رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يدَّعي الأريوسيون أن الله خلق الابن الكلمة قبل كل الخليقة، ويقوم الابن بخلقة كل المخلوقات السماوية والأرضية. وكأن الله يستنكف أن يمد يده للخلقة، أو أن الخليقة لا تحتمل لمسة يد الله. [يا لحماقتهم عندما يقولون عنه: "إن الله عندما أراد أن يُوجد طبيعة مخلوقة، ورأى عدم قدرتها على احتمال لمسة يد الآب الشديدة، فإنه يصنع ويخلق أولًا واحدًا مفردًا فقط، ويسميه ابنًا وكلمة، لكن عن طريقه كوسيط، يُوجد به كل الأشياء أيضًا.] الرد عليهم أولًا: كان رد البابا أثناسيوس الرسولي عليهم بأن الله لا يستنكف من أن يهتم حتى بعدد شعر رأس الإنسان (لو18:21)، كما يهتم بالعصفور الواحد الذي بلا قيمة في عيني بائع العصافير، ويُلبس عشب الحقل ما هو أجمل من لباس سليمان، فكيف يستنكف من خلقة السماء والأرض؟ [إن كانوا يقولون إن الله يستنكف من أن يخلق الأشياء الأخرى، لهذا صنع الابن فقط، وسلَّم خلقة الأشياء الأخرى للابن كمساعد، فإن هذا يكون غير لائق بالله، لأنه ليس عند الله كبرياء. هؤلاء يخجلهم الرب عندما يقول: "أليس عصفوران يُباعان بدرهمٍ، وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون إذن أبيكم" (مت29:10) الذي في السموات...؟ فإن لم يكن من غير اللائق بالله أن يعتني بأصغر الأشياء إلى هذه الدرجة، مثل شعرة الرأس والعصفور وعشب الحقل (مت25:6-30) فإنه لا يكون من غير اللائق أن يخلق هذه الأشياء، لأن الأشياء التي هي موضع عنايته هي نفسها التي يكون هو خالقها بكلمته الذاتي]. ثانيًا: يقول البابا أثناسيوس: [مرة أخرى إن كانت الطبيعة بسبب عدم قدرتها أن تحتمل فعل الخلق المباشر من الله، احتاجت إلى وجود وسيط، فالكلمة أيضًا لكونه مخلوقًا ومصنوعًا (حسب قولكم) فإنه يكون هو نفسه في حاجة إلى وسيط لخلقه بسبب كونه واحدًا من الطبيعة المخلوقة التي لا تستطيع أن تحتمل فعل الله، بل يحتاج إلى وسيط، وحتى إن وُجد وسيط للكلمة فستكون هناك حاجة مرة أخرى لوسيطٍ آخر لهذا الوسيط، بذلك يكون من المستحيل أن تقوم للخليقة قائمة.] ثالثًا: إن كان الكلمة قد خُلق لكي يخلق بقية الخليقة، فيكون قد خُلق من أجلنا. يرى البابا أثناسيوس الرسولي أن العبارة الواردة هنا في سفر الأمثال لا تُشير إلى وجود الكلمة، بل إلى التدبير الخاص بتجسده، فإن المسيح لم يُوجد لأجلنا، وإلا صار هو صورة منّا ليُمجدنا، وإنما التدبير الخاص بتجسده تم لأجلنا ليُحقق خلاصنا فنحمل صورته. لقد ركز البابا أثناسيوس الرسولي في هذه العبارة على القول "من أجل أعماله" فإن التجسد، وليست "ولادة الكلمة الأزلية"، هو من أجل الإنسان. أوضح البابا أثناسيوس أن الإنسان لم يُخلق لكي يعمل، إنما خُلق لأجل ذاته وبعد ذلك يعمل، هكذا حكمة الله لم يُوجد لكي يعمل، بل هو الكائن الأزلي وقد قبل بحبه أن يقوم بعمل الخلاص، مختفيًا في الناسوت لكي يُحرر الإنسان المُستعبد ويرده إلى الأحضان الإلهية. [لأنه إن كان يقول أنه قد خٌلق "لأجل الأعمال" فإنه لا يريد أن يشير إلى جوهره، بل