القاموس المريمي للشماس نبيل حليم يعقوب
تقديــم
“فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ” ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ“(يوحنا26:19-27).
«هُوَذَا أُمُّكَ». كان هذا طلب يسوع وهو على الصليب ولكي نعرف فى الحقيقة من هي تلك الأم نقدم هذا المرجعللمساهمة فى التأمل والدراسة والتبشير ولإلقاء الضوء على سر الـمرأة التى اختارها الله لتكون اما لإبنه الوحيد والتى حيّاها الملاك قائلاً:”مباركة أنتِ فى النساء”(لوقا28:1).
القديسة مريم العذراء أم يسوع، هي أكثر إمرأة مشهورة في التاريخ، لم تنل اي إمرأة أخرى مثلها مكانة عالية من التبجيل وتعبيرات الخضوع وعلامات الامتنان، او صنع لها الكثير من التماثيل والمنحوتات والرسومات والأناشيد والأعمال الأدبية. لا توجد إمرأة أخرى محبوبة بصدق من قِبل الكثير من البشر في كل القارات. صورها معروضة في انحاء العالم وفي كل واحدة منها تظهر بصورة مختلفة وحسب ظهوراتها او من شهود العيان او ما تناقلته الأجيال. حتى ولو ان القديسة مريم العذراء معروفة بصورة متسعة عبر الأجيال لكن لدينا القليل جدا من المعلومات الموثقة عن حياتها الزمنية الأرضية وحتى الكتاب المقدس لكونه المصدر الرئيسي للتعاليم الكنسية، مع ما تناقلته الكنيسة عبر التقليد الكنسي فكلها كان تركيزها الرئيسي هو إعلان البشارة ورسالة الخلاص.
إذا ما حاولنا ان نتعرض الى جميع جوانب حياة “أم يسوع” ودورها في تاريخ خلاص البشرية فلا يمكننا الا ان نعترف اننا لا نملك الكثير من المعرفة عن فتاة الناصرة مثل الكثير من الحقائق التى جاء ذكرها في الكتاب المقدس “كالرعود السبعة” الذي تم اخفاء حقيقتها:” وَبَعْدَ مَا تَكَلَّمَتِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا، كُنْتُ مُزْمِعًا أَنْ أَكْتُبَ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا لِيَ:
«اخْتِمْ عَلَى مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ وَلاَ تَكْتُبْهُ».“(رؤيا4:10)، مختومة” ومخفية عنا.
ان ما جاء عن القديسة مريم في الكتاب المقدس والتقليد الكنسي كاف لأن نعرف عنها انها
كانت “أم يسوع” ومثال صادق لنا نحن خليقة الله المؤمنين بربنا يسوع المسيح وان التكلم عن
مريم يطيب ويحلُ وينضج متى تكلمنا عنها وهي تتفاعل مع تدبير الله الخلاصي.
لقد سبق وان أصدرت كنيستنا سلسلة من الكتيبات في الفترة من عام 1997 وحتى الآن[1] عن من هي أم يسوع ومكانتها ِوما تعلّمه الكنيسة الكاثوليكية محاولة بسيطة للتعرف على القديسة مريم العذراء، ولكن على الرغم من هذا الكم فما كتب او نشر في العديد من المراجع والنشرات والدوريات الكاثوليكية لا يمكن ان يعطينا حقيقة كافية عن من هي المرأة التى ولدت لنا مخلص العالم.
اضافة لما تم اصداره فنقدم هذا المرجع الجديد “القاموس المريمي” والذي يمكن تقسيمه كأي قاموس طبقا للحروف العربية الأبجدية، او طبقا للأقسام التالية:
- مريم فى الكتاب المقدس
- والدة الله
- 3. «هُوَذَا أُمُّكَ»
- 4. «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ”
ولقد اخترنا فى هذا المرجع ان نتبع التقسيم الثاني لسهولة الرجوع للموضوع دون ان يقفز القارئ ما بين الحروف الأبجديـة محاولا تجميع كل ما يختص بموضوع معين او عقيدة او إكرام.
ندعو الله ان يكون هذا المرجع سببا لنتعرف أكثر على أم يسوع وللتأمل والعمل بما أوصانا به الرب يسوع وما أوصتنا هي به، وأن يكون سبب بركة روحيـة للجميع وأن يساعد أبناء الكنيسة الكاثوليكيـة ليتعرفوا على يسوع المسيح الكلمة المتجسدة من خلال أم يسوع لننموا جميعا فى الإيـمان ببركة الرب وشفاعة أمنا مريم العذراء.
إذا أردنا التكلم عن مريم، فالكتاب المقدس هو المرجع الأول الذي نعود إليه، ومنه ننطلق
لنفهم سر مريم، الذي هو سر أمومتها ومرافقتها لابنها يسوع كلمة الله “في البدء كان الكلمة…
والكلمة صار بشراً” (يوحنا1:1=14)، وهو مضمون البشارة الجديدة وهو منتظر الشعوب.
