رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
﴿إِنَّهُم يَعثُرونَ لِأنَّهُم لا يُؤمِنونَ بِكَلِمَةِ الله﴾ (1 بطرس 8:2) ﴿وَكَانَ لَهُم حَجَرَ عَثرَة﴾ (لوقا 3:6). آَيَةٌ تُثيرُ الاندِهَاش! ونَحنُ نُؤمِنُ أَنَّ الْمَسيحَ لَم يَأتي لِكَي يُعَثِّرَنَا، إنَّمَا أَتَى لِكَي يُخَلِّصَنَا ويُنْهِضَنَا، فَكَيفَ نَسمَعُ الإنجِيلِيَّ لُوقَا يَصِفُهُ بِأنَّهُ كَانَ لِأُولَئِكَ النَّاسِ "حَجَرَ عَثرَة"، أَي سَبَبَ دَينُونَة؟! أَينَ هِيَ الْمُشكِلَة؟ أَفِي الحَجَرِ نَفسِهِ، أَمْ في النَّاسِ الَّذين اصْطَدَمُوا بالحَجَرِ، فَعَثَروا وسَقَطُوا؟! لِلإِجَابَةِ عَلَى هَذَا السُؤَال، لا بُدَّ لَنَا مِنَ الانتِقَالِ إلى الفَصلِ الأَوّلِ مِنْ بِشَارَةِ الإنجِيليّ يُوحَنَّا، حِينَ يَقول: ﴿جَاءَ إِلى بَيتِه فَمَا قَبِلَهُ أَهْلُ بَيتِه. أَمَّا الَّذينَ قَبِلُوه، وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه، فَقَدْ مَكَّنَهم أَنْ يَصيرُوا أَبْناءَ الله﴾ (11:1-12). فَأَمَامَ الْمَسيحِ ومَا يَعرِضُهُ عَلَينَا مِنْ تَعَالِيم، هُنَاكَ خَيَارانِ لا وَسَطَ بَينَهُمَا: إِمَّا القُبولُ والإيمان، وإِمَّا الرَّفضُ والجُحود. وعِندَهَا، وبِنَاءً عَلَى مَا تَختَار، إِمَّا أَنْ يَكونَ الْمَسيحُ لَكَ سُلَّمَ نَجَاةٍ ودِرعَ سَلامَة، وإِمَّا أَن يَكونَ لَكَ حَجَرَ صَدْمٍ وسَبَبَ عِثَار. وَهَذا مَا يُفَسِّرُ قَولَ الرّبّ: ﴿وطُوبَى لِمَنْ لا أَكونُ لَهُ حَجرَ عَثرَة﴾ (لوقا 23:7). فَالعَثرَةُ يَا أَحِبَّة لا تَكمُنُ في الْمَسيح، بَلْ في مَوقِفِ العَدَاوَةِ الَّذي يَتَّخِذُهُ كَثيروُنَ إِزَاءَ الْمَسيح، مُفَضِّلينَ الجُحُودَ عَلَى الإيمان، والعُقوقَ عَلَى البِرِّ والامْتِثَال! إنَّ الْمَسيحَ يَسوع هو: ﴿الحَجَرُ الَّذي رَذَلَهُ البَنَّاؤون، قَدْ صَارَ رَأسَ الزَّاوِيَة﴾ (مز 22:118). رَفَضُوُه وازْدَرُوهُ، فَصَارَ لَهُم حَجَرَ عَثرَةٍ، لانْعِدَامِ إيمانِهِم! كَمَا قَالَ القِدّيسُ بُطرسُ في رِسَالَتِهِ الأولَى: ﴿إِنَّهُم يَعثُرونَ لِأنَّهُم لا يُؤمِنونَ بِكَلِمَةِ الله﴾ (8:2). ولَكِنَّ الْمَسيحَ، وإنْ رَذَلُوهُ، يَبقَى رَأسَ الزّاوية، أَي أَنَّهُ تَمامُ كُلِّ شَيءٍ، والْمُلتَقَى الّذي