحضور لمناقشة الموقف الخطير، إذ يمس الحق الإلهي.
فأَتَوا إلَيها، فقالَت لَهم: "اِسمَعوا لي، يا رُؤَساءَ السُّكَّانِ في بَيتَ فَلْوى،
لَيسَ صائبًا كَلامُكمُ الذي تَكلَّمتُم بِه أَمامَ الشَّعبِ في هذا اليَوم،
فأَقسَمتُم ذلك إلىَمينَ الَّذي أَدَّيتُموه بَينَ اللهِ وبَينَكم،
فوَعَدتُم بِتَسْليمِ المَدينةِ إلى أَعدائِنا،
إِن لم يُغِثْنا الرَّبُّ في الأَيَّامِ الخَمْسة [11].
بكل تقدير لهذه الأرملة المملوءة حبًا وتقوى وغيرة جاء القادة دون تردد، وبروح المحبة مع التصاق بالحق الإلهية عاقبتهم على ما صدر منهم بخصوص تحديد مدة معينة لعمل الله وتدخله. في هذا نوع من ممارسة الضغط على الله، فصاروا يجربونه، الأمر الذي لا يليق في التعامل مع الله.
* الأرملة الصالحة عادة لا تنقصها الشجاعة. فإنها شجاعة حقيقية تتعدى الطبيعة العادية وضعف الجنس بتكريس الذهن، كما هو الأمر في تلك التي تُدعى يهوديت. هذه التي بمفردها استطاعت أن تقوم من المذلة التامة وتحمي من العدو رجالًا سقطوا بالحصار، وضُربوا بالخوف، وانحلوا بواسطة الجوع... عندما كان الرجال المسلحون في خوفٍ، بدأوا فعلًا الحوار في الاستسلام نهائيًا، خرجت خارج الأسوار تفوق الجيش الذي خلصته، في أكثر شجاعة من الذين دخلت معهم في معركة.
القديس أمبروسيوس
والآن فمَن أَنتُم، حتَّى جَرَّبتُمُ اللهَ في هذا اليَوم،
وأَقَمتُم أَنفُسَكم في وَسْطِ البَشَر عوضَ اللهِ؟ [12]
يذكر لنا الكتاب المقدس كيف حاول اليهود عبر تاريخهم أن يجربوا الله، مما يدخل بهم تحت الغضب لا الرحمة (خر17: 2-7؛ عد14: 22؛ تث6: 16؛ أي28: 2؛ 40: 20؛ 42: 3؛ مز78: 18؛ 95: 9؛ 106: 11؛ إش7: 12؛ مت4: 7؛ أع15: 10؛ 1كو10: 9).
ليس لنا أن نحدد لله موعد تدخله، لأننا لا نعرف فكر الله ولا حكمته، إنما في يقينٍ من أبوته وحكمته وقدرته نعرض أمورنا عليه في صلواتنا، بتسليمٍ كامل لعمله في الوقت الذي يراه مناسبًا، وبالطريقة التي يريدها. لندرك أنه يعمل لخيرنا، كأبٍ حكيمٍ قدير.
والآن فإِنَّكم تَمتَحِنونَ الرَّبَّ القَدير،
فلَن تَفهَموا شيَئًا لِلأَبَد [13].
لأَنَّكم لن تَكتَشِفوا أَعْماقَ قَلبِ الإِنسان،
ولن تُدكوا أَفكارَ ذِهنِه،
فكَيفَ تَهتَدونَ إلى اللهِ الَّذي صَنَعَ كُلَّ ذلك،
وتَفهَمونَ فِكرَه، وتُدركونَ تَدبيرَه؟
لا، يا إِخْوَتي، لا تُثيروا غَضَبَ الرَّبِّ إِلهِنا [14].
إن كان الإنسان لا يستطيع إدراك أعماق إنسانٍ آخر، بل وأحيانًا لا يدرك أسراره هو الداخلية، فكيف يدرك خطة الله وحكمته، ويمارس نوعًا من الضغط عليه والمساومة كأنه أكثر حكمة من الله وأكثر غيرة على الحق الإلهي.
شتان ما بين اللجاجة في الصلاة مع تسليمٍ كامل لمشيئته الإلهية وبين الإصرار على حلٍ معين في تصلفٍ وعنادٍ.
فإِن لم يَشَأْ أَن يُغيثَنا في الأَيَّام الخَمسَة،
فلَه سُلْطانٌ به يَحمِينا في الأَيَّامِ الَّتي يَشاء،
أو يُبيدُنا أَمامَ أَعدائِنا [15].
أَمَّا أَنتُم فَلا تَرتَهِنوا تَدابيرَ الرَّبِّ إِلهِنا،
فإِنَّ اللهَ لَيسَ كالإِنْسانِ فيُهَدَّد،
ولا كابنِ الإِنسانِ فيُحتَكَم [16].
ولذلك فَلْنَنتَظِرْ مِن لَدُنِه الخَلاص، ولنستَغثْ به،
فيُصغِيَ إلى صَوتِنا، إِن حَسُنَ لَدَيه [17].
3. يهوديت والتسليم في يدي الله

