منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 25 - 01 - 2025, 06:40 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,129

المعلمون الكذبة لم يعتد الرب أن يحذرنا من خطر وهمي




المعلمون الكذبة


لم يعتد الرب أن يحذرنا من خطر وهمي. وليس من صفات الله أن يُنبئ بما هو ليس عتيد أن يحدث. لذلك حين يُحذرنا الكتاب من المعلمين الكذبة فذلك لأن خطرهم حقيقي. وحين يُنبئ عن ظهورهم وسط المؤمنين، فذلك لأنهم بالفعل سيظهرون. ولهذا فإني أتعجب من خوف الكثيرين من المؤمنين من أن يصفوا أحدًا بهذا الوصف ”معلم كاذب“. فلو لم يكن وجود المعلمين الكذَّبة واقعيًا، وخطرهم داهمًا، لما حذَّرنا الرب مرارًا وتكرارًا منهم. صحيح أن ليس كل من اختلف مع كلمة الله يصفه الكتاب بهذا الوصف، لكن أيضًا كثيرين بارزين في داخل دائرة الاعتراف المسيحي ينطبق عليها وصف الكتاب للمعلمين الكذبة. وسوف نمر مرورًا سريعًا على تحذيرات الكتاب المقدس من المعلمين الكذبة، لنعرف من هم؟ وأين يمارسون نشاطهم؟ وما هي سماتهم وتعاليمهم؟

(١) مبكرًا جدًا تنبأ الرب عن الأنبياء الكذبة، وحذّر منهم. ففي الموعظة على الجبل يضع الرب العلامة الأولى التي تُميّزهم، وهي أنهم لا يأتون في شكل الذئاب، بل في ثياب الحملان؛ فمن خارج ثياب حُمْلاَن، «وَلَكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!» (مت٧: ١٥-٢٣). هذا يحتاج إلى كثير من الفطنة الروحية والتيقظ التام من المؤمنين. فمن الطبيعي أن يتحذر القطيع من ذئب مُقبل عليهم، لكن لماذا يتحذرون من حَمَل؟ هنا يقول لنا لماذا يجب الحذر، لأن النبي الكاذب سيأتي في هيئة تُوحي بأنه من القطيع، وسيتكلَّم كما يتكلَّم القطيع. قد يسلك مثلهم في البداية، حتى يتحين الفرصة ليُظهر طبيعته كالذئب الذي يأتي ليفترس لنفسه. ويجب أن يكون لدى جماعة الرب مَن لديهم حواس روحية منتبهة. وطوبى للجماعة متى أخذت تحذيراتهم بعين الاعتبار. ويجب ألا نَضّعُ يَدًا على أحدٍ بِالْعَجَلَةِ؛ أي لا نصادق على قبول الناس في الشركة والخدمة سريعًا (١تي٥: ٢٢). لماذا؟ لأن الطريقة الوحيدة التي نُميّز بها الكاذب من الحقيقي هي ظهور الثمار (مت٧: ١٦-٢٠)، وهي عملية لو تعلمون تستغرق وقتًا. فالرب لم يتركنا كثيرًا في حيرة بل وضّح أنه يستحيل أن هذا الكاذب يتظاهر كثيرًا دون ظهور ثمار تفضحه. وحين يتوفر الإخلاص لدى قطيع الرب، فالرب سوف يسمح بظهور ثمار رديئة من هذا الكاذب، تكشفه أمام أعيننا سريعًا. فتجده بعد فترة قد بدأ في استقطاب مجموعات من المؤمنين ليفصلهم عن الجماعة، وينشر بينهم نبواته وتعليمه الكاذب، ويبث روح التحزب والتمرد بينهم، كما فعل داثان وأبيرام وقورح في يومهم (عد١٦). وقد تجد تعاليمه الخبيثة، وقد بدأت تظهر على السطح. وهكذا شيئَا فشيئًا يتضح أن مَن أتى بثياب الحُمْلاَن، ما هو إلا ذئب خاطف، يبتغي افتراس القطيع وتشتيته.

(٢) في أمثال الملكوت يرسي الرب مبدأً أساسيًا عن وضع دائرة الاعتراف المسيحي حاليًا. وهي أن الزوان موجود في وسط الحنطة، وقد ثبَّت أقدامه، للدرجة التي يستحيل معها التخلص منه حاليًا (مت١٣: ٢٤-٣٠)، وهذا لن يحدث إلا عند ظهور الرب ليملك. الكلام هنا عن دائرة الاعتراف المسيحي، وليست الكنيسة بيت الله. ففي الكنيسة بيت الله، هناك توصيات شديدة بعدم احتضان الزوان، بل وعزل الخبيث. بناء على هذا المثل يجب أن نتوقع ظهور الزوان في وسط الحنطة، وهذا لا ينبغي أن يصدمنا مطلقًا. إن ظهور أشخاص أردياء ومعلمين كذبة في دائرة الاعتراف المسيحي، يجب أن يكون أمرًا متوقعًا دائمًا (٢بط٢: ١-٣).

