منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19 - 09 - 2024, 10:05 AM   رقم المشاركة : ( 173471 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


بارك ثمرك لأنك ولدت المسيح أذكري المؤمنين


 
قديم 19 - 09 - 2024, 10:06 AM   رقم المشاركة : ( 173472 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


نطلب منك كل حين يامريم ياوالدة الإله


 
قديم 19 - 09 - 2024, 10:07 AM   رقم المشاركة : ( 173473 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


كوني لنا في كل حين يامريم ياوالدة الإله


 
قديم 19 - 09 - 2024, 10:08 AM   رقم المشاركة : ( 173474 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


أيها الواحد من الثالوث
ربنا يسوع المسيح تجسدت من العذراء


 
قديم 19 - 09 - 2024, 10:09 AM   رقم المشاركة : ( 173475 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

هوذا الرب الملك ورب الملكوت تجسد من الملكة


 
قديم 19 - 09 - 2024, 10:10 AM   رقم المشاركة : ( 173476 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


الذهب المختار النقي مريم والدة الإله


 
قديم 19 - 09 - 2024, 10:12 AM   رقم المشاركة : ( 173477 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


المعينة بالحقيقة وحياة كل إنسان يا مريم


 
قديم 19 - 09 - 2024, 10:13 AM   رقم المشاركة : ( 173478 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


أيتها المجمرة الذهب النقية يا مريم


 
قديم 19 - 09 - 2024, 10:15 AM   رقم المشاركة : ( 173479 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


كل لسان يسبحه وكل لسان يمجدها
المجمرة الذهب النقية


 
قديم 19 - 09 - 2024, 10:47 AM   رقم المشاركة : ( 173480 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




نار من السماء!



في الأصحاح السابق التزم إيليَّا بالهروب والعمل الخفي. عند نهر كريث عالته الغربان، وعند صِرْفِة صيْدا عاش في العُلِّيَّة ولم يسمع أحد عن وجوده ولا عن بركة الزيت والدقيق ولا عن إقامة ابن الأرملة. الآن حلَّ الموعد ليشهد لله بنارٍ سماويَّة علانيَّة، فصدر له الأمر الإلهي أن يتراءى لأخآب الملك.

1. دعوة إلهيَّة للظهور أمام آخاب:

1 وَبَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى إِيلِيَّا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ قَائِلًا: «اذْهَبْ وَتَرَاءَ لأَخْآبَ فَأُعْطِيَ مَطَرًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ». 2 فَذَهَبَ إِيلِيَّا لِيَتَرَاءَى لأَخْآبَ. وَكَانَ الْجُوعُ شَدِيدًا فِي السَّامِرَةِ،

أعطى الله آخاب فرصة للرجوع بحلول الجفاف لمدَّة ثلاث سنوات ونصف، ومع هذا لم يرجع إلى نفسه ولا فكَّر في التوبة، بل ازداد عنفًا واتَّهم إيليَّا أنَّه مُكدِّر إسرائيل. لم يكن أمام هذا القلب الحجري المتصلِّف إلاَّ المواجهة بحكمٍ إلهيٍ صارم،ٍ حيث يعلن الله حضرته أمام كل الشعب بنارٍ تلتهم الذبيحة، فيرجع الشعب إلى الله، ويُقتل كهنة البعل، كظلّ للهلاك الأبدي الذي يحلّ بالنفوس المرتدَّة عن الإيمان والمتصلِّفة. لهذا أمر الرب إيليَّا النبي أن يتراءى أمام آخاب.
"وبعد أيَّام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليَّا في السنة الثالثة قائلًا:
اذهب وتراءَ لآخاب،
فأعطي مطرًا على وجه الأرض" [1].
"في السنة الثالثة": لا تعني منذ بدء انقطاع المطر، وإنَّما منذ لقائه مع أرملة صِرْفِة صيْدا. وقد جاء في (لو 4: 25، يع 5: 17) أن المطر قد انقطع في أيَّام إيليَّا لمدَّة ثلاث سنوات ونصف. هذا معناه أن قضى سنتين في بيت الأرملة، وتراءى لآخاب في بدء السنة الثالثة. قضى إيليَّا النبي سنة عند نهر كريث وسنتين ونصف في صِرْفِة صيْدا.
جاءت الدعوى بالظهور لكي يقدِّم الله لآخاب فرصة أخرى للتوبة ليس خلال الكلمات بل خلال التأديب المُرّ، بهياج الشعب ضدّ عبادة البعل وقتل كهنة البعل، مع تقديم لمسة رجاء قويَّة حيث يعطي الرب مطرًا على وجه الأرض.
"فذهب إيليَّا ليتراءى لآخاب،
وكان الجوع شديدًا في السامرة" [2].


إذ صدر لإيليَّا النبي الأمر ترك الموقع في الحال وذهب ليلتقي بآخاب، دون أن يناقش الله ليطمئن على سلامته من هذا الملك المرتدّ وزوجته سافكة دماء الأنبياء. ذهب فشاهد النبي بعينيه مدى المجاعة التي حلَّت بإسرائيل، حيث لم ينزل مطر طوال الثلاث سنوات ونصف التي غاب فيها عن الشعب.
2. لقاء إيليَّا مع عوبديا:

3 فَدَعَا أَخْآبُ عُوبَدْيَا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ، وَكَانَ عُوبَدْيَا يَخْشَى الرَّبَّ جِدًّا. 4 وَكَانَ حِينَمَا قَطَعَتْ إِيزَابَلُ أَنْبِيَاءَ الرَّبِّ أَنَّ عُوبَدْيَا أَخَذَ مِئَةَ نَبِيٍّ وَخَبَّأَهُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا فِي مُغَارَةٍ وَعَالَهُمْ بِخُبْزٍ وَمَاءٍ. 5 وَقَالَ أَخْآبُ لِعُوبَدْيَا: «اذْهَبْ فِي الأَرْضِ إِلَى جَمِيعِ عُيُونِ الْمَاءِ وَإِلَى جَمِيعِ الأَوْدِيَةِ، لَعَلَّنَا نَجِدُ عُشْبًا فَنُحْيِيَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَلاَ نُعْدَمَ الْبَهَائِمَ كُلَّهَا». 6 فَقَسَمَا بَيْنَهُمَا الأَرْضَ لِيَعْبُرَا بِهَا. فَذَهَبَ أَخْآبُ فِي طَرِيق وَاحِدٍ وَحْدَهُ، وَذَهَبَ عُوبَدْيَا فِي طَرِيق آخَرَ وَحْدَهُ. 7 وَفِيمَا كَانَ عُوبَدْيَا فِي الطَّرِيقِ، إِذَا بِإِيلِيَّا قَدْ لَقِيَهُ فَعَرَفَهُ، وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: «أَأَنْتَ هُوَ سَيِّدِي إِيلِيَّا؟» 8 فَقَالَ لَهُ: «أَنَا هُوَ. اذْهَبْ وَقُلْ لِسَيِّدِكَ: هُوَذَا إِيلِيَّا». 9 فَقَالَ: «مَا هِيَ خَطِيَّتِي حَتَّى إِنَّكَ تَدْفَعُ عَبْدَكَ لِيَدِ أَخْآبَ لِيُمِيتَنِي؟ 10 حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُكَ، إِنَّهُ لاَ تُوجَدُ أُمَّةٌ وَلاَ مَمْلَكَةٌ لَمْ يُرْسِلْ سَيِّدِي إِلَيْهَا لِيُفَتِّشَ عَلَيْكَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهُ لاَ يُوجَدُ. وَكَانَ يَسْتَحْلِفُ الْمَمْلَكَةَ وَالأُمَّةَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوكَ. 11 وَالآنَ أَنْتَ تَقُولُ: اذْهَبْ قُلْ لِسَيِّدِكَ هُوَذَا إِيلِيَّا. 12 وَيَكُونُ إِذَا انْطَلَقْتُ مِنْ عِنْدِكَ، أَنَّ رُوحَ الرَّبِّ يَحْمِلُكَ إِلَى حَيْثُ لاَ أَعْلَمُ. فَإِذَا أَتَيْتُ وَأَخْبَرْتُ أَخْآبَ وَلَمْ يَجِدْكَ فَإِنَّهُ يَقْتُلُنِي، وَأَنَا عَبْدُكَ أَخْشَى الرَّبَّ مُنْذُ صَبَايَ. 13 أَلَمْ يُخْبَرْ سَيِّدِي بِمَا فَعَلْتُ حِينَ قَتَلَتْ إِيزَابَلُ أَنْبِيَاءَ الرَّبِّ، إِذْ خَبَّأْتُ مِنْ أَنْبِيَاءِ الرَّبِّ مِئَةَ رَجُل، خَمْسِينَ خَمْسِينَ رَجُلًا فِي مُغَارَةٍ وَعُلْتُهُمْ بِخُبْزٍ وَمَاءٍ؟ 14 وَأَنْتَ الآنَ تَقُولُ: اذْهَبْ قُلْ لِسَيِّدِكَ: هُوَذَا إِيلِيَّا، فَيَقْتُلُنِي». 15 فَقَالَ إِيلِيَّا: «حَيٌّ هُوَ رَبُّ الْجُنُودِ الَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ، إِنِّي الْيَوْمَ أَتَرَاءَى لَهُ». 16 فَذَهَبَ عُوبَدْيَا لِلِقَاءِ أَخْآبَ وَأَخْبَرَهُ، فَسَارَ أَخْآبُ لِلِقَاءِ إِيلِيَّا.

"فدعا آخاب عوبديا الذي على البيت،
وكان عوبديا يخشى الرب جدًا" [3].
لاحظ إيليَّا ما حلّ بالشعب من مجاعة ماديَّة بسبب الجفاف [2] وهي تكشف عن مجاعة أخطر لحقت بقلوبهم ونفوسهم حيث تركوا عبادة الله وعبدوا البعل، أمَّا خلال إغراء الخطيَّة والرجاسات أو بخداعهم بأنَّه إله المطر والخصوبة، أو خشية قتلهم مع أنبياء الله.
بينما كان الشعب في جوعٍ شديدٍ، غالبًا ما استورد الملك الغلال من مصر له وللقصر الملكي، فصار ما يشغله لا حياة شعبه بل حياة حيواناته من خيلٍ وبغالٍ. طلب من المسئول عنها عوبديا أن يشترك معه في البحث عن ماء في عيون الماء أو الأوديَّة. كانت حيواناته في عينيه أهم من شعبه، يطلب ما لذَّاته لا ما لإخوته المسئول عنهم.
هذا عن موقف الملك، أمَّا الملكة فكان كل ما يشغلها حتى في فترة المجاعة أن تبيد أنبياء الرب [13].
أما الكهنة واللاويُّون فهربوا (2 أي 11: 13-14) إلى يهوذا ليخدموا الهيكل هناك. وربَّما انحرف البعض فأغوتهم إيزابل أن يخدموا البعل وينالوا أجرة عظيمة.
أما أنبياء الرب فغالبًا ما كانوا يشهدون للحق على المستوى الفردي أو بين العائلات، يطلبون الرجوع إلى الله. لم يكن يوجد لهم موضع لاجتماعات عامة ولا لتقديم ذبائح، وإنَّما كانوا يكتفون بالعمل الخفي. شعرت بهم الملكة فسلَّطت سيفها عليهم لتقتلهم [13].


وسط هذا الجو الكئيب: طبيعة غاضبة، ملك أناني، ملكة شرِّيرة عابدة أوثان وسافكة دماء الأنبياء، وشعب مرتدّ، وكهنة ولآويُّون هاربون، وأنبياء لا حول لهم ولا قوَّة للعمل العلني، وُجدت قلَّة قليلة جدًا حتى في القصر الملكي أمينة للرب. من بين هذه القلَّة وُجد عوبديا الذي اخفي مائة نبي للرب وكان يعولهم بخبز وماء [13]. كان عوبديا وكيلًا للملك على بيته [3] يخاف الرب.
لا نعجب من أن يقيم آخاب الشرِّير هذا التقي وكيلًا له، يثق فيه ويأتمنه على قصره ومملكته. ففي كل جيل يوجد أناس أمناء خائفو الرب يستخدمهم الله حتى في وسط الجو الحالك الظلمة. لم يجد بعض ملوك بابل من يقيمونه وكيلًا على كل الإمبراطوريَّة مثل دانيال المسبي، ولا وجد فرعون من يأتمنه على قصره مثل يوسف، ولا آخاب وجد من هو مثل عوبديا.
بلا شك كانت نفس عوبديا تتمرَّر كل يوم وهو يرى ما تفعله إيزابل بأنبياء الرب، وما تخطِّطه لجذب كل الشعب نحو العبادة الوثنيَّة. لم ينسحب عوبديا من القصر، ولا هرب من مركزه كوكيل على القصر الملكي، لكنَّه بقي فيه مؤمنًا بأن له رسالة إلهيَّة يلتزم بها.
لم يطلب الرب منَّا أن ننسحب من العالم الشرِّير. ففي صلاته الوداعيَّة يتحدَّث السيِّد المسيح مع أبيه قائلًا: "لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرِّير" (يو 15: 17).
* لا تزال توجد ضرورة أن يكونوا في العالم وإن كانوا لم يعودوا بعد منتمين إليه. فإنَّه يكرِّر العبارة قائلًا: "لأنَّهم ليسوا من العالم، كما إنِّي أنا لست من العالم" (يو 17: 14).
القديس أغسطينوس
لم يتحدَّث عوبديا مع الملك والملكة عن مخافة الرب، لكنَّه تحدَّث معهم بأمانته وسلوكه الروحي الحيّ. لم يغيِّر قلب الملك ولا فكَّر الملكة، لكنَّه قام برسالة هامة بحفظه وإعالته مائة نبي للرب، وأن يكون وسيطًا للقاء إيليَّا مع الملك.
اسم "عوبديا" معناه "عبد يهوه" أو "عبد الرب" وبالعربيَّة "عبد الله". لم يغيِّر الملك اسمه لكي ينسبه للبعل عوض انتسابه ليهوه، كما غيَّر ملك بابل أسماء دانيال وزملائه الثلاثة فتية. يبدو أن آخاب وهو خاضع لمشورة زوجته ويسلك في طريقها كان يشعر في داخله بالخطأ، فلم يلزم وكيله أن يشاركه في عبادة البعل، ولم يتحدَّث مع إيزابل في هذا الأمر حتى لا يعرِّض وكيله للقتل. ولعلَّ الملك شعر بحاجته إلى مشيرٍ أمينٍ يسنده، إذ لم يكن مستريحًا تمامًا لتصرُّفات زوجته المتسلِّطة عليه وعلى المملكة.


