منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 05 - 04 - 2024, 10:22 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,256,893

ما تركه لنا تلاميذ القدّيس بولس في الرسالة إلى العبرانيّين




العماد استنارة

في لوحة موجزة تستعيد الحياة المسيحيَّة إبّان التنشئة، نقرأ ما تركه لنا تلاميذ القدّيس بولس في الرسالة إلى العبرانيّين التي هي رسالة انطلقت من الإسكندريَّة فتسلَّمتها رومة، وتمسَّكت بها كنيسة أنطاكية، وقدَّم الذهبيّ الفم عنها تسعًا وثلاثين عظة في السنوات الأخيرة من حياته الأسقفيَّة(18)، كما حسبها تيودور أسقف المصيصة بين الرسائل البولسيَّة الكبار مع الرسائل إلى رومة وكورنتوس(19).

ماذا تقول هذه الرسالة البولسيَّة؟ »فالذين أنيروا مرَّة، وذاقوا الموهبة السماويَّة، وصاروا مشاركين في الروح القدس، واستطابوا كلمة الله الصالحة ومعجزات العالم المقبل، ثمَّ سقطوا، يستحيل تجديدهم وإعادتهم إلى التوبة لأنَّهم يصلبون ابن الله ثانيًا لخسارتهم ويعرِّضونه للعار« (عب 6: 4-6)(20).

ذكر النصُّ عطايا الله. الاستنارة أو المعموديَّة المقدَّسة. القربان المقدَّس أو الموهبة السماويَّة. وأخيرًا، سرّ التثبيت أو المشاركة في الروح القدس، وكلُّ هذا يترافق مع كلمة الله θεου ρημα أي الإنجيل الذي تقبَّلته الجماعة الجديدة في خطِّ التوراة والأنبياء والمزامير.

أُنيروا. أو: استناروا φωτισθευτας. ذاك ما حصل للمعمَّدين الجدد. هو موضوع النور الذي يُشرف على العهد الجديد بشكل خاصّ. فمنذ مطلع الإنجيل الرابع يُقال لنا: »حياة يسوع (الكلمة) هو نور الناس to φως των ανθρωπων، والنور يشرق في الظلمة، والظلمة لا تقوى عليه« (يو 1: 14). ويتواصل المطلع في المعنى ذاته: الكلمة الذي هو النور الحقيقيّ αληθινον جاء إلى العالم لينير كلَّ إنسان (آ9).

راحت الرسالة إلى أفسس في هذا الخطِّ فطلبت من المؤمنين الذين هم »أبناء النور« (لو 16: 8) أن يسيروا »سيرة أبناء النور« (أف 5: 6). وقابلت بين الظلمة التي كان فيها أبناء الجماعة قبل أن يتقبَّلوا العماد، وبين النور الذي صاروا فيه. فالظلمة هي موت، والنور حياة. الظلمة خطيئة، والنور مسيرة »في المحبَّة، مسيرة المسيح الذي أحبَّنا وضحَّى بنفسه من أجلنا قربانًا وذبيحة لله طيِّبة الرائحة« (آ2). أبناء الظلمة أعمالهم معروفة: »الزنى، الفسق، الفجور (آ3)، ثمَّ السفاهة والسخافة والهزل (آ4). كلُّ هؤلاء هم عابدو أوثان، لا ميراث لهم في ملكوت المسيح والله« (آ5).

أبناء النور، المعمَّدون، هم »قدّيسون« أي منفصلون عن هذه الأعمال، بل هم لا يذكرون أسماءها (آ3). وبالتالي لا يشاركون الذين يعملون بها (آ7). فإن شاركوا صاروا من أبناء الظلمة، وما عادوا من أبناء النور، فيحلُّ عليهم حكم الرسالة إلى العبرانيّين بما فيه من قساوة: »يستحيل تجديدهم وإعادتهم إلى التوبة« (عب 6: 16). فهذه الاستنارة تتمُّ مرَّة واحدة απαζ ولا يمكن أن تتكرَّر.

إلى مثل هذا المصير المرعب تقود الظلمة σκοτος والعودة إلى الوراء: »هم ωابن الله ثانية لخسارتهم ويعرِّضونه للعار« (آ6ب). أمّا النور φως فثمرُه مخالفٌ كلِّيٌّا لثمر الظلمة. يورده الرسول هنا: »ثمر النور يكون في كلِّ صلاح αγαθωσυνη وتقوى (أو: برّ، عيش بحسب مشيئة الله) δικαιοσυνηوحقّ αληθεια« (آ9).

وهكذا تدعو الرسالة المعمَّدين: »بالأمس كنتم ظلامًا، واليوم أنتم نور في الربّ، فسيروا سيرة أبناء النور« (أف 5: 8). السائرون في النور هم حكماء σοφοι والسائرون في الظلمة تنقصهم الحكمة. هم ασοφοι (آ15). هم نيام، لا ساهرون. هم راقدون لا قائمون من بين الأموات. كانوا أمواتًا في زلاّتهم وخطاياهم وما زالوا (أف 2: 1) إذًا هم أشقى الناس (1 كو 15: 19) لأنَّهم ما زالوا راقدين رقاد الموت (آ20).

