ما أحوج العالم لسلام الله الذى يفوق كل عقل ولكن هذا السلام لا يتآتى للعالم وهو بعيدا عن الله وفكر الإنجيل وهذا يستلزم منه ، وبالتالي ، الرجوع لله وفكر الإنجيل ، لأن بدون سلام الله لا يستطيع العالم أن يحصل على السلام الحقيقي ، حتى ولو كان غرض هذا العالم هو العيش وبكل إصرار فى سلام حقيقى دائم وراسخ ، كما أنه بعيداً عن السير وفقاً لنور الإنجيل حتماً سيلحق بالعالم الكثير من الخسائر والمصائب ، لقد آله العالم ذاته و المادة وظن أن فيهما كل الشبع وبهما كل سلام فابتعد عن الله وفقد سلامه ، بل ونسى غضب الله المزمع أن يصير عليه إذا ما كلفه الوصول إلى تحقيق مآربه الاعتداء والقتل والافتراء ..
لقد نسى العالم أيضا أن سلام هذا الدهر زائل ولا يستطيع أن يهب سعادة حقيقة و فرحا يدوم ، أما الذين امتلأت قلوبهم من سلام الله فتيقنوا من حقيقة كونه فائق لكل عقل ، يشبع إلى المنتهى وفوق ما يتصور العقل ، يجعل من نفس الإنسان مدينة للبهجة والسرور رغم كل ما تجتاز به من ضيق وظلم واضطهاد .. سلام الله هو الكفيل برد حالة الإنسان إلى المستوى المبارك الذى قصده الله له: الفرح والبهجة بلا إنقطاع.
ولاحظ معى صديقي ما يلى :
+ حاجة العالم للسلام تستلزم سعيك أنت شخصيا فى السلام ، فكلما وُجد صانع السلام طمئن لذلك لحدوث السلام وانتشاره ، وكلما وجد سلاما فى نفس ما كلما أنتفع بأثر هذا السلام مزيدا من النفوس ، والعكس صحيح تماما ، فكلما افتقرنا لروح السلام كلما كان وجودنا مصدر قلق وإضطراب ومعاناة للاخرين .
+ ليست هناك فرصة لايجاد السلام فى نفس رافضة لروح التسامح والطاعة وآثرت العيش فى خصام وشجار حبا فى الشر والإنتقام والعداوة ، وباتت الحاجة ضرورية لمعرفة أن فى التسامح كل فرصة للحياة فى سلام ومجد وبركة ، كما أن فى الطاعة كل فرصة للحياة فى ظل الرحمة والهدوء والشفاء .
+ كلما إقتربنا من الله كلما زاد سلام الله فى قلوبنا ، وكلما أحببنا السلام كلما إنعكس أثر ذلك فى حياة الاخرين غيرة وحكمة وخلاص ، وكلما وجد السلام وجد الفرح والإطمئنان من كل ما هو عتيد ان يصير ، وكلما زاد تمسكنا وامتلاؤنا بالسلام كلما زاد مجد عمل الله فى حياتنا وفى حياة الاخرين بواسطتنا أيضا .
+ إن كنت ترجو لنفسك ولكل أحد سلاما سمائيا فعليك أن تتحرر من قيود الشر والخصام والبغضة ، أى ان تسلك بروح محبة وصفح كل حين ، ومتى فعلت ذلك ستكون أهلا لسلام الله وأهلا أن تسأل الله عن سلام الاخرين فتحظى بما سألت.
+ حسب منطق العقل الفاسد يجب أن نخاصم الاخرين ونعتدى على حقوقهم وحرياتهم لكى نصل إلى ما نرغب فيه ونطلبه ، ولكن بحسب منطق الروح يجب أن نسلك بسلام لكى نصل إلى ما نرجوه لحياتنا من بركات وطموحات وآمال ، والله يهب أبناء السلام فوق مايطلبون ويرجون ، لأنه إله السلام ويكرم الذين يصنعون السلام ، وقد أعطى لهم الطوبى فى عظته التاريخية على الجبل : "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعَون ) "مت 5 : 9 )
+ دافع السعى للحياة فى سلام هو رغبة الحياة فى ظل الهدوء والراحة والإطمئنان ، وياللعجب كيف نرفض السلام وهو الطريق للهدوء والراحة والإطمئنان !!
