رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بولس والشريعة ما لاحظنا في قراءتنا للأناجيل ولاسيَّما إنجيل متّى أنَّ يسوع لم يحكم على الشريعة. عاشها كما عاشها تلاميذه الأوَّلون، وإن حاول أن يعمِّقها ويعيدها إلى أصولها، على مثال ما فعل في شريعة الزواج. عاد إلى البدء، وترك ما فعله موسى حين أخذ بعين الاعتبار »قساوة القلوب« (مت 19: 8). ولكن طرأت مسألة جديدة حين انتمى إلى الإيمان وثنيّون لامختونون: أراد يهومسيحيّون أتوا من أورشليم، من عند يعقوب أخي الربّ، أن يُكرهوا المهتدين من العالم الوثنيّ، على ممارسة الشريعة (غل 1: 12؛ أع 15: 1ي). في هذا الإطار جاء كلام متّى، ومثله أيضًا كلام بولس الذي بدا قاسيًا، خصوصًا في نظرته السلبيَّة إلى الشريعة: »يتبرَّر الإنسان بالإيمان بيسوع المسيح، لا بأعمال الشريعة« (غل 2: 16؛ رو 3: 28). في هذا الإطار، نتوقَّف أوَّلاً عند الوجهة السلبيَّة للشريعة، ثمَّ نعود إلى الوجهة الإيجابيَّة، أي الوجهة الروحيَّة. أ- الوجهة السلبيَّة بداية نتذكَّر الصعوبة في دراسة الشريعة عند بولس. فالدراسات عديدة وهي تروح في أكثر من اتِّجاه(32). ونبدأ فنورد بعض الآيات: رو 3: 21 ولكن الآن، برُّ الله أُظهر بدون شريعة! وشُهد (له) من الشريعة والأنبياء. 22 فَبِرُّ الله بإيمان يسوع المسيح (هو) إلى كلِّ الذين يؤمنون، لأنَّه ليس هناك فرق. 23 فالجميع خَطئوا وحُرموا مجد الله. (صاروا) مبرَّرين مجّانًا بنعمته. بالنداء الذي في المسيح يسوع. »الآن« νυνι. هي مقابلة مع الماضي حيث كانت أعمال الشريعة تحتلُّ المكان الأوَّل. ففي الحاضر، تبدَّلت الأمور، ولم نعد بحاجة إلى شريعة(33). مثل هذا القول لا يقبل به العالم اليهوديّ، لأنَّ الشريعة هي إحدى عُمُد تقليد العهد. هي ما فُرضت ولا كانت نتيجة تنازل، بل قدَّمها الله الذي أحسَّ بآلام البشر. أعطيَت لا كمجموعة تشريعيَّة، ولا كقوانين لاشخصيَّة، بل بشكل عهد حياة بين الله وشعبه(34). ولكن هكذا كانت في البدء. فماذا فعل »المعلِّمون« بالشريعة؟ أما سيطرت فيها الأعمال الخارجيَّة على روحيَّة العلاقات مع الله ومع القريب؟ »أظهر« . πεφανερωται هي صيغة المجهول. طريقة للدلالة على عمل الله دون ذكر اسمه العليّ. ويتبعه فعل آخر في الصيغة عينها ،μαρτυρουμενη شُهد. عاد الرسول إلى الله نفسه ليبيِّن أنَّ دور الشريعة »زال«. هي لا تنفع بعد لكي ينال الإنسان البرّ. فهي غير قادرة أن تهب الحياة وتقود إلى المسيح. »البر«(35). لفظ يقابل qdc في العبريَّة، الصدق. وفي السريانيَّة ؟؟؟. البرّ قاعدة حياة، جواب الإنسان على نداء من لدن الله. من يعطي هذا البرّ؟ الله، الأمين دومًا على مواعيد الخلاص. والله يعطي هذا الخلاص مجّانًا بواسطة يسوع المسيح الذي تضامن مع البشر فاقتلعهم من الخطيئة ورفعهم إلى الله. وما هو دور الشريعة هنا؟ تكتفي بأن تشهد لبرِّ الله، وهنا الشريعة تعني كلام الله بموازاة أسفار الأنبياء. كان البشر خطأة، فما نالوا الخلاص بأعمال الشريعة. قدَّموا الذبائح العديدة، واحتاجوا أن يكرِّروا هذه الذبائح كلَّ سنة، ولكنَّ النتيجة لبثت سلبيَّة إلى أن قدَّم يسوع نفسه ذبيحة بلا عيب. * * * ونقدِّم النصَّ الثاني من الرسالة إلى رومة، الذي يبدو أكثر سلبيَّة لأنَّه يربط الشريعة بالخطيئة. وها نحن نورد الفصل السابع: 7 فماذا نقول؟ هل الشريعة خطيئة؟ (هذا) لا يكون. ولكن ما عرفتُ الخطيئة إلاَّ بالشريعة، ولأنّي ما عرفتُ الشهوة لو أنَّ الشريعة ما كانت تقول: »لا تشته«. 8 فالخطيئة أخذَتْ فرصة بالوصيَّة فأثارت فيَّ كلَّ شهوة، لأنَّ الخطيئة بدون شريعة ميتة. 9 وأنا كنتُ أحيا قبلاً بدون شريعة. ولمّا أتت الوصيَّة عاشت الخطيئة(36). نبدأ أوَّلاً بالصورة المأخوذة من العالم القضائيّ: أنا لا أعرف الجريمة حتّى يحدِّدها القانون. عندئذٍ يعرف الإنسان الجرم الذي اقترفه ويرتقب العقاب. وكذا نقول بالنسبة إلى الخطيئة في اتِّصالها بالشريعة. والصورة الثانية هي صورة حربيَّة: الخطيئة اتَّخذت فرصة. اتَّخذت المبادرة وقامت بالهجوم على الإنسان. جاءت الشريعة تُنهي الإنسان عن عمل ما، فأراد أن يرى ما وراء النهي، على مثال آدم وحوّاء: وماذا إذا أكلنا من شجرة معرفة الخير والشرّ؟ ألا نصير آلهة؟ وهكذا خُدع الإنسان فاستفادت الخطيئة من الوصيَّة »وقتلتني« (آ12). ويرد لفظان يبدوان مترادفين: الشريعة، الوصيَّة. تحدَّثنا عن الشريعة التي تحاول أن ترسم للإنسان خطٌّا يسير فيه. والوصيَّة بقوَّتها الآمرة، الفارضة، ارتبطت بالعهد القديم (تك 26: 5: إبراهيم حفظ أوامري)، وهي تنطبق على الشرعة والقرارات والتنظيمات(37). وتجاه الخطيئة أطلَّت الشهوة التي هي بداية الطريق. إنَّ επιθυμια هي محرِّك قويّ للعمل، ديناميَّة خلاَّقة. حدَّدها أرسطو: »دفعٌ إلى ما يسرُّنا«. وقال الكتاب: هي الخطيئة النموذجيَّة في البرِّيَّة. ترتبط بالنسمة، بالقلب، بالاحتدام والاضطرام θυμος. نشير هنا إلى أنَّ الشهوة تبقى »حياديَّة«. يمكنها أن تميل إلى الشرِّ كما إلى الخير. والفعل الذي يدعو الإنسان أن لا يشتهي ουκ επιθυμεσεις يذكِّرنا بالوصايا كما في سفر الخروج: أنت لا تشتهِ امرأة قريبك. أنت لا تشتهِ مقتنى غيرك. مثل هذا الفعل يدعو إلى الطاعة. ولكن بما أنَّني ضعيف، اجتذبتني الشهوةُ إلى الخطيئة. فما بقي للرسول سوى أن يقول باسم كلِّ واحد منّا: »الويلُ لي أنا الإنسان الشقيّ، من ينقذني من جسد الموت هذا!«(38) * * * في هذا الإطار السلبيّ، لماذا وُجدت الشريعة؟ أما كان أفضل أن لا توجد؟ فالإنسان قبْلَ الشريعة وبعْدَها يستطيع أن يفعل الخير، سواء كان يهوديٌّا أو يونانيٌّا؟ وُجدت الشريعة لكي تكون لنا »المؤدِّب«. وها نحن نقرأ النصّ الثالث في الرسالة إلى غلاطية (ف 3): 19 فلماذا الشريعة؟ أضيفت بسبب التعدِّيات إلى أن يأتي النسل الذي وُعد له (= لإبراهيم)، معلَنة بالملائكة في يد وسيط. 21 فهل الشريعة ضدَّ وعود الله؟ (هذا) لا يكون. فلو أنَّه أعطيت شريعة قادرة أن تحيي، كان البرُّ بالحقيقة من الشريعة. 23 فقبل أن يأتي الإيمان كنّا محبوسين تحت حراسة شريعة إلى أن يُعلَن الإيمانُ المزمع. 24 إذًا، كانت الشريعة مؤدِّبنا إلى (مجيء) المسيح، لكي نُبرَّر بالإيمان. 25 لكن لمّا أتى الإيمان لا (نكون) بعدُ تحت مؤدِّب. كيف وصلت الشريعة ساعة البشريَّة عاشت أجيالاً وأجيالاً دون الحاجة إليها؟ بسبب التعدِّيات παραβασεωεν هو لفظ يقابل الخطيئة αμαρτια. يقول بولس: أضيفت. نقرأ صيغة المجهول أيضًا وأيضًا. هل الربُّ أضافها؟ ووجودها له حدود إلى أن يأتي النسل، الزرع σπερμα. إذًا، نظام الشريعة مرحلة موقَّتة في تاريخ الخلاص. ومجيء المسيح يضع له حدٌّا. جاءت الشريعة كإضافة، أو بجانب التعدِّيات. هي إذًا على هامش القصد الخلاصيّ، لأنَّ دورها ليس بالدور المحرِّر بشكل مباشر. هي تتدخَّل بسبب التعدِّيات بحيث تزيد على الخاطئ مسؤوليَّة فوق مسؤوليَّة (رو 4: 15؛ 5: 20)، وتُحرّك تعدِّيات أخرى. كلُّ ما تستطيع الشريعة أن تفعله هو أن تكشف للإنسان عبوديَّته: هو عبد وعليه أن ينتظر من يحرِّره من العبوديَّة. هذه الشريعة جاءت بيد الملائكة αγγελων. هذا يعني في نظر بولس أنَّها لا تساوي تلك التي أعلنها الربُّ على جبل سيناء. أمّا اليهود فاعتبروا سلطتها سامية. في نظر بولس، حمل الملائكة الشريعة فاستعبدوا الإنسان الذي احتاج إلى وسيط مثل موسى. ولهذا، حين يحرِّر المسيح البشر من الشريعة، يحرِّرهم أيضًا من هذا الارتباط وهذه العبوديَّة. فإذا كان دور الشريعة أن تقود البشر إلى المسيح، فهي إذًا مؤدِّبة παιδαγωγος. وما هو دورها؟ دور العبد الذي يقود الطفل إلى المدرسة، ما دام قاصرًا. ولكن حين يصير راشدًا فهو لا يحتاج بعدُ إلى مؤدِّب، إلى مربٍّ. إلاَّ إذا أراد أن يبقى قاصرًا، بحيث لا يتميَّز عن العبد في شيء على مستوى الحقوق والواجبات. هل تهب الشريعة البرّ؟ كلاّ. هل تعطي الحياة؟ كلاّ. بل هي سجن للإنسان. فنحن المؤمنون »مسجونون« συγκλειομενοι. نحن في حراسة εφροιρουμθα هي صيغة المجهول. ذاك هو كلُّ دورها. وإن حُبسنا (آ22) تحت الخطيئة، فلكي نسير كلُّنا إلى الخلاص في موكب الربِّ يسوع. إلى متى نُسجَن؟ إلى مجيء المسيح. وهذا المجيء يُدخلنا في نظام الإيمان πιστεως الذي يضع حدٌّا لنظام الشريعة. حينئذٍ لا نكتشف تعليمًا فقط حول قصد الله الذي يتجلَّى ويقدَّم لنا، بل موقفَ انفتاح على عطيَّة الله، على روح ابنه. عندئذٍ لن نكون بعدُ عبيدًا، بل أبناء (وبنات) تبنّانا الله، فهتفنا له: أبّا، أيُّها الآب. ب- الوجه الإيجابيّ تطلَّع بولس إلى عدم فائدة الممارسات المتعلِّقة بالعالم اليهوديّ، من ختان (غل 6: 12) وأعمال أخرى (غل 4: 10). هذا يعني أنَّ الشريعة تنحصر في نُظُم العهد القديم. وندَّد الرسول أيضًا بتمثُّل خاطئ عن التدبير الخلاصيّ، حيث يستحقُّ الإنسان أن يُبرَّر في ممارسته للشريعة، ساعة هو يُبرَّر بواسطة يسوع المسيح. ومع ذلك، هذه الشريعة هي من الله. ومع أنَّها أعطيَت بيد الملائكة، فهي مقدَّسة وروحيَّة، وهي امتياز خاصّ بشعب إسرائيل(39). وها نحن نقرأ النصوص: رو 3: 28 فنعتقد أنَّ الإنسان يبرَّر بالإيمان، لا بأعمال الشريعة. 31 إذًا، أنُبطل الشريعة بالإيمان؟ (هذا) لا يكون، بل نُثبت الشريعة. في إطار كلام عن عصيان البشريَّة كلِّها، يهودًا ويونانيّين، تحدَّث بولس عن البرِّ الذي نناله بالإيمان. ولا فرق في ذلك بين يهوديّ ويونانيّ. هذا يتبرَّر بالإيمان، وذاك يتبرَّر بالإيمان، وإن حَسبَ في وقت من الأوقات أنَّه يَتبرَّر بالأعمال. ويُطرَح السؤال: هل نبطل الشريعة؟ καταργουμεν. هل ننقضها؟ هل نُزيلها؟ والجواب: هذا لا يمكن أن يكون. بل بالعكس: نثبت الشريعة ιστανομεν. إذًا، لا تعارض في العمق بين الشريعة والإيمان. لأنَّ الإيمان يدعونا في النهاية إلى التجاوب مع نداء الله وممارسة الشريعة، شريعة المسيح. ونقرأ نصٌّا آخر في غل 3: 21: »هل الشريعة ضدَّ وعود الله؟« والجواب: »هذا لا يكون«. فشخص إبراهيم هو هنا. نال المواعيد وفي الوقت عينه آمن (من خلال الطاعة) فحُسب له إيمانه برٌّا. وفي الرسالة إلى رومة، تحدَّث بولس عن المسيح الذي تحرَّر من الشريعة. كما تتحرَّر المرأة يوم يموت زوجها، كذلك المؤمن »يموت عن الشريعة بجسد المسيح، ليصير إلى آخر، إلى الذي قام من بين الأموات« (رو 7: 4). فأيُّ دور يبقى للشريعة بعد ذلك؟ هنا يعلن الرسول ولا يتركنا ننتظر: رو 7: 12. إذًا، الشريعة مقدَّسة والوصيَّة مقدَّسة وعادلة وصالحة. صفة ترتبط بالشريعة: مقدَّسة αγιος فالقداسة تنتمي إلى الله، ترتبط باسمه، بتساميه، بكيانه، وتتجلّى في أعماله. هو الذي يجعل الشريعة مقدَّسة، لأنَّها مفصولة عمّا هو دنيويّ، وحاملة ديناميَّة خاصَّة(40). والوصيَّة εντολη تجد نفسها مع ثلاث صفات. هي »مقدَّسة« αγια مثل الشريعة. ثمَّ δικαια عادلة. أي لا انحراف فيها ولا خطأ، لأنَّها من الله. وأخيرًا هي صالحة αγαθη، نافعة، تحمل الخير لكلِّ من يتعامل معها إيجابيٌّا بالطاعة(41). أمّا الصفة »عادلة« فتدلُّ على الحكمة التي يمارسها الإنسان. تعلِّمه العفَّة والفطنة، وتمنحه القوَّة. وهي في النهاية تساعد الإنسان على اجتناب الخطيئة. والصفة »صالحة« ترتبط بالجمال بحسب القول المأثور في اليونانيَّة: جميل وصالح καλος καγαθος. وأخيرًا، نستطيع القول إنَّ البرّ (= العمل بإرادة الله) الذي يرتبط بالشريعة δικαιωμα του νομου يعلِّمنا كيف نسلك بحسب الروح لا بحسب الضعف البشريّ، بحسب اللحم والدم σαρζ. ماذا نستطيع أن نقول، بعد هذا، عن الشريعة عند القدّيس بولس؟ هي أعطيَت لتكشف متطلِّبات وتُبرز تعدِّيات البشر. قبل الشريعة، كان البشر يفعلون الشرّ، ولكن لم تكن تُحسَب لهم الخطيئة خطيئة. ولمّا أتت الشريعة، حرَّكت شهواتهم واجتذبتهم إلى الثمرة المحرَّمة دون أن تعطي القوَّة لطبيعتهم الضعيفة بحيث تصنع الخير. ولمّا بيَّنت الشريعةُ للبشر تجاوزاتهم حكمت عليهم بالموت والدينونة. غير أنَّ عملها موقَّت، حتّى مجيء نسل إبراهيم، يسوع المسيح. إذًا، لعبت دور المربّي، المؤدِّب: هو العبد الذي يكلَّف بتربية الطفل والاعتناء به ما دام قاصرًا. ولكن حين يصبح راشدًا، لن يعود من دور له، كما أنَّ لا دور بعدُ للشريعة حين ننال نعمة التبنّي. فالآن متنا عن الشريعة وتحرَّرنا من »المربّي«، فصرنا للمسيح بعد أن قمنا معه. وإذ نولَد من جديد نستطيع أن نمارس في الروح ما تأمر به الشريعة: هي لم تعُدْ خارجيَّة. ليست مكتوبة على حجر، كما تسلَّمها موسى على جبل سيناء، ولا في كتاب، بل هي محفورة في القلوب. فالابن الذي لم يعد قاصرًا يُتمُّ طوعًا ما كان يفعله في الماضي خوفًا. وهكذا يتحرَّر المؤمن من الشريعة دون أن يقع في الفلتان، لأنَّه يبقى خاضعًا للحبّ. وإذ يحمله الروح، يُتمُّ الشريعة الجديدة، شريعة المسيح(42). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
متّى والشريعة |
موسى والشريعة |
يسوع والشريعة |
الطهارة والشريعة الموسوية |
الديانة المسيحية والشريعة |