رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الإناء المختار حدَّث الرسول تلميذه تيموتاوس عن الآنية التي تكون في البيت الكبير (2: 20). هي أنواع وأنواع. منها الثمينة تكون »من ذهب وفضَّة«، ومنها الأقل ثمنًا، تكون »من خشب وخزف«. من أيِّ نوع يكون خادم الربِّ؟ ونحن نعرف أنَّ الكتاب المقدَّس حين يريد أن يتحدَّث عن شيء ثمين، يشبِّهه بالذهب والفضَّة وسائر الحجارة الكريمة. مثلاً، »غطّى سليمان داخل الهيكل بذهب خالص، ومدَّ سلاسل ذهب أمام المحراب، وغطّى بالذهب الهيكل كلَّه ومذبح المحراب« (1 مل 6: 20-21). وما نقوله عن الهيكل نقوله عن أورشليم الجديدة التي لا قيمة توازيها: »وكانت الأبواب الاثنا عشر اثنتي عشرة لؤلؤة، كلُّ باب منها لؤلؤة، وساحة المدينة من ذهب خالص شفّاف كالزجاج« (رؤ 21: 21). هذا الموضع »المذهَّب« يستقبل الربّ. والإنسان يكون من ذهب لأنَّه يحمل كلام الله. وهكذا شُبِّه بالإناء. ففي إناء وُضع المنُّ (خر 16: 33) ليكون آية عن عناية الله في شعبه خلال المسيرة في البرِّيَّة. هذا ما يُدعى »إناء شريفًا، مقدَّسًا، نافعًا لربِّه، أهلاً لكلِّ عمل صالح«. ما يقابل الشريف هو »الخسيس«. وما يقابل المقدَّس هو »النجس«. وما يقابل النافع هو »المضِرّ«. وتجاه العمل الصالح يكون العمل الشرّير. فخادم الربِّ يريده الربُّ حاملاً الأعمال الصالحة وإلاَّ يجدَّف على اسم الله بسببه (رو 2: 24). فالأعمال الصالحة هي نور. ولهذا قال الربُّ في العظة على الجبل: »فليضئ نورُكم هكذا قدَّام الناس ليشاهدوا أعمالكم الصالحة ويمجِّدوا أباكم الذي في السماوات« (مت 5: 16). هل يعرف الرسول أنَّه »نور العالم«؟ (آ14). وهل يعرف أنَّه موضوع على مكان عالٍ لكي يَرى الجميعُ نورَه، سواء الذين في البيت (آ15) أو الآتون من الخارج والداخلون إلى البيت (لو 8: 16)؟ وتجاه آنية الذهب والفضَّة، هناك آنية الخشب والخزف. فهذه تكون لاستعمال دنيء. حرفيٌّا: للهوان. بسببها يُهان الله ولا يُكرَم. بسببها النور الذي فينا يكون ظلامًا (لو 11: 35). لهذا يدعونا الرسول لكي نتنقّى »من كلِّ هذه الشرور« (2 تم 2: 21). وما هي هذه الشرور التي تتربَّص بخادم الله؟ ذكر منها بولس ثلاثة: أهواء الشباب. المماحكات الغبيَّة، المشاجرات. ونبدأ بأهواء الشباب. الهوى ما يذهب بالعقل ويجعله يضيع، الهوى يأخذ بالنفس إلى مَيَلانها. في الأصل، الهوى يميل بنا نحو الخير والشرّ. ولكنَّ »أهواء الشباب« تعني عادة الانحرافات وذلك في خطِّ الكتاب المقدَّس. مثلاً، أبناء عالي الذين اختلفوا كلَّ الاختلاف عن والدهم الشيخ (1 صم 2: 22). ونقول الشيء عينه عن ابنَي صموئيل: لم يسلكا طريق الوالد، بل »مالا وراء المكسب، وأخذا رشوة، وعوَّجا القضاء« (1 صم 8: 3). ولو سمع رحبعام بن سليمان نصيحة الشيوخ لما انقسمت مملكته (1 مل 12: 13). بل سمع من الشباب الذين علَّموه أن يقول: »خنصري أغلظ من خصر أبي« (آ10). والمرتِّل سوف يصلّي: »لا تذكر خطايا صباي ومعاصيَّ« (مز 25: 7). ويعلن سفر الأمثال: »الشابّ الذي يُطلق العنان لأهوائه، يُخجل أمَّه« (أم 29: 15). ثمَّ المماحكات والجدالات. بمَ تقوم؟ تشير إليها الرسالة الأولى إلى تيموتاوس: الخرافات والأنساب (1: 4). هي تنظيرات يهوديَّة متعلِّقة بالآباء وببعض وجوه العهد القديم. استلهمها العالم الغنوصيّ بهرطقته التي تتضمَّن مزيجًا من الميتولوجيا اليونانيَّة والنظرة الفلسفيَّة وأمورًا من الكتاب المقدَّس. وما نجده أيضًا بعض المعلِّمين الكذبة الذين يحسبون نفوسهم معلِّمين في الشريعة بل في المجتمع كلِّه، فيقدِّمون »أناجيل« في وجه الإنجيل الحقيقيّ. تلك الأناجيل صارت اليوم »الأناجيل المنحولة«، أي التي انتحلت صفة ليست