+ لا يمكن فصل الحياة فى سلام عن الحياة فى المسيح ، لأنه أى سلام حقيقى ستحظى به النفس التى رفضت الحق ( المسيح ) و آثرت الحياة فى ظل تبعية غير المسيح ؟! وأى سلام حقيقى ستحظى به النفس التى رفضت النور و آثرت الحياة فى آنين الظلمة والشركة فى أعمالها غير المثمرة ؟! وأى سلام ستحظى به النفس التى أرتضت بفكر الشيطان وتدابيره وظنت ان فى ذلك الرحمة والنجاة والفرح الدائم ؟! لا يجب أن نغفل عن كون المسيح إله السلام (رو 15 : 33) و رب السلام (2تس 3 : 16) ، وبعيدا عن الحياة معه لا سلام ، بل كل قلق وإضطراب و حرمان حقيقى .
+ لكى نحيا فى سلام مع الله والاخرين ومع ذواتنا أيضا علينا أن نتصالح مع الله ونجدد عهد المعمودية ، ان نصفح عن زلات الاخرين وأخطاؤهم فى حقنا ، أن نقاوم كل ميل ردىء نحو الانتقام والتشفى ، أن نهرب من العثرة والشر والأشرار ، أن نقتاد بفكر المسيح وتدبير الروح القدس ، أن نرفض كل فكر نشك فى صلاحه وقدسيته ، أن يكون لنا الاستعداد الدائم لحمل الصليب ... .
+ النفس التى ترغب فى سلام الله لا يدركها هذا السلام بعيدا عن الإقتداء بالمسيح فى : أعماله ، أقواله ، حكمته ، تدبيره ، محبته .. الخ
+ النفس التى ترغب فى سلام الله هى التى تستطيع أن تنتصر فى معترك الجهاد الروحى وفى كل ضيقة ومحنة تمر بها ..
+ النفس التى ترغب فى سلام الله عليها أن تقاوم كل حين كل فكر خاطىء وميل ردىء نحو الإنتقام والمحازة عن الشر بالمثل ..
+ النفس التى ترغب فى سلام الله عليها أن تسعى فى آثر الصلح بين الناس ..
+ النفس التى ترغب فى سلام الله عليها أن تسلك بروح المكتوب " غير مجازين عن شر بشر .. لا تنتقموا لانفسكم ايها الاحباء بل اعطوا مكانا للغضب .. امتنعوا عن كل شبه شر "..
+ النفس التى ترغب فى سلام الله عليها أن تعامل الاخرين بمودة واحترام و احتمال ، حينئذ تكون أهلا أن تقول مع داود النبى " مع مبغضي السلام كنت صانع سلام، وحين كنت أُكلِّمهم كانوا يقاتلونني باطلاً " مز 120: 7،6
+ النفس التى ترغب فى سلام الله عليها أن تحترس من الآفات الروحية القادرة أن تفسد كل بذرة للسلام والاقتراب من الله ..
+ النفس التى ترغب فى سلام الله عليها أن تعرف أن هذا السلام يتطلب استعدادا دائما للعمل حسب الوصية المقدسة وتدبير الروح من أجل الخلاص والفرح والنمو فى طريق الملكوت ومعرفة الله ..
+ النفس التى ترغب فى سلام الله عليها أن تجاهد من أجل الامتلاء من روح المحبة و الشكر وطول الأناة والاحتمال والبذل حتى تستطيع التحرر من كل فساد فى القلب والانتصار على كل عثرة فى طريق السلام ..
+ النفس التى ترغب فى سلام الله عليها ان تؤمن بما فى الأخلاق والغفران والرحمة من أفضلية وحق ولزومية ..
صديقي ، يوصينا السيد فى (مت 5 : 44 ، 45) قائلا : " أحبُّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصلُّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات .. " ومتى فعلنا ذلك سنكون أهلا لسلام الله الذى يفوق كل عقل وأهلا أن نسأل عن سلام كل العالم فيسمع لنا ويستجيب . لك القرار والمصير .