رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إن بشَّركم أحد بإنجيل آخر الخطر يحيق بهؤلاء المؤمنين الجدد الذين يدعوهم بولس »أبنائي الصغار« (غل 4: 19). من أين يأتي هذا الخطر؟ من المسيحيّين المتهوِّدين؟ أي الذين يريدون أن يحافظوا على الممارسات اليهوديَّة، كما يريدون أن يفرضوا هذه الممارسات على الآتين من العالم الوثنيّ. هذا ما نعرفه أوَّلاً من سفر الأعمال. فهم يقولون: »لا خلاص لكم إلاَّ إذا اختتنتم على شريعة موسى« (أع 15: 1). هم يشبهون الكثيرين في أيّامنا الذين يفرضون ممارسات وعادات وكأنَّها من صلب الإيمان، بينما هي تحجِّرُ الإنسانَ ولا تطلقه في حرِّيَّة الإنجيل. أمّا الرسول فقال: »إن بشَّركم أحد بغير ما بشَّرناكم، ولو كان ملاكًا من السماء، فليكن ملعونًا، محرومًا« (غل 1: 8). أي لا تحلُّ عليه بركة الله ويُقطَع من جسم الكنيسة. وعاد الرسول وشدَّد: قلت وأقول: ليكن محرومًا. والخطر الأكبر هو »الحذر« تجاه الرسول: أراد أن يرضي الناس، هكذا قالوا. سهَّل عليهم الأمور. خفَّف، بل ألغى ممارسات تُقرأ في الكتاب المقدَّس فردَّ الرسول: »إن كنت أطلب رضا الناس فلست عبدًا ليسوع المسيح« (آ10) أتظنُّون أنّي أستعطف الناس لكي يسيروا ورائي. أمامي فقط يسوع المسيح ويسوع المصلوب. فهو وحده من أريد أن أرضي. لأنَّه »ضحّى بنفسه من أجل خطايانا لينقذنا من هذا العالم الشرّير« (آ4). أ- بولس الرسول منذ البداية وقبل أن يحيّي المؤمنين، كما اعتاد أن يفعل في الرسائل، أعلن بولس أنَّه رسول يسوع المسيح. من دعاه إلى الرسالة؟ الناس؟ كلاّ. سبق وقال إنَّه لا يحتاج إلى رسائل توصية كما يطلب بعض الذين يريدون رسولهم على قياسهم. أنا رسول »بدعوة من يسوع المسيح والله الآب« (آ1). من أين لبولس الرسالة وهو الذي لم يعرف المسيح بالجسد؟ وهل معرفة المسيح بالجسد تكفي للخلاص؟ والذين رافقوه في طرقات الجليل والسامرة واليهوديَّة، هل آمنوا به؟ قال عنهم يوحنّا: »ما أعلنوا إيمانهم مسايرة للفرّيسيّين، لئلاَّ يُطرَدوا من المجمع« (يو 12: 42). وكيف تكون معرفة يسوع الحقيقيَّة؟ قال بولس عن نفسه: »أعرف المسيح وأعرف القوَّة التي تجلَّت في قيامته وأشاركه في آلامه وأتشبَّه به في موته« (فل 3: 10). فكما الربُّ ظهر للرسل بعد قيامته وأرسلهم ليتلمذوا جميع الأمم (مت 28: 19)، كذلك أرسل بولس وأخبر حنانيا بذلك: »اخترتُه رسولاً لي يحمل اسمي إلى الأمم والملوك وبني إسرائيل، وسأريه كم يجب أن يتحمَّل من الآلام في سبيل اسمي« (أع 9: 15-16). أجل، بدأ الرسول ودافع عن نفسه: كان ذاك المضطهد (غل 1: 13) قبل أن يختاره الله. وهذا الاختيار ليس وليد الساعة، بل إنَّ يسوع وضع عينيه عليه منذ طفولته. قال: »ولكنَّ الله بنعمته اختارني وأنا في بطن أمّي فدعاني إلى خدمته... وشاء أن يعلن ابنه فيَّ لأبشِّر به بين الأمم (آ15-16). ويُطرَح السؤال: أين تعلَّم بولس تعليم المسيح؟ هل استغنى عمّا عرفه التلاميذ خلال ثلاث سنوات تقريبًا؟ هل علَّمه يسوع مباشرة بحسب ما قال: »فاعلموا، أيُّها الإخوة، أنَّ البشارة التي بشَّرتكم بها غير صادرة عن البشر، فأنا ما تلقَّيتها ولا أخذتها من إنسان، بل عن وحي من يسوع المسيح« (آ11-12). لا شكَّ في أنَّ يسوع هو المعلِّم الأكبر. »أحرق« قلب الرسول وهو في طريقه إلى دمشق، رفعه إلى السماء الثالثة وأسمعه كلامًا ساميًا (2 كو 12: 2-4). وانطلاقًا من هذه الخبرة الأساسيَّة، كتب لنا من الرسائل ما كتب، بيده أو بيد تلاميذه. لكنَّنا نفهم أيضًا من كلام الرسول أنَّه لم يبشِّر حالاً بالإنجيل، بعد اهتدائه، بل مضى إلى بلاد العرب، وهو ما يقابل حوران في جنوب سورية وشرقيّ نهر الأردنّ، حيث كان الإنجيل انتشر بسرعة كبيرة في أراضٍ قريبة من فلسطين. هناك تعلَّم الرسول مثلاً ممارسة الإفخارستيّا، وهو الذي كتب عنها قبل الأناجيل بعشرين وثلاثين سنة (1 كو 11: 23-27). وسمع في تلك الجماعات »العربيَّة« شهادات الذين تراءى لهم الربُّ بعد قيامته. فبولس تلقّى البشارة من الكنائس التي عاش فيها قبل أن يحمل هذه البشارة. هذا يدلُّ على أهمِّيَّة كلِّ كنيسة، كلِّ رعيَّة، في إيصال البشارة للآتين من الخارج. ب - يدعو الجميع إلى الخلاص لا حاجز بعد اليوم بين »يهود بالولادة« و»أمم خاطئين« (غل 2: 15). ما هذا الكلام الذي يحمل الكبرياء والعجرفة ويفصل المؤمن عن المؤمن؟ أنا معمَّد وأنت معمَّد، فأيُّ فضل لك عليَّ؟ هل أنت مؤمن من الدرجة الأولى وجارك مؤمن من الدرجة الثانية؟ أنت مختون! ماذا يزيد ختانك على إيمانك؟ لا شيء. أنت غير مختون، فماذا ينقص إيمانك؟ لا شيء. وسأل الرسول: »هل نحن اليهود أفضل عند الله من اليونانيّين؟ كلاّ. فاليهود واليونانيّون خاضعون جميعًا لسلطان الخطيئة« (رو 3: 9)، وبالتالي يحتاجون كلُّهم إلى الخلاص بيسوع المسيح. فما يبرِّر المؤمن ليس هذا العمل أو ذاك. ليس »العمل بأحكام الشريعة« بل »الإيمان بيسوع المسيح«. في هذا الإطار نفهم حادثة أنطاكية كما رواها بولس في هذه الرسالة: المؤمنون كلُّهم، سواء جاؤوا من العالم اليونانيّ أو من العالم اليهوديّ، متَّكئون إلى المائدة الواحدة، ومعهم بطرس ومرافقوه، وبرنابا وبولس. من أجل عشاء المحبَّة، أغابي. وبعده يأتي الاحتفال بعشاء الربّ، بالإفخارستيّا. »لا فرق بين يهوديّ وغير يهوديّ« (غل 3: 28). ولكنَّ هذا الاجتماع مهدَّد: »قبل أن يجيء قوم من عند يعقوب أخي الربّ، الذي لبث أمينًا للممارسات اليهوديَّة«، كان بطرس يأكل مع غير اليهود. فلمّا وصلوا (= جماعة يعقوب) تجنَّبهم (= غير اليهود) وانفصل عنهم خوفًا من دعاة الختان« (غل 2: 12). هو الخوف يسيطر. هو الحياء. هو المسايرة في قضيَّة هامَّة من قضايا الإيمان. الانشقاق داخل الكنيسة، داخل الجماعة الواحدة بسبب علامة في الجسد! هو الرياء والخبث: في الخارج نحن معًا، ولكن حين تتبدَّل الظروف نتبدَّل نحن. الرياء. كلمة قاسية وصف بها يسوع الفرّيسيّين: يقولون ولا يفعلون (مت 23: 3). قال بطرس في »مجمع« أورشليم: »ما فرَّق (الله) بيننا (نحن اليهود) وبينهم (= أي الوثنيين) في شيء... خصوصًا ونحن نؤمن أنَّنا نخلص بنعمة الربِّ يسوع كما هم يخلصون« (أع 15: 9، 11). فما الذي جرى هنا؟ انفصل بطرس، »وجاراه سائر اليهود في ريائه، حتّى إنَّ برنابا نفسه انقاد إلى ريائهم« (غل 2: 13). هذا أمرٌ لم يقبل به بولس. وهي طريق غير مستقيمة حيث 'التمييز يدمِّر الكنيسة تدميرًا. كنيسة للبيض وكنيسة للسود، كنيسة لأهل البلد وكنيسة للأغراب. والغريب عن الرعيَّة يبقى غريبًا. والغريب عن الطائفة يكون في الدرجة الثانية، هذا إذا أعطيَت له درجة. حين نتصرَّف هكذا نفعل مثل »الوثنيّين« بآلهتهم المتعدِّدة، لا مثل المؤمنين بالإله الواحد حيث الجميع إخوة وأخوات في عناية أب واحد، هو أبو ربِّنا يسوع المسيح. رسالة بولس رسالة الانفتاح لا الانغلاق. أُرسل أوَّل ما أُرسل إلى اليونانيّين، إلى الأمم، وهو لن ينجح لدى اليهود الذين سوف يلاحقونه حتّى نهاية حياته. وهو روى عن نفسه ما رأى في رؤيا: »قال لي الربّ: »هيّا، سأرسلك إلى البعيد، إلى الأمم الوثنيَّة« (أع 22: 21). مكانك ليس في أورشليم، »قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها« (مت 23: 37)، بل في أنطاكية، تلك المدينة التي تضمُّ كلَّ الأعراق والشعوب، وتدعو المؤمنين كلَّهم »مسيحيّين« (أع 11: 26)، نسبةً إلى يسوع المسيح، لا نسبة إلى أحد آخر، إذ »ما من اسم آخر في السماء وهبه الله للناس نقدر به أن نخلص« (أع 4: 12). اختار بولس طريق الإيمان وترك ممارسات الشريعة اليهوديَّة من أجل المسيح المصلوب »من أجلنا ومن أجل خلاصنا«. فمن اختار أن يتبرَّر بأعماله من ختان وامتناع عن أطعمة وممارسات أخرى، جعل موتَ المسيح بدون فائدة. أمّا من يقبل أن يبرِّره المسيح بحيث لا يحسب نفسه قادرًا على تخليص نفسه بنفسه، فهذا يدلُّ على أنَّ موت المسيح أثمر فيه. »مع المسيح صلبتُ، فما أنا أحيا بعدُ، بل المسيح يحيا فيَّ. وإذا كنتُ أحيا الآن بالجسد، فحياتي هي في الإيمان بابن الله الذي أحبَّني وضحّى بنفسه من أجلي« (غل 2: 20-21). |
|