رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مقال لقداسة البابا تواضروس في مجلة الكرازة أعظم كيان يعيش على الأرض ما بين 7-8 مليار نسمة، يعيشون في دول تشكل خريطة الكرة الأرضية، بعدد يقترب من 200 دولة بحسب إحصائيات الأمم المتحدة. وهؤلاء البشر في كل دولة يعيشون ويرتبطون بكيانات عديدة سواء تعليمية أو صحية أو اجتماعية أو صناعية أو زراعية أو اقتصادية أو علمية أو دينية.. إلخ. وهذه الكيانات تشكل المصانع والمزارع والجامعات والنقابات والأحزاب والأندية والمؤسسات الدينية وغير ذلك الكثير والكثير. ولكن ما هو أعظم كيان على الأرض؟ أو ما هو أهم كيان بين هذه الكيانات؟ وبعد البحث والفحص ستكون الإجابة إنه كيان الأسرة ذلك الكيان الذي أسسه الله بنفسه حين خلق الإنسان الأول آدم ثم خلق معينته نظيره حواء كما يقرر سفر التكوين: “فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ…” (تكوين 1: 27 و28). وتأسس سر الزواج المقدس الذي به يكون الاثنان واحدًا، هو كيان الحب الذي يجمع الرجل والمرأة في رباط مقدس يمتد إلى أبنائهما من خلال الحب الحقيقي حتى صارت كلمة أسرة Family وهي تتكون من ستة حروف (الإنسان خلق في اليوم السادس) وهي اختصار لست كلمات: Father and Mother I Love You “بابا وماما أنا أحبكم” ولأهمية هذا الكيان في حياة الإنسان يجب أن يمر بخمسة أنواع من الاتحاد حتى يصير كيانًا قويًا متماسكًا وثابتًا عبر السنين: أولاً: الاتحاد الفكري على مستوى الفكر وهو ما نسميه بفترة الخطوبة، والكلمة “خطب” أي تكلم لأن الكلام المتبادل بين هو وهي يعتبر الوسيلة الوحيدة لتبادل الأفكار والمبادئ والقيم التي في داخل فكر كل منهما. ومن خلال الكلام يكتشف كل منهما الآخر وكأنها (الخطوبة) رحلة استكشافية لشخصية الإنسان الذي سيصير شريكًا في رحلة تأسيس الكيان الزيجي المقدس. ثانيًا: الاتحاد الروحي على مستوى تلاقي الأرواح في العمل الروحي المشترك من خلال الممارسات الروحية المتنوعة مع ممارسة الأسرار المقدسة خاصة سري التوبة (الاعتراف) والإفخارستيا (التناول). إن وسائط النعمة تعمل في هذا الاتحاد الروحي ليكون هذا هو البعد القلبي الداخلي الذي يبني الكيان الزيجي ويجعله حيًا على الدوام. ثالثًا: الاتحاد العاطفي على مستوى العاطفة التي أودعها الله فينا، لأن الإنسان الذي يحفظ شبابه نقيًا طاهرًا من سقطات العاطفة بأي صورة، إنما يقدِّم أغلى هدية إلى شريكه وهي القلب الممتلئ بالعاطفة أي بالحب الحقيقي الذي يرى في الآخر أنه هدية خاصة من يد الله له وكأن كل بنات العالم تجمعوا في البنت التي اختارها، وكذلك هي ترى أن كل شباب العالم تجمعوا في الشاب الذي اختارته. وينمو كائن الحب معهما كل يوم من الخطوبة إلى الزفاف ثم الحياة بمشوارها الطويل وحتى آخر يوم في الحياة. رابعًا: الاتحاد الاجتماعي أي أمام المجتمع حيث يظهران معًا في كافة المناسبات الاجتماعية أو الدينية أو الأسرية في تناغم جميل يختبران معًا كيف يتصرفان في المواقف المتعددة وكيف يقدمان بعضهما البعض إلى الآخرين وأي كلمات تستخدم مع الأصدقاء والزملاء والأقرباء. وبهذا يتشكل الكيان الزيجي بصورة علانية قاربت على الوصول إلى التمام والكمال. خامسًا: الاتحاد الجسدي مع الإكليل والزفاف ويصيران عريسًا وعروسًا تمهيدًا ليكونا زوج وزوجة ثم بعد زمن بابا وماما وكما هو مكتوب “لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا” (تكوين 2: 24) مع العلم أن هذه الآية تكررت 4 مرات في العهدين القديم والجديد. وبذلك تكتمل صورة “الكيان الأسري” الذي هو أعظم كيان بشري على وجه الأرض والتي تعتمد على وجود المسيح فيها، لأننا نؤمن أن الزواج رابطة ثلاثية مكونة من المسيح والرجل والمرأة، وليس رابطة ثنائية ومكتوب: “الْخَيْطُ الْمَثْلُوثُ لاَ يَنْقَطِعُ سَرِيعًا” (جامعة 4: 12). وليس عبثًا أن أول معجزة للسيد المسيح كانت في عرس قانا الجليل. وبالطبع هذا الكيان سوف يواجه تقلبات الزمان الكثيرة ولكن هذه التقلبات ستكون سببًا في تقوية هذا الكيان واقتراب كل شريك للآخر بالمساندة والمعايشة والمساعدة، وبذلك يصمد هذا الكيان ويستمر ويظل قويًا ثابتًا ومستمرًا إن حفظ نفسه من الضعفات والخطايا والسقطات وامتلأ البيت بحضور المسيح الدائم مع الاحترام والخضوع بين الشريكين في مظلة حب المسيح الغالي. وهذا الكيان القوي هو الذي يبني المجتمعات ويحفظ مبادئ الإنسانيات ويصنع القديسين والقديسات عبر الأجيال، ولذلك تعمل قوى الشر بكل وسيلة على إضعاف هذا الكيان، والذي يؤول في النهاية إلى إضعاف الدول بل وانهيارها من الداخل.. نقرأ عن الزواج المثلي وهو ليس زواج ولكنه حيلة من حيل الشيطان لإسقاط معنى الأسرة، ونقرأ عن تغيير الجنس، وعن تأجير الأرحام، وعن تفكيك الأسرة بالانفصال أو بالطلاق أو بالخيانة أو بالعنف، وكلها وغيرها وسائل شيطانية لتدمير الكيان الذي أسسه الله بنفسه من أجل صالح البشرية… وهذا ما يقرره الكتاب المقدس أن “الْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ” (1يو 5: 19). يا كل أسرة احفظي حياتك وابعدي عن هذه الضعفات وكوني صامدة أمام هذه الخطايا. احفظي هذا الكيان الغالي ليستمر ويبقى ويثمر وينجح. أيضًا يا كل أب وأم ازرعوا في حياة أبنائكم وبناتكم قدسية هذا الكيان وقيمته الرفيعة على الأرض وفي السماء. ازرعوا فيهم مبادئ حقيقية عن مكانة الأسرة وكيف تكون قوية وناجحة دائمًا. ويا كل شاب وشابة اعلموا أن أخطر قرار في حياة كل منكم هو قرار الزواج والارتباط وتكوين أسرة، فاستعدوا له بالفكر والعقل والقلب والروح وخبرة الكبار والآباء، راجيًا لكم أعظم كيان في حياتكم وهو: تكوين أسرة مباركة في الرب. |
|