مريم فى كتب العهد القديم
ان العناية الإلهية تعمل دومـا برفق، فحين تريد أن تفرض علينـا بعض الأسرار والتى تفوق إدراكنـا وطبيعتنـا الـمحدودة تهيئ نفوسنـا لقبول مثل هذه الأسرار تهيئـة بطيئـة وبحكـمة إلهيـة تفوق الوصف. ومن بين هذه الحقائق كان تجسد الإبن الأزلـي، والأمومـة الإلهيـة والفداء العجيب. فـالعهد القديـم بكامله من ناموس وتاريخ وطقوس ونبوات ومزامير وشخصيات ورموز جاء برسم كامل للـمسيّا، فتحدث عن وظيفـة الـمخلّص ورسالتـه وظروف دعوتـه والعائلة التى سيجئ منها والمكان الذى سيولد فيه والزمن التى سيولد فيه، ومعجزاته والوهيته وإتضاعه وصلبه وموته وقيامته فى اليوم الثالث وصعوده الى السماء ومجيئه فى المجد وملكوته الابدي. ولقد تطابق الناموس والنبوات والمزامير فى المسيح يسوع ابن مريم العذراء، وهذا ما قام بشرحـه يسوع مع تلميذي عمواس ليفهموا الـمكتوب عنه:”ثم إبتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الامور المختصة بـه فى جميع الكتب”(لوقا25:24-27).
وكما تكامل رسم يسوع فى العهد القديم حتى أتت الساعة وجاء فى ملء الزمان:”ولـما جاء ملء (كمل) الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة” (غلاطية4:4)، كذلك تكاملت النبؤات وأشارت إلـى تلك الأم العجيبة. فالعهد القديـم يحوي بعض الرموز والشخصيات التى تنبئ عن أم الـمسيـّا الـمنتظر، وإن لم تتعدد النبؤات الـمريمية ولكنه مع ذلك عرفتّـنا من هى أم الـمخلّص، فالرموز والشخصيات والنبؤات كانت كلهـا تتركز فـى شخص الـمسيح يسوع.
والرموز التى جاءت فـى الكتاب الـمقدس تأتي فى شكل أفعال أو أشياء أو أسماء ولهـا عامـة ثلاث معان:
– معـنى حرفي وهو الـمفهوم الذى تعبّر عنه الألفاظ حسب مدلولها الأصلي والـمباشر كما تعنيـة قواعد اللغـة، ويرتبط أحيانا بالحقائق التاريخية أو يعرض لبعض الحقائق الإيمانيـة أو
يعلن عن مبادئ أخلاقيـة.
– معنـى روحـي أو رمزي وهو ما يتعدى الـمعنى الحرفي، ويُوجد عندما يدّل شيئ أو شخص أو
حدث فى الكتاب الـمقدس على حقيقة أعلى بقصد وترتيب إلهـي فيصبح هذا الرمز أو الشيئ أو
الشخص رمزاً لأمر آخر يقصده الله، فمثلا الحيّة النحاسية (عدد8:21) والتى جاءت فى العهد القديم تحمل مثال لقوة الخلاص للـمسيح على الصليب (يوحنا14:3)، وأورشليم ترمز إلى الكنيسة الـمقدسة. والطريقة الوحيدة لـتمييز النص الكتابي لـمعرفـة مغزاه الروحي هو عن طريق شهادة الكتاب الـمقدس نفسه كأن يصرّح مثلاً ان آدم رمز للسيد الـمسيح(رومية14:5)، أو من شهادة التقليد فمثلاً ذبيحة اسحق كانت رمزاً لذبيحة الـمسيح كما جاء فى قداس القديس يوحنا ذهبي الفم، أو عن طريق شهادة الوحي أو الرؤى.
– معنى مجازي وهو اللفظ الـمنقول عن معناه الحقيقيي إلى معنى يُشابهه، ويمكن أن يستخدم الـمجاز فى كلمة أو جملة أو موضوع. ويستخدم عادة لغرض التعليـم، و لقد أستخدم كتبة العهد الجديد وآباء الكنيسة ذلك فى الشرح وجاء العديد منـه فى طقوس الكنيسة.
والرموز التى جاءت عن مريم العذراء فى الكتاب الـمقدس يخضع معظمها للنوع الثانـي وبصورة أعـم للنوع الثالث.
مـريـم العذراء فى الرموز والشخصيات
الرموز يمكن تعريفها بأشياء تمثل أفكار مجردة، وهكذا الرمزية هو نظام أفعال يقترن واقعه بمعنى خفي. الرمزية المسيحية تأتي من الكتاب المقدس والتقليد الكنسي. العهد القديم يستعمل اللغة الرمزية-الرويات وتعبيرات عن العهد والطقوس العبرية الدينية (الفصح-الأعياد- الذبائح..الخ)، اماكن وعلامات لحضور الله في العالم (تابوت العهد-خيمة الشهادة- الهيكل).
