![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() ظلال الكنيسة (تك٢: ١٨-٢٤) قليلون هم القرَّاء الذين يُفاجئون لدى سماعهم القول إن ثمة نساء، مثل حَوَّاء ورفقة وأسنات، وغيرهن، هن رموز للكنيسة. وفي العهد الجديد توجد اقتباسات وإشارات مؤكدة لا لبس فيها، تؤكد صحة هذا التعليم، مثل أفسس ٥: ٣٠، ٣١. إن عمق مشورة ومقاصد الله، تكمن في هذه الرموز. وتنوع وجمال التفاصيل الخاصة بهذه الرموز، لافتة إلى أقصى حد. وسنقصر هذا المقال على إحداهن فقط: حواء. «وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ. وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تك٢: ١٨-٢٠). حقيقة أن الله خلق الإنسان، ذكرًا وأنثى، مذكورة بالفعل في تكوين ١: ٢٧ «خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ ... ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ». أما الأصحاح الثاني من سفر التكوين فمعني بعلاقات الإنسان نحو الله، والخليقة، والمرأة. وهذا يفسر تغيير اسم الله من ”الله (إيلوهيم)“ في الأصحاح الأول، إلى ”الرب (يهوه)“ في الأصحاح الثاني. وبالنظر إلى علاقة آدَم بحَوَّاء، تبرز هنا حقيقة رائعة، وهي أن الغاية من وجودها هو إدخال السرور إلى قلب آدَم. وبطبيعة الحال، يحق للكنيسة أن تجد كل الرضى والسرور في المسيح، لكن سبب وجودها، هو أن تُجلِب الفرح إلى قلبه، لا لتفرح هي. إن المسيح هو المركز هنا، لأن الكنيسة إنما خُلِقَت لشبع قلبه. ومن شأن هذا الاستدراك البسيط، أن يُغيّر الطريقة التي ننظر بها نحو كنيسة الله. فالكنيسة عبارة عن صحبة من البشر، باركهم الله بغنًى، وهم يجدون دائمًا فرحهم في الرب. ولكن ليس هذا هو الداعي من تكوينها، بل إنما هي جُبِلَت لأجله. كان آدَمُ وحيدًا؛ وهكذا كان المسيح كإنسان على الأرض. اسمعه يتكلَّم عن نفسه في مِثَال: إنه سيظل وحيدًا، ما لم يمت «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ» (يو ١٢: ٢٤). إن عجز التلاميذ عن فهمه، وقصورهم عن إدراك أفكاره، زاد من شعوره المُوحش بالوحدة. ويكفي أن نتفكر فقط في جثسيماني. وهكذا سيستمر إحساسه بالوحدة، حتى كالإنسان المُقام من بين الأموات؛ بمعنى أنه ينتظر، وينظر إلى الكنيسة باعتبارها ”مِلْؤُهُ“. كان وضع آدَم، شبيهًا بذلك، في مِثَال. فعلى الرغم من إمكانياته العقلية الفذة، التي مكَّنته من استعراض كل حيوانات وطيور الخليقة، ووصفها وتسميتها على نحو ملائم ومناسب (تك٢: ١٩)، إلا أنه كان يفتقر إلى الكمال؛ كان وحيدًا، وعلى إثر ذلك قرّر الله: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تك٢: ١٨). لم يكن في جميع المخلوقات أحد يُمكن أن يُشاركه أفكاره، ويتفهم مشاعره، ويبادله محبته. وبهذا المعنى، هكذا المسيح أيضًا كإنسان كان يفتقر إلى ”مِلْؤُهُ“. ومن جانبنا لم نكن لنجرؤ على قول ذلك، لو لم يكن الكتاب المقدس أعلن بكل وضوح أن الكنيسة هي ”مِلْؤُهُ“؛ الكنيسة «هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ» (أف١: ٢٣). هل ثمة مقام أرفع من الانتماء إلى هذا الكيان؛ أعني الكنيسة؟ إن كل الأتقياء الذين عاشوا في أزمنة العهد القديم، والذين سيعيشون خلال فترة الضيقة العظيمة، ليس لهم هذا الامتياز المُخصَّص فقط لأولئك الذين يؤمنون بالمسيح في زمان النعمة، أي بين يوم الخمسين والاختطاف. بعد أن نظرنا إلى هذه التفاصيل القليلة فقط، أفلا نشعر بأننا نحتاج لأن نسمح لله بتقويم وتكوين تفكيرنا في هذا الصدد؟ لم تُوجد الكنيسة لأجلها هي، بل من أجل المسيح. وإن هؤلاء المُنتمين لها، إنما قد أُعطوا له على سبيل الإكمال والإتمام؛ وينبغي أن تكون لهم القدرة على الحس والشعور، كما يفعل هو، فيما يتعلق بكل شيء في هذا العالم، وحتى فيما يتعلق بما وراء العالم. فهل نحن نُبادله محبته على نحو عملي في حياتنا؟ وهل أفكارنا ومشاعرنا وتطلعاتنا في توافق وانسجام مع تلك التي له؟ والآن إلى تفصيلة جديدة مُبهرة: كان لآدَم وحَوَّاء أن يشغلا مركز السيادة والسلطان على العالم بكل مخلوقاته: «وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ» (تك١: ٢٦). وهذا المركز كان لكل من آدَم وحَوَّاء على قدم سواء. وهكذا تقول الآية التالية: «فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ» (تك١: ٢٧). ولكن يُنظَر إلى آدَم باعتباره تبوأ مركز السلطان على الخليقة، بدون حَوَّاء، قبل أن تُوجَد. وهذه التفصيلة تشرح بوضوح وجمال أخاذ حقيقتين بحصوص المسيح والكنيسة: (١) إن المسيح وحده هو الذي يليق به - في ذاته - أن يعتلي موقع السلطان والسيادة على الأرض باعتباره ابن الإنسان (مز٨). (٢) إن الكنيسة ستشاركه في ذلك، ولكن من مُنطلق كونها شريكته فقط. فالمسيح هو الوارث، ونحن وارثون معه، وذلك نظرًا لأننا شُركاؤه؛ وأُكرّر، نظرًا لكوننا شركاءه فحسب. فالله «جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ» (عب١: ٢)، «فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ» (رو٨: ١٧). وهنا لا بد أن نُنوه إلى تميز حَوَّاء عن دائرة الخليقة الخاضعة لسلطان آدَم. فكثيرون من المؤمنين الحقيقيين اليوم، يقنعون بدور رعايا المُلك. وهذا ما يُمكن التحقق منه من كلمات عدد كبير من الترانيم الحديثة. وسيكون هذا بالفعل مركز المؤمنين اليهود خلال فترة المُلك الألفي، لكن هذا لا يرقى إلى مستوى الدعوة الحقيقية للمؤمنين اليوم. فالمسألة بالنسبة لنا ليس تسلط المسيح علينا كخاضعين تحت حُكمِهِ، بل بالحرى كونه يُريدنا أن نملك معه، عندما يحين وقت مُلكِه. ومرة أخرى، نُشدّد على أن هذا التفسير يؤكده الكتاب المقدس، بالقول: «وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ (وليس على الكنيسة)» (أف١: ٢٢). «فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا» (تك٢: ٢١). إذا كان الخالق، كلي القدرة - بعد أن خلق آدم من تراب الأرض (تك٢: ٧) - اختار هذه الطريقة المختلفة بشكل ملحوظ لخلق مُعينًا لائقًا له، فلا بد أن ثمة سببًا لذلك. أَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عميقًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، وفي ذلك صورة - ولا شك - لموت المسيح الذي استلزمه تكوين الكنيسة. ومُجدَّدًا نُشير إلى ”حَبَّة الْحِنْطَة“ التي كان ينبغي أن تَقَعَ في الأرض وتَمُوتَ، لكيلا تَبْقَى وَحْدَهَا (يو ١٢: ٢٤). وهكذا اجتاز المسيح في حالة غريبة تمامًا عليه، باعتباره رئيس الحياة؛ أعني اجتاز الموت، لكي يستحضر إلى الوجود الكنيسة: مِلأَه. وهذه الصورة تُذكرنا بأن: (١) الكنيسة هي ثمرة آلام المسيح وموته على الصليب. (٢) إن تكوين الكنيسة كان لا يمكن أن يحدث إلا بعد موت المسيح. وهنا يجدر بنا الإشارة - بشكل عابر - إلى أننا لا نستقي الحق من الرموز، ولكن نستخدم الرموز لتوضيح الحقائق التي نجدها في العهد الجديد. فعلى سبيل المثال، نحنن نعرف أن الكنيسة تكونت في يوم الخمسين، عندما اعتمد المؤمنون إلى جسد واحد (١كو١٢: ١٣)، وأنها - الكنيسة - هي ثمرة عمله «كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أع٢٠: ٢٨)، «أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا» (أف٥: ٢٥). صحيح