(٣) في سفر الأعمال والأصحاح الثامن نجد أول محاولة من الشيطان لاختراق الكنيسة عن طريق شخص غير مولود من الله، ولكنه بدا كذلك في البداية، حتى ظهرت ثماره الرديئة (المبدأ الذي تكلمنا عنه في النقطة الاولى). كان هذا الشخص هو سيمون. وهو صاحب اختبار جذاب، فهو كان ساحرًا، وكان الجميع يتبعونه. ومن ضمن طرق إبليس، أن يستخدم أناسًا لهم اختبار جذاب، حتى حين ينحرفوا يصعب على المؤمنين تصديق أن هذا الشخص صاحب الاختبار الشهير والتاريخ العظيم في الخدمة، يمكن ان ينحرف عن الحق. لقد انضم سيمون للمؤمنين عن طريق تبشير فيلبس. ولكن حين ظهرت الثمار الرديئة عليه لم يتوانَ بطرس عن التعامل معه بكل حزم، بل وبعنف - بمقاييسنا اليوم - إذ قال له: «لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلاَكِ ... لأَنَّ قَلْبَكَ لَيْسَ مُسْتَقِيمًا أَمَامَ اللهِ. فَتُبْ مِنْ شَرِّكَ هَذَا، وَاطْلُبْ إِلَى اللهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ، لأَنِّي أَرَاكَ فِي مَرَارَةِ الْمُرِّ وَرِبَاطِ الظُّلْمِ» (أع٨: ٢٠-٢٣).

لم يهدأ الشيطان بل حاول استخدام سيمون في أمور أخرى. فقد ابتعد سيمون بالفعل عن المؤمنين في السامرة، إنما ليؤسس ما يعرف بـ”الغنوسية المسيحية“، والتي من خلالها تمكن الشيطان من اختراق الكنيسة مرارًا وتكرارًا، بدءًا مِن القرن الأول وحتى القرن الحادي والعشرين. وسأسوق فقط ثلاثة أمثلة من التاريخ المسيحي للبرهنة على هذا.

المثال الأول: في القرن الأول تأثر مؤمنو كولوسي أشد التأثر بالفكر الغنوسي ظانين أن المادة شرّ، وأن الجسد حقير. وكان سيخرج مِن هذا الفكر تعليم شرير بأن المسيح لم يأتِ في جسد مادي حقيقي، وهو ما يضرب كفارة المسيح في مقتل. ولكن لم يحدث هذا بين الكولوسيين لأن بولس كتب لهم بالوحي يحذّرهم من الفكر الغنوسي. ولكنه حدث في أيام يوحنا الذي كتب أن «كُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ» (١يو٤: ٣). وقاوم يوحنا كثيرًا من الأفكار الغنوسية في يومه.

المثال الثاني: في القرن الثالث ظهر أوريجانوس الفيلسوف المسيحي، الذي أراد أن يوفِّق بين تعليم المسيحية والفلسفة الغنوسية - ربما ليسهل على الفلاسفة قبول المسيحية متى أضحت أكثر منطقية وعقلانية بالنسبة لهم - تمامًا كما نرى اليوم دعوات للمفكرين ليؤمنوا، وذلك بأن نضع لهم الحق المسيحي في شكل فلسفي جذاب لهم، وكأن هذا هو ما سيقودهم للإيمان. قد أدى هذا بأوريجانوس لأن يصف الثالوث بأنه تدرّج في الأقانيم، واعتبر الخليقة المادية شريرة، وأن الكتاب المقدس به ثلاث مستويات من المعاني لا يفهمها أي مؤمن بسيط، بل تتَطلَّب مستوى سامي من التخلص من تأثيرات الجسد المادي، وهو ما أدى لاحقًا لتثبيت فكرة الرهبنة والتقشف. وعلَّم بأن السقوط غير حرفي، وأن الخلاص هو عملية تألُّه يتحوَّل فيه الإنسان الى إله بواسطة المعرفة. وأن كل شيء سيخلص في النهاية، ويتصالح مع الله، حتى الشيطان. وبالطبع غني عن البيان مدى تأثير شخص مثل أوريجانوس على أفكار المسيحيين، حتى أن الكنائس الشرقية تعتبره من أهم الآباء المُبجلين.

المثال الثالث: في السنوات الأخيرة عادت هذه الأفكار الغنوسية للظهور، بعد تحديثها لتُناسب وقتنا الحالي وعصور ما بعد الحداثة، ليتم الترويج لتعاليم خطيرة يُشبه بعضها ما علَّم به أوريجانوس من عدم حرفية السقوط، ومن إمكانية وجود استنارة روحية، وكشف إلهي بعيدًا عن المسيح والكتاب المقدس، وإمكانية وجود مغفرة بدون سفك دم، ومحاولة دمج التصوف الديني بتعاليم المسيحية بشكل غريب تحت عنوان يبدو جذابًا وهو ”بناء الجسور مع الآخرين“. وهكذا، منذ حوالي ألفي عام، وضع الشيطان بذرة ما زلنا نعاني من ثمارها اليوم من تعاليم كاذبة.

