جريدة الشروق وموضوع هام عن «البابا» الذى يريده «الإخوان»
تحقيق ــ جرجس فكرى
«من هو مرشح الإخوان لمنصب البابا؟»، بهذه المزحة سخر مستخدمو الانترنت من وجود مرشح إخوانى لكل المناصب، واعتبر المازحون أن الجماعة حتما سيكون لها مرشح للكرسى البابوى الذى خلا فى الكنيسة بوفاة البابا شنودة الثالث فى إطار أحاديث واتهامات الاستحواذ والتكويش التى لاحقت الجماعة وحزبها، ولم يدر صاحب ذلك التساؤل الساخر، أنه يعكس صراعا حقيقيا داخل أروقة الكنيسة وفى نفوس الأقباط، حول شخصية البابا القادم ومدى التوافق السياسى حوله، خصوصا بعد أن تولت جماعة الاخوان المسلمين مقاليد الحكم.
«الشروق» رصدت حالة من الخوف تسيطر على الاقباط المقبلين على اختبار البابا الجديد، الذى تنتظره معركة من وجهة نظر البعض مع التيارات الاسلامية الحاكمة، فالشعب القبطى يريده قويا عنيفا فى الدفاع عن حقوقهم كما قال عدد منهم، بينما يريده الاسلاميون قليل الكلام كثير الإنصات، بحسب عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين.
«عندما احتجز السادات البابا شنودة وحدد إقامته وعزله من منصبه، أعلن عمر التلمسانى المرشد العام للإخوان المسلمين، أنه مستعد أن يقف مطالبا بالإفراج عنه من أعلى مئذنة بالقاهرة، وبالفعل عندما أطلق سراح البابا قام المرشد بزيارته فى مقره»، الرواية التى سردها الكاتب محمد عبد القدوس فى مقال بمجلة صباح الخير فى 9 يوليو 1992، كان المقصود منها أن تعكس المحبة والتسامح الذى يتعامل به الاخوان المسلمون مع بابا الأقباط ورمزهم الأكبر، لكنها تجاهلت فى الوقت نفسه أن التلمسانى لم يكن طرفا فى الصراع الذى كان يدور وقتها بين الكنيسة والرئيس، الذى أصبح اليوم أحد قيادات الجماعة.
الخوف من نفوذ البطريرك على شعبه كان دائما أهم أسباب تدخل الحكام المصريين فى اختيار شخصية البابا، وفقا لما ذكرته دراسة بعنوان «التأثيرات السياسية على انتخاب وعمل بطاركة كنيسة الاسكندرية»، وهو ما أدى إلى أحد أمرين أولهما سيطرة الحاكم المسلم على الكنيسة من خلال تطويع البابا أو الصدام العنيف بينهما.
ولعل منصب البابا الذى يتمتع بخصوصية مقدسة عند الأقباط أكدت عليها كتب تعاليم الرسل فقالت عنه «هذا الذى بوضع يديه يدفع لكم الرب الروح القدس، فاعرف قدر كرامتك وأكرم الذى صار لك واسطة لهذه المنزلة العظيمة، ووقر الذى صار لك أبا»، لم يعد مسألة قبطية بحتة منذ أزمة الرئيس السادات مع البابا السابق، والتى حكى جزءا منها الأب متى المسكين فى مذكراته قائلا «أدركت خطورة المظاهرات التى رتبها بعض الاقباط فى الولايات المتحدة للقيام بها ضد الرئيس فى أمريكا امام البيت الابيض، وامام فندق بلير هاوس الذى سينزل فيه الرئيس، وعلم بها السادات قبل سفره، وكان له أسوأ الاثر فى نفسه، اذ اعتبر أن الكنيسة قد ادخلت نفسها كطرف صراع ضد الدولة».
وكتب الاب متى المسكين فى وثيقة مخطوطة أنه فى سبتمبر 1981 دعى لمقابلة السادات، «طلب منى ابداء الرأى فيما وصلت اليه العلاقة بين الكنيسة والدولة، واقترحت عليه اولا مصالحة البابا، فرفض الرئيس رفضا باتا، فاقترحت حلا وسطا بتعيين لجنة وساطة من بعض الاساقفة مع بقاء البطريرك كما هو، فرفض رفضا باتا، ثم اقترحت تعيين هيئة علمانية من المسئولين الاقباط للتعامل مع الدولة وبقاء الكنيسة بعيدة، فرفض ايضا، ولما علمت بالنية القاطعة لتوقيف البابا البطريرك وابعاده، جاهدت ألا يمس هذا الاجراء الوضع الدينى، وهو الشق الاول من تنصيبه وهو وضع اليد والصلاة، فهذا ليس من اختصاص الدولة».