أن مؤمني العهد القديم كانوا مولودين ثانية، ومفديين على أساس موت الرب يسوع على الصليب، لكن الكنيسة تكونت فقط بعد اجتياز آدَم الأخير في سُبَات عميق؛ أعني موت الصليب. ولقد أُشير مرارًا إلى أن المُعِينَة والشريكة لآدَم تكونت عبر بناء الضِّلْعِ التي أُخِذَت من جَنبِ آدَمَ، لتبيان أنها غرض محبته، بالمباينة مع كونها غرض تسلطه. «وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ» (تك٢: ٢١). وعندما نأتي إلى الطريقة التي اتبعها الرب الإله لخلق حَوَّاء، فإن أول ما يسترعي انتباهنا هو استخدام الوحي لكلمة «بَنى». بالتأكيد كان هذا الفعل من أعمال الخلق. إلا أن الكلمة المستخدمة هنا خاصة للغاية، حيث يقول الوحي إن ”الرَّبُّ الإِلهُ بَنَى الضِّلْعَ امْرَأَةً“، وهذه أول مرة يرد فيها هذا الفعل ”يَبْني“، في الكتاب المقدس. ومن اللافت للنظر أن الكلمة المستخدمة لتكوين (بِناء) الكنيسة في أفسس ٢: ٢٠ ، ٢٢ مشتقة من نفس جذر الكلمة المستخدمة هنا (في الترجمة اليونانية المعروفة بالسبعينية). وبالرغم من أن الكنيسة هنا مُقدَّمة على أنها مُعِينَة وشريكة، إلا أن الروح القدس يُنبر على حقيقة أن الله ”بَنى“ من ضِلْع آدَم امرأةً (حَوَّاء). وهذا يؤكد أن باني الكنيسة هو أقنوم إلهي. ولقد قال الرب نفسه لبطرس: «عَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا» (مت١٦: ١٨). هذا لا يعني عدم وجود دور للمؤمنين في بناء الكنيسة. فالبنيان يختلف عن التشكيل. فالله - في نعمته - يسمح لكل عضو في الجسد، بالعمل لأجل بنيان الكنيسة (أف٤: ١٦). ولكن فيما يمضي التشكيل قُدمًا، فإن الله هو الباني. علاوة على ذلك، تخبرنا هذه الآية (تك٢: ٢١)، أن الله، بعدما بَنَى الضِّلْعَ امْرَأَةً (حَوَّاء)، أَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. وكما هو الحال في معظم الرموز، ثمة توازٍ، وكذلك تباين وتضاد. ففي حالة المسيح والكنيسة، نقرأ أن المسيح ”سَيُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً“ (أف٥: ٢٧). التفسير الواضح لذلك الاختلاف هو أن آدَم ليس هو الله، ولكن المسيح كان كذلك: «هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ» (١يو ٥: ٢٠). «فَقَالَ آدَمُ: هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ» (تك٢: ٢٣). ولا يفوتنا مدلول عبارة ”هذِهِ الآنَ“، حيث تُظهِر التباين بين الوضع ”الآن“، حيث يُدرك آدَم أن حَوَّاء عَظْمٌ مِنْ عِظَامِه وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِه، وبين ما كان عليه قبلاً، حين لم يكن له، من بين كل الخلائق، شريك مُكمِّل (counterpart) ولا شريك عاقل. والتعبير “عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي“، يعني: أن حَوَّاء استمدت وجودها من آدَم. (٢) أنها تحمل وتعكس ملامحه الخاصة؛ فهو يُعرّفها بأنها »امْرَأَةً (Woman) لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ (man) أُخِذَتْ“. ونحن في مأمن من الجنوح إلى الشطط والضلال، بتطبيقنا هذه العبارة على الكنيسة. فهذا نص قول الرسول بولس: «لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ» (أف٥: ٣٠). ويستعير الرسول بولس هذه الصورة للتعبير عن اهتمام الأزواج، وكيف ينبغي أن يكون، نحو زوجاتهم «فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ»، ثم يُضيف أنه هكذا يهتم الرب بالكنيسة: «كَمَا الرَّبُّ (المسيح) أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ» (أف٥: ٢٩). وهنا نقف مشدوهين أمام حكمة الله في خلق حَوَّاء على هذا النحو