رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
رؤيا سليمان الثانية: 1 وَكَانَ لَمَّا أَكْمَلَ سُلَيْمَانُ بِنَاءَ بَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ الْمَلِكِ وَكُلَّ مَرْغُوبِ سُلَيْمَانَ الَّذِي سُرَّ أَنْ يَعْمَلَ، 2 أَنَّ الرَّبَّ تَرَاءَى لِسُلَيْمَانَ ثَانِيَةً كَمَا تَرَاءَى لَهُ فِي جِبْعُونَ. 3 وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ وَتَضَرُّعَكَ الَّذِي تَضَرَّعْتَ بِهِ أَمَامِي. قَدَّسْتُ هذَا الْبَيْتَ الَّذِي بَنَيْتَهُ لأَجْلِ وَضْعِ اسْمِي فِيهِ إِلَى الأَبَدِ، وَتَكُونُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي هُنَاكَ كُلَّ الأَيَّامِ. 4 وَأَنْتَ إِنْ سَلَكْتَ أَمَامِي كَمَا سَلَكَ دَاوُدُ أَبُوكَ بِسَلاَمَةِ قَلْبٍ وَاسْتِقَامَةٍ، وَعَمِلْتَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُكَ وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، 5 فَإِنِّي أُقِيمُ كُرْسِيَّ مُلْكِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ كَمَا كَلَّمْتُ دَاوُدَ أَبَاكَ قَائِلًا: لاَ يُعْدَمُ لَكَ رَجُلٌ عَنْ كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ. 6 إِنْ كُنْتُمْ تَنْقَلِبُونَ أَنْتُمْ أَوْ أَبْنَاؤُكُمْ مِنْ وَرَائِي، وَلاَ تَحْفَظُونَ وَصَايَايَ، فَرَائِضِيَ الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَكُمْ، بَلْ تَذْهَبُونَ وَتَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى وَتَسْجُدُونَ لَهَا، 7 فَإِنِّي أَقْطَعُ إِسْرَائِيلَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا، وَالْبَيْتُ الَّذِي قَدَّسْتُهُ لاسْمِي أَنْفِيهِ مِنْ أَمَامِي، وَيَكُونُ إِسْرَائِيلُ مَثَلًا وَهُزْأَةً فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ، 8 وَهذَا الْبَيْتُ يَكُونُ عِبْرَةً. كُلُّ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ يَتَعَجَّبُ وَيَصْفُرُ، وَيَقُولُونَ: لِمَاذَا عَمِلَ الرَّبُّ هكَذَا لِهذِهِ الأَرْضِ وَلِهذَا الْبَيْتِ؟ 9 فَيَقُولُونَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ إِلهَهُمُ الَّذِي أَخْرَجَ آبَاءَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَتَمَسَّكُوا بِآلِهَةٍ أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا وَعَبَدُوهَا، لِذلِكَ جَلَبَ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ كُلَّ هذَا الشَّرِّ». "وكان لما أكمل سليمان بناء بيت الرب وبيت الملك وكل مرغوب سليمان الذي سرّ أن يعمل. إن الرب تراءى لسليمان ثانية كما تراءى له في جبعون. وقال له الرب: قد سمعت صلاتك وتضرُّعك الذي تضرَّعت به أمامي. قدَّست هذا البيت الذي بنيته لأجل وضع اسمي فيه إلى الأبد. وتكون