رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ليس إله “رفض وجود إله” فكر ارتبط في الأذهان بعصور النهضة العلمية والحداثة وما بعدها، إلا أنه أقدم من ذلك بكثير، فنقرأ في مزموري 14، 53: «قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لَيْسَ إِلهٌ». وإذا أخذنا في الاعتبار أن «مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ» (رو1: 19، 20)؛ فلا بد أن يُعَدّ جهلاً القول بأن “لا إله”. فإن كنا لا نقبل مطلقًا فكرة عدم وجود صانع لكل جهاز دقيق أو أداة مفيدة نستعملها في حياتنا اليومية، فكم بالأحرى لا تُقبل فكرة عدم وجود خالق وراء هذا الكون الكبير الذي تتعاقب عليه القرون وهو في دقة متناهية من أصغر ذراته لأكبر أجرامه السماوية، كل في مداره، يؤدي دوره في تتناغم بديع. إن دقة أجهزة جسم إنسان، وإبهار عمل كائن وحيد الخلية، وروعة توازن الطبيعة؛ كلها تعلن خالقًا خلفها. وألوان ريش طائر، وجمال زهرة صغيرة، وبهاء منظر شروق شمس أو غروبها؛ كلها تُظهر مُبدعًا عظيمًا من ورائها. على أن المزمور يفضح السر وراء رفض الإنسان لوجود الله، إذ يستدرك «فَسَدُوا وَرَجِسُوا رَجَاسَةً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا». فلأن وجود الله يجعل هناك الصواب وهناك الخطأ، ويعلن أن هناك الأعلى الذي من حقِّه وحده أن يضع المعايير، ومن سلطته أن يقيِّم ويحاسب. والإنسان، في تشامخ قلبه وطبيعته المتمردة، يرفض وجود سلطة تحكمه، كما أن إيقان وجود الله أمر يزعج ضمير الراغب في شروره والغارق في شهواته ونزواته. لذا لجأ الإنسان، بحماقة، إلى فكرة إنكار الله؛ فإن لم يكن إله يحدِّد الخير من الشر، فكل أمر هو نسبي، فما اعتبرته أنت صوابًا هكذا يكون، وما اعتبرته خطأً فهو كذلك. وإن لم يكن إله يحاسب، فافعل ما شئت حتى إن كنت تعتقد أنه خطأ؛ فمن يطالب (ارجع إلى مزمور 10 خاصة ع4، 11، 13). وإذا لم يكن إله فليس هناك مُطلق، ولا لانهائي، ولا أبدية، فالحياة حدودها هنا؛ إذًا «لِنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ (ونفعل ما شئنا)، لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ» (إش22: 13؛ 1كو15: 32). |
|