إِلَيهِ يَصبُو الوُجودُ كُلُّهُ، فَهوُ الْمَبدَأُ والأَسَاس، وهو الغَايَةُ والْمُنتَهَى! وفي هَذَا الشَّأنِ يَكتُبُ القِدّيسُ بُولُسُ في رِسَالَتِه إلى أَهلِ أَفَسُس: ﴿بُنِيتُم عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ والأَنبِياء، وحَجَرُ الزَّاوِيَةِ هوَ الْمسيحُ يَسوعُ نَفْسُه. فِيهِ يُحكَمُ البِنَاءُ كُلُّه، وبِهِ أَنتُم أَيضًا تُبنَونَ، لِتَصُيروا مَسكِنًا للهِ في الرُّوح﴾ (20:2-22). فَلِلمُؤمِنِ الصَّادِقِ الْمَسيحُ لَيسَ حَجَرَ عَثرَة، إِنَّمَا هو صَخرَةُ أَسَاسٍ مَكينَة، عَليهِ يُبنَى بَيتًا ثَابِتًا لا يَنهَار. وحَجَرُ زَاوِيةٍ مِنهُ نَستمِدُّ القُوَّةَ والْمَتَانَةَ والانتِصَار. وأَمَّا لِعَديمي الإيَمَان أَو لِأشبَاهِ الْمُؤمنين، يَظلُّ الْمَسيحُ حَجَرَ عَثرَةٍ، وفِيهِم يَتَحَقَّقُ وَعِيدُ السَّيد: ﴿كُلُّ مَن وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ الحَجَرِ تَهَشَّم، ومَنْ وَقَعَ عَلَيهِ هَذَا الحَجَرُ تَحطَّم﴾ (لوقا 18:20). يَقُولُ الإنجيليُّ مَرقُس أَنَّ الْمَسيحَ: ﴿كَانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ عَدَمِ إيمانِهم﴾ (6:6). التّعرُّضُ لِلرَّفضِ يَا أَحِبَّة كَانَ جُزءًا جَوهَريًّا مِنْ رِسالَةِ الْمَسيحِ وحَيَاتِه، ومَع ذلِكَ لَمْ يَنْكَسِرْ أَبَدًا. بَدَأَ حَيَاتَهُ طِفلًا مُهَدَّدًا مُطَارَدًا، حُكِمَ عَليهِ بالْمَوتِ مِنَ الطَّاغِيَةِ هيرودس (راجع متّى 16:2-18). ومَا إِنْ حَمَلَهُ سِمعانُ الشَّيخُ عَلَى ذِرَاعَيِه، حَتّى شَعَرَ بالخَطَرِ والأَلَمِ الّذي يَنتَظِرُ هَذَا الطِّفلَ ومَنْ يَرتَبِطُ بِهِ، فَتَنبَّأَ قَائِلًا: ﴿هَا إِنَّهُ جُعِلَ آيةً مُعرَّضَةً للرّفض، وأَنتِ سيَنفَذُ سَيفٌ في نَفسِكِ﴾ (لوقا 34:2). وفي أَثنَاءِ حَيَاتِهِ العَلَنِيَّة، حِينَ كَانَ يُبَشِّرُ ويُعلِّمُ ويَصنَعُ الخَيرَ، تَرَبَّصَتْ بِهِ زُمرَةٌ مِنَ الِّلئَامِ الحَاقِدين، تَرقُبُهُ بِنَظَراتِ الشَّرّ، ومُرَادُهم أَنْ: ﴿يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَة﴾ (متّى 15:22)، لِيُوقِعُوهُ في شِرَاكِهِم، ويَقضُوا عَليِه! إلَى أن تَمكَّنُوا مِنهُ وحَاكَمُوهُ جَورًا وزُورًا، أَمَامَ الوَثنيِّ بِيلاطُس وقَدْ: ﴿كَانَ يَعلَمُ أَنَّهُم مِنْ حَسَدِهِم أَسلَمُوُه﴾ (متّى 18:27)، وقَتَلُوُهُ بأَبشَعِ مِيتَةٍ! خِبرَةُ الْمسيحِ مَعِ الرَّفض، هي أَيضًا خِبرَةُ كَثيرٍ مِنَ الأَبرارِ والصَّالِحين، مَنْ يَتَّقُونَ الله، ويَصنَعونَ الخَير، ويُجانِبُونَ الشَّر. ومَع ذَلِكَ، تَراهُم لا يَأمَنُونَ حِقدَ النَّاسِ ومَكرَهُم، ولا يَسلَمونَ مِنْ مَكَائِدِهُم ونَمائِمِهم، خِفيَةً وعَلَنًا! لا تَنْدَهِشْ ولا تَستَغرِب، فَهَذِهِ أيضًا كَانَتْ خِبرةُ إرمِيَا نَبيِّ اللهِ البَار، الَّذي شَكَى أَمْرَهُ لِربِّهِ، وقَدْ ذَاقَ الوَيلَ مِنَ النَّاس، قَائِلًا: ﴿أَصْغِ أَنتَ يا رَبُّ إِلَيَّ. أَيُجازى الخَيرُ بِالشَّرّ؟ فَإِنَّهم حَفَروُا حُفرَةً لِنَفْسي. أُذْكُرْ أَنِّي وَقَفتُ أَمَامَكَ، لِأَتَكَلَّمَ مِنْ أَجلِهم بِالخَير﴾ (19:18-20). ثُمَّ أَردَفَ بِنَبرَةِ الْمَقهورِ، طَالِبًا العَدلَ الإلهيَّ فَقَال: ﴿وأَنتَ يا رَبِّ عَلِمتَ كُلَّ مُؤَامَرَتِهم علَيَّ. فَلا تَغْفِرْ إِثمَهم، وَلا تَمْحُ خَطيئَتَهم، ولْيَعثُروا أَمامَكَ، وعَامِلْهُم في أَوانِ غَضَبِكَ﴾ (22:18-23). سَوَاءً اتَّفَقنَا مَع دُعَاءِ إرمِيا أَمْ لَم نَتَّفِق، إلَّا أَنَّني أَتَسَاءَل: أَلا يَخشَى فَاعِلُو السُّوءِ، ومُضْمِرُو النَّوايا الخَبيثَة، ومُنَاهِضُو الخَير، ومُقَاوِمُو الحَقِّ، ومُنَاصِرو الكَذبِ، عَدلَ اللهِ وحُكمَهُ؟! أَلا يَخشونَ سَاعةَ الدَّينونَة؟! أَلا يَخافُونَ الله، فَيَكُفُّونَ عَنِ الحَسَدِ والحِقدِ، والقِيلِ والقَال، ويَنْشَغِلونَ بِأَمرِ خَلاصِهِم؟! لِمَاذَا لا يَجعَلُونَ الْمَسيحَ لَهُم دَربَ سَلامَةٍ وخَلاص، ويُفَضِّلونَ جَعلَهُ حَجَرَ عَثرَةٍ ورَبَّ دَينونَة؟! يا أَحِبَّة، إنْ كَانَ الْمَسيحُ حَجَرَ عَثرَة، فَكثيرونُ هُمْ حِجَارَةٌ صَمَّاء، قُسَاةُ قُلُوب، مُنْعَدِمو الضَّمَائِر، عَدِيمُو الإيمان، لا يَرتَدِعونَ ولا يَتُوبُون، وَسَيَبقَى شَرُّهُم مُلازِمًا لَهُم، يَفوحُ مِنهُم كَريهًا قَبِيحًا، مَهمَا تَعَطَّرُوا بِعِطرِ الرِّياءِ والنِّفَاق، إلى أَنْ يَزولَ ويَتَبَّد يومَ يَنزِلُ شَرُّهُ مَعَهُ إلى قَبرِه، ويُغلَقَ عَليِهِ في صَندوقِهِ الخَشَبي، لِينالَ وَحَدَهُ جَزاءَ أَعمَالِهِ وسُوءِ نَوَايَاه. |
|