فإنَّه لم يَقُمْ في أَجْيالِنا،
ولا في أَيَّامِنا سِبطٌ أَو عَشيرةٌ أَو أَرضٌ أَو مَدينةٌ مِن عِندِنا،
تَسجُدُ لآلِهَةٍ مِن صُنعَ الأَيدي،
كما جَرى في الأَيَّامِ القَديمة [18].
مع الحديث الصريح عن خطأ القادة والشعب لا تنكر يهوديت ما اتسموا به من مواقف روحية نبيلة، ولا تتجاهل أمرًا يُسرّ الله به، وهو عدم اشتراكهم في العبادة الوثنية التي كثيرًا ما سقط فيها آباؤهم.
هنا تظهر حكمة يهوديت العجيبة فمع خطورة الموقف وشجاعتها في الكشف عن الأخطاء لم يدفعها حماسها إلى جمال الجانب الصالح في حياة من تحدثهم. تطالبهم بالتوبة، وتسندهم بمديحهم في سلوكهم الورع من جهة عبادة الله الواحد.
فأُسلِمَ آباؤنا إلى السَّيفِ والنَّهْب،
وسَقَطوا سُقوطًا عَظيمًا أَمامَ أَعدائِنا [19].
أَمَّا نحنُ فلم نَعرِفْ إِلهًا غيرَه.
ولذلك فإِنَّنا نَرْجو أَنَّه لن يَزْدَرِيَنا،
ولَن يُعرِضَ عن نَسْلِنا [20].
فإِن قُبِضَ علَينا قُبِضَ كذلك على إلىَهودِيَّةِ كُلِّها،
ونُهِبَ مَكانُنا المُقَدَّس،
وطالَبَ اللهُ دَمَنا بِتَدنيسِه [21].
وأَوقَعَ علىُ رُؤُوسِنا بَينَ الأُمَم،
حَيثُ نَصيرُ عَبيدًا مَقتَلَ إِخوَتِنا وجَلاءَ الأَرضِ ودَمارَ ميراثِنا،
وأَصبَحْنا مَعثَرةً وعارًا أَمامَ مُمتَلِكينا [22].
فإنَّ عُبودِيَّتَنا لن تؤُولَ إلى الحُظْوَة،
بل إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا يُحوِّلُها إلى هَوان [23].
والآن، يا إِخوَتي، لِنُظهِرْ إلى إِخوَتِنا أَنَّ نُفوسَهم معتمدةٌ علَيِنا
وأَنَّ المكانَ المُقَدَّسَ والمَقدِسَ والمَذبَحَ مُعتَمِدَةٌ علَينا [24].
كما سلكت يهوديت مع القادة بالحديث في صراحة كاملة عن خطأهم دون نسيان الجانب الطيب في حياتهم، طالبتهم بمساندة الشعب، ليدركوا أنهم كقادة سيحل بهم ما يحل بالشعب بل وأكثر، وأن الأمر يمس مدينة الله أورشليم والهيكل المقدس، فحتمًا ما يفعله أو يسمح به إنما بحكمة تمس شعبه وخدامه ومدينته وهيكله ومذبحه! هكذا يليق بالقادة أن يمتلئوا رجاءً وطمأنينة من جهة خطة الله، ليسكبوا هذا الرجاء في قلوب الشعب.
4. يهوديت تكشف عن غاية التجربة

وماعدا ذلك كلَّه،
فلْنَشكُرِ الرَّبَّ إِلهَنا الَّذي يَمتَحِنُنا كَما امتَحَنَ آباءَنا [25].
دفعت يهوديت التقية القادة ليحولوا تذمرهم ونوحهم إلى ذبائح شكر لله الصانع الخيرات، حتى حين يسمح لشعبه بتجربة تبدو مرة وقاسية.

فالشكر لله هو مفتاح حلّ المشاكل واستدرار مراحم الله القديرة والفائقة للفكر البشري.
اُذكُروا كُلَّ ما صَنَعَه إلى إِبْراهيم،
وكمِ امتحن إِسحق وكُلَّ ما جَرى لِيَعْقوبَ في ما بَينَ النَّهرَين في سورِية،
حينَ كانَ يَرْعى خِرافَ لابانَ أَخي أُمِّه [26].
طلبت يهوديت من القادة أن يوجهوا أنظار الشعب إلى معاملات الله مع آبائهم، فقد سمح بتجربة إبراهيم لتزكيته ونموه الروحي.
ما قالته يهوديت كان نبوة تحققت حيث أنقذ الله شعبه في الوقت المناسب، وخلال هذه الأرملة التقية.
فكَما أَنَّه امتَحَنَهم بِالنّار لِيَسبِرَ قُلوبَهم؟
كذلك لن يَنتَقِمَ مِنَّا،
بلَ الرَّبُّ يُؤَدِّبُ الَّذينَ يَقتَرِبونَ مِنه إِنْذارًا لَهم" [27].
5. عزيا يطلب صلوات يهوديت