"وكان حينما قطعت إيزابل أنبياء الرب أن عوبديا أخذ مائة نبي،
وخبَّاهم خمسين رجلًا في مغارة، وعالهم بخبز وماء" [4].
لماذا قطعت إيزابل أنبياء الرب وقتلتهم؟
أولًا: لأنَّها أرادت أن تسدّ كل فم ينطق بالحق الإلهي.
ثانيًا: شعرت بعجز آلهتها عن إرسال مطر للأرض، بينما حمل إيليَّا نبيّ الرب سلطانًا على المطر، فأرادت أن تغطِّي هذا الضعف بالسلطان والعنف، تقتل الأنبياء كصاحبة سلطان.
ثالثًا: أرادت التشهير بهم بأنَّهم هم سبب الجفاف، فيلزم قتلهم حتى ترضي الآلهة على الأرض وتنزل المطر.
وأخيرًا فلت إيليَّا من يدها فانتقمت منه في هؤلاء الأنبياء.
غالبًا ما كان هؤلاء الأنبياء يتتلمذون في مدرسة الأنبياء، هؤلاء دُفنوا أحياء في مغارتين، لا يستطيعون الحديث مع أحد عن الله، فاستبقاهم الرب في المغارتين يصلُّون عن الشعب. ربَّما لم يجد كثير من الشعب خبزًا يأكلونه وماءً يشربونه بسبب المجاعة، لكن الله عال خائفيه هؤلاء خلال وكيل الملك نفسه عوبديا. وكما يقول المرتِّل: "ما أعظم جودك الذي ذخَّرته لخائفيك وفعلته للمتَّكلين عليك تجاه بني البشر" (مز 31: 19)؛ "هوذا عين الرب على خائفيه الراجين رحمته" (مز 33: 18)؛ "أعطى خائفيه طعامًا يذكر إلى الأبد عهده (مز 111: 5).
* بماذا ينتفع الخائفون؟ إلاَّ أن الرب الحنون والرحيم يعطي "خائفيه طعامًا"؟ يعطيهم طعامًا لا يفسد "الخبز النازل من السماء" (يو 6: 27، 51)، الذي أعطاه ليس من أجل استحقاقنا. فإن المسيح مات لأجل الفُجّار (رو 5: 6). أنَّه لا يعطي أحد طعامًا كهذا إلاَّ الرب الحنَّان والرحوم.
القديس أغسطينوس


"وقال آخاب لعوبديا:
اذهب في الأرض، إلى جميع عيون الماء والى جميع الأودية،
لعلَّنا نجد عشبًا،
فنحيي الخيل والبغال، ولا نعدم البهائم كلَّها.
فقسَّما بينهما الأرض ليعبرا بها،
فذهب آخاب في طريق واحد وحده،
وذهب عوبديا في طريق آخر وحده.
وفيما كان عوبديا في الطريق إذا بإيليَّا قد لقيه فعرفه وخرَّ على وجهه،
وقال: أأنت هو سيِّدي إيليَّا
فقال له: أنا هو. اذهب وقل لسيِّدك هوذا إيليَّا" [5-8].
لم يحدث هذه اللقاء مصادفة بل بتدبيرٍ إلهيٍ. الله الذي أمر إيليَّا أن يذهب ويتراءى لآخاب، هو الذي بعث بعوبديا إلى إيليَّا ليتلقي معه. وقد كشف عن عينيه فعرفه وخرَّ على وجهه أمامه.
عوبديا الذي أظهر أبوَّة حانية لأنبياء الرب واهتمَّ بهم، الآن بروح البنوَّة الخاضعة يخرّ في تواضع أمام أبيه الروحي إيليَّا النبي.
دعاه عوبديا "سيِّدي إيليَّا" لكن إيليَّا لا يطلب ألقابًا وكرامة. قال له: "قل لسيِّدك هوذا إيليَّا" [8]. وكأنَّه يقول له: "لست اشتهي كرامة العالم فأُحسب سيِّدًا، لكن يوجد من يطلب هذه الكرامة "سيِّدك الملك".


"فقال: ما هي خطيَّتي حتى أنَّك تدفع عبدك ليد آخاب ليميتني؟" [9]
أراد عوبديا إعفاءه من هذه المهمَّة، فإنَّها تكلِّفه حياته كلَّها [12]، خاصة وأنَّه يعلم بأن روح الرب كان يخطف إيليَّا لينقله من موضع إلى آخر. كان عوبديا يدرك أن قلب الملك لم يتغيَّر وأنَّه غير مستعد للعودة لله الحيّ، لهذا حسب أنَّه غير أهلٍ للقاء مع إيليَّا النبي، وأن روح الرب يحمل الأخير لكي لا يلتقي مع هذا الملك الشرِّير، فينقله إلى دولة أخرى بعيدة.
ظنّ عوبديا أن الملك سيقتله لأنَّه لم يلقِ القبض على إيليَّا ويحضره إليه، خاصة وأنَّه يعلم مدى الجهود التي بذلها حتى مع الملوك المجاورين ليلتقي به.
"حيٌّ هو الرب إلهك،
إنَّه لا توجد أمَّة ولا مملكة لم يرسل سيِّدي إليها ليفتِّش عليك،
وكانوا يقولون أنَّه لا يوجد،
وكان يستحلف المملكة والأمة أنَّهم لم يجدوك" [10].
كان آخاب جادًا في البحث عن إيليَّا النبي ليس فقط داخل المملكة بل وفي الممالك المجاورة. كان يسأل الملوك ويستحلفهم أنَّهم لم يجدوه. كان كمن له سلطان على الأمم المجاورة. كان يطلبه لا ليقدِّم توبة ويرجع إلى الرب، وإنَّما ليضغط عليه حتى يسأل عن المطر فينزل وينتهي الجفاف.
"والآن أنت تقول اذهب قل لسيِّدك هوذا إيليَّا.
ويكون إذا انطلقت من عندك أن روح الرب يحملكإلى حيث لا اعلم،


فإذا أتيت وأخبرت آخاب ولم يجدك فإنَّه يقتلني،
وأنا عبدك أخشى الرب منذ صباي.
ألم يخبر سيِّدي بما فعلت حين قتلت إيزابل أنبياء الرب،
إذ خبَّأت من أنبياء الرب مائة رجل خمسين خمسين رجلًا في مغارة،
وعلتهم بخبز وماء؟.
وأنت الآن تقول اذهب قل لسيِّدك هوذا إيليَّا، فيقتلني.
فقال إيليَّا: حيٌّ هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه إنِّي اليوم أتراءى له.
فذهب عوبديا للقاء آخاب وأخبره،
فسار آخاب للقاء إيليَّا" [11-16].
أرسل آخاب عوبديا ليبحث له عن ماء، والآن قد عاد إليه ليخبره بأنَّه قد وجد إيليَّا، الذي بصلاته يحمل مفاتيح السماء فيحجب المطر أو ينزله.
جاهد آخاب كثيرًا ليجد إيليَّا، والآن دون أن يطلبه وجده فذهب إليه وهو في حاجة شديدة إليه.


3. لقاء إيليَّا مع آخاب:

17 وَلَمَّا رَأَى أَخْآبُ إِيلِيَّا قَالَ لَهُ أَخْآبُ: «أَأَنْتَ هُوَ مُكَدِّرُ إِسْرَائِيلَ؟» 18 فَقَالَ: «لَمْ أُكَدِّرْ إِسْرَائِيلَ، بَلْ أَنْتَ وَبَيْتُ أَبِيكَ بِتَرْكِكُمْ وَصَايَا الرَّبِّ وَبِسَيْرِكَ وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ.

"ولما رأى آخاب إيليَّا قال له آخاب:
أأنت هو مكدِّر إسرائيل
فقال: لم أكدِّر إسرائيل بل أنتَ وبيتَ أبيك،
بترككم وصايا الرب، وبسيرك وراء البعليم" [17-18].
لم يمد آخاب يده على النبي ربَّما خشي لئلاَّ يحدث له ما حدث مع يربعام عندما مدَّ يده على النبي فيبست. اتَّهمه بأنَّه مكدِّر إسرائيل. وبقوَّة وشجاعة ردَّ إيليَّا النبي الاتِّهام الموجَّه إليه إلى الملك وبيت أبيه [18]. أنَّه ليس كعاخان مكدِّر إسرائيل (يش 7: 24)، بل آخاب وبيت أبيه هم عاخان الجديد.
حينما أعلن يشوع عن عاخان أنَّه مكدِّر إسرائيل "رجمه جميع إسرائيل بالحجارة واحرقوهم بالنار ورموهم بالحجارة" (يش 7: 25). كان آخاب يودّ أن يعلن ذلك لكي يكون مصيره من الشعب كمصير عاخان.
* حقًا الصديق جرئ كالأسد (أم 28: 1)، إذ وقف أمام الملك كما يقف الأسد أمام كلب دنس يدمي. مع أن الواحد كان يرتدي الأرجوان، كان الآخر يرتدي ثوبًا من جلد الغنم، أيّ الثوبين كان أكثر كرامة؟ فقد جلب الأرجوان مجاعة خطيرة، أمَّا الثوب الجلدي فوهب عُتقًا من هذه الكارثة. أنَّه شق الأردن! جعل لإليشع روحين من إيليَّا.
يا لعظم فضائل القدِّيسين! ليس فقط كلماتهم، بل وثيابهم تبدو دائمًا مكرَّمة من كل الخليقة.


الثوب الجلدي لهذا الرجل شقَّ الأردن!
أحذية الثلاثة فتية وطأت على النار!
كلمة إليشع غيَّرت المياه، فجعلتها تحمل الحديد على سطحها!
عصا موسى شقَّت البحر الأحمر، وأخرجت نبعًا من الصخرة.
ثياب بولس أبرأت الأمراض!
وظِلّ بطرس طرد الموت!
رفات الشهداء القدِّيسين تطرُد الشيَّاطين. لذلك يمارسون كل شيء بسلطان كما فعل إيليَّا. إذ لم ينظر التاج ولا إلى أبَّهة الملك الخارجيَّة، بل نظر النفس تلتحف بخرق دنسة وقذرة في حالة أبأس من مرتكب الجريمة. رآه أسيرًا لشهواته وعبدًا لها، فاحتقر سلطانه. يبدو أنَّه رأى ملكًا في مسرحيَّة وليس ملكًا حقيقيًا. وما نفع الغِنى الخارجي حين يكون الفقر الداخلي عظيمًا؟ وماذا يمكن للفقر الخارجي أن يضرّ إن كان كنز الغنى في الداخل؟ كان الطوباوي بولس أسدًا حين دخل السجن، وإذ رفع صوته اهتزَّت الأساسات.
القديس يوحنا الذهبي الفم
4. لقاء إيليَّا مع الشعب:

19 فَالآنَ أَرْسِلْ وَاجْمَعْ إِلَيَّ كُلَّ إِسْرَائِيلَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ، وَأَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ أَرْبَعَ الْمِئَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَأَنْبِيَاءَ السَّوَارِي أَرْبَعَ الْمِئَةِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ عَلَى مَائِدَةِ إِيزَابَلَ». 20 فَأَرْسَلَ أَخْآبُ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَمَعَ الأَنْبِيَاءَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ. 21 فَتَقَدَّمَ إِيلِيَّا إِلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ وَقَالَ: «حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ». فَلَمْ يُجِبْهُ الشَّعْبُ بِكَلِمَةٍ. 22 ثُمَّ قَالَ إِيلِيَّا لِلشَّعْبِ: «أَنَا بَقِيتُ نَبِيًّا لِلرَّبِّ وَحْدِي، وَأَنْبِيَاءُ الْبَعْلِ أَرْبَعُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلًا. 23 فَلْيُعْطُونَا ثَوْرَيْنِ، فَيَخْتَارُوا لأَنْفُسِهِمْ ثَوْرًا وَاحِدًا وَيُقَطِّعُوهُ وَيَضَعُوهُ عَلَى الْحَطَبِ، وَلكِنْ لاَ يَضَعُوا نَارًا. وَأَنَا أُقَرِّبُ الثَّوْرَ الآخَرَ وَأَجْعَلُهُ عَلَى الْحَطَبِ، وَلكِنْ لاَ أَضَعُ نَارًا. 24 ثُمَّ تَدْعُونَ بِاسْمِ آلِهَتِكُمْ وَأَنَا أَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ. وَالإِلهُ الَّذِي يُجِيبُ بِنَارٍ فَهُوَ اللهُ». فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَقَالُوا: «الْكَلاَمُ حَسَنٌ».



"فالآن أرسل واجمعإليَّ كل إسرائيل إلى جبل الكرمل وأنبياء البعل أربع المائة والخمسين،
وأنبياء السواري أربع المائة الذين يأكلون على مائدة إيزابل" [19].
الكرمل: هو سلسلة من القمم المسطَّحة على جبل، بعضها يبلغ ارتفاعها 1800 قدمًا عن سطح البحر. يمتدّ إلى 13 ميلًا وينتهي غربه بالبحر الأبيض المتوسِّط في انحدارٍ شديدٍ، بجوار حيفا Haifa. وكان بالجبل مذبح للرب قديم ومتهدِّم [30]، ربَّما يرجع إلى عصر البطاركة. في أقصى شمال غرب الجبل يوجد دير للكرمليت باسم إيليَّا النبي.
اختار إيليَّا النبي هذا الموضع لأن الكنعانيِّين كانوا يعتقدون بأن جبل الكرمل هو مسكن الآلهة. كأنَّه أراد أن يقيم المعركة بين الله والآلهة الوثنيَّة في معقل دارهم. من جانب آخر يمكن للملكة المتعجرفة أن تشاهد المعركة وهي في قصرها في يزرعيل.
من على جبل الكرمل يمكن لمن لا يقدر على الصعود إليه أن يرى النار النازلة من السماء من بعيد، ويرى الكل السحابة القادمة من البحر، فلا يمكن لأحد أن يضلِّل الشعب بإخفائه حقيقة المعركة.
يوجد على أعلى قممه خرائب "المحرقة" في الجنوب الشرقي من الكرمل وهو موضع حجري يبلغ ارتفاعه 1635 قدمًا عن سطح البحر وبه توجد أشجار، ومسطَّحه متَّسع لا نجد أفضل منه ليجمع الآلاف من الشعب لرؤية ما حدث ومتابعته.
كان الملك يعبد البعل (الإله الذكر) ويخدم معه أربعمائة وخمسون نبي، وكانت الملكة تعبد العشتاروت وتقيم لها سواري ويخدم معهما أربعمائة نبي. كان الأربعمائة وخمسون هم الأنبياء والكهنة الملازمون للقصر الملكي وليس كل أنبياء البعل في إسرائيل.
دعي كهنة البعل أنبياء، لأهم كانوا يدعون القدرة على التنبُّوء ومعرفة المستقبل.
"فأرسل آخابإلى جميع بني إسرائيل وجمع الأنبياءإلى جبل الكرمل" [20].
يقصد بكل إسرائيل رؤساء الأسباط والعشائر وقادة الشعب.