(٤) حدثت محاولة أخرى من الشيطان لتخريب رسالة الإنجيل عن طريق بعض المعلمين الكذبة في أعمال ١٥. وكانت هذه المرة عن طريق تهويد الإنجيل. أرادوا أن يقنعوا المؤمنين أنهم لن يخلصوا بعمل المسيح وحده، بل بجانبه لا بد من أعمال الناموس، مُمثلة في الختان. لو ظهر هؤلاء وسطنا اليوم، هل سنخاف أن نقول عنهم إنهم معلمين كذبة؟ هل سنكتفي بالقول: إن لهم آراء غريبة؟ أو: إنهم أخطئوا فهم الكتاب المقدس؟ لكن الرسول بولس قال عنهم: ”إِخْوَةٌ ْكَذَبَةٌ ... رُسُلٌ كَذَبَةٌ ... فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ“ (غل٢: ٤؛ ٢كو١١: ١٣). ولا تعليق!

(٥) في حديث الرسول بولس الوداعي لقسوس كنيسة أفسس، قال كلامًا مرعبًا فعلاً. فبعد أن خدم بينهم وأصبحت كنيسة أفسس من أروع الكنائس في ذلك الوقت، يقول لهم: «لأَنِّي أَعْلَمُ هَذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ»! يا للهول! بهذه السهولة سيدخل بينهم ذئاب خاطفة؟! ألن ينتبه القسوس لهذا الأمر؟! ألن يأخذ المؤمنون حذرهم؟ ثم يضيف ما هو أكثر رعبًا إذ يقول «وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ» (أع٢٠: ٣٠، ٣١). ربما لا يتكلَّم هنا عن أنبياء كذبة أو معلمين كذبة، لكن على أمر ليس أقل خطورة، وهو رغبة البعض في تكوين مجموعات وسط جماعة المؤمنين تتبع أشخاصهم؛ مجموعة فلان الفلاني، أو مجموعة المبدإ الفلاني، أو مجموعة الخدمة الفلانية. وقد يكون فلان شخصًا جيدًا، والمبدأ صحيح، والخدمة مباركة، لكن الله قصد أن يجمع المؤمنين حول المسيح، وليس حول فلان أو مبدإ أو خدمة أو نشاط. إذًا وضع بولس الأمرين في ذات درجة الخطورة؛ ذئاب خاطفة، وأشخاص يريدون أن يربطوا المؤمنين بهم هم، وليس بالكنيسة المحلية حول الرب فقط. والخطير فقط هاتان الكلمتان «بَيْنَكُمْ ... وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ»، وهما يوضحان من أين يبرز المُعلّمون الكذبة، والذين يتكلَّمون بأمور ملتوية؛ من داخل جماعة المؤمنين. ألا نأخذ حذرنا إذًا، ونستفيق مِن غفلتنا التي قد تصل لحد السذاجة. نعم من داخلنا سيقوم أناس يتكلَّمون بأمور ملتوية ... وبيننا سيدخل ذئاب خاطفة.

ويحذرنا بولس في رسالة رومية من الذين ”يَصْنَعُونَ الشِّقَاقَاتِ وَالْعَثَرَاتِ، خِلاَفًا لِلتَّعْلِيمِ الَّذِي تَعَلَّمْناهً“. ويصف استراتيجيتهم بأنهم «بِالْكَلاَمِ الطَّيِّبِ وَالأَقْوَالِ الْحَسَنَةِ يَخْدَعُونَ قُلُوبَ السُّلَمَاءِ (بسيطي النية)» (رو١٦: ١٧، ١٨). أرجو من جميع إخوتي أن لا ينخدعوا بالوعظ الجميل والجيد، فبجانب الوعظ ابحث - يا عزيزي - عن التعليم. فهل من يعظ جيدًا، ويقدِّم تحريضات عملية غاية في الروعة، يُعلِّم أيضًا تعليًما صحيحًا؟ هنا الرسول بولس يقول إنه من الممكن أن شخصًا يقول كلامًا طيبًا وأقوالاً حسنة، ويكون من صانعي الشقاقات والعثرات، الذين يُعلّمون تعليمًا مختلفًا عما تعلمناه؛ «الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ» (يه٣).

