![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() صلاح الله الحديث عن الله وصفاته ليس بالأمر الهين، فأي قلم أو لسان محدود يمكنه أن يصف غير المحدود؟! وإن كان من الصعب إدراك أسرار خليقته، عمل يديه، فكم يكون هو في ذاته؟! لقد قيل عنه «أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ هُوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَدْرِي؟» (أي11: 7، 8). ولولا أن الله تنازل في نعمته وأعلن لنا ذاته في كلمته لبقي أبعد من كل أفكارنا وتصوراتنا. لذا فأية دراسة عن صفات الله، إن لم تبدأ من الإعلان الإلهي في الكتاب المقدس لَجَانبها الصواب تمامًا، لكن من يقترب بخشوع واتضاع، وبروح الصلاة من المكتوب ينال فهمًا. لقد صلى الرسول بولس للإخوة في كولوسي “أنْ يَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَة الله”، وكيف يمكن هذا؟ أردف قائلاً: «نَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ» أو “نَامِينَ بِوَاسطة مَعْرِفَةِ اللهِ” (كو1: 9، 10). وهذا هو قصدنا ونحن نتأمل في هذه المقالة في صلاح الله. وأعتقد أنه لا يوجد أشهى من الحديث عن صلاح الله وجوده ولطفه ورحمته وشفقته وحنانه، وكلها صفات تملأ القلب بالسلام والطمأنينة إذ فيها تجد النفس إشباعًا لحاجاتها العميقة. ما هو صلاح الله؟ ليس من السهل تعريف الكلمة لأنها تحوي مجموعة من الخصال السامية، لكن ربما يتضح المعنى قليلاً من العبارات التالية: «اَلرَّبُّ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ، لِذَلِكَ يُعَلِّمُ الْخُطَاةَ الطَّرِيقَ» (مز25: 8). «اِحْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ» (مز107: 1). «إِنَّمَا صَالِحٌ اللهُ لإِسْرَائِيلَ، لأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ» (مز73: 1). «الرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ، وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ» (مز145: 9). «صَالِحٌ أَنْتَ وَمُحْسِنٌ. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ» (مز119: 68). «الرَّبُّ الصَّالِحُ يُكَفِّرُ عَنْ كُلِّ مَنْ هَيَّأَ قَلْبَهُ لِطَلَبِ اللَّهِ الرَّبِّ إِلَهِ آبَائِهِ» (2أخ30: 18، 19). «مَا أَعْظَمَ جُودَكَ (صلاحك) الَّذِي ذَخَرْتَهُ لِخَائِفِيكَ، وَفَعَلْتَهُ لِلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ تُجَاهَ بَنِي الْبَشَرِ!» (مز31: 19). «لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ» (مت19: 17). الأصل العبري واليوناني كلمة “صلاح” في العبرية هي “טּוֹב towb” وتُرجمت “خير” في مزمور16: 2 «قُلْتُ لِلرَّبِّ: أَنْتَ سَيِّدِي. خَيْرِي لاَ شَيْءَ غَيْرُكَ». وكذلك “טּוּב tuwb” وتُرجمت “جُود” في مزمور31: 19 «مَا أَعْظَمَ جُودَكَ الَّذِي ذَخَرْتَهُ لِخَائِفِيكَ، وَفَعَلْتَهُ لِلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ تُجَاهَ بَنِي الْبَشَرِ!». أما في العهد الجديد فالكلمة “صلاح” هي “χρηστός Chrestos” وتعني “نفع” “Usefulness” وجاءت أيضًا “ἀγαθωσύνη agathosune” وجاءت في 2تسالونيكي1: 11 «يُؤَهِّلَكُمْ إِلَهُنَا لِلدَّعْوَةِ، وَيُكَمِّلَ كُلَّ مَسَرَّةِ الصَّلاَحِ». ومن الشواهد الكتابية السابقة رأينا روعة كلمة «صلاح»، وكيف أنها تتخلل تقريبًا كل صفات الله، وتظهر في جميع معاملاته: أولاً: صلاحه نحو خليقته غير العاقلة «الرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ، وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ ... أَعْيُنُ الْكُلِّ إِيَّاكَ تَتَرَجَّى، وَأَنْتَ تُعْطِيهِمْ طَعَامَهُمْ فِي حِينِهِ» (مز145: 9، 15). وما أعجب هذا الإله المهتم بزنبقة الحقل (لو12: 24-27)، وبالغراب (أي38: 41)؛ وبشبل الأسد (مز104: 21)!! ثانيًا: صلاحه نحو بني البشر «يَا رَبُّ، فِي السَّمَاوَاتِ رَحْمَتُكَ. أَمَانَتُكَ إِلَى الْغَمَامِ ... النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ تُخَلِّصُ يَا رَبُّ. مَا أَكْرَمَ رَحْمَتَكَ يَا اللهُ! فَبَنُو الْبَشَرِ فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ يَحْتَمُونَ. يَرْوُونَ مِنْ دَسَمِ بَيْتِكَ، وَمِنْ نَهْرِ نِعَمِكَ تَسْقِيهِمْ» (مز36: 5-8). «الإِلَهِ الْحَيِّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا ... وَهُوَ يَفْعَلُ خَيْرًا: يُعْطِينَا مِنَ السَّمَاءِ أَمْطَارًا وَأَزْمِنَةً مُثْمِرَةً، وَيَمْلأُ قُلُوبَنَا طَعَامًا وَسُرُورًا» (أع14: 15-17). ثالثًا: صلاحه نحو المؤمنين وهو ما ظهر بوضوح في التكفير عن خطايانا بفضل عمل الصليب، وفي منحنا الخلاص الأبدي. وهل هناك صلاح أعظم من أن الراعي يبذل نفسه عن الخراف!! ولهذا السبب سمى المسيح نفسه: “الراعي الصالح”. ثم هل هناك صلاح يوازي معرفته الفائقة لكل واحد من خاصته؟! «أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ ... أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي» (يو10: 11، 14). وكم تمتلئ حياة الأتقياء من صلاحه الذي يغمرهم به، هم وأسرهم «مَا أَعْظَمَ جُودَكَ الَّذِي ذَخَرْتَهُ لِخَائِفِيكَ، وَفَعَلْتَهُ لِلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ تُجَاهَ بَنِي الْبَشَرِ!» (مز31: 19). ثم كم اختبرنا صلاحه لما لجأنا إليه في زمن الضيق، واتكلنا عليه فأنقذنا «صَالِحٌ هُوَ الرَّبُّ. حِصْنٌ فِي يَوْمِ الضَّيقِ، وَهُوَ يَعْرِفُ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ» (نا1: 7). آه يا ليت صلاحه يأسر قلوبنا ويملأ أذهاننا فنفرح به ونشهد عنه. تأثير صلاح الله (1) إدراك صلاح الله واختباره عمليًا هو أقوى دافع للنمو الروحي، لذا لما أراد الرسول بطرس أن يحث المؤمنين للنمو، قال لهم: «وَكَأَطْفَالٍ مَوْلُودِينَ الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ، إِنْ كُنْتُمْ قَدْ ذُقْتُمْ أَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ» (1بط2: 2، 3). أخي المؤمن: تمتع دائمًا بهذا الطعام الشهي “صلاح الله” حتى تنجذب إلى الرب أكثر، وتُحبه أكثر، وتلتصق به أكثر، وتعرفه أكثر. (2) طالما تذوقنا صلاح الرب فمسؤوليتنا أن نُظهره في حياتنا دائمًا، لذا فإن الصلاح من ضمن ثمر الروح «وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ ... صَلاَحٌ» (غل5: 22). قيل عن برنابا «أَنَّهُ كَانَ رَجُلاً صَالِحًا وَمُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَالإِيمَانِ»، لذا أثمرت خدمته ثمرًا عظيمًا (أع11: 32، 24). وما أجمل أن نعكس في معاملاتنا مع الناس صلاح الله فنحب مَن لا يُحبُّوا، ونُحسن لمن لا يستحقوا، ونُعطي لمن يُبغضنا، لأنه هكذا يفعل أبونا السماوي، ويا ليتنا نكون مُشابهين صورته «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ ... فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ» (مت5: 43-48). |
![]() |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لا عجب ان الحب الدائم فهو حب الله |
الله فقط هو الدائم |
كيف أتدرب على الوجود الدائم مع الله ؟ |
وجود الله الدائم |
معرض الله الدائم للنعمة |