لماذا وافق الملك على طلب إيليَّا بدون تردُّد؟
أولًا: كانت الضرورة ملحَّة، حيث بلغت المجاعة أشدَّها. ومن جانب آخر لم يتوقَّع الملك ما قد حدث، إنَّما ظنّ أنَّه سيقوم إيليَّا بمباركة الأرض والصلاة مع إصدار الأمر بنزول المطر أمام الشعب وكهنة البعل كنوع من إظهار القوَّة والسلطان.
"فتقدَّم إيليَّاإلى جميع الشعب وقال:
حتى متى تعرِّجون بين الفرقتين؟
إن كان الرب هو الله فاتبعوه، وإن كان البعل فاتبعوه.
فلم يجبه الشعب بكلمة" [21].
كان الشعب يريد أن يعبد الاثنين معًا: الله والبعل. فقد تلامسوا مع الله في قوَّته وحبُّه وسمعوا ما صنعه مع آبائهم، ووجدوا في البعل ملذَّات ورجاسات. ظنُّوا أنَّهم قادرون أن يمزجوا بين العبادتين، وأن يقسِّموا القلب بين الإلهين.
كان الشعب يعتقد بأن للبعل سلطان على الأمطار والنار، لذا أراد إيليَّا النبي تقديم علاقة ملموسة عن الحق خلال النار والماء.
جاءت الترجمة الحرفيَّة: "إلى متى تثبون بين غصنين؟ وهو مثل رمزي حيث يشبهون الطائر الذي يثب من فرع شجرة إلى آخر، ولا يعرف أين يستقر.
لا يقبل الله إلاَّ أن يستلم القلب كلُّه: "قد قسَّموا قلوبهم، الآن يعاقبون. هو يحطِّم مذابحهم، يخرِّب أنصابهم" (هو 10: 20)، لذا يقول يشوع بن نون: "فاختاروا لأنفسكم اليوم من تعبدون، إن كان الآلهة الذين عبدهم آباؤكم الذين في عبر النهر وإن كان آلهة الأموريِّين الذين أنتم ساكنون في أرضهم. وأمَّا أنا وبيتي فنعبد الرب" (يش 24: 15).
إن كان الله لا يقبل أقل من القلب كلُّه، فمن جانبه يشتهي الله أن يعطينا ذاته، فنتمتَّع بواهب العطايا نفسه، الذي فيه تتحقَّق كفايتنا، وبدونه لن تشبع أعماقنا.
* لا تجد شيئًا يقدِّمه لك أفضل من ذاته، لكن إن كنت تجد ما هو أفضل منه أطلبه بكل وسيلة.
* هل لا يوجد لدى الله مكافأة؟ لا توجد إلاَّ عطيَّة ذاته!


* اجعلنا سعداء يا إلهي في انشغالنا بك، فلا نفقدك.
القديس أغسطينوس
استخدم مجمع قرطاجنة السابع تحت رئاسة الشهيد كبريانوس هذه العبارة عند معالجته موضوع معموديَّة الهراطقة. قال Pelagianus of Luperciana: مكتوب: "إمَّا الرب هو الله أو البعل هو الله". هكذا في القضيَّة المعروضة الآن أيضًا أمَّا الكنيسة هي الكنيسة أو الهرطقة هي الكنيسة. ومن جانب آخر، إن كانت الهرطقة ليست هي الكنيسة، كيف تكون معموديَّة الكنيسة بين الهراطقة.
"ثم قال إيليَّا للشعب:
أنا بقيت نبيًا للرب وحدي وأنبياء البعل أربع مائة وخمسون رجلًا.
فليعطونا ثورين،
فيختاروا لأنفسهم ثورًا واحدًا ويقطعوه ويضعوه على الحطب.
ولكن لا يضعوا نارًا.
وأنا اقرب الثور الآخر، واجعله على الحطب،
ولكن لا أضع نارًا" [22-23].
جاء الإعداد الذي طلبه إيليَّا النبي لتقديم الذبيحة مطابقًا لما ورد في الشريعة الموسويَّة (لا 1).
إذ يعلم إيليَّا النبي خداع إبليس وأتباعه، حرص ألاَّ يضعوا نارًا للمذبح.


"ثم تدعون باسم آلهتكم، وأنا أدعو باسم الرب،
والإله الذي يجيب بنارٍ فهو الله.
فأجاب جميع الشعب وقالوا: الكلام حسن" [24].
"الإله الذي يجيب بنار فهو الله": كان البعل هو أبوللو إله الشمس، صاحب السلطان على النار.
لذا كان إيليَّا يقدِّم الدليل ممَّا يعتقد به عبدة البعل، فيقيم الدليل من أفواههم. كان عبدة البعل ينسبون الرعد والبرق والمطر إلى إلههم. ومن جانب آخر فإن الله كان يؤكِّد قبوله للذبيحة بإرسال نار من السماء تلتهمها (لا 9: 24؛ قض 6: 21).
في القديم تساءل اسحق: "هوذا النار والحطب ولكن أين الخروف للمحرقة؟" (تك 7: 22) وكانت إجابة والده: "الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني". الآن يوجد المذبح والخشب والمحرقة، ولكن أين النار؟ الله يرسل نارًا للمحرقة!
يليق بنا أن نطلب من الله فيرسل روحه القدُّوس الناري، هو يقدِّس مذبح قلوبنا ويقبل كل تقدمة، ويعلن مسرَّته في داخلنا.
5. لقاء إيليَّا مع كهنة البعل:

25 فَقَالَ إِيلِيَّا لأَنْبِيَاءِ الْبَعْلِ: «اخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمْ ثَوْرًا وَاحِدًا وَقَرِّبُوا أَوَّلًا، لأَنَّكُمْ أَنْتُمُ الأَكْثَرُ، وَادْعُوا بِاسْمِ آلِهَتِكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَضَعُوا نَارًا». 26 فَأَخَذُوا الثَّوْرَ الَّذِي أُعْطِيَ لَهُمْ وَقَرَّبُوهُ، وَدَعَوْا بِاسْمِ الْبَعْلِ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الظُّهْرِ قَائِلِينَ: «يَا بَعْلُ أَجِبْنَا». فَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُجِيبٌ. وَكَانُوا يَرْقُصُونَ حَوْلَ الْمَذْبَحِ الَّذِي عُمِلَ.

"فقال إيليَّا لأنبياء البعل:
اختاروا لأنفسكم ثورًا واحدًا وقرِّبوا أولًا،
لأنَّكم أنتم الأكثر، وادعوا باسم آلهتكم، ولكن لا تضعوا نارًا" [25].


طلب منهم أن يبدءوا هم بتقديم الذبيحة من أجل كثرة عددهم.
"فأخذوا الثور الذي أُعطي لهم وقرَّبوه،
ودعوا باسم البعل من الصباح إلى الظهر قائلين:
يا بعل أجبنا.
فلم يكن صوت ولا مجيب.
وكانوا يرقصون حول المذبح الذي عُمل" [26].
استخدم أنبياء البعل كل وسيلة لعلَّ إلههم يتحرَّك، تارة كانوا ينادونه باسمه وأخرى يصرخون، وثالثة كانوا يرقصون لعلَّهم يسرُّونه، ورابعة كمن أصابهم الجنون يقطعون أجسامهم بالسيوف والرماح.
6. لقاء مع الله الناري:

27 وَعِنْدَ الظُّهْرِ سَخِرَ بِهِمْ إِيلِيَّا وَقَالَ: «ادْعُوا بِصَوْتٍ عَال لأَنَّهُ إِلهٌ! لَعَلَّهُ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ فِي خَلْوَةٍ أَوْ فِي سَفَرٍ! أَوْ لَعَلَّهُ نَائِمٌ فَيَتَنَبَّهَ!» 28 فَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَال، وَتَقَطَّعُوا حَسَبَ عَادَتِهِمْ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ حَتَّى سَالَ مِنْهُمُ الدَّمُ. 29 وَلَمَّا جَازَ الظُّهْرُ، وَتَنَبَّأُوا إِلَى حِينِ إِصْعَادِ التَّقْدِمَةِ، وَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُجِيبٌ وَلاَ مُصْغٍ، 30 قَالَ إِيلِيَّا لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: «تَقَدَّمُوا إِلَيَّ». فَتَقَدَّمَ جَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَيْهِ. فَرَمَّمَ مَذْبَحَ الرَّبِّ الْمُنْهَدِمَ. 31 ثُمَّ أَخَذَ إِيلِيَّا اثْنَيْ عَشَرَ حَجَرًا، بِعَدَدِ أَسْبَاطِ بَنِي يَعْقُوبَ، الَّذِي كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ قَائِلًا: «إِسْرَائِيلَ يَكُونُ اسْمُكَ» 32 وَبَنَى الْحِجَارَةَ مَذْبَحًا بِاسْمِ الرَّبِّ، وَعَمِلَ قَنَاةً حَوْلَ الْمَذْبَحِ تَسَعُ كَيْلَتَيْنِ مِنَ الْبَزْرِ. 33 ثُمَّ رَتَّبَ الْحَطَبَ وَقَطَّعَ الثَّوْرَ وَوَضَعَهُ عَلَى الْحَطَبِ، وَقَالَ: «امْلأُوا أَرْبَعَ جَرَّاتٍ مَاءً وَصُبُّوا عَلَى الْمُحْرَقَةِ وَعَلَى الْحَطَبِ». 34 ثُمَّ قَالَ: «ثَنُّوا» فَثَنَّوْا. وَقَالَ: «ثَلِّثُوا» فَثَلَّثُوا. 35 فَجَرَى الْمَاءُ حَوْلَ الْمَذْبَحِ وَامْتَلأَتِ الْقَنَاةُ أَيْضًا مَاءً. 36 وَكَانَ عِنْدَ إِصْعَادِ التَّقْدِمَةِ أَنَّ إِيلِيَّا النَّبِيَّ تَقَدَّمَ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ، لِيُعْلَمِ الْيَوْمَ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ فِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنِّي أَنَا عَبْدُكَ، وَبِأَمْرِكَ قَدْ فَعَلْتُ كُلَّ هذِهِ الأُمُورِ. 37 اسْتَجِبْنِي يَا رَبُّ اسْتَجِبْنِي، لِيَعْلَمَ هذَا الشَّعْبُ أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإِلهُ، وَأَنَّكَ أَنْتَ حَوَّلْتَ قُلُوبَهُمْ رُجُوعًا». 38 فَسَقَطَتْ نَارُ الرَّبِّ وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ وَالْحَطَبَ وَالْحِجَارَةَ وَالتُّرَابَ، وَلَحَسَتِ الْمِيَاهَ الَّتِي فِي الْقَنَاةِ. 39 فَلَمَّا رَأَى جَمِيعُ الشَّعْبِ ذلِكَ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَقَالُوا: «الرَّبُّ هُوَ اللهُ! الرَّبُّ هُوَ اللهُ!»

"وعند الظهر سخر بهم إيليَّا وقال: ادعوا بصوت عال،
لأنَّه إله لعلَّه مستغرق أو في خلوة أو في سفر أو لعلَّه نائم فيتنبَّه" [27].
لو لم يشعر إيليَّا النبي بأنَّه محفوظ بالعناية الإلهيَّة لما سخر وهو وحده بـ850 كاهنًا للبعل يسندهم الملك والملكة ويجري وراءهم الشعب.
"فصرخوا بصوتٍ عالٍ،


وتقطَّعوا حسب عادتهم بالسيوف والرماح حتى سال منهم الدم" [28].
لا تزال بعض العبادات الوثنيَّة بين القبائل تستخدم الرقص العنيف وتجريح الأجساد. وقد منعت الشريعة تقطيع الجسم (تث 14: 1). جاء عن عبادة الإلهة الهندوسيَّة ماثا Hindu goddess Matha أنَّه كان يجتمع حوالي 10 آلاف إلى 12 ألفًا من الشعب. وفي لحظات يقف إنسان في وسطهم ويتظاهر بأن الإلهة دخلت فيه، فينزع عنه عمامته وينسدل شعره الطويل على وجه، ثم يبدأ يثب ويهتز وينطق بصرخات عنيفة كمن يعوي. وإذ تزداد الإثارة يضرب نفسه بسلسلة ثم يحرك السيف بفمه فيجرح نفسه، ثم يأخذ من دمه ويلطخ به جباه المشاهدين. يتزايد الحماس وينتشر بين المشاهدين فيحسب البعض أن الإلهة قد حلَّت فيه فيقضون الليل كلُّه يثبون ويتمايلون.
"ولما جاز الظهر وتنبَّأواإلى حين إصعاد التقدمة ولم يكن صوت ولا مجيب ولا مصغ.
قال إيليَّا لجميع الشعب:
تقدَّموا إليّ،
فتقدَّم جميع الشعب إليه،
فرمَّم مذبح الرب المنهدم" [29-30].
ربَّما تهدَّم هذا المذبح بأمر آخاب أو إيزابل لمنع عبادة الله الحيّ.
"ثم أخذ إيليَّا اثني عشر حجرًا بعدد أسباط بني يعقوب الذي كان كلام الرب إليه قائلًا إسرائيل يكون اسمك" [31].
رمَّم إيليَّا المذبح باثني عشر حجرًا بعدد الأسباط ليعلن رفضه التام لانقسام المملكة، مؤكِّدًا أن الله هو إله كل الأسباط، وأن مسرَّته أن تُقدَّم ذبيحة واحدة عن الجميع.
اختيار 12 حجرًا لم يكن بلا معنى، فإن رقم 12 كما يقول القديس أغسطينوس: [يشير إلى ملكوت الله على الأرض، حيث يملك الثالوث (3) في كل جهات المسكونة، أي في المشارق والمغارب والشمال والجنوب (4)، فمحصِّلة 3 × 4 هي 12]. وكأنَّ رقم 12 يشير إلى كنيسة الله الممتدَّة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها. فيما يلي أمثلة لاستخدام هذا الرقم:


* ضمَّ شعب الله القديم 12 سبطًا، بكونه الكنيسة المقدَّسة (تك 35: 22).
* يحمل رئيس الكهنة على صدرته 12 حجرًا كريمًا، إذ يشفع المؤمن الحقيقي في كل المؤمنين. ويثبِّت في ثوبه 12 جرسًا إشارة إلى التزامه بالشهادة الحيَّة أينما وجد (خر 28).
* وضع موسى 12 حجرًا عند سفح الجبل (خر 24: 4)، ويشوع في الأردن (يش 4: 3).
* اختار السيِّد المسيح 12 تلميذًا.
* مدينة أورشليم العليا لها 12 بابًا، ثلاثة أبواب من كل جانب (رؤ 21).
"وبنى الحجارة مذبحًا باسم الرب،
وعمل قناة حول المذبح تسع كيلتين من البزر" [32].
تحوي الكيلة حوالي ثلاثة جالونات.
"ثم رتَّب الحطب وقطع الثور، ووضعه على الحطب، وقال:
املأوا أربع جرَّات ماء، وصبُّوا على المحرقة وعلى الحطب" [33].
إلهنا إله نظام وليس إله تشويش، يودّ من أولاده أن يتبعوا النظام. رتَّب إيليَّا الحطب ولم يضعه بلا ترتيب.
اقتبس Calment نصًا لكاتب قديم نسبه للقديس يوحنا الذهبي الفم جاء فيه أنَّه رأى تحت مذابح الوثنيِّين فتحات في الأرض بها مداخن تخرج منها متَّصلة بفتحات في أعلى المذبح، يخفي كهنة الوثنيِّين النار في الفتحات التي تحت الأرض، وإذ تشعل النار الحطب الذي في المذبح يظنّ البسطاء أن نار عجيبة خرجت والتهمت الذبيحة. هذا ما دفع إيليَّا النبي أن يسكب مياه كثيرة تملأ القنوات حول المذبح حتى لا يعطي فرصة لأدنى شك في أن النار هي من قبل الرب.