فقالَ لَها عُزَيَّا: "كُلُّ ما قُلْتِه تَكَلَّمتِ بِه بقَلْبٍ طَيِّب،
وما مِن أَحَدٍ يُعارِضُ كَلامَكِ [28].
عمل الله في حياة يهوديت تجلى في كلماتها التي كان لها فاعليتها على الشيوخ فامتلأوا سلامًا داخليًا وراحةً صادقة.
لأَنَّ حِكمَتَكِ لم تَظْهَرْ في هذا اليَوم فَقَط،
بل مُنذُ أَوَّلِ أَيَّامِكِ عَرَفَ الشَّعبُ كُلُّه ذَكاءَكِ وحُسنَ ما يَتصَوَّرُه قَلبُكِ [29].
لكِنَّ الشَّعبَ عَطِشَ عَطَشًا شَديدًا،
وأَرغَمَنا على العَمَلِ بِمَا وَعَدْنا به،
وعلى إلْزامِ أَنْفُسِنا بِقَسَمٍ لن نَنقُضَه [30].
والآن فصَلِّي لأَجلِنا،
فإِنَّكِ امرَأَةٌ تَقِيَّة،
فيُرسِلَ الرَّبُّ مَطَرًا يَملأُ آبارَنا،
فلا تَخورَ عَزائِمُنا بَعدَ اليَوم" [31].
شعروا أنها مرسلة من الله، فعرضوا عليها موقفهم الحرج لا ليبرروا خطأهم وإنما لكي تصلي لأجلهم.
كانوا يظنون أن الحلّ هو في نزول أمطار يملأ الآبار التي في داخل المدينة فلا يخور الشعب، ولم يكن أمامهم بديل آخر.
6. يهوديت تبدأ خطة العمل