إلى التدبير الذي صار لأجل أعماله، وهو الأمر الذي يكون تاليًا لوجوده. لأن آدم خُلق لا لكي يعمل بل لكي يوجد أولًا كإنسان، بعد ذلك تلقى أمرًا أن يعمل. ونوح خُلق ليس من أجل الفلك، بل ليوجد أولًا ويصير إنسانًا، بعد ذلك تلقى أمرًا أن يصنع الفلك. ومن يبحث ويفتش فإنه سيجد نفس الشيء مع كل واحد من المخلوقات. لأن موسى العظيم أيضًا كان إنسانًا أولًا وبعد ذلك عُهد إليه بقيادة الشعب. هكذا هنا أيضًا من الممكن أن نفهم نفس الشيء لأنك تري أن الكلمة لم يُخلق لكي يكون له وجود بل "في البدء كان الكلمة"، لكنه بعد ذلك أُرسل "لأجل الأعمال" وتدبير خلاصها. لأنه من قبل أن توجد "الأعمال" كان الابن موجودًا دائمًا ولم تكن هناك أية حاجة لكي يخلق، وعندما خلقت "الأعمال"، وصارت الحاجة ماسة بعد ذلك إلى تدبير إصلاحها، عندئذ قدم الكلمة ذاته لكي ينزل ويصير مشابهًا "للأعمال". وهذا ما يوضح لنا معنى لفظ "خلق". لأنه يريد أن يثبت التشابه فإنه يقول مرة أخرى بإشعياء النبي: "الآن هكذا يقول الرب الذي شكَّلني من الرحم لأكون له عبدًا، لأرجع إليه يعقوب وإسرائيل. وأجمعهم جميعًا وأتمجد أمام الرب" (إش5:49) lxx. انظر هنا أيضًا إنه يتَّشكل لا بوجوده بل لكي يجمع الأسباط التي كانت موجودة قبل أن يتشَّكل. فكما في العبارة السابقة (أم2:8) جاءت العبارة "خلقني"، يقول هنا "شكّلني"، وكما قال هناك "من أجل أعماله" يقول هنا "ليجمع معًا"، حتى يظهر من كل ناحية أنه "خلقني" أو"شكّلني" جاءت لاحقة لوجود الكلمة. فكما قبل أن يتَّشكل كانت الأسباط موجودة التي لأجلها تَّشكل، هكذا يبدو أن الأعمال موجودة التي من أجلها خُلق. وعندما "كان الكلمة في البدء"لم تكن "الأعمال"موجودة بعد كما سبق أن أشرت، وعندما صارت "الأعمال" وأصبحت الحاجة ملحة، عندئذ قيلت لفظة "خلق". ذلك كما لو كان هناك ابن وعندما فقد العبيد وسقطوا في أيدي العدو بإهمالهم وصاروا محتاجون إلى عمل عاجل، أُرسل الابن بواسطة أبيه ليُخلصهم ويردهم، وقد ارتدى زيَّا مثلهم وتشكل مثلهم، كي لا يتعرف عليه المسئولون أنه السيد فيهربوا. إنه يخفي نزوله ويكتشف الكنوز التي خبّأوها تحت الأرض. وعندئذ إذا سأله أحد، لماذا فعلت هذا؟ يجيب قائلًا: "أبي شكَّلني هكذا وأعدّني لأجل أعماله". وكأنه بهذا القول لا يعني أنه عبد ولا أنه واحد من أعماله. ولا يتحدث عن بدء ميلاده، بل عن المهمة الموكلة إليه فيما بعد "من أجل الأعمال". بنفس الطريقة أيضًا فإن الرب لبس جسدنا، "وُجِد في الهيئة كإنسان"(في8:2). فلو أنه سُئل من الذين رأوه وتعجبوا لكان يقول لهم: "الرب خلقني أول طرقه لأجل أعماله" و"جبلني لكي أجمع إسرائيل". هذا ما يقوله الروح في المزامير: "أقمته على أعمال يديك". وهذا الأمر هو ما يشير به الرب عن ذاته قائلًا: "أنا أقمت ملكًا بواسطته على صهيون جبله المقدس" (مز6:2). وكما أنه حينما "أشرق جسديًا" على صهيون لم يكن هذا له بداية وجود أو مُلك، بل لكونه كلمة الله وملكًا أبديًا، فإنه حُسب مستحقًا من الناحية البشرية أن تشرق مملكته على صهيون أيضًا، لكي