"ثم قال: ثنُّوا فثنُّوا.
وقال: ثلِّثوا فثلَّثوا.
فجرى الماء حول المذبح، وامتلأت القناة أيضًا ماءً" [34-35].
أمر بإلقاء 12 جرَّة ماء على المحرقة والحطب حتى جرى الماء حول المذبح وامتلأت القنوات المحيطة به.
جاءوا بالماء من البحر الذي كان قريبًا منه، حيث كان الماء العذب شحيحًا جدًا.
"وكان عند إصعاد التقدمة أن إيليَّا النبي تقدَّم وقال:
أيُّها الرب إله إبراهيم واسحق وإسرائيل
ليعلم اليوم أنَّك أنت الله في إسرائيل.
وأنِّي أنا عبدك وبأمرك قد فعلت كل هذه الأمور" [36].
طلب إيليَّا من الله أن يتمجَّد بكونه إله إبراهيم واسحق وإسرائيل لم يطلب إيليَّا النبي مجده الذاتي بل مجد الرب.
"استجبني يا رب استجبني.


ليعلم هذا الشعب أنَّك أنت الرب الإله.
وأنَّك أنت حوَّلت قلوبهم رجوعًا.
فسقطت نار الرب وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب،
ولحست المياه التي في القناة" [37-38].
استجاب الله بنارٍ أكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه التي في القناة، الأمر الذي لا يمكن أن يحدث طبيعيًا. لم تصدر النار من أسفل المذبح كما كان الوثنيُّون يخدعون الشعب بالنار المخفيَّة تحت المذبح. سقطت من أعلى وبدأت بالمحرقة. ثم الحطب الذي أسفلها فالحجارة والتراب وأخيرًا لحست المياه التي في القناة. أنَّها نار نازلة من أعلى، وليست صادرة من أسفل. سلكت النار على خلاف الطبيعة، فالنار تبدأ دومًا من أسفل ويرتفع اللهيب، أمَّا هنا فبدأت من فوق وامتد اللهيب إلى أسفل بالتدريج.
التهمت النار الذبيحة قبل أن يلتهب الحطب بالنار، لكي يدرك الكل أنَّها نار عجيبة نازلة من فوق، وأن المحرقة لم تتحقَّق بالتهاب الحطب بالنار.
احتراق المحرقة علامة قبول الله للذبيحة، وسروره بالتقدمة الصادرة عن قلب نقي.
احتراق الحطب يشير إلى رغبة الله ألاَّ يبقي فينا عمل يحترق بالنار. "إن كان أحد يبني على هذا الأساس ذهبًا فضَّة حجارة كريمة خشبًا عشبًا قشًا، فعمل كل واحد سيصير ظاهرًا لأن اليوم سيبنيه، لأنَّه بنارٍ يُستعلن وستَمتحِن النار عمل كل واحد ما هو" (1 كو 3: 12-13).
احتراق الحجارة: فإنَّه يودّ أن يكون شعبه كلُّه (12 حجرًا) ذبيحة حب له، كما يقدِّم نفسه ذبيحة حب لفدائهم.
احتراق التراب: فإنَّه يريد أن ينتزع عنَّا ترابنا ليقيم عوضًا عنه سمواته.
لحس المياه التي في القناة: فهو يطلب قلوبًا لا تغطِّيها مياه العالم بل ملتهبة بنار الروح.


* لم يجلب النار من السماء بمجرَّد الصلاة فقط لتنزل على الخشب الجاف، بل أمر الحاضرين أن يحضروا فيضًا من الماء. وإذ سكبه ثلاث مرَّات من الجرَّات على الخشب أشعل بصلاته النار من الماء، أي بما يخالف طبيعة العناصر، ليظهر قوَّة الله بفيض فائق للطبيعة. هنا بالذبيحة العجيبة يعلن لنا إيليَّا بوضوح عن الطقس السرائري للعماد الذي سيتأسَّس بعد ذلك.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
* الرب يسوع هو مثل نار ألهبت قلوب الذين سمعوه، وكينبوع ماء أعطاهم برودة، إذ قال بنفسه في إنجيله أنَّه جاء ليرسل نارًا على الأرض (لو 12: 40) ويهب ماءً حيًا للعطشى (يو 7: 37-38).
في أيَّام إيليَّا نزلت أيضًا نار عندما تحدَّى أنبياء الوثنيِّين لينير المذبح بدون نارٍ. وعندما لم يقدروا أن يفعلوا هذا سكب ماءً ثلاث مرَّات على ذبيحته حتى جرت المياه حول المذبح، ثم صرخ فنزلت نارًا من الرب من السماء والتهمت المحرقة.
القديس أمبروسيوس
7. قتل كهنة البعل:

40 فَقَالَ لَهُمْ إِيلِيَّا: «أَمْسِكُوا أَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ وَلاَ يُفْلِتْ مِنْهُمْ رَجُلٌ». فَأَمْسَكُوهُمْ، فَنَزَلَ بِهِمْ إِيلِيَّا إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ وَذَبَحَهُمْ هُنَاكَ.

"فلما رأى جميع الشعب ذلك سقطوا على وجوههم وقالوا:
الرب هو الله، الرب هو الله.
فقال لهم إيليَّا:
امسكوا أنبياء البعل، ولا يفلت منهم رجل.


فامسكوهم، فنزل بهم إيليَّا إلى نهر قيشون وذبحهم هناك" [39-40].
إذ اعترف الشعب بأن الرب هو الله، طلب منهم أن يرفضوا عبادة البعل بتنفيذ الشريعة: قتل عبدة الأوثان والمثيرين لها (تث 13: 1-11، 2-3، 13: 3). طلب قتل كهنة البعل حتى لا يعودوا فيخدعون البسطاء.
نهر قيشون ينبع على جبل تابور ويصبّ في البحر الأبيض المتوسِّط. ربَّما تمَّ قتل أنبياء البعل هناك حتى متى حلَّ المطر الغزير يفيض النهر ويسحب جثثهم ويلقي بها في البحر.
8. طلبة إيليَّا الخاصَّة بالمطر:

41 وَقَالَ إِيلِيَّا لأَخْآبَ: «اصْعَدْ كُلْ وَاشْرَبْ، لأَنَّهُ حِسُّ دَوِيِّ مَطَرٍ». 42 فَصَعِدَ أَخْآبُ لِيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ، وَأَمَّا إِيلِيَّا فَصَعِدَ إِلَى رَأْسِ الْكَرْمَلِ وَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَجَعَلَ وَجْهَهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ. 43 وَقَالَ لِغُلاَمِهِ: «اصْعَدْ تَطَلَّعْ نَحْوَ الْبَحْرِ». فَصَعِدَ وَتَطَلَّعَ وَقَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ». فَقَالَ: «ارْجعْ» سَبْعَ مَرَّاتٍ. 44 وَفِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ قَالَ: «هُوَذَا غَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ قَدْرُ كَفِّ إِنْسَانٍ صَاعِدَةٌ مِنَ الْبَحْرِ». فَقَالَ: «اصْعَدْ قُلْ لأَخْآبَ: اشْدُدْ وَانْزِلْ لِئَلاَّ يَمْنَعَكَ الْمَطَرُ». 45 وَكَانَ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَا أَنَّ السَّمَاءَ اسْوَدَّتْ مِنَ الْغَيْمِ وَالرِّيحِ، وَكَانَ مَطَرٌ عَظِيمٌ. فَرَكِبَ أَخْآبُ وَمَضَى إِلَى يَزْرَعِيلَ. 46 وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَى إِيلِيَّا، فَشَدَّ حَقْوَيْهِ وَرَكَضَ أَمَامَ أَخْآبَ حَتَّى تَجِيءَ إِلَى يَزْرَعِيلَ.

"وقال إيليَّا لآخاب: اصعد كل واشرب، لأنَّه حسّ دوي مطر" [41].
يبدو أن آخاب كان صائمًا طوال اليوم، لذا أرسله إيليَّا إلى قصره ليأكل ويشرب فإن مسرَّة الرب تحلّ بالأرض بعدما شهد الشعب لله إلهه وذبح كهنة البعل. واضح من حديث إيليَّا النبي رضا الملك على تصرُّف الشعبوقتلهم كهنة البعل.
لقد قضى الملك اليوم كلُّه يراقب ما يحدث، لم يأكل ولم يشرب، وقد حضر منذ الصباح صائمًا، ربَّما لأنَّه كان يطلب من الله أن يتدخَّل، أو لأنَّه كان مرتبكًا جدًا غير قادر على الأكل حتى يرى ماذا يحدث.
لم يرَ إيليَّا أيَّة علامة عن سقوط المطر، لكنَّه بروح النبوَّة قال: "لأنَّه حس دوي مطر" [40]. لقد مضى وقت الجفاف!
"فصعد آخاب ليأكل ويشرب.
وأمَّا إيليَّا فصعد إلى رأس الكرمل
وخرّ إلى الأرض وجعل وجهه بين ركبتيه" [42].
انسحب إيليَّا النبي إلى قمَّة الكرمل في مكانٍ خاصٍ عالٍ جدًا. في هذا الموضع يمكن للإنسان أن يختفي. وكما جاء في عاموس: "وإن اختبأوا في رأس الكرمل فمن هناك أفتش وآخذهم" (عا 9: 3). هناك ذهب وحده ومعه غلامه، فإنَّه كان يليق به بعد أن اجتمع بالشعب كلَّه والملك والقيادات أن يختفي إلى حين ليلتقي في هدوء مع إلهه، فيقول مع حبقوق النبي: "على مرصدي أقف وعلى الحصن انتصب وأراقب لأرى ماذا يقول لي" (حب 2: 1).


لم ينشغل إيليَّا النبي بما حدث كأمر يمجِّده ويهبه نصرة إنَّما انطلق ليصلِّي كي يحقِّق الله وعده ويهب الأرض مطرًا.
بينما طلب النبي من الملك أن يسرع ليأكل ويشرب، انطلق هو للصلاة. فإن رجال الله يطلبون الراحة للآخرين ويمارسون هم الجهاد.
سجد النبي إلى الأرض وجعل وجههبين ركبتيه علامة انسحاق نفسه، ربَّما انحنى حتى بلغت رأسه إلى ركبتيه.
"وقال لغلامه: اصعد تطلَّع نحو البحر.
فصعد وتطلَّع وقال: ليس شيء.
فقال: ارجع سبع مرَّات" [43].
من قمَّة جبل الكرمل يرى البحر على بعد النظر.
"وفي المرَّة السابعة قال:
هوذا غيمة صغيرة قدر كفّ إنسان صاعدة من البحر.
فقال: اصعد قل لآخاب اشدد وانزل لئلاَّ يمنعك المطر" [44].
ليتنا لا نحتقر العطايا الإلهيَّة التي تبدو صغيرة كغيمة قدر كف إنسان، فإن من يشكر على القليل يتمتَّع بالكثير.
الغيمة الصغيرة التي رآها إيليَّا قادمة من البحر تُشير إلى تجسُّد الله الكلمة الذي صار كغيمة صغيرة تخفي مجد لاهوته، قادمة إلى عالمنا لتفيض علينا بمياه الروح القدس. أنَّه يحوِّل قفر قلبنا إلى فردوس مثمر!
"وكان من هنا إلى هنا أن السماء اسودَّت من الغيم والريح وكان مطر عظيم.


فركب آخاب ومضى إلى يزرعيل.
وكانت يد الرب على إيليَّا،
فشدَّ حقويه وركض أمام آخاب حتى تجيء إلى يزرعيل" [45-46].
طلب إيليَّا النبي من غلامه أن يخبر الملك بأن يتشدَّد ويسرع بالنزول لئلاَّ يمنعه المطر. انطلق الملك بمركبته، بينما شد النبي حقويه وركض فالتقى بالملك قبل بلوغه قصره. لقد بارى الخيل والمركبات وغلب. أنَّه لم ينطبق عليه الحديث عن الخاملين: "إن جريت مع المشاة فأتعبوك فكيف تباري الخيل؟!" (إر 12: 5).
لم ينطلق إليه لكي يوبِّخه أو يجرحه بكلمة، وإنَّما لكي يسنده ويقوِّيه في مواجهته لزوجته إيزابل التي استغلَّت ضعفه فجعلت منه إنسانَّا وثنيًا شرِّيرًا. لقد أراد أن يؤكِّد له أنَّه ليس مقاومًا له بصفة شخصيَّة، ولا يحمل بغضة من جهته، بل يشتاق أن يسنده في خدمة الرب. أنَّه أمين له ما دام في الرب.
لقد جرى قرابة 16 ميلًا ليبلغ مدخل يزرعيل مظهرًا استعداده المستمرّ للخدمة.
يزرعيل تقع عند جبل جلبوع، لم ينقل آخاب العاصمة من السامرة (1 مل 22: 10، 37) لكنَّه بنى له قصرًا في يزرعيل (1 مل 22: 1)، ويبدو أنَّه كان يقيم هناك مع الملكة إيزابل كمسكنٍ شتوي لهما. وُجد حديثًا نقش آشوري تحدَّث عن آخاب بأنَّه "آخاب اليزرعيلى".
من وحي 1 مل 18



إلهي أنت يا رب،

وليس إله آخر غيرك!‍‍‍‍‍‍


* صوت نبيَّك إيليَّا يرنّ في آذنيَّ:
إن كان الرب هو الله فاعبدوه،
وإن كان البعل فاعبدوه،
إلى متى تعرِّجون بين الفريقين؟
* إلى متى أقيم في داخلي العجل والعشتاروت؟
إلى متى أرفض مملكتك لأقيم سادة عنفاء يحطِّمون أعماقي؟
*في غباوتي أقمت في داخلي مذبحًا للبعل،
وصار لي كهنة وكاهنات يقدِّمون له حياتي ذبيحة.
حوَّلوا حياتي إلى العبوديَّة.
صرتُ عبدًا للمال والكرامة والشهوات الزمنيَّة.


من يحرِّرني من هذا الذل؟
* ليملأ روحك الناري السماوي كياني.
ليحوِّل أعماقي إلى لهيب نار سماوي.
لن يترك في قلبي أثرًا للتراب،
بل يحوِّل أرضي إلى سماء.
لا يترك أثرًا للحجارة، عوض الحجارة يقيم أبناء لإبراهيم.
لن يكون قلبي حجريًا بعد، بل رقيقًا كابنٍ لإبراهيم.
يلحس كل ماء في قنوات قلبي.
فلا يكون للبرود الروحي موضع.
* هب لي روحين من إيليَّا النبي، كما وهبت إليشع تلميذه.
فيصير لي القلب الناري.
ليقتل في داخلي كل كاهنٍ لبعل أو عشتاروت.
ويصير قلبي جلجثة حقَّة تحمل ذبيحة الصليب الحق.
نعم لتملك بنار روحك القدُّوس في أعماقي.