الرائع، وحيث ترسم أمامنا صورة جميلة، عبر الصفحات الأولى من كلمة الله، عن مشوراته ومقاصده، وأثرها الحاضر، والبادي في الكنيسة، حيث: (١) تستمد الكنيسة وجودها من المسيح الذي مات وقام وصعد، ليتسنَّى لنا الحصول على الروح القدس الذي كوَّن الكنيسة. (٢) إنها تُعلن ملامح المسيح؛ فعلى سبيل المثال، ستُرى «نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، لَهَا مَجْدُ الله» (رؤ٢١: ١٠، ١١). (٣) إنها مُتحدة بالمسيح بأوثق علاقة، حيث صارت جسده وعظامه، ومن ثم لها أن تتيقن من عنايته منذ الآن، حتى قبل أن «يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ» (أف٥: ٢٧). وهكذا أُحضِرَت المرأة إلى آدَم رفيقًا وشريكًا كاملاً، مُتمّمًا لكل نقص وفراغ فيه. ونلاحظ أن المرأة دُعيت حَوَّاء فقط بعد السقوط «وَدَعَا آدَمُ اسْمَ امْرَأَتِهِ «حَوَّاءَ»، لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ» (تك٣: ٢٠). والآن اسمحوا لي باقتباس كلمات ”جون بللت“: ”لم يكن مُمكنًا أن عدن بكل مسراتها، ولا سلطان آدم المُطلَق، باعتباره رأس الخليقة، أن تهب آدَم ما وهبته إياه حَوَّاء. لقد رسمت على شفتيه الاعتراف أنه الآن راضٍ. ويا له من امتياز رائع أن تنتمي إلى جماعة - منذ يوم الخمسين إلى لحظة الاختطاف - هي منذ الآن، وباستمرار، موضوع رضى الرب التام، وأنها ثمرة تعب نفسه، وهي الحصاد الذي يجمعه الرب بالترنم بعد أن سبق وزرعه بالبكاء (إش٥٣: ١١؛ مز١٢٦: ٤، ٥؛ عب١٢: ٢)! ويقينًا أن الرب يستحق أن يكون موضوع محبتنا. ولكن الحق الذي يُنبر عليه الوحي هنا: إن الكنيسة هي كيان تم وجوده ليكون غرض محبة الرب على نحو خاص“. «لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا» (تك٢: ٢٤). مُجددًا نلحظ وجود انطباق بين هذه الحقيقة من ناحية، مع علاقة المسيح والكنيسة من ناحية أخرى. لقد فسخ الرب علاقته مع شعبه الأرضي؛ إسرائيل، سعيًا وراء اقتناء الكنيسة. ولقد اُقتُبِس هذا العدد (تك٢: ٢٤)، في أفسس ٥: ٣١ حيث ينص الوحي مُشددًا على أنه إنما يتكلَّم من نحو المسيح والكنيسة. وأن رابطة الزواج لهي الصورة المُثلى للاتحاد بين المسيح والكنيسة: «لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ. مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ» (أف٥: ٣٠-٣٢). إن حقيقة صيرورة الاثنان واحدًا، تأخذنا رجوعًا إلى الأصحاح الأول من سفر التكوين، حيث يُشار إلى الرَّجُل والْمَرْأَة بـ”آدَم“ في تكوين ١: ٢٦، ٢٧، بحسب الأصل العبري: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ (Adam - humankind) عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا ... فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ (Adam - humankind) عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ». ومرة أخرى نقول إن ذلك ليس انطباعًا، بل هو تشبيه مُميَّز واضح، يتفق مع تعليم العهد الجديد. فعندما يتكلَّم عن الكنيسة باعتبارها جسد المسيح (١كو١٢)، يُشدّد الرسول بولس على خصوصية العلاقة بين المسيح والكنيسة، حيث يتحدث عن كليهما معًا بالقول: ”المسيح“: «لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا» (١كو١٢: ١٢). فإذا كانت حكمة الله ظاهرة في الخليقة، فإن حكمة الله المتنوعة تُرى من خلال الكنيسة. إن الكنيسة بالحقيقة هي التعبير الأكمل عن مشورة الله وحكمته، كما هو مشروح في أفسس ١-٣. ويجد هذا التعبير الإتمام العملي له حين تجتمع الكنيسة - في هذه المدينة، أو هذه القرية - إلى اسم الرب. |
![]() |
|