عيناي وقلبي هناك كل الأيَّام" [1-3]. بنى سليمان الهيكل، مكرَّسا كل الطاقات والمواهب الممكنة سواء من إسرائيل أو من الأمم لبنائه، وقدم صلوات وبارك الشعب والشعب باركه، وعيّد هو وكل الشعب. إلى هنا توقَّف عمل سليمان. أمَّا من يقدِّس البيت فهو الله نفسه الذي بحبُّه يتقبَّل هذه العطيَّة، فيتراءى له ثانية كما تراءى له عندما استلم الحكم. أعلن الله حضرته في البيت بوضع اسمه فيه. ويكشف عن حقيقة هامة وهي أن تكون عيناه وقلبه فيه. هكذا لا نستطيع بأنفسنا أن نتقدَّس بل الله هو الذي يقدِّسنا هياكل مقدَّسة له، معلنًا سكناه في داخلنا، وأن عينيه وقلبه متجهة نحو أعماقنا، يسكب كل حبه فينا، ويهتم حتى بعدد شعر رؤوسنا. نصير بكليَّتنا مكرِّسين له! شهوة قلب كل مؤمن وكل لاهوتي حقيقي أن يكون من بين المختارين الذين يتمتَّعون برؤية الله في الحياة الأبديَّة. هذا ما يعلنه القدِّيس يوحنا الرسول: "لأنَّنا سنراهُ كما هو" (1 يو 3: 2). غير أنَّه في ذات الرسالة يقول: "الله لم ينظرهُ أحد قط" (1 يو 4: 12). ويؤكِّد الرسول بولس: "ساكنًا في نورٍ لا يُدنَى منهُ الذي لم يَرَهُ أحد من الناس ولا يقدر أن يراهُ" (1 تي 6: 16). بينما يؤكِّد الكتاب المقدَّس بعهديه عدم إمكانيَّة الإنسان لرؤية الجوهر الإلهي تمتَّع إشعياء النبي بالحضرة الإلهيَّة (إش 63: 9)، وصارع يعقوب مع الله (تك 32: 24-30)، وتحدَّث معه موسى وجهًا لوجه فأضاء وجهه من بهاء مجد الله (خر 33: 11؛ تث 34: 10). ويطلب المرتل من الله أن يشرق بنور وجهه عليه (مز 4: 6؛ 31: 16 إلخ)، وفي العهد الجديد (رو 1: 19-20؛ 1 كو 2: 8-3؛ 13: 12؛ 1 يو 3: 1-2). في المنتصف الثاني من القرن الثاني بعث الأب ثاؤفيلس الأنطاكي إلى صديقه الوثني أوتوليكسAutolyctus ثلاثة كتب يدافع فيها عن المسيحيَّة، وقد سجَّل لنا في الفصول السبع الأولى من الكتاب الأول عن إمكانيَّة رؤية الله، إذ سأله صديقه: أرني الله؟ لقد حدَّثه عن الإعلان الأخروي حيث يستطيع الإنسان لأن يرى الله الذي له وحده عدم الموت، إذ يحمل الإنسان عدم الفساد في جسده كما في نفسه. هذه الرؤية الأخرويَّة يلزم التمهيد لها برؤية إيمانيَّة ينعم بها الإنسان في هذه الحياة الحاضرة حين يحمل نقاوة داخليَّة، خلالها يرى ببصيرته الداخليَّة الأمور التي لا تُرى. [إن قلت "أرني إلهك"، أجيبك "أرني أنت إنسانك، وأنا أريك إلهي". أعطني البرهان على أن عينيّ نفسك تستطيعان أن تنظرا، وأذنيّ قلبك أن يسمعا... فإن الله ينظره القادرون على رؤيته، الذين لهم عيون أنفسهم مفتوحة... يا إنسان، إن عينيّ نفسك قد انطمستا بخطاياك وشرورك]. ماذا يرى الإنسان خلال "الرؤية الإيمانيَّة الحاضرة"؟ أنَّه لا يرى تأمُّلات عقليَّة، ولا يتوقَّع رؤى منظورة... لكن في رأي الأب ثاؤفيلس- يرى الله خلال أعمال محبَّته وعنايته وتدبيره للخليقة كلها، بل للإنسان ذاته. بمعنى آخر، لا يلتقي المؤمن مع الله ليتعرَّف على جوهر الله، ولا ليشبع فكره بلاهوتيَّات نظريَّة وفلسفيَّة، إنَّما يلتقي معه لقاءًا شخصيًا... يدخل في "خبرة شخصيَّة مع الثالوث القدُّوس"... [تقول لي لا يا من ترى الله، هل تظهر لي ما هي هيئة الله؟ اسمع يا إنسان. هيئة الله لا يُنطق بها، ولا يُمكن شرحها، إذ لا تراها الأعين الجسديَّة. أنَّه في المجد غير مُدرك، في العظمة لا، في العلو لا يُدرك، في القوَّة لا يُقارن، في الحكمة منقطع النظير، في الصلاح لا يُضاهى، في الحنوّ لا ينطق به. عندما أقول عنه أنَّه "نور"، أنعت عمله؛ إن دعوته "الكلمة"، أدعو سلطته؛ إن دعوته "عقلًا"، أتحدَّث عن حكمته؛ إن قلت أنَّه "روح"، أتحدَّث عن نسمته؛ إن دعوته "العناية"، أشير إلى صلاحه؛ إن دعوته "الملكوت"، أشير إلى مجده؛ إن دعوته "الرب"، أشير إليه كديَّان؛ إن دعوته "الديَّان"، أشير إليه كعادل؛ إن دعوته "أب"، أتحدَّث عنه كمصدر كل شيء؛ إن دعوته "نارًا"، أشير إلى غضبه...]. "وأنت إن سلكت أمامي كما سلك داود أبوك بسلامة قلب واستقامة، وعملت حسب كل ما أوصيتك، وحفظتَ فرائضي وأحكامي. فإنِّي أُقيم كرسي ملكك عن إسرائيل إلى الأبد كما كلمت داود أباك قائلًا: لا يُعدم لك رجل عن كرسي إسرائيل. إن كنتم تنقلبون أنتم أو أبناؤكم من ورائي ولا تحفظون وصاياي فرائضي التي جعلتها أمامكم. بل تذهبون وتعبدون آلهة أخرى وتسجدون لها. فإنِّي اقطع إسرائيل عن وجه الأرض التي أعطيتهم إيَّاه، والبيت الذي قدَّسته لاسمي أنفيه من أمامي، ويكون إسرائيل مثلًا وهزأة في جميع الشعوب. وهذا البيت يكون عبرة، كل من يمرّ عليه يتعجَّب ويُصفِّر، ويقولون: لماذا عمل الرب هكذا لهذه الأرض ولهذا البيت؟" [4-8]. يحذِّرهم الله من الارتداد عنه بإنكار الإيمان أو بعدم الطاعة لوصيَّته. فإن عدم الخضوع لوصيَّته هو إلحاد عملي. وجاءت العقوبة مضاعفة: أولًا: يقطع الشعب عن وجه الأرض التي وهبهم إيَّاها، فإن كان الله قد وهبهم الله هذه الأرض إنَّما كرمزٍ لكنعان السماويَّة التي لا يليق أن يسكنها أحد نجس أو يوجد فيها شيء دنس. هكذا قطع الشعب أو طرده من أرض الموعد هو عمل طبيعي للأرض المقدَّسة التي لا تقبل فيها من لا يحفظ قدسيَّتها بعمل روح الله فيه. ربَّنا بحبُّه دعانا لكي ندخل إلى الأرض المقدَّسة، كنيسته التي هو جسده المقدَّس. من لا يتجاوب مع عمل روحه القدُّوس يطرد نفسه من الكنيسة، حتى وإن نال مركزًا قياديًا. لهذا يقول العلامة أوريجينوس: [إنَّه يوجد كثيرون داخل الكنيسة، لكنَّهم هم خارجها!]