ظهور الله لإيليَّا

كان الله يسمح لإيليَّا النبي أحيانًا بالضيق من أجل بنيان نفسه، حتى لا يدفع به نجاحه المستمر ونصرته إلى الكبرياء. ففي الأصحاح السابق وهبه الله نصرة على كهنة البعل، وشهد الشعب لإلهه ورفضوا البعل. يبدو أنَّه حتى الملك نفسه كان راضيًا بقتل كهنة البعل. الآن في هذا الأصحاح تضيق نفس إيليَّا بسبب مقاومة الملكة إيزابل له. لكن الله يسنده، فيرسل له ملاكه ويترآى له، ويفرح قلبه باختيار نبي يتتلمذ على يديه ويكمل رسالته.



1. هروب إيليَّا إلى بئر سبع:

1 وَأَخْبَرَ أَخْآبُ إِيزَابَلَ بِكُلِّ مَا عَمِلَ إِيلِيَّا، وَكَيْفَ أَنَّهُ قَتَلَ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ بِالسَّيْفِ. 2 فَأَرْسَلَتْ إِيزَابَلُ رَسُولًا إِلَى إِيلِيَّا تَقُولُ: «هكَذَا تَفْعَلُ الآلِهَةُ وَهكَذَا تَزِيدُ، إِنْ لَمْ أَجْعَلْ نَفْسَكَ كَنَفْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَحْوِ هذَا الْوَقْتِ غَدًا». 3 فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ قَامَ وَمَضَى لأَجْلِ نَفْسِهِ، وَأَتَى إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ الَّتِي لِيَهُوذَا وَتَرَكَ غُلاَمَهُ هُنَاكَ.

اخبر آخاب زوجته إيزابل بما فعله إيليَّا، وكيف قتل كهنة البعل، فثارت جدًا وقرَّرت قتله. اضطر أن يهرب إيليَّا إلى بيت سبع التي ليهوذا، حيث عاله ملاك هناك.
"وأخبر آخاب إيزابل بكل ما عمل إيليَّا،
وكيف أنَّه قتل جميع الأنبياء بالسيف" [1].
كانت إيزابل ككاهنة للبعل تعتبر نفسها حصنًا لكهنة البعل. أمَّا وقد ثار الشعب كلُّه وذبح إيليَّا كهنة البعل، صار موقفها حرجًا جدًا. لم يجرؤ آخاب أن يشير إلى اسم الله في حديثه مع زوجته إيزابل، فإنَّه لم يخبرها بما عمله الله بل "بكل ما عمل إيليَّا". هل أراد الملك أن يهدِّئ من إيزابل بسرده ما حدث ليكشف لها عن ما فعله إيليَّا النبي بإنزاله نارٍ من السماء وهبوط الأمطار، أم أنَّه شعر بعجزه عن مواجهة إيليَّا والشعب وترك لامرأته الشرِّيرة أن تتصرَّف؟ لا يستطيع أحد أن يعطي جوابًا قاطعًا في هذا الأمر.
"فأرسلت إيزابل رسولًاإلى إيليَّا تقول:
هكذا تفعل الإلهة وهكذا تزيد إن لم اجعل نفسك كنفس واحدٍ منهم في نحو هذا الوقت غدًا" [2].
بعثت برسول إلى إيليَّا تحدِّد له موعد قتله، أنَّه في اليوم التالي تفعل به ما فعله بكهنتها. لعلَّها شعرت بعجزها عن قتله بعد أن تعبَّأ الشعور العام كلُّه ضد البعل، وربَّما شعرت أن لهجة زوجها أيضًا قد تغيَّرت، فصار متعاطفًا مع النبي، فأرسلت إليه تهدِّده لكي يهرب فتتخلَّص منه.
ربَّما خشت الملكة من ثورة الشعب فيطلبون إيليَّا أن يكون القائد الروحي لمملكة، وأن يكون المشرِّع لهم، وذلك بعد أن رأوا النار النازلة من السماء والمطر الذي سقط بكلمته.
"فلما رأى ذلك،


قام ومضى لأجل نفسه،
وأتى إلى بئر سبع التي ليهوذا، وترك غلامه هناك" [3].
هرب إيليَّا من شرّ إيزابل، ومن بعده اشتاق إرميا أن يهرب من شعبه إن وجد ملجأ له في البرِّيَّة (إر 9: 2).
يرى البعض أن إيليَّا النبي لم يهرب خوفًا من إيزابل وشرَّها، وإنَّما لأجل نفسه، أو لأجل حياته مع الرب، فإنَّه سار في البرِّيَّة مسيرة يوم واشتهى الموت، فقد شعر بالحاجة إلى عون إلهي، لأن مقاومة عبادة الله كانت عنيفة للغاية.
في بئر سبع ترك غلامه إذ أراد أن يدخل في البرِّيَّة وحده ليختلي مع الرب، ويتمتَّع بالتأمل فيه واللقاء معه والحوار معه. وقد أعطاه الرب سؤل قلبه. ترك غلامه كما ترك إبراهيم غلامه مع الحمار وانطلق مع ابنه اسحق إلى الجبل ليعبد الرب ويقدِّم الذبيحة. وعندما دخل السيِّد المسيح مع تلاميذه جثسيماني تركهم وبقى وحده يتحدَّث مع الآب، ليشرب الكأس نيابة عن كل البشريَّة.
هرب إيليَّا من مملكة الشمال إلى مملكة الجنوب حيث الملك يهوشافاط الصالح، وانطلق إلى أقصى الجنوب عند بئر سبع. أنَّه موقف عجيب، فإن إيليَّا الذي لم يخف من مواجهة 850 كاهنًا للبعل ومعهم الملك وأيضًا كل الشعب، واثقًا في عناية الله به، الآن يخشى ثورة سيِّدة متعجرفة. أنَّها لحظات ضعف يعيشها النبي الناري الجريء.
هرب إيليَّا من المرأة إيزابل [2]، التي تعني "فيض من الباطل"، هرب إلى جبل حوريب [8].
2. مساندة الملاك له:

4 ثُمَّ سَارَ فِي الْبَرِّيَّةِ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، حَتَّى أَتَى وَجَلَسَ تَحْتَ رَتَمَةٍ وَطَلَبَ الْمَوْتَ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: «قَدْ كَفَى الآنَ يَا رَبُّ. خُذْ نَفْسِي لأَنَّنِي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي». 5 وَاضْطَجَعَ وَنَامَ تَحْتَ الرَّتَمَةِ. وَإِذَا بِمَلاَكٍ قَدْ مَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ». 6 فَتَطَلَّعَ وَإِذَا كَعْكَةُ رَضْفٍ وَكُوزُ مَاءٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ رَجَعَ فَاضْطَجَعَ. 7 ثُمَّ عَادَ مَلاَكُ الرَّبِّ ثَانِيَةً فَمَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ، لأَنَّ الْمَسَافَةَ كَثِيرَةٌ عَلَيْكَ». 8 فَقَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الأَكْلَةِ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ،

"ثم سار في البريَّة مسيرة يوم حتى أتى وجلس تحت رتمة،
وطلب الموت لنفسه،
وقال: قد كفى الآن يا رب،
خذ نفسي، لأنَّني لست خيرًا من آبائي" [4].


شعر أنَّه لا يعود يقدر أن يقدِّم شيئًا صالحًا بعد لشعبه، فقد قدَّم كل ما لديه. مرَّت عليه فترة من المرارة، لأن الأمور تسير على خلاف ما يشتهي. كان يودّ عودة الملك وشعبه لله. وإذ شعر بعجزه في تحقيق ذلك حسب أنَّه لا قيمة لوجوده بعد، فإنَّه ليس أفضل من آبائه الذين فشلوا أحيانًا في جذب الشعب إلى الله.
كان يتوقَّع بعد نزول النار من السماء علانيَّة وشهادة الشعب للإيمان الحق أن الأمور تسير إلى الأفضل، لكنَّه وجد الملك خضع للملكة، وبالتالي سيعود الشعب إلى عبادة البعل تحت الإغراء والضغط الملكي.
سار في البريَّة غالبًا تجاه حوريب. سلك مسيرة يوم كاملٍ في البريَّة في نجب جنوب يهوذا. ذهب إلى بئر سبع التي تبعد حوالي 95 ميلًا من يزرعيل على حافة صحراء التيه. لم يكن ممكنًا لإيليَّا أن يصل إليها إلاَّ في نهاية اليوم التالي حيث كان يسير الليل والنهار ولم يسترح في الطريق. وهي مدينة تابعة لسبط شمعون (يش 19: 2) وكان جزء من سبط شمعون قد انضم إلى يهوذا.
اشتهى إيليَّا النبي أن يموت، مع أنَّه هرب إلى بئر سبع من وجه إيزابل الشرِّيرة التي تطلب نفسه. كان يشتهي يموت بيد الرب لا بيد هذه السيِّدة، فإن الوقوع في يديّ الله الرحيم أفضل من الوقوع في يد الإنسان الشرِّير.
اشتهى أن يموت في البريَّة في أرض مقدَّسة ولا يموت في أرض تدنَّست بعبادة البعل.
جلس تحت شجرة يدعوها العرب رتمة، وهي شجرة ضخمة تحمي المسافرين من حرارة الشمس ومن العواصف.
عندما يشعر حتى الأنبياء بنوعٍ من الفشل كانوا يشتهون الموت، الأمر الذي سقط فيه كثيرون مثل موسى النبي ويُّونان النبي.
* بالحق أجاهد هنا كما لو كنت قد نسيتني، مع إنَّني أعرف تمامًا أنَّك مجرَّد تمتحني، فإنَّك وإن كنت كمن يتركني لكنَّك لن تفشل في أن تهبني ما وعدت به. ومع هذا لا احتمل فأقول: "لماذا نسيتني؟"
القديس أغسطينوس


* إنَّنا لا نقتنع بما نحن عليه الآن. فإنَّه حتى الأشياء التي نشتهيها تسبب لنا متاعب، وما نشتاق أن نناله لا نعود نشتهيه عندما نناله. لهذا ليس بدون سبب غالبًا ما بكى القدِّيسون طول بقائهم هنا. داود انتحب (مز 120: 5)، وإرميا رثاها (إر 1: 18)، وإيليَّا بكاها.
إن كنَّا نصدِّق الحكماء، والذين سكنهم الروح الإلهي، فإنَّهم كانوا يسرعون نحو الأفضل (الانطلاق نحو الحياة الأبديَّة والقيامة).
القديس أمبروسيوس
يرى القديس أمبروسيوس أن البريَّة التي نهرب إليها هي التوبة أو نعمة الله حيث يجد الشريد فيها ملجأ وخلاصًا.
* التوبة هي هروب صالح؛
نعمة الله هي هروب صالح، فيها يجد الشريد خلاصه.
البريَّة هي هروب صالح، هرب إليها إيليَّا (1 مل 19: 4) وإليشع ويوحنا المعمدان (مت 3: 1، لو 13: 2).
هرب إيليَّا من المرأة إيزابل التي تعني "فيض من الباطل"، هرب إلى جبل حوريب. (1 مل 19: 8) التي تعني جفافًا، حيث يجف تدفُّق مياه الجسديَّات الباطلة، حينئذ يأتي إلى معرفة الله بأكثر كمال، لأنَّه كان بجانب نهر كريث الذي يعني "المعرفة" هناك استطاع أن يشرب من فيض معرفة الله المتدفِّق (1 مل 17: 5). هرب إيليَّا من العالم حتى أنَّه لم يطلب طعامًا يحتاج إليه جسده غير ما قدَّمته له تلك الطيور الخادمة (1 مل 17: 6)، مع أن طعامه غالبًا ما كان ليس من هذا العالم (1 مل 19: 5-7). حقًا لقد صار أربعين يومًا بالقوَّة التي صارت له بالوجبة التي نالها (1 مل 19: 8).
بالتأكيد لم يهرب من مجرَّد امرأة بل من هذا العالم. لم يخف الموت، لأنَّه تقدَّم بنفسه لذاك الذي كان يطلب نفسه وقال للرب: "خذ نفسي" (1 مل 19: 4).
احتمل أتعاب هذه الحياة ليس مشتهيًا إيَّاها، لكنَّه كان يهرب من إغراءات العالم وسموم السلوك الشرِّير والتصرُّفات الدنيئة للجيل الخاطي غير المقدَّس.
القديس أمبروسيوس