أعادت الأزمة التى نشأت بعد اعلان الكنيسة القبطية يوم 26 مارس 1980 إلغاء الاحتفالات بعيد القيامة ورفضها لأول مرة فى التاريخ بروتوكول الحكومة الخاص بالمندوبين المرسلين من قبل رئيس الدولة لتهنئة الاقباط داخل الكنائس، سواء فى القاهرة أو الاسكندرية أو سائر المحافظات، وتطبيق ذلك ايضا على كل الكنائس القبطية فى كل بلاد العالم بمنع السفراء والقناصل من دخول الكنائس القبطية لتقديم تحية العيد للأقباط، وهو الاجراء الذى اعتبره بعض السياسيين بمثابة تحد شخصى للرئيس السادات، أعادت طرح مسألة اختيار البابا الذى يرضى عنه الحاكم، وأصبح منطقيا أن يكون للسلطة التى تتولى الرئاسة أن تضع مواصفات للبابا الى تفضله.
«الا يكون طائفيا، يحاول تقريب المسافات، ويحترم الحوار، يتكلم قليلا، وينصت، ويجاهد فى اخراج الاقباط من اطار الكنيسة وعزلتهم، وينجح فى تقريب الطوائف المسيحية، والتصدى للفتن، والسيطرة على اقباط الخارج، وان يكون بابا روحيا وليس سياسيا»، هذا ما ينبغى ان يتوافر فى البابا القادم، وفقا لجمال حشمت عضو مجلس شورى جماعة الاخوان المسلمين.
حشمت الذى أكد أن الاخوان مستعدون للتعامل مع البابا القادم أيا ما كان، ولفت النظر إلى أنها ستكون التجربة الاولى التى يتعامل فيها البطريرك مع التيارات الاسلامية، «سنساعده فى أى ازمة يواجهها دون التدخل فى شئون الكنيسة، كما نساعد أى مؤسسة فى الدولة على النهوض».
وفى داخل الكنيسة يتحدث الشعب عن رجال الاخوان الذين يمثلون همزة الوصل بين الجماعة والكنيسة، على رأسهم كان الأنبا أرميا سكرتير البابا شنودة الراحل، والأنبا بولا المتحدث الرسمى باسم الكنيسة واسقف طنطا، والانبا مرقص اسقف شبرا الخيمة، ورجل الأعمال رامى لكح، تميز الرجال الأربعة بعلاقاتهم الجيدة مع أعضاء الجماعة، وقدرتهم على التفاوض معها ومع غيرها من التيارات الاسلامية.
الفرصة ذهبية أمام البابا القادم هو الوصف الذى اختاره الدكتور أحمد أبو بركة القيادى بحزب الحرية والعدالة ليلخص به العلاقة المقبلة بين البابا والنظام الحاكم، فالرجل يعتبر الدين المسيحى رسالة روحية فى الاساس وبالتالى تصبح المهمة الاساسية للبطريرك القادم هى مهمة روحية فى المقام الأول وليست سياسية، لكنه نقل عن الحزب رغبته فى أن يكون البابا القادم على وعى حقيقى بدور الكنيسة فى احتواء الاقباط، ثم ألمح إلى أن الجماعة تنتظر منه السيطرة على الاقباط فى حالة النزول فى مظاهرات ضد الاخوان.
«نثق فى قدرة قيادات الكنيسة فى التعامل مع الاسلامين لأن أغلبهم يتميزون بالانفتاح، ودورنا كحزب احتواء المعارضين لنا مثل الاتحادات القبطية وغيرهم».
ولأن البابا شنودة كان يتميز بخفة الدم والثقافة واتساع المعرفة، بالاضافة إلى أنه كان صاحب تأثير كبير ونافذ على الشعب القبطى، فقد تمنى عزب مصطفى عضو الهيئة العليا بحزب الحرية والعدالة ان يكون البابا القادم مثل البابا شنودة يجمع بين السياسة والروحانية وان يكون على دراية واسعة بالامور المحيطة وان يقرأ عن التيارات الاسلامية، ولا يعتمد على السمع عنهم فقط، وان يكسر الصورة الذهنية القديمة التى صنعها النظام السابق عن الاخوان، وان يكون تاريخه بعيدا عن الصدام مع التيارات الاسلامية او غيرها.