فقالَت لَهم يَهوديت: "اِسمَعوا لي،
سأَصنعُ عَمَلًا يَبلغٌ ذِكرُه بَني نَسلِنا مِن جيلٍ إلى جيل [32].
التزمت يهوديت بالعمل مع الصلاة والتقوى، وقد تدربت على الحياة السرية في علاقتها مع الله، لذلك لم تكشف للشيوخ أسرار خطتها، إنما اكتفت بالحديث بالقدر الذي فيه يمكنها الخروج من المدينة ودخولها دون مساءلة من حراس الأبواب. كما طلبت السرية التامة، فلا يفصحوا لأحدٍ عن دورها.
أكدت لهم هذه الأرملة التقية أنها لم تستدعهم لتنتقدهم، وإنما وهي تتكلم بالحق الإلهي ستقوم بعملٍ هام يذكره التاريخ مع تأكدها بالإيمان أن الخلاص قادم قبل حلول الموعد الذي حددوه لله.
* يا لعظمة قوة فضيلتها، أنها امرأة يلزمها أن تقدم مشورة في أخطر الأمور وتتركها في أيدي قادة الشعب! مرة أخرى يا لعظمة قوة فضيلتها أن تثق في الله أن يعينها! يا لعظمة النعمة أن تجد معونة الله!
القديس أمبروسيوس
في هذه اللَّيلَة، أَنتُم تَقِفونَ على الباب،
وأَنا أَخرُجُ مع وَصيفَتي،
وقَبلَ الأَيَّامِ الَّتي وَعَدتُم فيها بِتَسْليمِ المَدينةِ إلى أَعْدائِنا،
يَفتَقدُ الرَّبُّ إِسْرائيلَ عن يَدي [33].
لا تَفحَصوا أَنتُم عن تَصَرُّفي،
لأَنِّي لن أَقولَ لَكم شَيئًا قَبلَ أَن يتمَّ ما أَنا سأفعله" [34].
لقد طلبت يهوديت التزامهم بالسلوك اللائق بالإيمان الحيّ، كما طلبت صلواتهم وبركتهم لها، دون أن يفحصوا ما ستفعله.
إنها تعمل عملًا لم يقم به أحد غيرها، لكنها تعمل خلال الكنيسة وتحت مظلتها.
فقالَ لَها عُزَيَّا والشَّيخان:
"اِذْهَبي بِسَلام، والرَّبُّ الإلهُ بتقدمك في الانتِقامِ مِن أَعدائِنا" [35].
ثُمًّ غادَروا العُلِّيَّة،
وانصَرَفوا إلى مَرا كِزِهم [36].
3. يهوديت
تعريف يهوديت
الأصحاح الثامن
وفي تِلكَ الأَيَّام بَلَغ الخبَرُ يَهوديت، بِنتَ مَرارِيَ بنِ أَخْسَ بن يوسفَ بنِ عُزِّيئيلَ بنِ حِلْقِيَّا بنِ حَنَنْيا بن جِدعَونَ بنِ رافائيمَ بنِ أَحيطوبَ بنِ إِيليَّا بنِ حِلْقِيَّا بنِ أَليآبَ بنِ نَتَنائيلَ بنِ شَلوميئيلِ بنِ صورِشَدَّايَ بنِ إِسْرائيل [1].
وكان مَنَسَّى زَوجُها مِن سِبْطِها وعَشيرتها، وقد ماتَ في أَيَّامِ حِصادِ الشَّعير [2].
فإِنَّه كانَ يُراقِبُ رابِطي الحُزَمِ في السَّهْل، فَوقَعَ الحَرُّ الحارِقُ على رأسِه فلازمَ الفِراشَ وماتَ في بَيتَ فَلْوى مَدينتِه. فدَفَنوه مع آبائِه في الحَقْلِ الَّذي بَينَ دوتائينَ وبَلَمون [3].
وكانت يَهوديتُ مُتَرمِّلةً في بَيتِها مُنذُ ثَلاثِ سَنواتٍ وأَربَعةِ أَشهُر [4].
وكانَت قد هَيَّأَت لِنَفسِها عُلِّيَّةً على سَطحِ بَيتها، وكانَت تَضَعُ مِسْحًا على وَسْطِها وتَرتَدي ثِيابَ تَرَمُّلِها [5].
وكانَت تَصومُ جَميعَ أَيَّامِ تَرَمُّلِها، ما خَلا السُّبوتَ وعَشِيَّتَها ورُؤُوسَ الشهورِ وعَشِيَّتَها وأَعيادَ بَيتِ إِسْرائيلَ وأَفْراحَهم [6].
وكانَت جَميلةَ الطَّلعَةِ ظَريفَةَ الهَيئَةِ جِدًّا، وقد تَرَكَ لَها مَنَسَّى زَوجُها ذَهَبًا وفِضَّةً وخُدَّاما وجَواريَ وقُطْعانًا وحُقولًا، وكانَت تُقيمُ في أَمْلاكِها [7].
ولم يكُنْ هُناكَ أَحَدٌ يَقولُ علَيها كلِمةَ سُوء، لأَنَّها كانت تتَّقي اللهَ كَثيرًا [8].
يهوديت والشّيوخ
وسَمِعَت كَلِماتِ الشَّعبِ السَّيِّئَةَ على الرَّئيس، لأِنَّ عَزيمَتَهم خارَت بِسَبَبِ قِلَّةِ المِياه، وسَمِعَت أَيضًا يَهوديتُ جَميعَ الكلامِ الَّذي كَلَّمَهم بِه عُزَيَّا، إِذ أَقسَمَ لَهم بِتَسْليم المَدينةِ بَعدَ خَمسةِ أَيَّامٍ إلى الآشُّوريِّين [9].
فأرسَلَت وَصيفَتَها القَيِّمةَ على جَميعِ أَمْوالِها ودَعَت شُيوخَ مَدينتِها عُزَيَّا وكَرْبي وكَرْمي [10].
فأَتَوا إلَيها فقالَت لَهم: "اِسمَعوا لي، يا رُؤَساءَ السُّكَّانِ في بَيتَ فَلْوى، لَيسَ صائبًا كَلامُكمُ الذي تَكلَّمتُم بِه أَمامَ الشَّعبِ في هذا اليَوم، فأَقسَمتُم ذلك إلىَمينَ الَّذي أَدَّيتُموه بَينَ اللهِ وبَينَكم، فوَعَدتُم بِتَسْليمِ المَدينةِ إلى أَعدائِنا، إِن لم يُغِثْنا الرَّبُّ في الأَيَّامِ الخَمْسة [11].