"واضطجع ونام تحت الرتمة،
وإذا بملاك قد مسَّه وقال:
قمْ وكلْ" [5].
مع سيره المستمر بلا توقُّف من جبل الكرمل إلى بئر سبع ثم سار يومًا في البريَّة تجاه حوريب تعب جدًا فنام. كان محتاجًا إلى عونٍ إلهيٍ يسند نفسه المتعبة بسبب شعوره بالفشل ويسند جسده المرهق والجائع. أرسل إليه الله ملاكًا يقدِّم له الضروريَّات.
كان إيليَّا يشتهي أن ينام ولا يقوم، فقد حطَّمت إيزابل اشتياقاته. قام من نومه بناء على لمسة من الملاك، ليدرك أنَّه موضع رعاية الرب إله الملائكة وعنايته، فلا يضطرب. كان إيليَّا النبي فريدًا في اهتمام الله حتى بطعامه، فحين كان في ظروف عاديَّة أو شبه عاديَّة في المدن أو القرى تركه يعد لنفسه الطعام كسائر اخوته، لكن تحت ظروفخاصة أرسل إليه تارة غرابًا وأخرى أرملة وثالثة ملاكًا يعدُّون له الطعام. حين كان منفردًا في كريث عالته الغربان، وإذ كان في صيدا عالته أرملة صِرْفِة صيْدا، والآن إذ لا توجد غربان ولا إنسان أرسل إليه ملاكًا يعوله.
"فتطلع وإذا كعكة رضْفٍ وكوز ماء عند رأسه،
فأكل وشرب،
ثم رجع فاضطجع" [6].
وجد الطعام والماء عند رأسه، أيّ في متناول يده.وجد كعكة مخبوزة على الفحم، ربَّما وجد خشبًا أو فحمًا متقدًا بالنار والكعكة عليه، وهي من الطعام المحبوب لدى العرب في هذه المنطقة.
كان إيليَّا كناسكٍ يقضي الكثير من وقته في البراري يأكل بتقشُّف، وكان ملتزمًا أن يعد لنفسه الطعام. وعندما التزم بالهروب والاختفاء عند نهر كريث مقابل الأردن حيث طلب ألاَّ يكون مطر إلاَّ عند قوله أرسل الله إليه غرابًا يأتيه كل صباح ومساء بخبزٍ ولحمٍ. وإذ جفَّ نهر الأردن ويبس أرسله الرب إلى أرملة صِرْفة صيْدون لكي تعوله بالخبز فقط. وأخيرًا إذ بعث به إلى جبل حوريب ليتحدَّث معه وجهًا لوجه (1 مل 19) قدَّم له ملاك كعكة واحدة وكوز زيت ليأكل ويشرب ثم يصوم أربعين نهارًا وأربعين ليلة بطريقة تفوق الطبيعة.
* يروي الكتاب المقدَّس عن إيليَّا الهارب من وجه المرأة إيزابيل، وقد جلس أولًا تحت رتمة وهناك سمع له وتقبَّل قوَّة وطعامًا. هذا يعني أن من يهرب من إغراءات الشهوة، ومن امرأة (شرِّيرة)، أيّ من اللذَّة، يجد ملجأ وظلًا في شجرة العفَّة، حيث يتمتَّع بمجيء المسيح ورئيس البتوليِّين البشر.
الأب ميثوديوس
* لو أراد الله أمَّا كان يمكنه أن يرسل لنبيِّه خمورًا ممتازة وأطباق شهيَّة ولحومًا مطهيَّة؟ عندما دعي إليشع أبناء الأنبياء ليأكلوا قدم لهم أعشابًا فقط ليأكلوا، وعندما صرخ الكل بصوت واحد: "في القدر موت" (2 مل 4: 40) لم يثر رجل الله على الطبخ بل أحضر الطعام وألقى فيه ما جعل مرارة الطعام تصير عذبة بقوَّة روحيَّة، وذلك كما فعل موسى الذي جعل مياه مارَّة عذبة.
مرة أخرى عندما أرسل رجالًا للقبض على النبي وُضربوا بعمى جسماني وعقلي، كي يحضرهم إلى السامرة وهم لا يدرون لاحظ الطعام الذي أمر إليشع أن يقدِّم لهم لكي ينعشهم "صنع خبزًا وماء أمامهم فيأكلوا ويشربوا ثم ينطلقوا إلى سيِّدهم" (2 مل 6: 22). ودانيال الذي كان يمكنه أن يأكل طعامًا فاخرًا من مائدة الملك فضَّل القطاني.
القديس جيروم
* إيليَّا الذي كان الرب يدرِّبه على كمال الفضيلة وجد عند رأسه كعكة وكوز ماء، عندئذ صام بقوَّة هذا الطعام 40 يومًا وأربعين ليلة. عندما عبر آباؤنا البحر بأقدامهم (خر 17: 6) شربوا ماءً لا خمرًا. دانيال والفتيان العبرانيُّون كانوا يأكلون طعامًا خاصًا (دا 1: 8) ويشربون ماءً، الأول غلب ثورة الأسود (دا 6: 22) والآخرون رأوا في النار المحرقة ملعبًا دون أن تصاب أطرافهم بأدنى أذيَّة (دا 3: 27).
ولماذا أتحدَّث عن الرجال، فإن يهوديت لم تشتهِ مائدة هولوفرنيس الشهيَّة فنالت بعفَّتها وحدها نصرة. الأمر الذي فشل فيه الرجال وخلصت مدينتها من الحصار وقتلت القائد بيديها (يهوديت 8: 16)... إستير بصومها حرَّكت الملك المتكبِّر (إس 4: 16). وحنَّة التي خدمت الله في ترمُّلها لمدَّة 84 سنة بأصوام وصلوات نهارًا وليلًا في الهيكل عرفت المسيح (لو 2: 37). ويوحنَّا سيِّد النسك ظهر كملاكٍ يسير على الأرض.
القديس أمبروسيوس
* إذ هرب (إيليَّا النبي) من تهديدات إيزابل، بعد وجبة طعام واحدة وشراب وجدهما عندما أيقظه الملاك بقى لمدَّة أربعين نهارًا وأربعين ليلةٍ ببطنٍ فارغة، وصار فمه جافًا، بلغ إلى جبل حوريب حيث سكن في مغارة كما في فندق. أي لقاء شهير تمَّ بينه وبين الله! ما هو حالك يا إيليَّا هنا؟ هل كنت في صداقة مع هذا الصوت (الإلهي) أكثر من القول: "آدم أين أنت؟" (تك 3: 9)؟ لأن هذه هي قوَّة الطعام بحدودٍ (الصوم) تجعل الله في صداقة مع الإنسان تحت مظلَّة (إذ تمتَّع إيليَّا بصحبة المسيح تحت السحابة التي ظلَّلتهم (مت 17: 4). إنَّها صداقة حقَّة! فإن كان الله الأبدي لن يجوع كما شهد في إشعياء (مز 40: 28) فسيأتي وقت فيه يصير الإنسان متشبِّها بالله عندما يحيا بلا طعام.
العلامة ترتليان
جاء في الإنجيل البدائي المنسوب ليعقوب Protoevangelium of James عن يواقيم والد القدِّيسة مريم بأنَّه إذ كان حزينًا لأنَّه لم يكن له نسل، ذهب إلى الجبل وصام أربعين يومًا وأربعين ليلة قائلًا في نفسه: "لن آكل ولا أشرب حتى يتطلَّع الرب إلهي إليّ، وستكون الصلاة هي طعامي وشرابي".
"ثم عاد ملاك الرب ثانية فمسَّه وقال:
قم وكل، لأن المسافة كثيرة عليك" [7].
إذ نام ثانية عاد الملاك ولمسه وطلب منه أن يأكل لأن المسافة طويلة عليه. تبلغ المسافة بين بئر سبع وحوريب حوالي 150 ميلًا. لم يخبره الملاك إلى أين هو ذاهب، إنَّما اكتفى بإعلان أن المسافة طويلة جدًا.


"فقام وأكل وشرب،
وسار بقوَّة تلك الأكلة أربعين نهارًا وأربعين ليلة،
إلى جبل الله حوريب" [8].
قاده الروح للذهاب إلى جبل حوريب، الجبل الذي عليه تسلَّم موسى الشريعة. كانت خطَّة الله عجيبة بالنسبة لإيليَّا النبي، فقد أمر الغربان أن تطعمه مرَّتين يوميًا بالخبز واللحم، ثم بارك في زيت الأرملة ودقيقها ليعيش أكثر من عامين دون أن يذوق اللحم، والآن إذ يقدِّمه الملاك كعكة ويشرب ماء يقضي أربعين نهارًا وأربعين ليلة لا يأكل قط ولا يشرب. صام أربعين يومًا مثل موسى النبي.
* صام موسى (خر 24: 8) وإيليَّا لمدَّة أربعين يومًا وعاشوا على الله وحده. فإنَّه منذ القِدم قد تقدَّس المبدأ: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل ما يخرج من فمّ الرب يحيا الإنسان" (تث 8: 3؛ مت 4: 4). هنا نرى بصورة باهتة لقوَّتنا في المستقبل (في السماء).
العلامة ترتليان
إذ تحدَّث العلامة ترتليان عن الصوم الأربعيني لموسى وإيليَّا النبيِّين استعرض خطورة النهم وعدم ضبط البطن فأشار إلى القول: "جلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب" (1 كو 10: 7 ؛ خر 32: 6). أيضًا "فسمن يشرون ورفس. سمنت وغلظت واكتسبت شحمًا. فرفض الإله الذي عمله وغنى عن صخرة خلاصه" (تث 32: 15). "لئلاَّ إذا أكلت وشبعت وبنيت بيوتًا جديدة وسكنت... يرتفع قلبك وتنسى الرب إلهك" (تث 8: 12-14).
كانت المسافة تحتاج إلى حوالي أسبوع، لكن الله سمح لإيليَّا أن يقضي أربعين يومًا وأربعين ليلة، كما جال الشعب قديمًا أربعين سنة مع موسى النبي في البريَّة.
الجبل الذي التقى فيه الله مع موسى دعاه: "جبل الله"، والبيت الذي يلتقي فيه مع شعبه يدعوه: "بيت الله" والمدينة التي تقام فيها هيكله تسمَّى: "مدينة الله".


دخل إيليَّا المغارة، غالبًا التي دخل فيها موسى النبي حين اشتهَى أن يرَى مجد الله، وقد عبر به ليرى مجده من خلف (خر 33: 22).
اشتهى إيليَّا أن يهرب بل ويموت بسبب ما ضمرته إيزابل من تحطيم للإيمان، لكن الرب وهب إيليَّا ما لم يخطر على قلبه. أتى به إلى جبله المقدَّس، وادخله إلى المغارة ليتحدَّث معه في حوارٍ مفتوحٍ. جاء به الرب إلى هذا الموضع لكي يقول مع نحميا: "أرجل مثلي يهرب؟!" (نح 6: 11).
"مالك ههنا يا إيليَّا؟" إنَّه ليس وقت خلوة بل وقت عمل، فلماذا أنت ههنا؟ الشعب ينتظرك، وأنت مسئول عن الخدمة، فلا تهرب!
3. ظهور الرب له:

9 وَدَخَلَ هُنَاكَ الْمُغَارَةَ وَبَاتَ فِيهَا. وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ يَقُولُ: «مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟». 10 فَقَالَ: «قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا». 11 فَقَالَ: «اخْرُجْ وَقِفْ عَلَى الْجَبَلِ أَمَامَ الرَّبِّ». وَإِذَا بِالرَّبِّ عَابِرٌ وَرِيحٌ عَظِيمَةٌ وَشَدِيدَةٌ قَدْ شَقَّتِ الْجِبَالَ وَكَسَّرَتِ الصُّخُورَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الرِّيحِ. وَبَعْدَ الرِّيحِ زَلْزَلَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الزَّلْزَلَةِ. 12 وَبَعْدَ الزَّلْزَلَةِ نَارٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي النَّارِ. وَبَعْدَ النَّارِ صَوْتٌ مُنْخَفِضٌ خَفِيفٌ. 13 فَلَمَّا سَمِعَ إِيلِيَّا لَفَّ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ وَخَرَجَ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْمُغَارَةِ، وَإِذَا بِصَوْتٍ إِلَيْهِ يَقُولُ: «مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟» 14 فَقَالَ: «غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا».

"ودخل هناك المغارة وبات فيها،
وكان كلام الرب إليه يقول: ما لك ههنا يا إيليَّا" [9].
* بعد الإعداد بأربعين يومًا من الصوم رأى إيليَّا الرب على جبل حوريب. وسمع منه الكلمات: "مالك ههنا يا إيليَّا؟" هنا القول متقارب جدًا من القول: "آدم، أين أنت؟" في سفر التكوين. هدف الأخير هو إثارة مخاوف من أكلَ وفقدَ، والقول الأول موجَّه إلى عبدٍ صائمٍ بحنو وحب.
القديس جيروم
"فقال: قد غِرت غيرة للرب إله الجنود،


لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك،
ونقضوا مذابحك،
وقتلوا أنبياءك بالسيف،
فبقيتُ أنا وحدي،
وهم يطلبون نفسي ليأخذوها" [10].
أجاب على سؤال الرب بأنَّه مملوء غيرة على مجد الرب، لكن قد حطَّمه اليأس، إذ لم يعد بعد يرى أحدًا يعبد الرب بإخلاص غيره. كل هذه السنوات من خدمته حسبها كلا شيء، إذ لم تثمر بتوبة شخصٍ واحدٍ. لم يشتكِ الملك والملكة وحدهما، بل اشتكى بني إسرائيل، واتَّهمهم بالآتي:
* تركوا عهد الرب مع أنَّهم مارسوا العلامة الظاهرة للعهد، وهي الختان.
* تركوا عبادة الرب وخدمته.
* اضطهدوا خدامه وأنبياءه.
* لم يهجروا مذابح الرب فحسب بل هدموها ونقضوها. هذه المذابح أقامها أناس صالحون غير قادرين على الذهاب إلى أورشليم ويرفضون التعبُّد للعجلين أو للبعل. مع أن هذه المذابح تحطِّم وحدة الجماعة المقدَّسة، لكن التزم بها أناس صالحون حتى لا يُحرموا من تقديم الذبائح. بنوها وهم مخلصون في محبَّتهم لله ورغبتهم في إعلان مجده.
أجاب على سؤال الرب لماذا جاء إلى البريَّة وقطن في المغارة، معلِّلًا ذلك بالأسباب التالية:
* "بقيت أنا وحدي": لم يعد قادرًا على الظهور لتحقيق أي هدف. فمع صراخ كل الشعب "الله هو الرب" لم يقف أحد منهم معه، ولا دافع أحد عنه. نسى إيليَّا أنَّه ليس وحده، لأن الله معه، حتى وإن وقف العالم كلُّه ضدُّه.


* لم يعد قادرًا على الظهور من أجل سلامه، إذ صارت حياته في خطر "وهم يطلبون نفسي ليأخذوها".
* لا يقدر مسيحي أن يقول بأنَّه ليس له متاعب، لماذا؟ لأنَّه مادمنا في الجسد فإنَّنا في رحلة نحو الله. مهما كانت الأمور حسنة فإنَّنا لا نزال لسنا في بيتنا. لا يقدر الإنسان أن يحب الرحلة ومدينته في نفس الوقت. فإن من أحب وطنه تبدو رحلته شاقة ومملوءة متاعب. هنا نتعب ونحزن، هناك نجد راحة بلا نهاية وحب بلا قلق.
القديس أغسطينوس
"فقال: اخرج وقف على الجبل أمام الرب.
وإذا بالرب عابر وريح عظيمة وشديدة قد شقَّت الجبال وكسرت الصخور أمام الرب،
ولم يكن الرب في الريح.
وبعد الريح زلزلة،
ولم يكن الرب في الزلزلة" [11].
الآن يتعامل الله مع إيليَّا تقريبًا بذات الطريقة التي تعامل بها مع موسى النبي، فقد وقف إيليَّا في نفس الموضع الذي وقف فيه موسى عندما أعلن الله ذاته له عند تسليمه الشريعة (خر 19: 6-9 ).
إذ عبر به الرب كان أشبه بريحٍ عظيمةٍ وشديدةٍ شقَّت الجبال وكسرت الصخور أمام الرب. أعدَّ الله الطريق بالريح العظيمة والزلزال والنار، لكن الله لم يعلن عن ذاته وسط كل هذه الظواهر. لقد هيَّأت لإيليَّا النبي الطريق ليسمع الرب في وسط الهدوء. هذه الظواهر بعينها حدثت في أيَّام موسى أثناء لقائه مع الله.
يريد الله أن يلتقي مع مؤمنيه خلال الجو الهادئ لا العلامات العنيفة للطبيعة.