لها. فلا هي أناجيل بمعنى أنَّها تحمل الخبر الطيِّب، ولا هي ملهمة لكي تكون قاعدة الإيمان والأخلاق. ربَطَها الرسولُ بخرافات تتناقلها العجائز (1 تم 4: 7). إذًا، لا تهتمّوا لها. وتلميذ بولس يتجنَّبها لأنَّها تخلق الخصومات. مثل هؤلاء الناس يضعون المحبَّة جانبًا وينحرفون عن الإيمان ليضيعوا في كلام باطل، فارغ، لا منفعة منه، بل كلُّه ضرر. وجاء كلام الرسول قاسيًا: لا يفهمون ما يقولون، ولا ما يؤكِّدونه بقوَّة (1 تم 1: 7). فبقدر ما يشدِّدون على هذه الأمور، يدلُّون على أنَّهم جهّال. يرفعون الصوت فنحسب أنَّ الحقَّ بجانبهم، ولكنَّهم بعيدون عن الحقّ بُعدَ الظلمة عن النور. فهل نسمع بعدُ لهم؟ وأخيرًا المشاجرة. كدتُ أقول الخلاف والقتال والتباعد بين المؤمنين. لا، ليس هذا موقع »خادم الربّ« (2 تم 2: 24). ويعطيه الرسول التعليمات التي تجعله »أهلاً للتعليم«. الصفة الأولى، يكون رفيقًا، لا قاسيًا، خصوصًا على الجهّال والضعفاء. يكون وجهه بشوشًا وكلامه هادئًا. لا بالنسبة إلى فئة صغيرة يتعاطف معها، بل مع الجميع. والصفة الثانية الوداعة. فالودعاء يرثون الأرض، كما قال الربّ (مت 5: 5). ويمتلكون قلوب الناس. أمّا القوَّة فلا تنفع، والعنفُ يعطي النتيجة المعاكسة. تلك كانت طريقة الربِّ بحسب نبوءة إشعيا: »لا يماحك ولا يصيح ولا يسمع أحدٌ صوته في الشوارع. قصبة مرضوضة لا يكسر، وسراجًا مدخِّنًا لا يُطفئ«. هكذا يربح الرسول المؤمنين إلى »معرفة الحقّ«. ما أهون على الكاهن أن يحكم على من يخالفه الرأي، أو يناقشه! يجعله في فئة من الفئات ويحسبه هالكًا. قد يكون هذا الإنسان »وقع في فخِّ إبليس« (2 تم 2: 26). هل نتركه هناك؟ هنا نتذكَّر ما عمل يسوع مع تلك المرأة المنحنية الظهر: »أما يجب أن تُحَلَّ من رباطها؟« (لو 13: 16). وهذا الخاطئ، هل نتركه »يطيع مشيئة إبليس«؟ أم نطلبه كما يُطلَب الخروف الضالّ. والأسلوب يكون في الصبر والوداعة، فلا نعجِّل لأنَّ الربَّ »يأخذ« وقته، يطيل أناته، لكي يأتي بالجميع إلى التوبة. فهو إله الحياة لا إله الموت. يتجنَّب خادم الربِّ الأمور السلبيَّة، ومقابل هذا يطلب الأمور الإيجابيَّة. ذكر الرسول منها أربعة: البرّ، الإيمان، المحبَّة، السلام (2 تم 2: 22). أمّا البرُّ فهو العمل بمشيئة الله، واتِّباع طريق الإنجيل بعد حفظ الوصايا كما أوضحها يسوع. أوَّلاً تكون حياة الكاهن مثالاً في أقواله وأعماله وتصرُّفاته، »لئلاَّ يكون في خدمتنا عيب«، كما قال بولس. ومع البرِّ الإيمان. هو التعلُّق بالربِّ والاستسلام له في الرسالة. واحد منّا يزرع، وآخر يسقي. وما من أحدٍ منّا يُنمي، سواء نام الناس أو قاموا (مر 4: 26-27). المهمّ أن نقوم بالعمل المطلوب منّا: نزرع، نسقي، نزيل الحجارة، ننقب. هذا ما سوف نقوله عن الزارع والعامل في حقل الربّ. والصفة الثالثة، المحبَّة. محبَّتنا لله تدفعنا لكي نحبَّ الإخوة. قال القدّيس أوغسطين: »أحبب وافعل ما تشاء«. وحدَّثنا بولس: »المحبَّة لا يمكن أن تسيء إلى القريب«. ونحن في علاقاتنا، هل نبحث عمَّا يجعلنا على حقّ ولو حطَّمنا القريب؟ أم نطلب الحقَّ مع القريب متَّجهين إلى من يدعونا ويدعو الآخرين، بحيث يكون الجميع »في الحظيرة الواحدة؟« (يو 10: 16). وأخيرًا، السلام. السلام الآتي من الربّ، لا ذاك الذي نفرضه على الآخر حين نفرض عليه أن يصمت ولا يجادل بعد. قال بولس: »عيشوا في سلام مع جميع الناس« (رو 12: 18). وعاد يقول لنا في الرسالة عينها: »لنطلب إذًا ما فيه السلام والبنيان المشترك« (14: 19). الحرب تدمِّر: لا نجازي شرٌّا بشرّ. »نجتهد أن نعمل الخير أمام جميع الناس. نمتنع عن الانتقام. لا ندع الشرَّ يغلبنا بل نغلب الشرَّ بالخير« (رو 12: 17-21). |
|