![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() أورشليم المُتَرمِلة المْنسِيَة في سفر إرميا كما في المراثي يكشف النبي عما يشعر به، ليس كمتفرجٍ للأحداث، وإنما بكونه عضوًا في هذا الشعب، ما يحل بهم من متاعب كأنها تحل به شخصيًا بالرغم من تحذيراته المستمرة لهم. لهذا لا نعجب أنه في النصف الأول للمرثاة الأولى يئن قلب النبي وهو يصف ما حلّ بوطنه وشعبه؛ وفي النصف الثاني يُعلن عن المر الذي حلّ به، ليس إلا كوجه آخر لنفس الكارثة. يبدو كأن اثنين يتحدثان، أحدهما الشاعر الذي يكتب كملاحظ خارجي يتحدث عن المأزق الذي سقطت فيه أورشليم، فيشبهها بأرملة تعاني من المرارة. والثاني كأن أورشليم نفسها هي التي تتحدث عما حلّ بها، كسيدة حزينة لا معزٍ لها. الكاتب واحد، وهي مرثاة واحدة لا اثنتين، إنما هذه الحركة هي حركة ديناميكية تدعو القارئ أن يقف أولًا ليرى بنفسه كما من الخارج، ثم يدخل إلى عمق المشكلة ليجد أن ما حلّ بالمدينة إنما حلّ به شخصيًا. وكأن القصيدة تقدم وصفًا لمن يتطلع إليها من الخارج، وما تعلنه هي من الداخل. تبدأ المرثاة بحديث النبي واضع القصيدة المر النفس كمن يتطلع إلى المدينة المحبوبة إليه، وقد صارت أشبه بأرملة تعرضت لمفاسد خطيرة [1-11]. يلي ذلك حديث أورشليم نفسها كامرأة حزينة تئن في أعماقها [12-22]. تشبه مدينة أورشليم بأرملة مع أنها كانت المدينة العظيمة بين الأمم، والتي كانت تسمى مدينة الملك العظيم (مز 48: 2). فقدت استقلالها وحريتها، فأصبحت تحت الجزية. أصبحت نائحة ومهجورة بسبب عدم وجود الصاعدين إلى الهيكل ليعيدوا. هذه الأبواب دخلتها جيوش نبوخذنصر وأحرقتها. "لم تصدق ملوك الأرض وكل سكان المسكونة أن العدو والمبغض يدخلان أبواب أورشليم" (مرا 12:4). تنتهي المرثاة بصرخة إلى الله يعترف فيها النبي باسم شعبه كله أنه يستحق ما حلّ به [18]، ولكن التأديب مرّ للغاية، استغله المجرب (بابل كرمز لإبليس وقواته أو ملائكته)، فيطلب أن يحل بعدو الخير ما فعله بالمؤمنين أثناء تأديبهم [22]. تصور المرثاة حال كل الفئات هكذا: - المدينة في حالة ترمل، فقدت عريسها السماوي، وبلا أصدقاء، تركها الحلفاء، وحُسبت زانية في عارٍ. - الكهنة يتنهدون، عوض رفع القلوب إلى الفرح السماوي. - الرؤساء أصبحوا مثل الأيائل التي لا تجد مرعى، فتسير بلا قوة أمام طارديها عوض أن يقودوا الشعب إلى النصرة. - العذارى اللواتي تمثلن فئة متهللة بالرب، صاروا في مرارة المر. - الأولاد الذين كانوا يمرحون في صبوتهم، ذهبوا إلى السبي قدام العدو، وكذلك العذارى والشبان. - كل الشعب يتنهد طالبًا الخبز، كما أن الكهنة والشيوخ ماتوا جوعًا، لأنه ليس خبز. كل ما حدث لأورشليم حدث بسبب خطاياها وشرها، وأن الله بار في كل معاملاته. - الأعداء يضحكون عليها بسبب هلاكها، وعندما سمعوا ببليتها فرحوا وتهللوا. يتلخص مفتاح هذه المرثاة في الأفكار التالية: أ. الرب هو الذي يسمح بالمذلة كتأديبٍ أبوي [5]. ب. ما حلّ بأورشليم ليس ظلمًا، وإنما هو ثمرة عصيانها [18]. ج. إن كان الله قد استخدم بابل للتأديب، لكن بابل نفسها شريرة ويلزم عقابها [22]. |
![]() |
|