يرى الكلدانيُّون أن الله تراءى لإيليَّا النبي يسبقه موكب من الملائكة كانوا كالريح العاصف يمزِّقون الجبال ويكسرون الصخور أمام الرب. لم يكن الرب في وسط هذا الموكب الملائكي المخيف. تبعه طغمة من الملائكة في صخبٍ ولم تكن عظمة الله وسط هذه الطغمة. بعد هذه الطغمة ظهرت ملائكة من نار ولم تكن عظمة الرب في هذه الطغمة الناريَّة. بعد هذه الطغمة الناريَّة سمع صوت ترنُّم خفيف في سكون، ولم يوجد صوت آخر يمتزج بهذا الصوت. لعلَّ هذا كلُّه يقدِّم صورة توضيحيَّة رمزيَّة عن دور عناية الله ونعمته.
الريح العاصف والزلازل والنيران كلَّها تحدث بمسرة الله لكنَّها ليست طبيعته. فإن الله روح يريد أن يتجلَّى بالأكثر خلال السكون الهدوء. فإن كان إيليَّا في غيرته صار كريحٍ عاصفٍ أو كزلزالٍ يريد أن يحطِّم الشرّ، أو كنارٍ آكلةٍ يريد أن يحرق كل رجاسة وفساد، فإن الله يدعوه الآن أن يعمل به خلال السكون الهدوء. غيرة إيليَّا مقدَّسة، ونار قلبه نحو مجد الله مباركة، لكن قد حان الوقت ليرى خلال هدوء نفسه عمل الله الخفي في الركب التي لم تنحنِ لبعل بعد. وأنَّه يقوم ليمسح ثلاثة أشخاص للعمل، ملك آرام وملك إسرائيل وتلميذه إليشع النبي، فيكون لكل منهم دوره المكمِّل للآخر في تأديب إسرائيل وخاصة بيت آخاب.
حسنة هي الغيرة المقدَّسة المتَّقدة في داخلنا، لكن يلزمنا ألاَّ نسقط في اليأس حين نرى كأن العالم كلُّه قد رفض الإيمان. يلزمنا أن نلتقي مع الرب في سكون وصمت ونسمع صوته فَيُرينا أعماله الفائقة الخفيَّة في النفوس، ويدعونا للعمل الإيجابي الخفي ليشترك الآخرون معنا في خدمة الملكوت السماوي، سواءبالعمل الإيجابي أو السلبي. في هذا اللقاء الممتع بين الله وإيليَّا نتلامس مع لقاء الكنيسة عبر الأجيال مع إلهها.
كان اللقاء في العهد القديم خلال الريح العاصف والزلازل والنيران، خلال أعمال ملموسة في الطبيعة العاديَّة. فالإنسان في طفولته الروحيَّة يحتاج إلى عمل مادي فائق ليهز أعماقه الداخليَّة. هذا ما حدث عندما قدَّم الله شريعته للشعب خلال موسى النبي على جبل سيناء.أمَّا في العهد الجديد الذي هو امتداد للعهد القديم وتكميل له فقد ظهر الرب نفسه، كلمة الله الحيّ، لا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته (مت 12: 19). قدَّم لنا روحه في العنصرة خلال الريح العاصف والزلزلة والألسنة الناريَّة لتأكيد إنَّنا ننال ما كان يشتهيه رجال العهد القديم، هذا الروح هو روح الرب الذي يدخل بنا إلى الحضرة الإلهيَّة، فيرفعنا في هدوء وسكون إلى السماء.
"وبعد الزلزلة نار،
ولم يكن الرب في النار.
وبعد النار صوت منخفض خفيف" [12].


يرى القدِّيس يوستين أن أفلاطون يعتقد بأن الله موجود في النار، وأنَّه اقتبس هذا بطريقة خاطئة من هاتين العبارتين.
يستخدم القدِّيس إيريناؤس هاتين العبارتين لتأكيد أن الله غير المنظور لنا وجهًا لوجه، إنَّما نراه خلال أعماله معنا. [لم يرَ الأنبياء بالفعل وجه الله علانيَّة، لأنَّهم رأوه خلال تدابيره وأسراره التي من خلالها يرى الإنسان الله. كما قيل لإيليَّا النبي: "اُخرج غدًا وقف في حضرة الرب واُنظر...].
ويرى القديس أغسطينوسإنَّنانرى الله خلال اخوتنا. فيقول: [لا تقدر أن ترى الله، لكن من حقَّك أن تراه بحبَّك لقريبك. وبتطلُّعك إلى مصدر ذاك الحب ترى الله قدر ما تستطيع].
رؤية الله:
يحدِّثنا العلامة أوريجينوس عن إمكانيَّة رؤية الله وكيف نتمتَّع بها.
* نُظر الله بواسطة إبراهيم أو بواسطة قدِّيسين آخرين، وذلك خلال النعمة الإلهيَّة. لم تكن عينا إبراهيم هما وحدهما علَّة الرؤية، بل الله قدم نفسه لكي يُرى بواسطة الإنسان البار، الذي تأهَّل لرؤيته.
ربَّما يوجد ملاك بجوارنا الآن ونحن نتكلَّم، لكننا لا نقدر أن نراه بسبب عدم استحقاقنا.
ربَّما تسعى العين (الجسديَّة) أو الداخليَّة لتنال هذه الرؤيا، لكن إن لم يعلن الملاك نفسه لنا نحن الذين لنا هذه الرغبة لن نقدر أن نراه.
هذه الحقيقة لا تخص رؤية الله في هذا العصر الحاضر فحسب بل وعندما نرحل من هذا العالم. لأن الله وملائكته لن يظهروا لكل البشر بعد رحيلهم مباشرة... بل توهِب هذه الرؤيا للقلب الطاهر الذي تأهَّل لرؤية الله.
الإنسان الذي تثقَّل قلبه بالخطيَّة ليس في نفس الموضع مع ذاك الذي قلبه طاهر، فالآخر يرى الله بينما الأول لا يراه.
أظنّ أن هذا حدث عندما كان المسيح هنا في الجسد على الأرض. فإنَّه ليس كل من نظره نظر الله. بيلاطس وهيرودس الوالي تطلَّعا إليه وفي نفس الوقت لم ينظراه (كإله).
لذلك فإن ثلاثة رجال جاءوا إلى إبراهيم في منتصف النهار بينما جاء اثنان إلى لوط في المساء (تك 19: 1)، إذ لم يكن لوط قادرًا أن يتقبَّل عظمة نور الظهيرة أمَّا إبراهيم فكان قادرًا على قبول كمال بهاء النور.


* رؤية الله عقليَّة وروحيَّة وليست جسديَّة... ولهذا استخدم المخلِّص بحرص الكلمة اللائقة وقال: "لا يعرف أحد الآب إلاَّ الابن" ولم يقل "يرى". مرة أخرى يقوم للذين يهبهم رؤية الله "روح المعرفة" و"روح الحكمة"، حتى أنَّهم خلال الروح نفسه يرون الله (إش 11: 2).
* العضو الذي به نعرف الله ليس عين الجسد بل عين العقل، إذ يرى بما هو على صورة الخالق، ويتقبَّل فضيلة معرفته بعناية الله.
* الآن وإن كنا نبدو متأهَّلين لرؤية الله بعقلنا وقلبنا، فإنَّنا لا نراه كما هو بل كما يصير بالنسبة لنا حيث يجلب عنايته فتحملنا.
العلامة أوريجينوس
بالحب يمكننا أن نتعرَّف على الله:
* يليق بنا أن ندرك كم من أمور يجب أن تقال عن (هذا) الحب، وكم من أمور يجب أن تقال عن الله، حيث أنَّه هو نفسه "الحب". فإنَّه كما أنَّه لا يقدر أحد أن يعرف الآب إلاَّ الابن ومن يسر الابن أن يعلن له... بنفس الطريقة لأنَّه يدعى "الحب"، فإن الروح القدس المنبثق من الآب، الذي وحده يعرف ما هو في الله، كما أن روح الإنسان يعرف ما هو في الابن (1 كو 2: 11)، هنا فإن الباراقليط روح الحق المنبثق من الآب (يو 26: 15) هو يتجوَّل ويبحث عن النفوس المتأهِّلة والقادرة على قبول عظمة حبُّه، أي عظمة الله، إذ يشتهي أن يعلن ذلك لهم.
العلامة أوريجينوس
"فلمَّا سمع إيليَّا لفَ وجهه بردائه،
وخرج ووقف في باب المغارة،
وإذا بصوت إليه يقول:
ما لك ههنا يا إيليَّا" [13].
لفَّ إيليَّا وجهه بردائه كمن هو خائف أن يتطلَّع على مجد الله، إذ لا تحتمل عيناه رؤية بهائه. فإن السمائيِّين يغطُّون وجوههم أمام الله من أجل بهاء مجده (إش 6: 2). ولعلَّ إيليَّا شعر بالخجل أن يتطلَّع إلى الله لأنَّه لمس قدرته وأعماله الفائقة ومع هذا خشي من فشله في الخدمة.
لم يغطِّ إيليَّا وجهه عندما هبّ ريح عاصف شديد، ولا عندما حدثت زلزلة إذ ظهرت نار، لكن وسط الهدوء الشديد إذ سمع صوت منخفض خفيف لم يحتمل رقَّة الله وحبُّه وحنانه، إذ خجل من معاملاته معه.
موسى النبي أيضًا أخفي وجهه ولم يجسر أن يتطلَّع نحو الله (خر 3: 6).
كان تغطيِّة الوجه علامة الوقار والاحترام، كما يرفع الأوربِّي قبَّعته عن رأسه احترامًا لمن يلتقي به.
كرَّر الرب السؤال: مالك ههنا يا إيليَّا؟" وقدَّم إيليَّا ذات الإجابة، مشتكيًا إسرائيل لارتداده عن الله وتحطيمه للإيمان. كان ردّ الفعل الإلهي هو العمل! دعاه أن يرجعويعمل، حيث يمسح حزائيل ملكًا على آرام، وياهو ملكًا على إسرائيل، وإليشع نبيًا عوضًا عنه. وكأن الله يقول له: لماذا حلَّ بك اليأس؟ هل لأني لم أعاقب الأشرار؟
"فقال: غِرْت غيرة للرب إله الجنود،
لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك،
ونقضوا مذابحك،
وقتلوا أنبياءك بالسيف،
فبقيْتُ أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي ليأخذوها" [14].
* يعرف الخادم كلمة الله فقط عندما يعرف أولئك الذين تعمل كلمة الله فيهم. فيكون في منفى من العالم، هاربًا من الجسد، هاربًا من الأهواء، حارمًا نفسه من كل بشرٍ ليبقى وحده. وكما يقول إيليَّا النبي: "بقيْتُ أنا وحدي". لكنَّه لم يكن وحده، لأن المسيح كان معه. بل المسيح نفسه بقيَ وحده إذ يقول: "وأنا لست وحدي، لأن الآب معي" (يو 16: 22).
القديس أمبروسيوس
إن كان إيليَّا قد تمرَّرت نفسه بسبب الشرّ الذي لصق بإسرائيل فإن الله مُرسل من يؤدِّب إسرائيل من الخارج (سوريا) ومن الداخل (ياهو)، ومن يكمِّل رسالة النبي (إليشع النبي).
4. مسح حزائيل وياهو ملكين:

15 فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ رَاجِعًا فِي طَرِيقِكَ إِلَى بَرِّيَّةِ دِمِشْقَ، وَادْخُلْ وَامْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكًا عَلَى أَرَامَ، 16 وَامْسَحْ يَاهُوَ بْنَ نِمْشِي مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا عِوَضًا عَنْكَ. 17 فَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ حَزَائِيلَ يَقْتُلُهُ يَاهُو، وَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ يَاهُو يَقْتُلُهُ أَلِيشَعُ. 18 وَقَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ».

"فقال له الرب: اذهب راجعًا في طريقك إلى بريَّة دمشق.
وادخل وامسح حزائيل ملكًا على آرام" [15].
طلب منه أن يذهب إلى بريَّة دمشق، فلا يأخذ طريقًا يسير فيه الكثير من الناس حتى لا يلتقي بإيزابل أو أحد أعوانها المقاومين له.
برِّيَّة دمشق: ربَّما شمال مدينة النبي، بين باشان ودمشق، عُرفت قديمًا باسم Iturea أو Gaulanitius.
مسح حزائيل ملكًا على آرام: كأنَّه يقول له: إن كان الشعب لم يتعلَّم من التأديب بالمجاعة والقحط خلال الثلاث سنوات ونصف، فإنِّي أمسح حزائيل على سوريا ليؤدِّب بسفك الدماء (2 مل 8: 12، 18) لعلَّهم يتركون عبادة الأوثان.
"وامسح ياهو بن نمشي ملكًا على إسرائيل.
وامسح إليشع بن شافاط من آبل محولة نبيًا عوض عنك" [16].
مسح ياهو ملكا على إسرائيل (2 مل 9) هذا الذي قتل يورام عند كرم نابوت اليزرعيلي، وإيزابل الملكة الشرِّيرة حيث أكلت الكلاب جثَّتها.
مسح إليشع نبيًا يكمل رسالة أبيه إيليَّا. لم نسمع قبل ذلك عن مسح النبي (قارن 1 أي 16: 22 بمزمور 105: 15). بلا شك استراح قلب إيليَّا حين دعاه الرب ليمسح إليشع نبيًا عوضًا عنه. فالخادم الحيّ يفرح ويسرّ بامتداد الخدمة بعد خروجه من العالم.
إليشع بن شافاط في الواقع هو حفيد شافاط، لكنَّه يبدو أنَّه كان معروفًا بابن شافاط (2 مل 9: 20، 2 أي 22: 7)، ربَّما لأن والده مات وهو صغير، وقام جدُّه بتربيته.
آبل محولة معناه "مرج الرقص"، وهي في الجزء الشمالي من وادي الأردن.
لم يحدِّد الله له موعد مسح الأشخاص الثلاثة، بل تركه يتمَّم ذلك في الوقت المناسب.
"فالذي ينجو من سيف حزائيل يقتله ياهو،
والذي ينجو من سيف ياهو يقتله إليشع" [17].
"الذي ينجو من سيف ياهو يقتله إليشع" وذلك بسيف كلمة الرب الذي هو أحدْ من سيف ذي حدين (إر 1: 10؛ 18: 7).
كان يليق بإيليَّا النبي صاحب القلب الناري ألاَّ يتعجَّل الثمر، ولا يطلب سرعة معاقبة المرتدِّين، فإنَّه في الوقت المناسب وبأشخاص مناسبين يقتل الرب بنسمة فمه الأشرار (إش 11: 4؛ 2 تس 2: 8؛ هو 6: 5).
"وقد أبقيت في إسرائيل سبعة آلاف كل الركب التي لم تجْثُ للبعل،
وكل فم لم يقبله" [18].
الإجابة العمليَّة أيضًا، مع مسح الثلاثة أشخاص السابق ذكرهم كشف له الرب عن نجاح إيليَّا غير المنظور، إذ أعلن له عن وجود سبعة آلاف ركبة لم تجثُ للبعل، ولم يقبلوا بالفم.
كان تقبيل الأوثان بالفم عادة منتشرة (أي 31: 27؛ هو 13: 2). ذكر القديس إكليمنضس الإسكندري في كتابه السابع من المتفرِّقات Stromata وصفًا مطوَّلًا عن الطرق التي كانت تمارس بها القُبلة للأوثان.
في حوار القدِّيس يوستين مع اليهودي تريفو يستخدم هذه العبارة قائلًا: [كما إن الله لم ينفث غضبه من أجل هؤلاء السبعة آلاف رجل، هكذا لا يصدر حكمًا ولا يحقِّقه، إذ يعلم أنَّه في كل يوم يصير البعض (منكم) تلاميذ لاسم المسيح، تاركين طريق الخطأ، متقبِّلين المواهب كلٌ حسب استحقاقه، مستنيرين باسم المسيح. يتقبَّل واحد روح الفهم، وآخر روح المشورة، وآخر روح القوَّة، وآخر روح الشفاء، وآخر روح النبوَّة، وآخر روح التعليم، وآخر مخافة الرب].