إلـى العذراء مريم تومئ فى الكتاب الـمقدس أشياء عديدة. وكما يقول القديس بولس ان كل شيئ
فى العهد القديم كان رمزيـاً فى اشخاصه ومحرقاتـه وطقوسه الـمختلفة، فهى كانت كلها ظلالاً
للـمستقبل وترسم مسبقا وفق الـمخطط الإلهـي بعض ملامح السيد الـمسيح وأمـه مريم.
فهابيل مثلاً قد مثّل برارة الـمخلّص، وملكيصادق كهنوتـه، وايوب صبره، واسحق موتـه، ويونان قيامتـه، وداود ملكيتـه، وسليمان حكمته، وموسى خدمتـه وتشريعه.
ومن جانب آخـر نجد ان العذراء قد فاقت هابيل الصدّيق الذى قدّم أبكار غنمه ذبيحة للـه فمريم قدّمت ابنها ذبيحة لخلاص العالم، وفاقت نوح لأن بفلكه خلّص 8 أنفس، امـا مريم فبالـمسيح خلّص العالـم كلـه. وفاقت على موسى بالوداعـة، وعلى داود بالـمحبـة، وعلى أخنوخ وإيليـا بالقداسـة، وعلى ابراهيم واسحق ويعقوب بالإيمان، وفاقت راعوث بإخلاصهـا وعلى استير بجمالهـا ووفائهـا.
وهناك العديد من الرموز والأشياء والتسابيح التى جاءت فى العهد القديـم تعكس صورة عن العذراء مريم أم يسوع، ويـمكن القول عامـة أن كل تسبيح عن مـملكة اسرائيل أو الكنيسة كما جاء، هو تسبيح لـمريم كما يرّنم صاحب الـمزامير عن أورشليم قائلاً:”يُحدِث عنكِ بالـمفاخـر يا مدينـة الله”(مزمور3:86).
ويلّخص لنـا القديس يوحنا الدمشقي هذه الرموز فى عظة ألقاها:”لقد أصبحتِ يـا مـريـم جنة عدن الروحية أقدس وأرفع من القديـمة، ففى الأولـى كان يسكن آدم الأرضي أمـا فيكِ فيحلّ الرب الأتـي من السمـاء. لقد مـثـلتكِ سفينة نوح التى أنقذت الخليقة الثانية لأنكِ ولدتِ الـمسيح خلاص العالـم الذى غّرق الخطيئة وسكن أمواجها. أنتِ التى رمزت اليكِ ثصورتكِ العليقة ورسمتكِ الألواح التى خطتها يد الله وأخبر عنكِ تابوت العهد ومـثلتكِ مـجمـرة الذهب والـمنارة ولوحا العهد وعصا هارون التى افرخت (عب 4:9 وعدد 7و23)، وُلد منكِ من هو شعلة الألوهية الـمن السمـاوي العذب، الإسم الذى يسمو على كل اسم، النور الأزلي الذى لا يداني، خبز الحياة النازل من السماء. ألستِ أنتِ التى سبق ودل عليكِ الأتون الذى إمتزجت ناره بالندى (دا 49:3-50) “ها أنا أنظر أربعة رجال يتمشون وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بإبن الألهة”، رمز النار الإلهية التى جاءت فحلّت فيكِ. أكاد أغفل عن سلم يعقوب، ماذا؟ ألا يتضح لكل أحد انه كان صورة عنكِ؟، فكما ان يعقوب رأى السماء متصلة بالأرض بطرفي السلم وعليه ينزل الـملائكة ويصعدون وقد اشتبك معه فى صراع رمزي القوي الذى لايغلب هكذا أصبحتِ أنتِ الوسيطة والسلم الذى نزل عليها الله نحونا وحمل ضعف طبيعتنا وإمتزج بها وجعل من الإنسان روحا يرى الله. ومـا قولي فى أيات الأنبياء ألا يجب أن تعود اليكِ إذا شئنا أن نثبت صحتها؟. من هى العذراء التى قال عنها أشعيا انها تحبل وتلد إبناً يدعى الله معنا، أي انه يظل إلها ولو صار إنساناً.؟.من هو جبل دانيال الذى قطع منه بغير يد بشرية حجر الزاوية التى هى الـمسيح؟ أليس أنتِ التى حبلت بلا زواج ومازلت دائما عذراء؟.من هى تلك التى تكلّم عنها داود والتى جُعلت عن يمين الملك بذهب أوفير؟”.
كما بينا من قبل فان العهد القديـم بكامله من ناموس وتاريخ وطقوس ونبوات ومزامير وشخصيات ورموز جاء برسم كامل للـمسيّا، ولقد تطابق الناموس والنبوات والمزامير فى المسيح يسوع ابن مريم العذراء، وهذا ما قام بشرحـه يسوع مع تلميذي عمواس ليفهموا الـمكتوب عنه:”ثم إبتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الامور الـمختصة بـه فى جميع الكتب”(لوقا25:24-27). وكما تكامل رسم يسوع فى العهد القديم حتى أتت الساعة وجاء فى ملء الزمان:”ولـما جاء ملء (كمل) الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة” (غلاطية4:4)، كذلك تكاملت النبؤات وأشارت إلـى تلك الأم العجيبة