بعد أن يفديهم ويفدينا من الخطية المتملكة عليهم، يجعلهم في مملكته الأبوية. هكذا إذ أقيم من أجل الأعمال، فإن هذا ليس من أجل الأشياء التي لم تكن موجودة بعد، بل من أجل الأشياء التي كانت موجودة عندئذ وكانت في حاجة إلى إصلاح.] [تقولون أن الله، إذ أراد خلقة الطبيعة الأصلية وتحريرها دبَّر وخلق الابن حتى خلاله يُشكِّلنا. الآن إن كان الأمر هكذا انظروا أيضًا أنه لَكُفرٌ عظيم أن تتجاسروا على النطق به. يظهر الابن أنه جاء إلى الوجود من أجلنا وليس نحن لأجله، لأننا لم نُخلق من أجله، بل خُلق هو لأجلنا، لذا فهو مدين لنا بالشكر وليس نحن... نحن خُلقنا على صورة الله ولمجده، وأما الابن فهو صورتنا ووُجد لمجدِنا. نحن جئنا إلى الوجود لكي نوجد، أما كلمة الله فقد وُجد - كما يلزم أن تقولوا - لا ليوجد، بل كأداة لاحتياجاتنا، فليس نحن منه، بل هو نشأ لاحتياجنا. أليس من يتمسك بمثل هذه الأفكار يكون أكثر من جاهلٍ؟!] [لأن كلمة الله لم يُخلق لأجلنا بل بالأحرى نحن لأجله إذ "فيه كل الأشياء خُلقت" (راجع كو16:1). ليس لأننا كنا ضعفاء كان هو قويًا، وخُلق بواسطة الآب وحده لكي يُشكلنا بواسطة نفسه كأداة، لتهلك مثل هذه الأفكار! الأمر ليس هكذا. لأنه حتى إن كان الله لم يستحسن أن يخلق المخلوقات، لكن الكلمة كان عنده، الذي ليس بأقل من أن يكون مع الله، والآب فيه. في نفس الوقت، الأمور الأصلية لا يمكن أن توجد بدون الكلمة، إذ به خُلقت - هذا صواب - لأنه حيث إن الكلمة هو ابن الله بالطبيعة مرتبط بجوهره، ومنه وفيه، كما يقول هو نفسه إن الخليقة ما كان يمكن أن توجد إلا به. فكما أن النور يُضيء كل الأشياء بأشعته وبدونها ما كان يمكن وجود أضاءه، هكذا الآب - كما بيدٍ - خلق كل الأشياء في الكلمة وبغيره لم يكن شيء مما كان.] [بحسب كلامكم يظهر أولًا أن الابن قد جُعل من أجلنا، ولسنا نحن من أجله؛ بمعنى أننا لم نُخلق لأجله، لكنه هو قد صُنع من أجلنا، وبذلك يكون مدينًا بالفضل لنا، ولسنا نحن المدينين له.] [لم يُخلق شيء جديد في المرأة سوى جسد الرب، مولودًا من العذراء مريم بدون زرع، إذ قيل أيضًا في الأمثال عن شخص يسوع: "الرب قناني، أول طرقه من قِبَلْ (أجل) أعماله" [12]. إنه لا يقول: خلقني قبل أعماله"، بل "من أجل أعماله" (أي من أجل تدبير الخلاص)، وذلك لكي لا يفهم أحد النص بخصوص لاهوت الكلمة.] [الكلمة إذن ليس مخلوقًا ولا عملًا... لذلك لم يقل: "خلقني عملًا"، ولا قال "خلقني مع أعماله" لئلا يظهر أنه مخلوق بالطبيعة وفي جوهره. كما لم يقل: "خلقني لأصنع أعمالًا" لئلا من الجانب الآخر حسب فساد الأشرار يبدو أنه أداة صُنعت من أجلنا. مرة أخرى لم يُعلن: "خلقني قبل أعماله" لئلا وهو بالحقيقة قبل الكل كابن يظهر اللفظان "الولادة" و"الخلقة" كأنهما يحملان ذات المعنى. لكنه قال بتمييز دقيق: "لأجل أعماله"، وكأنه يقول: "الآب قد صنعني، في الجسد، لكي أكون إنسانًا". مرة أخرى يظهر أنه ليس عملًا بل ابن. فإنه كما أن الذي يأتي إلى منزل لا يكون هو جزء من المنزل بل آخر غيره، هكذا الذي خلق الأعمال يلزم أن يكون بالطبيعة آخر غير الأعمال. لأنه إن كان الأمر كما تقولون أيها الأريوسيون أن كلمة الله هو عمل، فبأي يد وحكمة جاء هو نفسه إلى الوجود؟ فإن كل الأشياء جاءت إلى الوجود بيد الله وحكمته، الذي هو نفسه يقول: "يديّ صنعت كل شيء" (إش2:66)، ويقول داود في المزمور: "وأنت يا رب في البدء أسست الأرض، والسموات هي عمل يديك". وأيضًا في المزمور 142 "تذكرت أيامًا قديمة، أتأمل جميع أعمالك، كنت أتأمل أعمال يديك (مز25:102، 24:104).] رابعًا: المولود الأزلي. في نفس الأصحاح يؤكد كلمة الله أنه مولود وليس مخلوقًا، إذ يقول "قبل التلال ولدني" [25]. [إن كان الصوت القائل: "هذا هو ابني الحبيب" (مت5:17)... هو صوت الآب وقد سمعه التلاميذ، والابن نفسه أيضًا يقول عن ذاته: "قبل كل التلال ولدني" (أم25:8)، ألا يكونون بهذا يحاربون الله... لأنهم لم يخافوا صوت الآب، ولم يحترموا كلمات المخلص، ولم يطيعوا القديسين، حيث كتب أحدهم: "الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره" (عب13:1)؛ و"المسيح قوة الله وحكمة الله" (1كو24:1). وترنم آخر: "لأن عندك ينبوع الحياة، وبنورك نرى نورًا" (مز9:36)، "كلها بحكمة صُنعت" (مز24:104). ويقول النبي: "كلمة الرب صارت إليَّ" (إر4:1). ويقول يوحنا : "في البدء كان الكلمة" (يو1:1). ويقول لوقا: "مثلما سلمها إلينا الذين صاروا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة" (لو2:1). وكما يقول داود أيضًا: "أرسل كلمته فشفاهم" (مز20:107). كل هذه الأقوال تفضح الهرطقة الأريوسية في كل مكان؛ بل توضح أزلية الكلمة، وأنه من جوهر الآب وليس غريبًا عنه. لأنه متى رأى أحدٌ نورًا بغير إشعاع؟ أو من يجرؤ أن يقول إنه "رسم جوهر شيء آخر غير الجوهر؟" ألا يكون قد أصيب بالجنون بدرجة كبيرة ذاك الذي يفكر أيضًا بأن الله كان في وقت ما بلا كلمة وبلا حكمة؟ ] خامسًا: كلمة الله الأزلي يميز البابا أثناسيوسبين كلمات الإنسان التي تصدر عنه بلا وجود شخصي وبين كلمة الله الحيّ الأزلي والعامل مع الآب. يلجأ الإنسان إلى يديه ليعمل، لأن كلماته بلا وجود حيّ حقيقي، أما الله فيعمل بكلمته الموجود الحيّ. [بما أن الإنسان يُولد في وقت ما، فهو نفسه يلد ابنه أيضًا في وقت ما، وحيث أن الإنسان قد وُجد من العدم، لذلك فإن كلمته تتوقف ولا تبقى. أما الله فهو ليس كالإنسان لأن هذا ما قاله الكتاب (يهوديت16:8)، لكنه هو الكائن (خر14:39)، وهو الموجود دائمًا، لهذا فإن كلمته أيضًا كائن وأزلي مع الآب مثل إشعاع النور.] [لا يعمل الإنسان بواسطة الكلمات، بل بيديه، لأن يديه لهما وجود، أما كلمته فليس لها وجود فعّال، لكن يقول الرسول: "كلمة الله حيّ وفعّال، وأمضى من كل سيف ذي حدِّين، وخارق إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميز لأفكار القلب ونياته، ولا توجد خليقة غير ظاهرة أمامه، بل كل شيء مكشوف وعريان لعينيْ ذاك الذي نقدم له الحساب" (عب12:4، 13). فهو إذن خالق "وبغيره لم يكن شيء واحد" (يو1:3) ويمكن أن يكون شيء بدونه.] |
|