(٦) في رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح الثالث، يتحدث بولس عن ثلاث نوعيات من الذين يُشاركون في بناء الكنيسة. فهناك من يبني بمواد جيدة، مثل الذهب والفضة والحجارة الكريمة. وهناك من يبني بمواد لن تصمد أمام نيران الامتحان، مثل الخشب والعشب والقش. لكن هناك فريق ثالث وهو الذي يُفسد هيكل الله (١كو٣: ١٢-١٧). إنه لا يبني بل يُخرّب. لكن كونه ذُكِر في نفس الجزء مع الذين يبنون فهذا يعني أنه محسوب على الذين يبنون. وهل يُمكن أن يكون بين الكنيسة مَن يهدف لإفساد هيكل الله؟! هذا ليس شيئًا بعيدًا مطلقًا! وقد يبدو في مظهر مَن يُشارك في البناء.

(٧) يتوسَّع الرسول بولس في شرح الهيئة التي يأتي بها الرسل الكذبة في رسالته الثانية لأهل كورنثوس. فهم لكي يندسوا وسط المؤمنين بدون إثارة الشكوك لا بد لهم أن يُغيّروا شكلهم «إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ» (٢كو١١: ١٣). ربما سيتكلّمون عن المسيح كثيرًا. ولكن رسل المسيح الحقيقيين تعبوا كثيرًا من أجله. والرُسُل الكذبة بما أنهم سيُغيرون شكلَهم الى «شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ»، فلا تستعجب إذا وجدتهم يتعبون كثيرًا من أجل المسيح. أمر بالفعل مُحيّر للمؤمنين. فكيف يُصدق المؤمن البسيط أن شخصًا يتكلم عن المسيح، ويبشر به، ويبذل الجهد الشديد من أجله، من الممكن ان يكون رسولاً كاذبًا! وهنا يذكرنا الرسول بأن هذا ليس بالأمر المستغرب «وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! فَلَيْسَ عَظِيمًا إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضًا يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ» (٢كو١١: ١٤). أي إنهم ربما حتى لا تبدو منهم شائبة تشوب تصرفاتهم، بل ربما تجدهم يسلكون مسلكًا أخلاقيًا رفيعًا.

(٨) لا تدعو المسيحية كما يظن البعض إلى التشكيك الدائم للوصول لليقينية. هذه خدعة شيطانية يفضحها الرسول في رسالة غلاطية. فالمسيحية تنطلق من اليقين، وليس من الشك. كثيرًا ما يوصي بولس بالثبات على ما تعلمنا وأيقنا، ولا يوصي أبدًا بمحاولة التشكيك الدائم التي تعكس عدم الإيمان في مصدر التعليم. ففي رسالة غلاطية ١: ٩ يقول للغلاطيين «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا (ملعون أو محروم)». وهنا يقول الرسول بولس عكس ما يدَّعيه البعض؛ أن المؤمن ينبغي أن يكون دائمًا منفتحًا لمراجعة معتقداته. وبالرغم من أن هذه الجملة فيها شيء من الصحة، وليست صحيحة كليًا، إلا أن استخدامها في الآونة الاخيرة كان كمَن يقول حقَّا يُراد به باطل، لهدم الإيمان. بل ويقول البعض إن أسوأ ما يمكن أن يحدث للمؤمن هو أن يظن أنه عرف الحق. فلو أن ما يدّعيه البعض صحيحًا، لما قال الرسول بولس لهم، إنه لو أتى أحد بتعليم يخالف ما تعلمتم فليكون ملعونًا أو محرومًا. وبذلك يدعوهم الرسول أن لا يكونوا منفتحين لمراجعة ما تعلموه وأيقنوه مرة. بل يدعوهم لأن يثبتوا في تعليم الانجيل الذي تعلموه من الرسول بولس.

يقول البعض إن الشك في المعتقدات هو الأمل الوحيد للمؤمنين حاليًا. حسنًا! ولكن الكتاب يقول إن الثبات على تعليم الكتاب هو الأمل. أظن أن التضاد واضح بين الاتجاهين. يريد الرسول بولس أن المؤمنين يتمسكوا بالإيمان الذي بُشّروا به في البداية «الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ» (يه٣). جيد أن أراجع ما تعلّمت من كلمة الله، وهنا يجب أن أصل لمرحلة أخرى يسميها الكتاب ”اليقين“. اسمع الرسول بولس يُخاطب ابنه وتلميذه تيموثاوس قائلاً: «وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ» (٢تي٣: ١٤). لذلك يضع الكتاب «تَعَلَّمْتَ» أولاً، ثم «أَيْقَنْتَ» ثانيًا. ومتى وصلت لمرحلة اليقين، فيجب أن أتمسك تمامًا بما يقول الكتاب، وليس أن أظل دائم الشك في كل شيء كما يريد البعض. فهذا يعكس عدم إيمان في كلمة الرب. وبالمناسبة يستحيل الوصول لليقين لو كان الحق نسبيًا كما يظن الكثيرون. فمبدأ نسبية الحقائق لا يعطي فرصة مطلقًا لليقين.

