الفرح والسلام الحقيقي
عندما كُنّا صغار، كان مصدر فرحُنا هو اللعبة التي نحصل عليها. فكلما حصلنا على لعبة جديدة، نمتلئ بالفرح. ثم عندما كبرنا قليلًا، أصبح مصدر فرحنا هو الملبس الجديد أو الدرجة النهائيّة في الامتحان. ثم عندما كبرنا أكثر، أصبح مصدر الفرح هو السيارة أو الزواج أو العمل أو المال. فلماذا يتغيّر مصدر فرحنا مع مرور العمر؟
كلما ننضج أكثر، كلما تتضح قيمة الأشياء الحقيقيّة. فندرك أن اللعبة ليس لها قيمة حقيقيّة، لكن عقلنا كان غير ناضج فكانت اللعبة مصدر فرحنا. وهكذا مع الأشياء الأخرى. أيضًا قد تكون الأمور التي تسبب لك الفرح الآن، لن تسعدك في المستقبل. فهل لا يوجد أساس ثابت للفرح؟
في الحقيقة، يوجد فرح ثابت لا يعتمد على المسرات المُتغيّرة. إن نضوج شخصيتك وحالتك الروحيّة هي كلمة السر. فكلما نضجت، كلما أدركت أن المسرات الأرضيّة لا تعطينا الفرح، ولكن تشبع لذة مؤقته. أما الفرح الحقيقيّ الذي لا يضاهيه شيء هو الفرح السماويّ، يُسمى فلسفيًّا الفرح الميتافزيقيّ، أي الذي لا يتوقف على أمور خارجيّة أو مسرات أرضيّة، ولكن نابع من الداخل من قلب الإنسان. فلا تتحكم فيه الأمور الخارجيّة. فمهما كانت ظروف حياتك سواء كنت فقير أو غنى، مريض أو بصحة جيدة، هذا لن يحكم فرحك. وهذه إحدى هبات الحياة الجديدة مع المسيح. لذلك قال المسيح:
سَلاماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلامِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا
إنجيل يوحنا 27: 14
فالمسيح يوضح أن السلام الذي تعطيه العلاقة مع الله مُختلف عن السلام الذي يعطيه العالم. فما تعطيه العلاقة مع الله لا يُنزع، ولا يتزعزع. لذلك يؤكد الكتاب المقدس على أننا يُمكن أن نعيش هذه الحالة طوال الوقت قائلًا:
افْرَحُوا فِي الرَّبِّ دَائِماً، وَأَقُولُ أَيْضاً: افْرَحُوا.
الرسالة إلى فيلبي 4: 4
فالله لم يخلق الإنسان ليصير عبدًا للمسرات الأرضيّة تتحكم فيه الظروف، ولكن فتح الله الباب للإنسان لكي يأخذ من الفرح الحقيقيّ الذي لا يعتمد على الأمور الماديّة، لكن يعتمد على دخولك إلى محضر الله. لذلك نجد التلاميذ يرنمون مسرورين وهم في السجن. ففرحهم وسرورهم لا يعتمد على الأمور الخارجيّة، ولكن نابع من علاقتهم مع الله، العلاقة الثابتة التي لا تتغير. وحتى الواقع يُخبرنا أن المسرات والأمور الأرضيّة لا تمنح الانسان السعادة التي يرنو لها. فنجد أشهر وأغنى الشخصيّات في العالم يموتون منتحرين من الحزن والاكتئاب.
الآن، وفي كل يوم من حياتك، أمامك الاختيار إما أن تنتظر ملذات أرضيّة ليس لها قيمة من جهة إشباع فرحك، وإما أن تدخل إلى مخدعك وتصلي لإلهك، وترتوي من محبته وفرحه. فتعيش هذا الفرح الحقيقيّ الذي لا يُنزع.