والآن فمَن أَنتُم حتَّى جَرَّبتُمُ اللهَ في هذا اليَوم وأَقَمتُم أَنفُسَكم فَوقَ اللهِ في وَسْطِ البَشَر؟ [12]
والآن فإِنَّكم تَمتَحِنونَ الرَّبَّ القَدير، فلَن تَفهَموا شيَئًا لِلأَبَد [13].
لأَنَّكم لن تَكتَشِفوا أَعْماقَ قَلبِ الإِنسان ولن تُدكوا أَفكارَ ذِهنِه. فكَيفَ تَهتَدونَ إلى اللهِ الَّذي صَنَعَ كُلَّ ذلك وتَفهَمونَ فِكرَه وتُدركونَ تَدبيرَه؟ لا، يا إِخْوَتي، لا تُثيروا غَضَبَ الرَّبِّ إِلهِنا [14].
فإِن لم يَشَأْ أَن يُغيثَنا في الأَيَّام الخَمسَة، فلَه سُلْطانٌ به يَحمِينا في الأَيَّامِ الَّتي يَشاء أو يُبيدُنا أَمامَ أَعدائِنا [15].
أَمَّا أَنتُم فَلا تَرتَهِنوا تَدابيرَ الرَّبِّ إِلهِنا، فإِنَّ اللهَ لَيسَ كالإِنْسانِ فيُهَدَّد ولا كابنِ الإِنسانِ فيُحتَكَم [16].
ولذلك فَلْنَنتَظِرْ مِن لَدُنِه الخَلاص ولنستَغثْ به فيُصغِيَ إلى صَوتِنا، إِن حَسُنَ لَدَيه [17].
فإنَّه لم يَقُمْ في أَجْيالِنا ولا في أَيَّامِنا سِبطٌ أَو عَشيرةٌ أَو أَرضٌ أَو مَدينةٌ مِن عِندِنا تَسجُدُ لِآلِهَةٍ مِن صُنعَ الأَيدي، كما جَرى في الأَيَّامِ القَديمة [18].
فأُسلِمَ آباؤنا إلى السَّيفِ والنَّهْب وسَقَطوا سُقوطًا عَظيمًا أَمامَ أَعدائِنا [19].
أَمَّا نحنُ فلم نَعرِفْ إِلهًا غيرَه. ولذلك فإِنَّنا نَرْجو أَنَّه لن يَزْدَرِيَنا ولَن يُعرِضَ عن نَسْلِنا [20].
فإِن قُبِضَ علَينا قُبِضَ كذلك على إلىَهودِيَّةِ كُلِّها ونُهِبَ مَكانُنا المُقَدَّس وطالَبَ اللهُ دَمَنا بِتَدنيسِه [21].
وأَوقَعَ علىُ رُؤُوسِنا بَينَ الأُمَم حَيثُ نَصيرُ عَبيدًا مَقتَلَ إِخوَتِنا وجَلاءَ الأَرضِ ودَمارَ ميراثِنا، وأَصبَحْنا مَعثَرةً وعارًا أَمامَ مُمتَلِكينا [22].
فإنَّ عُبودِيَّتَنا لن تؤُولَ إلى الحُظْوَة، بل إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا يُحوِّلُها إلى هَوان [23].
والآن، يا إِخوَتي، لِنُظهِرْ إلى إِخوَتِنا أَنَّ نُفوسَهم مَنوطةٌ بِنا وأَنَّ المكانَ المُقَدَّسَ والمَقدِسَ والمَذبَحَ مُعتَمِدَةٌ علَيكم [24].
وما عدا ذلك كلَّه، فلْنَشكُرِ الرَّبَّ إِلهَنا الَّذي يَمتَحِنُنا كَما امتَحَنَ آباءَنا [25].
اُذكُروا كُلَّ ما صَنَعَه إلى إِبْراهيم وكمِ آمتَحَنَ إِسحق وكُلَّ ما جَرى لِيَعْقوبَ في ما بَينَ النَّهرَين في سورِية، حينَ كانَ يَرْعى خِرافَ لابانَ أَخي أُمِّه [26].
فكَما أَنَّه امتَحَنَهم بِالنّار لِيَسبِرَ قُلوبَهم؟ كذلك لن يَنتَقِمَ مِنَّا، بلَ الرَّبُّ يُؤَدِّبُ الَّذينَ يَقتَرِبونَ مِنه إِنْذارًا لَهم" [27].
فقالَ لَها عُزَيَّا: "كُلُّ ما قُلْتِه تَكَلَّمتِ بِه بقَلْبٍ طَيِّب، وما مِن أَحَدٍ يُعارِضُ كَلامَكِ [28].
لأَنَّ حِكمَتَكِ لم تَظْهَرْ في هذا اليَوم فَقَط، بل مُنذُ أَوَّلِ أَيَّامِكِ عَرَفَ الشَّعبُ كُلُّه ذَكاءَكِ وحُسنَ ما يَتصَوَّرُه قَلبُكِ [29].
لكِنَّ الشَّعبَ عَطِشَ عَطَشًا شَديدًا وأَرغَمَنا على العَمَلِ بِمَا وَعَدْنا به وعلى إلْزامِ أَنْفُسِنا بِقَسَمٍ لن نَنقُضَه [30].
والآن فصَلِّي لِأَجلِنا، فإِنَّكِ امرَأَةٌ تَقِيَّة، فيُرسِلَ الرَّبُّ مَطَرًا يَملأُ آبارَنا، فلا تَخورَ عَزائِمُنا بَعدَ اليَوم" [31].
فقالَت لَهم يَهوديت: "اِسمَعوا لي، سأَصنعُ عَمَلًا يَبلغٌ ذِكرُه بَني نَسلِنا مِن جيلٍ إلى جيل [32].
في هذه اللَّيلَة، أَنتُم تَقِفونَ على الباب وأَنا أَخرُجُ مع وَصيفَتي، وقَبلَ الأَيَّامِ الَّتي وَعَدتُم فيها بِتَسْليمِ المَدينةِ إلى أَعْدائِنا، يَفتَقدُ الرَّبُّ إِسْرائيلَ عن يَدي [33].
لا تَفحَصوا أَنتُم عن تَصَرُّفي، لِأَنِّي لن أَقولَ لَكم شَيئًا قَبلَ أَن يتمَّ ما أَنا فاعِلَتُه" [34].
فقالَ لَها عُزَيَّا والشَّيخان: "اِذْهَبي بِسَلام والرَّبُّ الإلهُ يَتقدَّمُكِ في الِانتِقامِ مِن أَعدائِنا" [35].
ثُمًّ غادَروا العُلِّيَّة وانصَرَفوا إلى مَرا كِزِهم [36].