واكمل مصطفى انه كان يتمنى ان يكون الانبا موسى احد مرشحى كرسى البطريرك ولكنه انسحب مؤكدا انه يتمتع بصفات تؤهله للكرسى البابوى بمحبته وسعة صدره لتقبل المعارضين والتيارات الاسلامية وقدرته على احتواء الشباب.
أما الأنبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس المرشح على كرسى البطريرك، والذى كان قد انتشرت عنه بعض اللقاءات المصورة التى تهاجم الاسلاميين، فيروج له عدد من أصدقاء الاخوان داخل الكنيسة، ونجحوا فى اقناع معارضيهم من أعضاء الجماعة به، وبرر عزب مصطفى هذا التراجع بأن «التيارات الاسلامية وخاصة الاخوان لا تبنى وجهة نظرها وموقفها من خلال الاعلام ولكن قرارتها نابعة من دراسة متعمقة».
«لابد أن يكون البابا روحانيا» هو أحد شروط اختيار الراعى الصالح فى الكتاب المقدس، لكنه أيضا شدد على أن يكون قادرا على التعليم وأكثر الناس علما وثقافة ومعرفة، «لا تكن خائفا أو ذا قلبين ولا تهزأ بالشعب الذى تحت يدك» كما قالت تعاليم الرسل، وهو ما انطلق منه الكاتب والباحث فى شئون المواطنة هانى لبيب، حيث قال «الحرية والعدالة يطالب البابا القادم بأن يبتعد عن السياسة والا يكون مثل البابا شنودة الثالث، كيف يكون البابا روحيا فقط، وهو يتعامل مع قيادات سياسية؟».
واضاف لبيب ان الاخوان يريدون ان يكون البابا القادم غير صدامى وليس لديه مواقف ضد تيارات الاسلامية والمشكلة انهم لن يجدوا ذلك لان اغلب رجال الدين المسيحى يؤمنون بفصل الدين عن الدولة.
يميل الاخوان إلى نموذج البابا كيرليس، الذى يغلب عليه الجانب الروحى، ولديه كاريزما عالية لدى الاقباط، حتى يسهّل على الدولة مهمتها فى توجيه الشعب القبطى، كما يرى لبيب، لكنه اكد فى الوقت نفسه الاقباط يريدون من البابا القادم أن يحافظ على الكنيسة وان يكون فى الوقت نفسه قويا يستطيع أن يدافع عنهم ضد الاخوان.
هذه الشخصية القوية القادرة على التفاوض يراها لبيب فى الانبا بيشوى، «هو الاقرب للتعامل مع الاخوان لان لديه مواقف قوية وصدامية تجبرهم على الجلوس معه، كما أنه ينتمى للتيارات الاصولية ودائما ما تتفق تلك التيارات مع بعضها، لانهم أصحاب نفس الايدلوجية، وهى التمسك بالتقاليد، وتصورهم بأنهم حماة الدين من الاعداء».
واستبعد لبيب ان يحدث صدام بين البطريرك القادم مع الاخوان لان الوضع اختلف عن عصر السادات، «فالكنيسة والنظام تعلما الدرس جيدا».
وعن تدخل الرئاسة والاخوان فى اختيار البابا القادم قال لبيب «ليس من قدرة الاخوان والمؤسسة الرئاسية ان تتدخل فى اختيار البابا القادم لان الانبا باخوميوس القائم مقام البطريرك سيقف ضد اى شخص والدليل رفضه تعديل اللائحة حتى لا تتدخل الدولة او مجلس الشعب فيها.
بينما يختلف مع هذا الطرح كمال زاخر مؤسس التيار العلمانى، حيث يرى ان مؤسسة الرئاسة لو وجدت ثغرات للتدخل فى اختيار البابا فبالتأكيد ستتدخل، «أى قيادة سياسية من مصلحتها ان تكون مؤسسة الكنيسة تابعة لها، وتدخل الرئاسة ليس معناه التزوير، لكن سيكون الضغط على لجان الطعون والقيد»، طالب زاخر الكنيسة أن تضبط ادوات الانتخابات وآلياتها حتى لا تسمح للاخوان والدولة بالتدخل فى اختيار البابا القادم.