استخدم الرسول بولس هذه العبارة لتأكيد وجود بقيَّة مقدَّسة للرب وسط اليهود حين رفض اليهود السيِّد المسيح وإنجيله (رو 11: 4). في كل جيل توجد بقيَّة باقية مقدَّسة للرب مثل هؤلاء السبعة آلاف الذين لم يحنوا ركبة لبعل ولا قبَّلوه بفمهم:
أ. يقول "أبقيتُ"، فهذه البقيَّة هي من عمل يدي الله الذي يبقي لنفسه قلَّة مقدَّسة مختارة، تكرِّس كل حياتها وطاقاتها لحساب ملكوته.
ب. ليس هناك وجه مقارنة بين 7000 شخصًا وألوف ألوف من الشعب سقطوا في عبادة الأوثان، لكن الله يعرفهم بأسمائهم ويعتز بهم، ويختمهم بختمه المقدَّس (رؤ 4: 7).
ج. هذه البقيَّة المؤمنة والأمينة مخفيَّة لا يعرفها سوى الله (مز 83: 3). الكنيسة المنظورة كالجُرن يرى الناس التِبن بينما تختفي الحنطة بين التبن، وسيأتي اليوم الذي فيه يُظهِر الله مؤمنيه. ليس في قدرتنا أن نميِّز الآن بين الأحياء من هم بالحق مقدَّسون للرب من بين المؤمنين.
* عندما كان 7000 إنسانَّا مقدَّسًا فقط في إسرائيل لم يحنوا ركبة لبعلٍ، إيليَّا وحده من بينهم وتلميذه إليشع كان يصنعان عجائب. لكن أحدًا منهما لم يحتقر عوبديا الذي كان يخاف الله لأنَّه لم يصنع آية واحدة.
الدسقوليَّة
5. تلمذة إليشع له:

19 فَذَهَبَ مِنْ هُنَاكَ وَوَجَدَ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ يَحْرُثُ، وَاثْنَا عَشَرَ فَدَّانَ بَقَرٍ قُدَّامَهُ، وَهُوَ مَعَ الثَّانِي عَشَرَ. فَمَرَّ إِيلِيَّا بِهِ وَطَرَحَ رِدَاءَهُ عَلَيْهِ. 20 فَتَرَكَ الْبَقَرَ وَرَكَضَ وَرَاءَ إِيلِيَّا وَقَالَ: «دَعْنِي أُقَبِّلْ أَبِي وَأُمِّي وَأَسِيرَ وَرَاءَكَ». فَقَالَ لَهُ: «اذْهَبْ رَاجِعًا، لأَنِّي مَاذَا فَعَلْتُ لَكَ؟» 21 فَرَجَعَ مِنْ وَرَائِهِ وَأَخَذَ فَدَّانَ بَقَرٍ وَذَبَحَهُمَا، وَسَلَقَ اللَّحْمَ بِأَدَوَاتِ الْبَقَرِ وَأَعْطَى الشَّعْبَ فَأَكَلُوا. ثُمَّ قَامَ وَمَضَى وَرَاءَ إِيلِيَّا وَكَانَ يَخْدِمُهُ.

"فذهب من هناك،
ووجد إليشع بن شافاط يحرث واثنا عشر فدَّان بقر قدَّامه وهو مع الثاني عشر،
فمرَّ إيليَّا به وطرح رداءه عليه" [19].


كانت الأرض الزراعية تقاس قديمًا بعدد المحاريث التي تستخدم لحرثها. كان إليشع غنيًا لأنَّه كان يملك اثني عشر محراث، وكان هو يحرث بالمحراث الثاني عشر في أرضه. الحرث بزوج من البقر لكل محراث عادة كانت قائمة في مصر وأشور وفلسطين، ولا تزال تستخدم إلى وقت قريب في قرى مصر، وفي غرب آسيا. فبقبوله الفوري للعمل النبوي يعلن إليشع تركه لغناه وممتلكاته.
فمرَّ إيليَّا به، تعني أنَّه عبر نهر الأردن وجاء إليه. لم يشعر إيليَّا بالغيرة من إليشع أنَّه يحتل مركزه،بل بفرحٍ ذهب ليمسحه. ربَّما كانت له معرفة سابقة به، ويعلم أين يجده، لذلك ذهب للحال لكي يلتقي به.
لم يدخل معه في حوار، ولا قدَّم له برنامج أو خطَّة للخدمة، لكنَّه إذ أعطاه الله سؤل قلبه وتأكَّد أن إليشع مختار من الله دعاه للخدمة الفوريَّة.
طرحْ الرداء عليه يحمل معنى الصداقة القويَّة، فقد حسبه واحدًا معه كجسدٍ واحدٍ يرتدي ذات الرداء. كما أن إلقاء الرداء على الآخر يحمل مفهوم التكريم له كما فعل موسى النبي مع يشوع بن نون (عد 27: 20). إلقاء رداء النبي عليه يشير إلى استلام روح النبوَّة، إذ صار له ثوب النبي، وقوَّته وسلطانه.
طرحْ الرداء عليه يعني أيضًا تقديم الروح الأبوي له، فالأب يقوم عادة بمساعدة أطفاله في ارتداء ملابسهم، وكأن إيليَّا النبي يعلن أبوته الحانيَّة لابنه إليشع.
إلى يومنا هذا يقوم الأسقف القبطي والكهنة القدامى بمساعدة المسام شماسًا أو كاهنًا في ارتداء ملابسه الكهنوتية بعد سيامته مباشرة، ليحمل ذلك معنى قبول الحياة الكهنوتية وأبوَّة الأسقف للكاهن أو الشماس.
يمارس بعض الكهنة الأقباط ذات العمل بعد عماد الطفل ومسحه بالميرون ليعلن عن أبوَّته له، وعن قبول المُعمَّد حديثًا الميلاد الجديد والكهنوت العام والحُلة الملوكيَّة.
"فترك البقر وركض وراء إيليَّا وقال:
دعني أُقبِّل أبي وأمِّي وأسير وراءك.


فقال له: اذهب راجعًا، لأنِّي ماذا فعلت لك" [20].
انسحب إليشع من عمله اليومي (البقر) كما انسحب حتى من تقبيل والديه ليسير وراء النبي.
كان توديع الوالدين في الشرق يستغرق أحيانًا أيَّامًا وأسابيع. لهذا لم يرد إيليَّا هذا التأجيل إذ قال له: "اذهب راجعًا، ماذا فعلت لك؟" كأنَّه يقول له: [لم أدعك للعمل النبوي، بل الله هو الذي دعاك فلماذا تؤجِّل البدء في العمل؟ لترجع إن أردت لا لتودع والديك فحسب بل وتبقى مع أصدقائك أرضك].
ولعلَّه قال هذا لكي يؤكِّد أن الدعوة ليست إلزاميَّة، فالله لا يُكرِه أحدًا على خدمته. ليرجع ويختار بكامل حرِّيَّة إرادته الطريق الذي يبتغيه.
تركه إيليَّا في الحال لكي يختار إليشع طريقه دون أن يعطِّل عمل أبيه، فإنَّه ليس هناك وقت للحوار.
* ربَّما يشعر البعض بالدفء الآن وتتحرَّك فيهم الرغبة نحو هذه الحياة الصالحة. ولكن ما المنفعة إن كنتم وأنتم هنا فقط تكون لكم هذه النار، ولكن إذ تتركون الموضع تنطفئ النار وتخمد هذه الرغبة. فكيف لا يحدث هذا؟ إذ تلتهب فيكم هذه الرغبة انطلقوا في طريقكم إلى الملائكة يلهبونها بالأكثر. فإن ما نقدِّمه لكم ليس كافيًا ليلهب النار فيكم مثلما ترون بأنفسكم الأمور. لا تقل سأتحدَّث مع زوجتي وأدبِّر أموري أولًا. فإن هذا التأخير هو بداية التهاون. اسمع كيف اِشتهي شخص أن يودِّع بيته فلم يسمح له النبي. ولماذا أقول "يودِّع"؟ لقد طلب التلميذ أن يدفن أباه (مت 6: 21-22) ولم يسمح له المسيح حتى بهذا. أي شيء يبدو لك أكثر أهميَّة من دفن الأب؟ ولكنَّه لم يسمح حتى بهذا. لماذا يحدث هذا؟ لأن الشيطان يقترب بعنفٍ شديدٍ، مشتاقًا أن يجد مدخلًا سرِّيًا. وإن كان هذا الأمر هو عائق بسيط للتأجيل فإنَّه يستخدمه لبثّ إهمال عظيم. لهذا ينصحنا أحدهم: "لا تؤجِّل من يوم إلى يوم" (ابن سيراخ 5: 7).
* هكذا تتطلَّب منَّا الطاعة للمسيح، ألاَّ نؤجِّل لحظة من الزمن، حتى وإن بدا الأمر غاية في الضرورة يضغط علينا بكل قوَّة.
القديس يوحنا ذهبي الفم
"فرجع من ورائه وأخذ فدَّان بقر وذبحهما وسلق اللحم بأدوات البقر،
وأعطى الشعب فأكلوا،
ثم قام ومضى وراء إيليَّا، وكان يخدمه" [21].
رجع إليشع ورائه لا ليفكِّر في قبول الدعوة أو رفضها ولا في اختيار الوقت للبدء في العمل، بل للحال ذبح كل الثيران التي للمحاريث الخشبية واستخدم المحاريث حطبًا وقدَّم طعامًا للشعب.
لنقف هنا عند والدي إليشع الغنيِّين، فإنَّهما لم يقفا عائقًا أمام ابنهما في ترك كل ما لديه ليخدم الرب. لقد ذبح أفضل الثيران وحرق المحاريث، وقدَّم طعامًا للشعب، ولم يحسبا ذلك خسارة.
* لا يريد الرب منَّا أن نترك كل مصالحنا دفعة واحدة بل نسلِّمها قليلًا قليلًا ما لم يكن أمرنا كإليشع الذي ذبح ثوره وأطعم الشعب بما لديه، حتى لا يعود ينشغل بشيءٍ ممَّا لديه، بل يترك كل شيء ويكرِّس نفسه للتعليم النبوي.
القديس أمبروسيوس
يتحدَّث القديس أمبروسيوس عن العمل المشترك بين الخدام الشيوخ والشبان، لكل منهم دوره المكمَِّل للآخر.
* ما أجمل الوحدة بين الشيخ والشاب. واحد يشهد والآخر يعطي راحة، واحد يقود والآخر يعطي سرورًا... ماذا عن إيليَّا وإليشع؟ مع أن الكتاب لم يتكلَّم كثيرًا عن إليشع أنَّه كان شابًا، ألا يمكن أن نفهم منه أنَّه كان الأصغر. في أعمال الرسل أخذ برنابا مرقس معه، وبولس سيلا (أع 15: 39-40) وتيموثاوس (أع 16: 3) وتيطس (تي 1: 5).
نرى أيضًا تقسيم الواجبات بينهم... فالشيوخ يقودون مقدَّمين المشورة، والشبَّان يظهرون حيويَّة عملٍ. غالبًا كلهم متشابهون في الفضيلة، ولكنَّهم ليسوا في السنوات. يبتهجون في وحدتهم، كما كان بطرس ويوحنا. نقرأ في الإنجيل أن يوحنا كان شابًا، بشهادة كلماته نفسها، ومع هذا لم ينقص عن الشيوخ في الاستحقاقات والحكمة. يحمل سمات ناضجة وقورة وتعقُّلًا في ذهنه.
القديس أمبروسيوس
تمَّت هنا ثلاثة لقاءات لإيليَّا مع السمائيِّين.
اللقاء الأول مع ملاك مسَّه وطلب منه أن يقوم ويأكل.
اللقاء الثاني عاد الملاك فمسَّه وطلب منه أن يقوم ويأكل ليسير بقوَّة هذه الأكلة أربعين نهارًا وأربعين ليلة، حتى يبلغ جبل سيناء (حوريب) ويدخل المغارة، ربَّما التي دخل فيها موسى النبي.
اللقاء الثالث مع إله الملائكة نفسه حيث تمَّ الحوار بينهما في وسط صوت خفيف هادئ.
يرى العلامة ترتليان أنَّه في هذا اللقاء رأى إيليَّا أن الله هو طول الأناة، جالسًا على العرش. يقول: [لأن طول الأناة يجلس على عرش الروح الهاديء اللطيف هذا الذي لم يُوجد في وسط أصوات الريح العاصف، ولا في ألوان السحاب الغامقة، وإنَّما في الهدوء الشديد الواضح والبسيط، هذا الذي رآه إيليَّا في اللقاء الثالث... عندما ينزل روح الله يصاحبه الصبر (طول الأناة) بطريقة غير منظورة].
من وحي 1 ملوك 19

لأراك على جبل حوريب!


* عند سفح الجبل عسكر الشعب،
فرأوا الجبل يحترق والدخَّان يملأ السماء.
الصخور تزلزلت، والريح العاصف مملوء رهبة ورعبًا.
أما موسى فكان على الجبل يتسلَّم من يديك شريعتك.
كانت قلوب الشعب تهتزّ مضطربة جدًا،
وكان قلب موسى يهتزّ طربًا، إذ التقى بخالقه المحبوب.
* على ذات الجبل التقى بك إيليَّا النبي.
حدث ريح عاصف وزلزلة ونار،
لكن وسط الصوت الهادئ الخفيف تمتَّع بالحوار معك.
نسى إيليَّا مقاومة إيزابل له،
زال اليأس من قلبه، وأدرك القلَّة القليلة المقدَّسة لك.
لقاؤه معك ملأ قلبه رجاءً.
فتح أبواب السماء أمام عينيه.
* نزلتَ يا إلهي إلى أرضي.
وُلدت في مزود حتى أتمتَّع برؤياك.
لا أعود اسمع صوت ريح عاصف.
ولا ارتبك من زلزلة،
ولا أخشى نارًا،
فإن إله الطبيعة جاء إليَّ لا يصيح ولا يسمع أحد صوته.
لأراك في داخلي وأتمتَّع برؤياك.
أدخل معك في حوار حبٍ لا ينقطع.
أنسى وادي الدموع،
ولا أخشى الأحداث.
أتمتَّع بك يا شهوة قلبي.


 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 08:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024