 
قديم اليوم, 04:16 PM   رقم المشاركة : ( 185844 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




حوار بين أليفانا وأحيور قائد بني عمون



يروى لنا الكاتب غلبة ملك أشور على أرفكشاد ملك مادي فاستسلمت الممالك المحيطة له، وصار الكل عبيدًا له، وإذ لم يرسل له اليهودي إليه مستسلمين، سأل ملك أشور القائد العموني عن هذا الشعب الذي لم يستسلم فأجاب إنهم لن ينهزموا إلا إذا أثموا ضد إلههم.
اغتاظ أليفانا لأن إسرائيل استخف به، ولم يقابله بالسلم كسائر الشعوب. روى حيور قائد بني عمون قصة قيام إسرائيل منذ دعوة إبراهيم، وكيف خلصهم الرب من فرعون وملوك الكنعانيين واليبوسيين والحثيين إلخ. وأنه لا يمكن النصرة عليهم ما لم يرتكبوا إثمًا في حق إلههم. أراد عظماء إليفانا قتل أحيور، معتبرين إياه أنه يستهين بالملك وجيشه، وأنه يخدعهم.

مجلس حرب في معسكر أليفانا

وأُخبِرَ أَليفانا، رَئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أَشُّور،
بِأَنَّ بني إِسْرائيلَ يستَعِدُّونَ لِلحَرْب
وبِأَنَّهم سَدُّوا مَسالِكَ الجَبَل،
وسَوَّروا كُلَّ رَأسِ جَبلٍ عالٍ،
ووَضَعوا الحَواجِزَ في السُّهول [1].
فغَضِبَ غَضَبًا شَديدًا
واستَدْعى جَميعَ رُؤَساء مُوآب وقُوَّادِ عَمُّون وجَميعَ رُؤَساءِ السَّاحِل [2].
دهش أليفانا أن شعب إسرائيل وحده دون كل الشعوب اختار أن يقاومه وأنهم يعدون أنفسهم بالفعل للدخول في معركة [1-2]. لهذا استدعى الرؤساء الأسرى وبدأ يسألهم في تشامخ عما وراء موقف إسرائيل [3-4].
كان أليفانا يجهل تمامًا إمكانيات هذا العالم الساكن في المرتفعات.
استدعاء أليفانا القيادات العسكرية للأمم التي خضعت له يكشف عما حلّ بأليفانا من ارتباكٍ شديد، إذ لم يكن يتوقع أمة ما تتجاسر وتفعل ما فعله اليهود. أراد أليفانا أن يستفيد من خبرة هؤلاء القادة بكونهم في جوارٍ للأمة اليهودية يعرفون أسرارهم الحربية. كان يتوقع أن يقدموا تقارير عسكرية لا علاقة لها بالعبادة والحياة الروحية. فقد آمن أليفانا بالقوة والسطوة والإمكانيات العسكرية.
 
قديم اليوم, 04:16 PM   رقم المشاركة : ( 185845 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



وقالَ لهم: "أَخبِروني، يا بَني كَنْعان،
مَن هو ذلك الشَّعبُ المُقيمُ في النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة؟
وما هي المُدُنُ الَّتي يَسكُنُها،
وما هو عَدَدُ جَيشِهم،
وعلى أَيِّ شيءٍ تَقومُ قُدرَتُهم وقوَّتُهم،
ومَن هو المَلِكُ القائِمُ علَيهِم والقائِدُ لِقُوَّاتِهم [3].
ولماذا اسْتَهانوا بِالمَجيءِ لِمُلاقاتي،
على خِلافِ ما صَنَعَ سُكَّانُ المَنطِقةِ الغَربيَّة؟" [4]
لا نعرف بأية لهجة قدم هولوفرنيس هذه الأسئلة، هل تحدث بلغة الاستخفاف والاستهانة بهم، أم تحدث بلغة الدهشة لموقفهم. لكن واضح أنه كان في حيرة من الموقف الذي اتخذه اليهود، والذي لم تجسر أمة أخرى أو دولة أن تفعله.
 