واستبعد زاخر الصدام بين البابا القادم والرئيس مرسى لان مصر تمر بمرحلة مرتبكة وكل طرف ينأى بنفسه عن هذا الارتباك واضاف «القارئ للتاريخ يرى ان الشخصيات المتفردة مثل البابا شنودة جاءت دائما فى مراحل السكون، وتصرفت بشكل به ثقة فى النفس وقدرة على اتخاذ القرارات نظرا لشعبيته، والسبب الآخر ان الاخوان حريصون على العلاقة الطيبة مع الاقباط على الاقل فى هذه الفترة».
لكن المقارنة بين البابا شنودة ومن سيأتى بعده يراها زاخر ظالمة، «لأن العوامل تغيرت فلو كان بطريرك يهتم بالروحانيات سيريح ويستريح، بالإضافة الى الشباب القبطى الخارج والرافض لسيطرة الكنيسة ويصر على مواجهة التيارات المتطرفة بنفسه دون اللجوء الى الكنيسة».
من يختار البابا الشعب القبطى أم التيارات السياسية، جماعة الاخوان أم الكنيسة؟، يبقى السؤال حائرا تحسمه فقط الكلمات التى نشرتها مجلة مدارس الأحد تحت عنوان «حديث شخصى» عند اختيار البابا فى يناير 1957 «إن الله معنا، يدافع عن كنيسته ويبدد كل مؤامرة ويكشف كل نفس، وسيختار لنا بنفسه الراعى الأمين».
رجال «الجماعة» داخل الگنيسة الأنبا آرميا.. سكرتير البابا شنودة السابق
أو الجنرال آرميا، كما يطلق عليه العاملون فى المقر البابوى، نظرا لشدته وقدرته على السيطرة، لعب دورا هاما فى تنسيق آخر لقاء بين البابا شنودة الثالث والمرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين الدكتور محمد بديع والذى يعد اللقاء الاخير والذى ظهر فيه البابا شنودة مرهقا لا يركز فى حديث المرشد له, يتميز الأنبا آرميا بالذكاء والغموض والبعد عن الظهور الاعلامى بالرغم من علاقاته بالكثير من الإعلامين والصحفيين،
الانبا آرميا
فاستفاد من العلاقات الاعلامية فى انشاء قناة قبطية «مامرقص» تهتم بالسياسة واخبار المقر البابوى واستخدمها لمنافسة قناة «سى تى فى» المعروفة بتأييدها للأنبا يؤانس، وبالرغم من رفض ارميا الترشح على الكرسى البابوى الا انه يدعم وبقوة الأنبا بيشوى، ويظهر ذلك فى اهتمام قناة مارمرقص بابراز جوانب شخصية الانبا بيشوى.الأنبا مرقص.. أسقف شبرا الخيمة وتوابعها
وجه إعلامى متميز ومعروف ومتحدث لبق يستطيع التعبيرعن معاناة الأقباط بأسلوب دبلوماسى، يعرف جيدا كيف يستفيد من خصمه ودائما يمثل الكنيسة فى الكثير من المناسبات، آخرها لقاء الرئيس فى القصر الرئاسى والذى خرج بعده الانبا مرقص يعلن على قناة «سى تى فى» تفاصيل اللقاء، مؤكدا مدى اهتمام الرئيس مرسى بحقوق الاقباط بقدر انتقده الكثير لمبالغته فى وصف الرئيس مرسى متذكرين اداءه فى وصف الرئيس السابق مبارك.
الأنبا بولا.. اسقف طنطا وممثل الكنيسة فى تأسيسية الدستور
تربطه علاقات طيبة بقيادات الاخوان والتيار السلفى نظرا لتواجده الدائم داخل الجمعية التأسيسية، فى البداية لقى ترشيحه داخل الجميعة التأسيسية معارضة شرسة من الائتلافات الشبابية والتيار العلمانى ولكن سرعان ما تحول الانتقاد الى اعجاب
الانبا بولا
نظرا لقوته داخل الجمعية وحرصه على استشارة المقربين ورجال القانون فى المواد التى تهم الاقباط، ولكن تعرض فى الفترة الاخيرة لانتقادات واسعة لدى الاقباط بسبب صورته مع الشيخ ياسر برهامى المعروف بهجومه على الاقباط وايضا ازماته المتكررة مع راغبى الطلاق فهو المسئول الاول عن الطلاق.
رامى لكح.. رجل الأعمال والسياسة
معروف بعلاقته الوثيقة مع الانبا ارميا ولعب دورا كبيرا فى التنسيق بين لقاء الاخوان والكنيسة الانجيلية وايضا لقاء المرشد مع البابا شنودة، يحظى بشعبية واعجاب لدى قيادات الاخوان والسلفيين لكنه لا يحظى بنفس الشعبية لدى الاقباط.