أوردت الرسالةُ نصٌّا مسيحيٌّا(21) قد يكون استلهم إشعيا النبيّ(22): »انهض أيُّها النائم وقمْ من بين الأموات وعليك يُضيء المسيح« (أف 5: 14). استنار المعمَّد فصار ابن الحياة. هذا يفرض عليه أن يكون ساهرًا، صاحيًا. أن لا يكون مع النيام، مع السكارى، أن لا يعيش في الظلام. بهذا الكلام توجَّه بولس في أولى رسائله إلى التسالونيكيّين: »أمّا أنتم، أيُّها الإخوة، فلا تعيشون في الظلام، لأنَّكم جميعًا أبناء النور وأبناء النهار. فما نحن من الليل ولا من الظلام. فلا ننَمْ كسائر الناس، بل يجب أن نسهر ونصحو. فالذين ينامون في الليل ينامون، والذين يسكرون في الليل يسكرون. أمّا نحن أبناء النهار فلنكن صاحين، لابسين درع الإيمان والمحبَّة وخوذة رجاء الخلاص« (إش 5: 4-8).

استعاد بولس في الآية الأخيرة إشعيا النبيّ (59: 17)، فنبَّه المؤمنين الذين برَّرهم الله وقدَّسهم، أن يحيوا في الفضائل الإلهيَّة الثلاث: الإيمان، والمحبَّة والرجاء. لا حاجة بعد إلى سلاح بشريّ، بل نتطلَّع إلى السلاح الإلهيِّ، لأنَّ النور الذي غمر حياتنا أعطانا نظرة جديدة إلى الواقع الذي نعيشه. فالنور هو نور الإيمان، يفيضه الله في القلب فيجعلنا نكتشف »إنجيل مجد المسيح« (2 كو 4: 4ب). وتجاه هذا النور الحقيقيّ، الذي يفتح لنا الإنجيل، فهناك لدى الهالكين ظلمة تجعل الإنجيل محجوبًا بالنسبة إليهم (آ3). هم »اللامؤمنون الذين أعمى إله هذا العالم بصائرهم حتّى لا يشاهدوا النور الذي يضيء لهم« (آ4أ).

هذا النور يعطينا معرفة الإله الحقيقيّ، ليقدِّم لنا تعليمًا (عب 10: 26) في خطِّ الكلمة، التي سمعناها. هنا نورد ما قاله يوستين الشهيد (القرن الثاني) في الدفاع الأوَّل حيث تحدَّث عن العماد والدخول في الحياة المسيحيَّة فقال: »هذا الاستحمام يُدعى استنارة، لأنَّ الذين يتلقَّون هذه العقيدة تمتلئ روحُهم نورًا. ويغتسل المستنير أيضًا باسم يسوع المسيح الذي صُلب على عهد بيلاطس البنطيّ، وباسم الروح القدس الذي تنبَّأ في الأنبياء عن حياة يسوع بأسرها«(23).

الذين نسوا أنَّهم »استناروا«، أنَّهم »ذاقوا« الموهبة، الذين نسوا تلك الخبرة الروحيَّة الأولى حين تقبَّلوا سرَّ العماد، هل يعرفون فظاعة عملهم في السقوط والارتداد عن الإيمان؟ وننتقل من المؤمن والمرتدّ عن الإيمان إلى الأرض الصالحة والأرض الطالحة مع أنَّ الاثنتين نزل عليهما المطر: الأولى تعطي نباتًا صالحًا فتنال البركة. والأرض الطالحة تعود بنا إلى الأرض التي مضى الإنسان الأوَّل إليها بعد الخطيئة: تُنبتُ شوكًا وعشبًا ضارٌّا. النتيجة: »هي مرفوضة تهدِّدها اللعنة ويكون الحريقُ عاقبتها« (عب 6: 8). أمّا التي نالت البركة، فتشمل أولئك »الذين يؤمنون ويصبرون فيرثون ما وعد الله« (آ12).

الخاتمة

رافقنا بولس الرسول في الكلام عن المعموديَّة، واكتشفنا مفاهيم سابقة للمسيحيَّة أخذ بها الإيمان الجديد. ونقطة الانطلاق كانت الليتورجيّا. فالاغتسال الذي يغرز جذوره في العالم القديم الممتدّ من الهند إلى الشرق الأوسط وبلاد اليونان، حمل معنى جديدًا، صرنا أنقياء لا في الصورة بل في الحقيقة. تقدَّسنا، تبرَّرنا، ولبسنا المسيح. والموت والقيامة مفهوم لاهوتيّ نجد عنه صورة حسِّيَّة في ممارسة المعموديَّة في الكنيسة الأولى. والاستنارة نقرأ عنها في شفاء الأعمى منذ مولده (يو 9: 6ي) الذي مضى واغتسل فانفتحت عيناه وصار يبصر، كما في فلسفات قديمة حيث الإنسان يبحث عن النور. ويبقى أنَّ الفاعل الأوَّل في العماد ليس الإنسان مهما كانت أعماله حسنة، بل الله الذي بادر »فاختارنا قبل إنشاء العالم لنكون عنده قدّيسين بلا لوم في المحبَّة« (أف 1: 4). فيا ليتنا نتجاوب مع هذا الاختيار ونعرف أنَّ »مشيئة الله هي تقديسنا« (1 تس 4: 3).
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
رسالة القدّيس بولس إلى العبرانيّين: وشعائر المعموديَّة βαπτισμων ووضع الأيدي
دفاع بولس عن الرسالة
القدّيس البار بولس كْسيروبوتامو، والقدّيس بولس في جبل آثوس (القرن ۱۰م)
بولس الرسول الرسالة إلي أهل رومية
بولس و الرسالة الأولى إلى أهل قورنثوس


الساعة الآن 01:07 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024