رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
منذ فجر تاريخ الكنيسة التي جعلها الله في نعمته شهادته على الأرض (١تي٣: ١٥)، زرع الشيطان فيها بذرة ما أردأها! تلك البذرة التي أطلق عليها الرسول بولس ”إنجيل آخر“. فالشيطان إذ يعمل جاهدًا لتشويه صورة الله أمام الإنسان، نجد على الساحة الآن عدة قضايا، وما سنتناوله هنا هو ما يتعلق برسالة الإنجيل. والإنجيل الآخر – بمفهوم الرسول بولس - ليس إنجيل تم تحريف نصوصه، لكنه ذلك الإنجيل الذي يُقدِّم المسيح للنفوس كمُخلِّص، لكن بعد تفريغ إنجيل الله النقي من تفاصيل الحق المختص به، ليُقدَّم للنفوس إنجيلًا منزوع الحق، ويؤدي بالنفوس للهلاك بدلًا من الخلاص. في البداية كان إنجيل التهود أو الإنجيل الطقسي هو أول إنجيل آخر، والشيطان لأنه الكذّاب لديه الكثير من الأناجيل الأخرى، ولكل واحد منهم عملاؤه ومريدوه. والإنجيل الآخر المُروَّج له الآن يقف على النقيض من الإنجيل الطقسي الذي قد ثبَّت جذوره على مدى قرون طويلة، فهو إنجيل له طابع تحرري بشكل عام، ولذا لم يكن مُكتسِبًا أرضًا تُذكر طوال العقود السابقة، خاصة في بلادنا. لكن الشيطان، وهو يجيد اختيار التوقيت الذي فيه يعرض بضاعته، اغتنم الحالة الثورية التي اجتاحت كل شيء في مصر في السنوات الماضية، حيث كانت تلك الحالة بمثابة بيئة مناسبة للترويج لمثل هذا الإنجيل؛ ذلك لأنه أتى بتعاليم تنادي بكرامة الإنسان وحريته ليتلاقى بذلك مع جزء أصيل من مطالب ثورة الشباب. كما أنه حمل شعار التنوير والمعرفة، واعتمد منهجية الفلاسفة التي تقوم على التشكيك في كل الثوابت كنقطة انطلاق عقل الإنسان للوصول لليقين من خلال تحكيم المنطق. تلك المنهجية التي اعتُمدت كمرجعية للفصل في أي قضية فكرية متعلقة بالإيمان المسيحي، وصار الكتاب المقدس حجة تؤخذ في الاعتبار بين حجج أخرى كثيرة، حتى أن مذاهب مسيحية للأسف الشديد رفضت ما سبقت وقبلته كإرثٍ ثمين تركه لهم السابقون الذين كان شعارهم: ”الكتاب وحده، والكتاب كله“. وبالطبع هيهات لهذه المنهجية أن توَصِّل الإنسان لمعرفة الحق وتعطيه اليقين بذلك، وهكذا ضاع من بين أيدينا شيئًا ثمينًا طالما افتخرنا به كمسيحيين، وهو أن مسيحيتنا تتميز بلغة ”عالِم وموقن“ لتُصبح بدلًا من ذلك مسيحية وجهات النظر والظنون، بل والرأي والرأي الآخر، وصار هذا هو الطابع السائد على تعاملنا حتى مع الحقائق الحيوية في كلمة الله. غير أنه من أسفٍ شديدٍ أقول إن الأرضية الفكرية التي مهدت لذلك تمثلت في ظننا بأنه لا يمكن للمؤمن أن يعرف الحق الكامل رغم علمنا أن هذه هي إرادة الله لكل مَن نال الخلاص بالمسيح (١تي٢: ٤)، كما مكَّنه من التمييز بين الحق والضلال (١يو٤: ١-٦). وهكذا أطلقنا على الضلال مسمى مُخففًا، وهو ”رأي آخر“، وهكذا أضللنا أنفسنا بأنفسنا، وحققنا هدف الحية القديمة. لكن كلمة أمينة أخرى يجب أن تُقال في هذا الموقف، وأوجِّهها لكل من استخدمه الله قبلًا في المناداة بالإنجيل الصحيح، والآن يُنادي بإنجيل آخر. أقول له: احذر، فالرسول بولس نطق بالحكم الإلهي على مثل هذا قائلًا عبارة ما أقصرها لكن ما أخطرها وهي: «فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا»! (غل١: ٦ - ١٠). |
|