(٩) وماذا لو أتى أحدهم بتعليم غير ما تعلمناه؟ يقول بولس في غلاطية ٢: ٤، ٥ إن موقفه منهم كان واضحًا «لَمْ نُذْعِنْ لَهُمْ بِالْخُضُوعِ وَلاَ سَاعَةً، لِيَبْقَى عِنْدَكُمْ حَقُّ الإِنْجِيلِ». في يومنا هذا يدعو البعض لإعطاء حرية إبداء الآراء في كل الأمور، وسماعها مرة واثنين وثلاثة، والتهادن معها. حسنًا، لم يكن هذا موقف الرسول بولس. قد يتهم البعض مَن يحذو حذو الرسول بولس أنه لا فرق بينهم وبين داعش شيء. فلقد تم استغلال مواقف داعش الشريرة لتكون ”بعبع“ و”تهمة“ يُتهم بها كل مَن يريد أن يتصدى للخطإ داخل كنيسة الله، باعتبار أنه لا يُتيح حرية العقيدة، تمامًا كما تفعل داعش. مع أن الفرق واضح فداعش تقتل وتذبح وتُهلِك مَن لا يدين بعقيدتها، بينما الرسول بولس، ومن يحذون حذوه، لا يقتلون ولا يذبحون، لكنهم يتصدون بشجاعة للأخطاء التعليمية التي تحاول التسلل داخل الكنيسة، ويقولون بوضوح لمَن ينشر التعليم الكاذب: ”هذا التعليم غير مقبول، ولا مُرحَب به في كنيسة الله. إن أردت أن تُعلّم هذا التعليم فلا تفعل هذا بيننا“.

وغني عن البيان أن الرب أعطى للكنيسة هذا السلطان لكي تحكم على مَن ينشر تعاليم كاذبة ألا يكون داخلها. أما إن أراد أن ينشره خارجها فما سلطانها؟ تمامًا كما فعل بطرس مع سيمون؛ لم يسمح له بالتواجد داخل الكنيسة، ولكن حين خرج إلى خارج، وأخذ ينشر فكره، فهل لنا أن نحكم عليه؟ كلا بالطبع. لكن من حق الكنيسة أن تحكم على من بداخلها «لأَنَّهُ مَاذَا لِي أَنْ أَدِينَ الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ؟ أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ تَدِينُونَ الَّذِينَ مِنْ دَاخِلٍ؟ أَمَّا الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ فَاللَّهُ يَدِينُهُمْ. فَاعْزِلُوا الْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ» (١كو٥: ١٢، ١٣).

ملخص القول إن المسيحية لا تُعطي في الحقّ ديمقراطية أو فرصة للتعددية. وهذا في قمة الوضوح من مواقف وتعليم الرسول بولس في رسالة غلاطية.

(١٠) في رسالته الأولى لتيموثاوس يصف الرسول بولس مَن يُعلِّم بتعليم لا يوافق التعليم الصحيح بأنه «قَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئًا»، وبأنه مِن ضِمن «أُنَاسٍ فَاسِدِي الذِّهْنِ وَعَادِمِي الْحَقِّ»، ويُوصي الرسول تَجَنَّبْ مِثْلَ هَؤُلاَءِ» (١تي٦: ٣-٥). أظن أن هذه الصفات لو أُطلقت اليوم على مَن يُعلّمون تعاليم لا توافق التعليم الصحيح، سيُقال على من يصفهم بذلك إنه إرهابي، ومتزمت، يُطلق الأحكام، وكأنه مكان الله. حسناً! الرسول بولس فعل هذا. فهل الرسول بولس كان إرهابيًا ومتزمتًا؟ ما لزوم وجود مثل هذه الآيات في الكتاب المقدس إن لم يكن هذا حكم يمكن إطلاقه في نفس الظروف التي دعت بولس لإطلاقه في القرن الأول؟

قرأت هذه الجملة مؤخرًا على أحد صفحات التواصل الاجتماعي: ”لا يحق لأحد أن يفرض قناعاته على أحد“، وهي حق. فليس لي أن أفرض ما أنا مقتنع به من كلمة الله على شخص آخر. ولكن إن أراد هذا الآخر أن يكون في شركة مع جماعة المؤمنين، مع كنيسة الله، فليس من حقه أيضًا أن يفرض عليهم تعاليم لا تتفق مع كلمة الله؛ دستور ونور الكنيسة الوحيد.

