رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
طبيعة الله الله هو الكائن الروحي الأسمى، الذي لا تستطيع العقول أن تُدركه، قال صوفر النعماتي لأيوب: «أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ هُوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ فَمَاذَا تَدْرِي؟ أَطْوَلُ مِنَ الأَرْضِ طُولُهُ وَأَعْرَضُ مِنَ الْبَحْرِ» (أي11: 7-9). وطبيعة الله أمر يتميَّز عن صفاته، فنحن نقول إن الله بار وليس بر، وقدوس وليس قداسة، وصالح وليس صلاح، وعادل وليس عدل؛ هنا نقصد صفاته والتي عرفناها من أحداث تمَّت مثل سقوط الملائكة، خراب الأرض، سقوط الإنسان، هذه الأحداث استوجبت أن تُظهر لنا صفات الله. أما عن طبيعة الله، فإن الرسول يوحنا الحبيب هو الكاتب الذي كلمنا عن هذا الجانب، فيقول إن: الله نور، الله محبة، الله روح . اللـه نــور «وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ» (1يو1: 5)، ويستطرد كلامه في الإنجيل قائلا: «فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ» (يو1: 4). الحياة التي كانت في شخصه صارت يومًا من الأيام نورًا للناس. «وَﭐلنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ» (يو1: 5)؛ النور حالة (طاقة) وليس عنصرًا ماديًا، وعلى النقيض الظلمة، وهى بدورها أيضًا حالة. يقول الرسول بولس للقديسين في كورنثوس «أَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟» (2كو6: 14)، فحيث يُضئ النور تتبدد الظلمة. وباعتبار أن الله نور هو قدوس، وتظهر قداسته في كراهيته للخطية «عَيْنَاكَ أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ وَلاَ تَسْتَطِيعُ النَّظَرَ إِلَى الْجَوْرِ» (حب1: 13). أمام هذا الحق الإلهي يجب علينا أن نحيا حياة القداسة. قال الرب يسوع «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ» (يو8: 12). يقول الرسول بولس للقديسين في أفسس الذين كانوا قبلاً ظلمة «اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ» (أف5: 8). عندما نسلك عمليًا في هذا الحق تظهر فينا طبيعة الله، أن الله نور. اللـه محـبة لو كان الله نورًا فقط، لكنا هربنا منه، وارتعبنا من حضوره. فالنور يكشف حالتنا، خرابنا وظلامنا. وهكذا أضحى الإنسان في حالته الأدبية الساقطة فاشلاً ويائسًا، خائفًا ومرتعبًا. إنه في هذه الحالة يحتاج إلى مَنْ يُحبه ويترأف بحالته، ويغمره بالنعمة، والتي هي ظهور محبة الله في مشهد شر الإنسان وفساد قلبه «وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رو5: 8)، «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ» (يو3: 6). لقد ظهرت هذه المحبة في صليب المسيح، محبة دافقة وباذلة، غامرة وليس لها مثيل، محبة بدون مقابل بل ومحبة قوية وصلت إلينا فانتشلتنا من سقطتنا، ومن مزابل العالم كي توصلنا إلى قمة المجد وتجلسنا على العروش. ومن زاوية إلهية، ظهر نشاط هذه المحبة بين أقانيم اللاهوت، لقد أعلن الابن عن محبة الآب له بقوله: «أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ» (يو17: 24)، وأيضا عن محبته للآب «إنِّي أُحِبُّ الآبَ» (يو14: 31)، وخاطب الرسول بولس المؤمنين في رومية قائلاً: «أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ ... بِمَحَبَّةِ الرُّوحِ» (رو15:3)، حقا الله محبة، هذه هي طبيعته. ونحن إذ أدركتنا هذه المحبة، وظهر عملها فينا، لا يسعنا إلا أن نُحبه لأنه هو أحبنا أولاً، وأن نظهر في حياتنا وسلوكنا الدليل العملي لمحبتنا له. ونستطيع أن نبرهن على ذلك عندما نحفظ وصاياه، ونحفظ كلامه، ونحب مجده (يو14: 23،21، 28). «كُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ، وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ» (1يو4: 8،7). الله روح الله في جوهر لاهوته غير ملموس، وغير منظور (كو1: 12)، لذلك يقول الكتاب: «اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ» (يو1: 18). «الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ» (1تي6: 16)، «مَلِكُ الدُّهُورِ الَّذِي لاَ يَفْنَى وَلاَ يُرَى» (1تي1: 17)، والمسيح باعتباره الكلمة هو الطريق الوحيد للإعلان عن الله «اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو1: 18). ولأن الله روح؛ فهو ليس بحاجة إلى أكل وشرب. الكتاب كلَّمنا عنه بالطريقة واللغة التي نفهمها، لكي يقرِّب إلى قلوبنا ما لا ندركه بأفهامنا البشرية، عبَّر لنا عن أعمال الله بأعمال أعضاء جسم الإنسان، فقال عنه «عَيْنَاهُ تَنْظُرَانِ. أَجْفَانُهُ تَمْتَحِنُ بَنِي آدَمَ» (مز11: 4)، «عَيْنَا الرَّبِّ نَحْوَ الصِّدِّيقِينَ وَأُذُنَاهُ إِلَى صُرَاخِهِمْ» (مز34: 15)، «سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ» (مز8: 3)، «يَدَاكَ صَنَعَتَانِي وَأَنْشَأَتَانِي» (مز 119: 73)، «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: السَّمَاوَاتُ كُرْسِيِّي وَالأَرْضُ مَوْطِئُ قَدَمَيَّ» (إش66: 1). عندما تكلم الرب مع المرأة السامرية عن السجود قال لها: «اَللَّهُ رُوحٌ، وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يو4: 24). «اَللَّهُ رُوحٌ» هنا يتكلم عن طبيعة الله، وعدم محدوديته ووجوده في كل مكان، هو روح لا تحدّه الأبعاد والمواقع، لا يتجه الناس إليه في اتجاه خاص. أمام هذا الإعلان الإلهي ليتنا نُشبع قلبه بتقديم سجود له بالروح والحق، سجود يتناسب مع طبيعته الأدبية، يتصاعد كبخور عطر إلى محضر الله. |
|