رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الكاهن ومهمَّة التدبير »إنَّ الكهنة، وهم يمارسون مهمَّة سلطة المسيح الرأس التي تعود لهم، يَجمعون باسم الأسقف عائلةَ الله التي تُنعشها الوحدة الأخويَّة، ويقودونها بالمسيح في الروح إلى الله الآب. ولممارسة هذه الخدمة والقيام بسائر المهمّات، يُعطى الكاهن سلطة روحيَّة للبنيان. فعلى الجميع أن يتعاطوا مع الجميع في بنيان الكنيسة بإنسانيَّة متناهية إسوة بالربّ، وأن يتعاملوا معهم، لا بحسب الميول البشريَّة، ولكن حسب مقتضيات العقيدة والحياة المسيحيَّة، يعلِّمونهم ويؤنِّبونهم كأبناء أعزّاء...«. ذاك ما قال المجمع الفاتيكانيّ الثاني في مقطع عنوانه: »الكهنة قادة شعب الله«. واستند إلى كلام الرسول المتكلِّم عن السلطان »الذي وهبه الربُّ لنا لبنيانكم لا لهدمكم« (2 كو 10: 8). أجل، ذاك هو تدبير الكهنة في الرعيَّة. لهذا، فهم لا يتبعون ميولهم: فالرسول لا يحاول أن يرضي الناس، بل الله (غل 1: 10). وإلاَّ لن يكون خادمًا للمسيح. فالمؤمنون ليسوا غرباء، بل هم »أبناء« (1 كو 4: 14)، وبنات الله. ليسوا عبيدًا، بل »أحبّاء«. وهو بهذه الصورة ينصحهم، ويربّي »إيمانهم لبلوغ النضج المسيحيّ«. ويواصل المجمع: »فلا منفعة تُرجى من احتفالات، وإن جميلة، ومن اجتماعات، وإن مزدهرة«. وكلُّ ذلك في خطِّ ما قاله القدّيس جيروم: »ما الفائدة من أنَّ الجدران تلمع بالحجارة الكريمة ساعة المسيح يموت في الفقير؟« وتبدأ »التربية« على مستوى الإيمان. هناك أوَّلاً التعليم. يزعم بعض المؤمنين أنَّهم معلِّمون، ولكنَّهم »لا يفهمون ما يقولون وما يؤكِّدون« (1 تم 1: 7). يقول فيهم الرسول: »زاغوا... وانحرفوا إلى الكلام الباطل« (آ6). أشارت الرسالة هنا إلى بعض العائدين إلى التعاليم اليهوديَّة التي تذكر »أنسابًا لا نهاية لها« (آ4). كلُّ هذا يثير المجادلات التي لا تَبني الكنيسة، بل تدمِّرها. فمثلُ هذه التعاليم التي يطلقها من يحسبون نفوسهم »معلِّمي الشريعة«، تخالف تعاليمنا. فلماذا نُصغي إليها؟ أين حضور الكاهن؟ وهل يصغون إليه أم إلى كلِّ جديد يأتي إلى الرعيَّة؟ هناك إصغاء فيه المنفعة المادِّيَّة وغيرها. وهناك إصغاء يحاول أن يُقنع المؤمنين أو يملأ فراغًا في قلوبهم على ما قال الرسول: »كيف يسمعون إن لم يكن هناك من يبشِّرهم« (رو 10: 14). إن لم يكن الكاهن هو الذي يبشِّرهم، أو من يعاون الكاهن من الفرق الرسوليَّة. فالآتون من الخارج هم سرّاق ولصوص. هم لا يدخلون من الباب، بل يتسلَّقون من موضع آخر. والراعي غائب عن رعيَّته، وسيأتي وقتٌ يستغني الربُّ عن خدماته. ويحسبه »ذاك الخادم الشرّير الذي يرجع سيِّده في يوم لا ينتظره وساعة لا يعرفها، فيمزِّقه تمزيقًا ويجعل مصيره مع المنافقين« (مت 24: 50-51). أجل، عمل الكاهن التدبيريّ هو، قبل كلِّ شيء، الدفاع عن الرعيَّة، وإبعاد الخطر المتأتّي عن التعاليم الباطلة. ومع مثل هذه التعاليم، هناك المعلِّمون الكذبة. فتتحدَّث الرسالة عن »أرواح مضلِّلة وتعاليم شيطانيَّة« (1 تم 4: 1). فالشيطان هو ما يعارض الله، وبالتالي شريعته المقدَّسة. في زمن بولس، كانت فئة تدَّعي أنَّها تعرف أمورًا سرِّيَّة لا يعرفها الناس العاديّون: »ينهون عن الزواج وعن أنواع من الأطعمة« (آ2). وفي يومنا، كما في كلِّ الأيّام، كم »من الخرافات الباطلة« (آ7) التي تجعل الناس يضيعون؟ وهكذا يعيشون في الضلال. فإذا كان الكاهن »أبًا« في امتداد أبوَّة الله، فكيف لا يعرف حاجات أولاده؟ الكاهن يحارب التعاليم الضالَّة، وفي الوقت عينه يُطلق التعليم الصحيح. يقول عنه النبيّ حزقيال: يكون في الثغرة، في »سور« المدينة. يدافع، يقوّي، يشجِّع. والكاهن »لا يعيق عمل الروح« (1 تس 5: 19). فالروح يمنح المواهب لهذا وذاك، والكاهن يعرف أن يمتحن كلَّ شيء ليميِّز عمل الروح في المؤمنين. هناك من يعرف أن يعلِّم، فلماذا نمنعه عن التعليم؟ هناك من يعرف كيف يتدبَّر الأمور، فلماذا لا نستفيد من حكمته؟ وتشدِّد 1 تم على الاهتمام بالأرامل. ويقول النصّ: »اللواتي هنَّ حقٌّا أرامل« (5: 3). ويقدِّم الرسول إلى تلميذه النصائح اللازمة. »لا تُكتَب امرأة في سجل الأرامل إلاَّ التي بلغت الستّين سنة، وكانت زوجة رجل واحد، ومشهودًا لها بالعمل الصالح، وربَّت أولادها تربية حسنة، وأضافت الغرباء، وغسلت أقدام الإخوة القدّيسين، وساعدت المنكوبين، وقامت بكلِّ عمل صالح« (آ10). في الواقع، تلك هي الأعمال التي تقوم بها الراهبة في مجتمعنا، أو الأشخاص الذين صاروا إلى التقاعد في المجتمعات المتطوِّرة. كيف التعامل مع هؤلاء المستعدّين والمستعدَّات للخدمة في الكنيسة؟ هنا يأتي دور الكاهن في الرعيَّة، والأسقف في الأبرشيَّة. هو يتدبَّر الرعيَّة كما الإنسان يتدبَّر بيته، ويقول فيه الربُّ يسوع: »يعطي الخدم الطعام في حينه« (مت 24: 45). لأنَّه »العبد الأمين الحكيم«. فالعبد هو الذي يلتصق بسيِّده، ويعرف مشيئته. وهو الأمين، الثابت على عمله، لا يحيد عمّا طلبه منه سيِّده يمنة ولا يسرة. وأخيرًا هو الحكيم، لا بحكمة البشر، بل بخدمة الله. لا يطلب ما لنفسه، بل ما هو للجماعة. هكذا يكون الراعي »المدبِّر الحكيم«. كما تنشد الجماعات له في بعض احتفالاتها. الخاتمة إذا كان تيموتاوس »كاهنًا« على هذا المستوى، يستحقُّ أن يدعوه الرسول »ابني الحقيقيّ في الإيمان«. تلك هي العلاقة بين الأسقف والكاهن، بين الكاهن وكلِّ واحد من الرعيَّة. هي بنوَّة وأخوَّة في الإيمان. ولا يمكن أن تكون العلاقة بين الراعي والرعيَّة كما هي على المستوى البشريّ، حيث الرئيس والمرؤوس، حيث المخافة والتهديد هما اللذان يسيطران. أمّا ما طلب الرسول من تيموتاوس، وما يمكن أن يُطلَب من الكهنة، هو أوَّلاً خدمة الكلمة بالتبشير والإنذار والإرشاد. فالله يرسل كهنته لكي ينبِّهوا الخاطئ، وإن هم لا ينبِّهونه، يُطالَبون، على ما قال الربُّ في النبيّ حزقيال. والخدمة الليتورجيَّة تجعل الإنجيل في صلاة المؤمنين، خلال الاجتماع الأسبوعيّ، يوم الأحد، وفي سائر الاجتماعات. فالربُّ قال بفم نبيِّه: شعبي لا يعرف. لهذا فهو يمضي يبحث حيث يمكن أن يجد معرفة. وبدلاً من أن يمضي إلى »ينبوع المياه الحيَّة« (إر 2: 13) يفتِّش هنا وهناك عن »آبار مشقَّقة لا تمسك الماء«. وأخيرًا، ما طلب الرسول من تيموتاوس، هو الاهتمام بكلِّ فئات الرعيَّة، فيكون كالأب والأمّ معًا. يقسو ساعة القساوة مطلوبة، ويحنو ساعة يجب الحنان. »يا تيموتاوس، احفظ الوديعة«. سلَّمك الربُّ وزنات وفي النهاية يطالبك. ويا ما أحلى حين يقول لك: »أحسنتَ، أيُّها الخادم الصالح الأمين! كنتَ أمينًا على القليل. فسأقيمك على الكثير: أدخل نعيم سيِّدك« (مت 25: 23). أيها الأسقف، أيها الكاهن، أمامك بولس، أمامك تيموتاوس وسائر الذين حملوا البشارة في بداية الكنيسة ولا يزالون يمضون إلى أصقاع عديدة في العالم. أمامنا المثال، فماذا ننتظر لكي نقتدي به! |
|