رامى لكح
نظرا لدبلوماسيته وحرصه فى عدم انتقاد التيارات الاسلامية فى الاعلام.
الرئيس والبطريرك كيرليس وعبد الناصر
علاقة البابا كيرليس السادس بالرئيس عبدالناصر فى بداية عهده اتسمت بالفتور ويدلل البعض على ذلك عندما طلب البابا كيرليس عدة مرات مقابلة عبد الناصر بعد توليه الكرسى البابوى دون أن تتم المقابلة، وكان عبدالناصر ينزعج من عدم حضور البابا كيرليس الكثير من الحفلات واكتفائه بارسال سكرتيره، ولكن تحولت العلاقة الى النقيض فمن الفتور الى الصداقة لعدة أسباب.
أهمها اكتشاف عبد الناصر أن شخصية البابا هادئة وروحية ولا تهوى السياسية وهذا ما أراده عبد الناصر، حيث يؤكد الباحثون تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية أن كيرليس كان بعيدا عن السياسة ويهتم بروحانية الكنيسة فقط، وهادئ وحريص على التأكيد لناصر مدى حبه وحب الاقباط له لدرجة أن البابا كيرليس عندما علم بنبأ رحيل الرئيس وصفه فى بيان بأنه الرئيس المحبوب والبطل المظفر والزعيم الذى صنع ما لم يصنعه احد من قبله فى قرون. وعندما رحل البابا كيرليس بعد وفاة ناصر بعام نعتته اذاعة صوت العرب قائلة: «لقد رحل الصديق الوفى لعبدالناصر».
شنودة والسادات
بعد وفاة البابا كيرليس وبعد اختيار الـ 3 ورقات التى تحتوى على اسماء المرشحين على الكرسى البابوى عقد السادات اجتماع مع الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل ووزير الداخلية حينها ممدوح سالم للحديث على مرشحى البطريرك فأبدى هيكل قلقه من الجيل الجديد والذى يمثله الأسقف «شنودة» ولكن ممدوح سالم طمئن السادات قائلا «شنودة بتاعنا ياريس» نظرا للعلاقة الوطيدة بينهما.
ولكن تغيرت التنبؤات وجلس «شنودة» على الكرسى البابوى ليبدأ عهده باوامر للكهنة بالخروج فى مسيرة الى كنيسة الخانكة اعتراضا على حادث الخانكة، ففوجئ السادات بقرار البابا وبدأ الصدام، فالسادات لم يعتد على صورة البابا المعارض والصدامى، ولكن البابا شنودة برر هذا الصدام فى حواره مع الاعلامى عماد الدين اديب بدعم السادات للجماعات الاسلامية، وأظن أكثر ما أغضب السادات من البابا شنودة رفضه سفر الاقباط للقدس، وانتهى عصر السادات بتحديد اقامة البابا داخل دير الانبا بيشوى وتشكيل لجنة بابوية لتسيير أعمال البطريركية.
شنودة ومبارك
بدأ مبارك عصره والبابا شنودة محتجز داخل اسوار دير الانبا بيشوى، والغريب أن مبارك لم يعف عن البابا الا بعد 3 سنوات من حكمه، ولكنه كان يبعث رسائل تطمئن الاقباط مثل إرساله برقيات العيد الى البابا شنودة داخل الدير، وتعددت المبادرات لايجاد حل فى ازمة البابا واشهر تلك المبادرات هى مبادرة عمرو التلمسانى المرشد العام الراحل للاخوان المسلمين، وبعد 3 سنوات أصدر مبارك قرارا جمهوريا بإعادة تعيين البابا شنودة الثالث على الكرسى البابوى،
ليخرج البابا كالبطل المنتصر الذى وقف أمام السادات، ولكن البطل أرهقه الصراع وتعلم الدرس جيدا فظل حذرا طوال عهد مبارك، الذى تعلم من سلفه الرئيس السادات، فلم يتدخل فى شئون الكنيسة مثل السادات وتعامل مع البابا شنودة بشكل مؤسسى فالعلاقة ليست شخصية كما كان الحال فى عهد عبد الناصر بل علاقة سياسية مؤسيسة بين الرئيس والكنيسة ولكن استمرت معاناة الاقباط فى دولة مبارك البولسية بسبب ترك ملف الكنيسة فى يد الأمن.