(١١) هل ينجح المعلمون الكذبة؟ وهل تنتشر أكاذيبهم ويصدقها الكثيرون؟ في واقع الأمر هذا ما يحدث عادة. ولكن انتشار التعليم الكاذب ليس دليلاً على صحته ولا على نجاحه مطلقًا. بل إن موافقة الأكثرية على التعليم الخاطئ تُذكرنا بقول الرسول بولس لتيموثاوس أن تعاليم أولئك، الذين زاغوا عن الحق، ستنتشر بكثرة في الأيام الأخيرة، كمثل انتشار الغرغرينا، حتى لا يمكن إيقافها «وَأَمَّا الأَقْوَالُ الْبَاطِلَةُ الدَّنِسَةُ فَاجْتَنِبْهَا، لأَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَكْثَرِ فُجُورٍ، وَكَلِمَتُهُمْ تَرْعَى كَآكِلَةٍ (غرغرينا)». إنهم «يَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَكْثَرِ فُجُورٍ»، فلن يكون هناك حد للتعاليم الخاطئة التي سينشرها أولئك الذين قال عنهم في نفس الفقرة إنهم «يَقْلِبَانِ إِيمَانَ قَوْمٍ» (٢تي٢: ١٤-١٨). فتعاليمهم الكاذبة ستقضي على الأخضر واليابس، ولن تتوقف عند حد معين. فلن يكتفي المعلمون الكذبة بهدم بعض تعاليم كلمة الله، بل سيتقدمون رويدًا رويدًا ليهدموا أسس الإيمان المسيحي. سوف لا يخجلون يومًا من إنكار خلاص الله من خلال صليب المسيح (بدأنا نسمع بعض التعاليم التي تتجه نحو هذا الفكر)، وسيتبجحون يومًا ما وهم ينكرون لاهوت المسيح. ليتنا لا ننخدع حين نرى الجمع ينجرف وراء أولئك المعلمين. هذا ما قاله بولس منذ الفي عام ونراه في يومنا حادثًا بوضوح.

(١٢) ثم يقول الرسول بولس لتيموثاوس «وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ» (٢تي٣: ١٤). فبعد أن أكثر الرسول بولس من تحذيراته لتيموثاوس بخصوص التعليم والمعلمين الكذبة، يُوجِّهه لئلا يفصل بشكل مطلق التعليم عن شخص المعلم وتوجهه العام. وينصحه بأن يحرص ألا يتعلم فقط تعليمًا صحيحًا، بل يكون عارفًا ممن يتعلم. فأن أسمع التعليم المسيحي من أحد المُعلمين، وأنصح الآخرين بسماعه، يقتضي أن أكون مستريحًا ومصادقًا على مجمل تعليمه المسيحي، وليس فقط الجزئية التي أعجبتني. فلا تقل لي: ”هذا الشخص ينكر الوحي اللفظي لكلمة الله، لكن لديه تعليم رائع بخصوص صليب المسيح“. الحق المسيحي لا يتجزأ. ويجب أن يكون توَّجه المُعلم صحيحًا في الحق كله، وليس في بعض أجزاء منه. وهنا أحذر أحبائي جميع اولاد الله؛ إذا رأيت معلمًا زاغ وانحرف عن الحق، فأرجوك لا تظن في نفسك الفطنة أن تتخير من كلامه الصحيح من الخطإ. اهرب لحياتك! ولا تعد تسمعه كمعلم مسيحي. ما لا يؤخذ كله لا يترك كله، مبدأ لا نجده في كلمة الله بخصوص التعليم.

والسؤال الحرج هنا: ”ماذا عن سلوك المعلم؟“ قد يكون هناك معلم مسيحي وتوَّجهه سليم بشأن الحق، لكن بعض سلوكياته جسدية. أقول وإن كان الخادم مسؤولاً مسؤولية خطيرة أمام الرب أن يسلك بقداسة لئلا يُجلب إهانة لكلمة الله التي يُعلّم بها، إلا أن سلوك الخادم لن يُغير من الحق الذي يعظ به. لكن تعليمه الخاطئ حتمًا سيُغير من الحق الذي يعلم به. لذلك، ومع أنه خير لمن لا يسلك سلوكًا مسيحيًا صحيحًا ألا يُعلّم بالكلمة لئلا يُجلب عليها إهانة، إلا أن خطره أقل كثيرًا من ذاك الذي يعلم تعليمًا مغلوطًا. فبخصوص السلوك لن تجد مَن لا يُخطيء. بولس أخطأ، برنابا أخطأ، أنبياء العهد القديم كانت لهم سقطاتهم. وكلنا لنا سقطاتنا في سلوكنا. وإن كان هذا أمرًا مشينًا، إلا أن خطورة التعليم الخاطئ تتخطى خطورة السلوك الخاطئ. ما دام التعليم صحيحًا فهناك أمل في تغيير السلوك. أما إن فسد التعليم الذي ينشئ السلوك ... فبماذا يصلح؟

(أكرر أن النقطة السابقة ليست مبرراً للسلوك الخاطئ الذي يصدر من أي خادم، بل هي مجرد فقط وضع للأمور في نصابها. من الأفضل لو كان المعلم سلوكه جسدي أن يتوقف عن التعليم على الأقل حتى ينصلح حال سلوكه)

(١٣) «لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ» (٢تي٤: ٣). لو أردت وصفًا لحال المسيحيين بوجه عام في يومنا هذا لا أجد أدق من هذه النبوة. يجب أن نأخذ كلام الروح القدس بأكثر جدية. ففي يومنا هذا تجد حتى المؤمنين لا يحتملون التعليم الصحيح. لماذا؟ لأنه غالبًا سيجعلنا ننقص ويجعل ذاك يزيد. ومتى كان المؤمن جسدي - وهي حالتنا بشكل عام في الأيام الأخيرة - فلا تتوقع أنه سيسعد بأن ينقص.

