![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() يقول إشعياء «رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَال وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ» (إش6: 1). والسيد هي الكلمة العبرية “أدوناي” وهي أحد أسماء الله في العهد القديم. وأما كلمة “كرسي” فهي الكلمة العبرية “كيساي” وتعني “عرش”. أي أن من رآه إشعياء في الرؤيا هو ملك؛ لأنه جالس على عرش. ولكنه إذ أضاف كلمتي “عالٍ ومرتفع”، فهو بهذا يشير لسمو سلطان هذا الملك العظيم. فهذا العرش يستقر في السماء وأذيال ثياب هذا الملك تنحدر للأرض حتى تملأ الهيكل. فالرب يسوع في هذه الرؤيا ملك ذو سلطان عظيم أعلى من كل سلطان لأي ملك على وجه الأرض. أعلى بما لا يُقاس. أعلى من السماوات. وهكذا تظهر كلمة “قدوس” بشكل مخفى، حيث إن الرؤيا تشدِّد على تميُّز وتفرُّد السيد كملك الملوك ورب الأرباب، وجالس على عرش تخطى السماوات وسلطانه ممتد على هذه الأرض. ولكن العجيب أن أذيال ثيابه تملأ الهيكل. وكأنَّ الرب يُري إشعياء أن هناك شخصًا واحدًا يمكنه أن يصير ملكًا وكاهنًا في الوقت نفسه. ولكنه ليس كاهنًا عاديًا لأنه قدوس متفرّد متميّز منفصل وصار أعلى من السماوات. فأذياله تملأ الهيكل أي أنه يملأ الدور الكهنوتي مثلما يملأ الدور الملوكي، وبتميز شديد عن كل ما عداه من كهنة جاءوا وعاشوا وكهنوا وماتوا؛ فهو القدوس. ومن سمات عجائبه أنه جالس في الهيكل. فعند دراستنا لأثاث خيمة الإجتماع نجد أنه ليس بها كرسي. ويقول كاتب العبرانيين عن كهنة العهد القديم «وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ (أي يقف) كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَارًا كَثِيرَةً تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ الْبَتَّةَ أَنْ تَنْزِعَ الْخَطِيَّةَ» (عب10: 11). فكل الكهنة والأنبياء لسانهم لسان حال إيليًا «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ.. الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ» (1مل17: 1). «وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ» (عب10: 12). فتقديم الذبائح يوميًا يعبِّر عن عدم كفاية العمل، أما تقديم ذبيحة واحدة ثم الجلوس في عرش ملوكي فيعبر عن اكتمال وتفرد العمل الكهنوتي للرب يسوع. «لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ اضْطِرَارٌ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُقَدِّمَ ذَبَائِحَ أَوَّلاً عَنْ خَطَايَا نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ خَطَايَا الشَّعْبِ، لأَنَّهُ فَعَلَ هذَا مَرَّةً وَاحِدَةً، إِذْ قَدَّمَ نَفْسَهُ» (عب7: 26، 27). وهكذا يصرخ النص نفسه بتميز القدوس وتفرده عن عزيا وعن داود وعن هارون وعن كل بشر. ثم ينقلنا النص نقلة جديدة، فيُرينا وجهة تميز وتفرد (قداسة) جديدة في ربنا يسوع المسيح فيقول: «السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ (فوق الهيكل في السماء حول العرش)، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ» (إش6: 2). السرافيم هي صيغة جمع للكلمة العبرية “سراف” وهي رتبة ملائكية والكلمة تعني “مشتعل”. وواضح أنهم ملائكة مختصة بالخدمة حول العرش الإلهي. ومن معنى اسمهم نعرف أنهم غاية في النقاء والسمو، ومن وظيفتهم حول العرش نعرف أنهم ملائكة متميزة عن باق الملائكة. ولكننا ندرك من سلوكيات هذه الرتبة الملائكية السامية أنها ما زالت بعيدة عن الله كل البعد. لقد عَلَت هذه الرتبة وسَمَت وقرُبت من عرش الله، ولكنها أيضًا ما أبعدها عنه! لم يُجدِ إرتفاعها وسموها في أن تقترب من مقاييس قداسة الله قيد شعرة. يظل الرب متفرِّدًا حتى عن هذه الرتبة الملائكية السامية. نرى أولاً أن السراف يغطّي وجهه، مُعلنًا بذلك أنه لا يستطيع النظر لله. ففي مقاييس تفرُّد الله، أي قداسة الله، لا يستطيع حتى ملاك من فئة السرافيم أن يرى الله، فهو لا يستحق. بل نراه أيضًا يغطي رجليه وكأنه يقول إنه لا يحق له أن يتراءى في محضر الله. فما أسمى الله عن مخلوقاته مهما سمت. ونراه أيضًا يطير بجناحين، فهو ليس يقف أو يجلس، حاشا. بل هو يطير منفِّذًا ما يؤمّر به. فالرب يسوع المسيح هو وحده الجالس على عرشه، وحوله “الْكُلُّ قَائِلٌ: «مَجْدٌ»” (مز29: 9). وحتى “مَلاَئِكَتَهُ الْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً”، هم “الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ” (مز103: 20). ونشاهد ونسمع بعد ذلك السراف لا يخاطب الله، كأنه لا يستحق ذلك بل «هذَا نَادَى ذَاكَ وَقَالَ: قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ» (إش6: 3). وهنا نرى أن حتى الطبقات الممجَّدة جدًا من الملائكة تنادي بقداسة الله، وتدرك تفرده الكامل الرهيب عنها، وتحدِّث بعضها البعض، ولا توجِّه كلماتها للرب بل لبعضها البعض في مخافة واضحة ورهبة بادية. وهي لا توجِّه لبعضها خطابًا عاديًا، بل إنها مناداة. ويسمى السراف في العدد الرابع “الصَّارِخِ”، أي أنها مناداة عن طريق الصراخ. والصراخ يتضمن التحذير والرهبة، كأنه إنذار وإعلان موجَّه للجميع. والمناداة بصوت عالٍ تتحدث عن رهبة يشعر بها كل سراف، رغم سمو رتبة خلقه، ورغم أنه “لهيب نار” (عب1: 7)، واسمه يعني “مشتعل”. آه يا إخوتي «فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الإِنْسَانُ الرِّمَّةُ، وَابْنُ آدَمَ الدُّودُ» (أي25: 6) عليه أن يفعل في محضر القدوس! |
![]() |
|