قديم اليوم, 04:18 PM   رقم المشاركة : ( 185846 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



مشورة أحيور العموني لقائد أشور

فأَجابَه أَحْيور Achior، رَئيسُ بَني عَمّونَ جَميعًا:
"لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ
فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ السَّاكِنِ في تِلكَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيّة
والمُقيمِ بِالقُربِ مِنكَ،
ولا يَخرُجُ كَذِبٌ مِن فَم عَبدِكَ [5].
أ. رأى بعض الدارسين أن كلمة "أحيور" مشتقة عن الفعل العبري hywr ، وأنه يعني "النور هو أخي (الإلهي)". وهو اسم لائق به حيث ألقى بنورٍ على تاريخ إسرائيل لهولوفرنيس، وأنه صار أخيرًا أخا يهوديًا، حيث قبل الإيمان اليهودي (يهو 10: 14).
ب. يرى D.N. Freedman أنه يُمكن تفسير كلمة "أحيور" لتعني "الإله الشمس هو أخي الإلهي"، وهو أمر يتناسب مع يهوه الذي قيل عنه: "جعل للشمس مسكنًا فيها..." (مز 19: 4-6)، أو لأنه موآبي يعبد الإله الشمس.
ح. يرى آخرون مثل Cowley, Steinmamnأن هذا الاسم مشتق عن الكلمة السريانية Ahihud، وتعني: "أخ يهوذا" كما جاء في الترجمة السبعينية في عد 23: 27.
د. يرى Henri Cazelles أن Achior مأخوذة عن Ahikar وهو اسم حكيم وثني مشهور.
في رأي البعض أن أحيور أحد الأمميين الأتقياء الذين دعاهم الله للإيمان، مثل راحاب (يش 2-6)، ونعمان السرياني (2 مل 5) وخصي كنداكة الأثيوبي (أع 8: 26-40) وكرنيليوس (أع)، وغيرهم.
غير أن البعض وهم يرون فيه شخصًا ليس فقط يجيد تاريخ الشعب اليهودي بدقة، وإنما الفكر اللاهوتي لهذا التاريخ (يهو 5: 5-21) أنه يهودي لم يختتن.
يعتقد البعض أن أحيور هنا هو نفسه Ahiker ابن أخ طوبيت وربشاقى الذي لسنحاريب. لا نعجب إن كان لأحيور خلفية إسرائيلية، ففي الحملة الثالثة اُختير بصفة خاصة لمخاطبة اليهود بلغتهم. فقد كان ربشاقى ضليعًا في الآرامية والعبرية وقد طلب منه الرؤساء الثلاثة من اليهود الذين جاءوا معه ألا يتكلم بلغة الشعب (إش 36: 11-12).
كلمة "ربشاقى" معناها حرفيًا "الرجل العظيم" مثل Turtanوهو لقب عسكري يميز حامله عن بقية كل القيادات العسكرية. نراه في سفر يهوديت يتكلم مباشرة بعد القائد الأكبر أليفانا نفسه.
نظر اليهود إلى أحيور قائد العمونيين نظرة ملؤها الامتنان، وحسبوه الوثني الصالح.
جاء خطاب أحيور عرضًا مختصرًا لتاريخ اليهود. وقد عرض الكتاب المقدس هذا التاريخ باختصار في مواقفٍ كثيرة، كما جاء في مز 78؛ 105؛ 106؛ حز 16؛ 20؛ حك 10؛ أع7. أما صلب التاريح كله كما ورد هنا فإن إمكانيات الشعب اليهودي تتوقف لا على قدراتهم العسكرية، وإنما على علاقتهم بالله إلههم، فإن أطاعوه وسلكوا حسب وصاياه لا تقف أمامهم أية قوات بشرية أو طبيعية، وإن عصوا وصاياه انحلوا وسقطوا.
لقد حمل الخطاب تحذيرا لأليفانا مؤكدًا له أنه سيلحق به وبجيشه عارًا، فإن إمكانيات اليهود غير منظورة، لا يقدر بشر على مواجهتها.
* في سفر يهوديت، عندما سأل أليفانا عدو الإسرائيليين من أي نوع هذه الأمة، وأية حرب تُعلن ضدها، أجابه أحور قائد العمونيين هكذا: لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ.... (يهو 5: 5-9)، كما روى أحور العموني. من هذا واضح أن بيت تارح عانى اضطهادًا من الكلدانيين من أجل التقوى الحقيقية التي بها عبدوا الله الواحد الحقيقي.
القديس أغسطينوس
 
قديم اليوم, 04:19 PM   رقم المشاركة : ( 185847 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




فأَجابَه أَحْيور Achior، رَئيسُ بَني عَمّونَ جَميعًا:
"لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ
فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ السَّاكِنِ في تِلكَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيّة
والمُقيمِ بِالقُربِ مِنكَ،
ولا يَخرُجُ كَذِبٌ مِن فَم عَبدِكَ [5].




رأى بعض الدارسين أن كلمة "أحيور" مشتقة عن الفعل العبري hywr ، وأنه يعني "النور هو أخي (الإلهي)". وهو اسم لائق به حيث ألقى بنورٍ على تاريخ إسرائيل لهولوفرنيس، وأنه صار أخيرًا أخا يهوديًا، حيث قبل الإيمان اليهودي (يهو 10: 14).