سوف يقول المعلمون كلامًا يعجب الناس ويعمِّق فيهم الإحساس بالذات ويعظّم الإنسان. وهذا هو المقصود بـ”حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ“. فيصرفون مسامعهم عن الحق المليء باليقينية، الى الخرافات المليئة بعدم اليقينية. وسينفر الناس من التعليم الصحيح ويهاجمونه بكل قوتهم. سينفرون من الكلام القديم بحجة أنه جمود وأفكار بالية، لا تصلح لمجتمعنا ووقتنا الحالي. نحن نرى هذا يحدث أمام أعيننا بوضوح. نعم مع تألمنا لهذا، إلا أننا نُعظم كلمة الله التي تنبأت عن حال المسيحية في آخر الأيام. وفي كل الرسالة الثانية إلى تيموثاوس يتحدث الرسول بولس عن حال المسيحية، وليس فقط حال المؤمنين الحقيقيين.

ومما يثير العجب أن الرسول بطرس يقول عن المعلمين الكذبة إنه «سَيَتْبَعُ كَثِيرُونَ تَهْلُكَاتِهِمْ» (٢بط٢: ٢). وإن كنت في البداية أصاب بالاندهاش حين أرى كم المسيحيين الذين يسيرون وراء هؤلاء المعلمين الكذبة. لكن لا ينبغي أن نندهش وقد تنبأت كلمة الله بهذا.

(١٤) يصف الرسول بولس لتيطس كلام المعلمين الكذبة بأنه «وَصَايَا أُنَاسٍ مُرْتَدِّينَ عَنِ الْحَقِّ» (تي١: ١٤). وهذا في الواقع هو تعريف المعلم الكاذب. فالمعلم الكاذب ليس هو مَن يجهل التعليم، فيُعلِّم تعليمًا ناقصًا. كان ”أَبُلُّوسُ“ من هذا النوع الأخير، وحين أقبل لمعرفة الحق كاملاً، أخذ يعلم به (أع١٨: ٢٤-٢٨). لكن المعلم الكاذب كان ينادي بالتعليم الصحيح يومًا ما، ويا للحسرة فقد ارتد عنه، وأصبح يُعلّم بعكسه تمامًا!

(١٥) نأتي للجزء الأكثر وضوحًا في العهد الجديد عن المعلمين الكذبة؛ أعني رسالة بطرس الثانية والأصحاح الثاني. يضرب بطرس مثلاً بالشعب القديم لكيلا نندهش من ظهور المعلمين الكذبة بيننا. ويقول إنه كما حدث قديمًا وظهر أنبياء كذبة بين الشعب، سيظهر بيننا معلمون كذبة. وأضاف أن طريقتهم هي طريقة ”الدس“؛ «يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ»؛ أي أنهم يضعون السم في العسل. يضعون التعاليم الهادمة في وسط الأفكار الصحيحة الجيدة. فقد تجد مجموعة من العظات التي تحتوي على أفكار صحيحة جدًا، وفي دقيقة أو دقيقتين وسط العظة، يُلقي لك هذا المُعلّم تعليمًا هادمًا. فالمعلم الكاذب ليس بالغباء الذي يجعله يعظ عظة مليئة بالهرطقات، بل هو حاذق للدرجة التي معها يدس التعليم الخاطئ في وسط الكثير من التعاليم الصحيحة. وهذا ما يجعلنا في احتياج دائم للرب كاشف القلوب والكلى، كاشف الأسرار، كي ما يمنحنا اليقظة لكيلا ننخدع.

ثم يسرد بطرس بعضًا من تعاليمهم. وبشكل شخصي لقد اندهشت كيف يتطابق تعليمهم مع ما أصبحنا نسمعه تحت مسمى “اللاهوت الليبرالي“. فأولاً «هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ» (ع٢)! كيف؟ هل بأن يُنكرون صليب المسيح؟ بالطبع كلا. فلقد فطنا إلى أسلوبهم الماكر؛ إنهم لا ينشرون تعاليمهم بطريقة مفضوحة، لكنهم يُقللون كثيرًا من هول الخطية، ومن وراثتنا لمذنوبيتها. وكثير من الخطايا يضعونها تحت تصنيف ”الامراض“ وليس الخطية. ويقولون إن الخطية نفسها مرض، والموت ليس عقوبتها بل نتيجتها. بهذه الطريقة هم ينكرون شراء الرب لنا. فالرب لم يكن عليه أن يدفع ديننا في هذه الحالة، وهذا هو معنى الفداء بدفع الدين وفك المديون.