. ثانيًا: ينفي من أمامه بيته الذي قدَّسه لاسمه. فإن القدُّوس يشتهي أن يتمتَّع شعبه بالقداسة ليشاركوه سِمَته. وهو يقبل البيت الذي بنوه له كمقدس له. فإن فقد البيت غايته ألا وهو تقديس شعب الله، فإن الله ينزعه من أمامه. إن ما يشغل فكر الله هو "الشعب المقدَّس" ليعيش في أرض مقدَّسة، ويمارسوا العبادة في بيت مقدَّس. هذا البيت الذي يُعتبر مثلًا رائعًا في المجد، وهو مُقام على قمَّة عالية يشهد بجماله وبهائه عن حضرة الله وسط شعبه، الآن إذ يرفض الشعب الحضرة الإلهيَّة يصير "مثلًا وهزأة في جميع الشعوب". كان في القمَّة في المجد، الآن يصير في القمَّة في سخريَّة الشعوب به! هذا ما يسمح الله به لبيته متى أصر المتعبِّدون على الرجاسة. وقد تم ذلك بالفعل في أيَّام حزقيا (2 أي 29؛ مي 6: 16). كما أنذر إرميا النبي بهذا (إر 18: 16؛ 19: 8). تم خراب الهيكل عام 586/585 ق.م. على أيدي البابليِّين. وعندما أُعيد بنائه في أيَّام زربابل، وأيضًا في أيَّام هيرودس لم يعد إلى مجده الأول. رابعًا: يقول" كل ما أوصيتك". في مثابرتنا لحفظ الوصايا باستقامة قلب نقبل ناموس المسيح كله، فلا نعرف أنصاف الحلول. نقبل الحياة الجديدة فيه بناموسها السماوي الروحي، نتفهَّم أسرار العهدين القديم والجديد وشرائعهما، لا على مستوى الحرف القاتل، وإنَّما على مستوى الروح الذي يبني. بهذا نقول: "حينئذ لا أخزى إذا ما تطلَّعت على جميع وصاياك" (مز 119: 6). * مادمنا نقول أن الأنبياء هم الطرق، فعندما نقرأ الشرائع والنواميس والأنبياء نكون قد سلكنا باستقامة في الطريق بالرب، فنفهم طرقه وندركها، حينئذ لا نخزى أبدًا، إذ تصير هي طرقنا فنحفظ جميع وصايا الله. العلامة أوريجينوس * من يحفظ وصيَّة ويترك غيرها يكون قد غدر بجميع الوصايا، إذ يهين الله الذي أوصى بها وربطها بعضها ببعض. فإن الذي قال لا تزنِ قال أيضًا لا تسرق، فإن سرقت تصير مدينًا للشريعة كلَّها، ولكن من يحرص على جميع الوصايا لا يخزى في يوم الدينونة الرهيبة. أنثيموس أسقف أورشليم إن كان العصيان للوصيَّة قد دفع بأبوينا إلى الخزي، إذ يقول آدم: "سمعت صوتك في الجنَّة فخشيت لأنِّي عريان فاختبأت" (تك 3: 10)، فإن طاعة السيِّد المسيح على الصليب قد نزعت عن المؤمنين اللعنة وأزالت الخزي وفتحت أبواب الفردوس حتى للص التائب! من يعصى الوصيَّة يدخل إلى العار والخزي، ومن يبغي الطاعة الكاملة لا الجزئيَّة للوصايا يجني ثمر المجد، ويرتدي ثوب العرس، ويترنَّم بفرح قائلًا: "حينئذ لا أخزى إذا ما تطلَّعت على جميع وصاياك". فالوصيَّة هي ارتباط بالكلمة الإلهي الذي يهبه بهاءً ومجدًا أمام الآب وملائكته وقدِّيسيه، ويهبه مهابة وسلطانًا ليدوس الحيَّات والعقارب وكل قوَّة العدوّ. "فيقولون من أجل أنَّهم تركوا الرب إلههم الذي أخرج آباءهم من أرض مصر، وتمسَّكوا بآلهة أخرى وسجدوا لها وعبدوها، لذلك جلب الرب عليهم كل هذا الشرّ" [9]. يرى لاكتانتيوس في هذا الحديث الإلهي نبوَّة عن خراب الهيكل. كما يقول أيضًا: [حدثت هذه الأمور بواسطة الله بسبب صلب المسيح، إذ سبق أن أعلن هذا لسليمان في الكتب المقدَّسة... فأيّ (دمارٍ) لا يستحقَّه هؤلاء الذين قتلوا ربّهم الذي جاء لخلاصهم؟]. |
|