يرى D.N. Freedman أنه يُمكن تفسير كلمة "أحيور" لتعني "الإله الشمس هو أخي الإلهي"، وهو أمر يتناسب مع يهوه الذي قيل عنه: "جعل للشمس مسكنًا فيها..." (مز 19: 4-6)، أو لأنه موآبي يعبد الإله الشمس.
ح. يرى آخرون مثل Cowley, Steinmamnأن هذا الاسم مشتق عن الكلمة السريانية Ahihud، وتعني: "أخ يهوذا" كما جاء في الترجمة السبعينية في عد 23: 27.
د. يرى Henri Cazelles أن Achior مأخوذة عن Ahikar وهو اسم حكيم وثني مشهور.
في رأي البعض أن أحيور أحد الأمميين الأتقياء الذين دعاهم الله للإيمان، مثل راحاب (يش 2-6)، ونعمان السرياني (2 مل 5) وخصي كنداكة الأثيوبي (أع 8: 26-40) وكرنيليوس (أع)، وغيرهم.
غير أن البعض وهم يرون فيه شخصًا ليس فقط يجيد تاريخ الشعب اليهودي بدقة، وإنما الفكر اللاهوتي لهذا التاريخ (يهو 5: 5-21) أنه يهودي لم يختتن.
يعتقد البعض أن أحيور هنا هو نفسه Ahiker ابن أخ طوبيت وربشاقى الذي لسنحاريب. لا نعجب إن كان لأحيور خلفية إسرائيلية، ففي الحملة الثالثة اُختير بصفة خاصة لمخاطبة اليهود بلغتهم. فقد كان ربشاقى ضليعًا في الآرامية والعبرية وقد طلب منه الرؤساء الثلاثة من اليهود الذين جاءوا معه ألا يتكلم بلغة الشعب (إش 36: 11-12).
 
قديم اليوم, 04:20 PM   رقم المشاركة : ( 185848 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




فأَجابَه أَحْيور Achior، رَئيسُ بَني عَمّونَ جَميعًا:
"لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ
فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ السَّاكِنِ في تِلكَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيّة
والمُقيمِ بِالقُربِ مِنكَ،
ولا يَخرُجُ كَذِبٌ مِن فَم عَبدِكَ [5].




كلمة "ربشاقى" معناها حرفيًا "الرجل العظيم" مثل Turtan



وهو لقب عسكري يميز حامله عن بقية كل القيادات العسكرية. نراه في سفر يهوديت يتكلم مباشرة بعد القائد الأكبر أليفانا نفسه.
نظر اليهود إلى أحيور قائد العمونيين نظرة ملؤها الامتنان، وحسبوه الوثني الصالح.
جاء خطاب أحيور عرضًا مختصرًا لتاريخ اليهود. وقد عرض الكتاب المقدس هذا التاريخ باختصار في مواقفٍ كثيرة، كما جاء في مز 78؛ 105؛ 106؛ حز 16؛ 20؛ حك 10؛ أع7. أما صلب التاريح كله كما ورد هنا فإن إمكانيات الشعب اليهودي تتوقف لا على قدراتهم العسكرية، وإنما على علاقتهم بالله إلههم، فإن أطاعوه وسلكوا حسب وصاياه لا تقف أمامهم أية قوات بشرية أو طبيعية، وإن عصوا وصاياه انحلوا وسقطوا.
لقد حمل الخطاب تحذيرا لأليفانا مؤكدًا له أنه سيلحق به وبجيشه عارًا، فإن إمكانيات اليهود غير منظورة، لا يقدر بشر على مواجهتها.
 
قديم اليوم, 04:22 PM   رقم المشاركة : ( 185849 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

* في سفر يهوديت، عندما سأل أليفانا عدو الإسرائيليين من أي نوع
هذه الأمة، وأية حرب تُعلن ضدها، أجابه أحور قائد العمونيين هكذا:
لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ....
(يهو 5: 5-9)، كما روى أحور العموني.
من هذا واضح أن بيت تارح عانى اضطهادًا من الكلدانيين
من أجل التقوى الحقيقية التي بها عبدوا الله الواحد الحقيقي.



القديس أغسطينوس
 
قديم اليوم, 04:23 PM   رقم المشاركة : ( 185850 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



إِنَّ هذا الشَّعبَ هو مِن نِسْلِ الكَلْدانِيِّين Chaldeans [6].

مما دعا البعض إلى وجود خلفية يهودية وراء شخصية أحيور، أنه تحدث عن التاريخ الإسرائيلي ابتداء من إبراهيم إلى عصره (يهو 5: 6-19). فهل يمكن لعموني وثني أن تكون له مثل هذه المعرفة في شيء من التفصيل؟ على أي الأحوال دعاه أليفاز: "مرتزق إفرايمي" (يهو 6: 2). ويرى البعض أن الحل سهل وبسيط، وهو أنه إفرايمي لكنه إلى ذلك الوقت لم يكن قد اختتن، فحسب كأنه أممي عموني.
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 10:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025