ثم يسوق بطرس مثالاً على الدينونة بأن الرب لم يشفق على العالم القديم وجلب طوفانًا على عالم الفجار، وأنه رمَّد مدينتي سدوم وعمورة. ويصف مَن كانوا في سدوم بالأردياء والأثمة (ع٤-٨). ولاحظوا معي أيها - الأحباء - كيف أن هاتين الحادثتين بالذات قد تعرضتا للنقد من جانب معلمي اللاهوت الليبرالي؛ فقد أنكروا تاريخية وحرفية الأولى؛ أنكروا تاريخية الطوفان وشخصية نوح. وأنكروا أن الخطية التي ارتكبها أهل سدوم (اللواط) هي في واقع الأمر خطية، بل أخذوا يُروجون لأنها مرض واضطراب. يا لروعة كلمة الله! كيف تتم كلمات الوحي بهذه الدقة! فكل ما تنبأ الكتاب أن المعلمين الكذبة سيقولونه أو ينكرونه هكذا فعلوا. ولكني في ذهول أكثر أن كثير من المؤمنين يرون أمامهم هذه الأمور ومع ذلك فهم ما زالوا غير قادرين على أن يصفوا مَن ينشر هذه التعاليم بالمعلم الكاذب. هل أصبحنا نستحي بأحكام كلمة الله؟!

وبإنكار هاتين الحادثتين؛ الطوفان وحريق سدوم وعمورة، وُضع الأساس للتعليم الشرير بأنه ليس هناك دينونة. وليس هناك جهنم حقيقية بل هي كتعبير أحدهم اشبه بـ”حلم طويل مُمل“، وليس عذابًا أبديًا، كما قال الكتاب. فهؤلاء المعلمون يرددون تمامًا ما تنبأ به بطرس في الأصحاح الأخير من رسالته الثانية قائلاً على لسانهم: «أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟ لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ الآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ هَكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ» (٢بط٣: ٤). إن بقاء كل شيء من بدء الخليقة هو بكلمات أخرى إنكار الطوفان الذي فصل التاريخ العالمي إلى ”العالم القديم قبل الطوفان“ و”العالم الحاضر“. وهكذا بإنكارهم للطوفان يؤكدون لنا صدق هذه النبوة، ويضيفون سببًا آخر يؤكد لنا أن معلمي هذا اللاهوت ما هم إلا المعلمين الكذبة الذين تنبأ عنهم بطرس.

أحبائي أرجو ان نأخذ كلام الله بعين الاعتبار وبجدية تليق به. كل ما سردته من أقوال كتابية عن المعلمين الكذبة ليس له أدنى معنى لو أن وجودهم ليس حقيقة واقعة. راجعوا كلماتي القليلة في ضوء كلمة الله. ولا تترددوا في أن تحكموا كما حكمت كلمة الله. لا تشفق أعينكم يا إخوتي أن تُسمّوا الأشياء بمسمياتها. فالتعليم الكاذب لن يكون إلا كاذبًا. والمعلم الكاذب لن يكون إلا معلمًا كاذبًا. هكذا تعلم كلمة الله، وهكذا لنفعل نحن بمعونة الله. طالبين منه أن يحفظنا من سيل الضلال المحيط بنا بسهولة.

بقي فقط أن نفرِّق بين بعض الذين يُعلّمون بتعاليم شريرة عن جهل، وبين مَن يعمل على نشرها عن تعمد، وهو يعلم تمامًا ما هو صحيح. هذا التمييز قد يكون صعبًا بعض الشيء علينا، لأنه يحتاج لأن نعلم نوايا الشخص. ولكن يعلم الرب ما في الدواخل، وأيهما عن جهل وأيهما عن علم. وفي المُجمل فالشخص الذي يُعلِّم بتعليم شرير عن جهل، تجده يتراجع سريعًا عنه متى تعلَّم الحق. ويعتذر بإخلاص إن كان قد سبَّب أي تشويش بتعليمه، ويعمل جاهدًا على نشر التعليم الصحيح متى أدركه. أما النوع الآخر فقد يكون عارفًا بالتعليم الصحيح، بل وربما علَم به فترة من الزمن، ولكنه ارتد عنه.

ليت الرب يعطينا يقظة أمام تلك الهجمات الشرسة من عدو الخير، ويُعطينا الشجاعة لنتصدى للمعلمين والأنبياء الكذبة متى ظهروا في كنيسة الله، لأن التهاون في هذا الأمر يجعلنا نذوق المرار بسببه داخل كنائسنا المحلية، كما ولا بد أننا سنعطي عنه حسابًا أمام كرسي المسيح حتمًا.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
الرب هنا يحذرنا من أن نكيل بمكيالين
يجذب المعلمون الكذبة أتباعهم إلى ذات القفر
يحذرنا من أن نعمل بدون الرب
يحذرنا الرب من أن ننطق بقَسَم
الأنبياء الكذبة و المعلمون الكذبة


الساعة الآن 07:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025