رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الضال وخطوات سقوطه: ضجر من العيشة مع أبيه: بدأ الضلال فكراً في عقله، فكانت أول كلمة قالها وسجَّلها لنا الوحي: «أعطِني». لم يفكر في انزعاج أبيه لو أنه هجر البيت، ولا اهتمَّ بأن يعرف إرادة أبيه، بل انحصر كل فكره في أن الحياة في بيت أبيه هي مصدر ضجره وضيقه. فكان ضلاله في أنانيته سابقاً لضلاله في الكورة البعيدة، وكان اتجاهه الفكري السلبي أساس تصرُّفه المنحرف.. لقد تنكَّر لمكانه الطبيعي وبيته وماضيه وأبيه ونفسه وإيمانه، وأراد أن يبتعد عن بيت أبيه بقدر ما يستطيع، لأنه ظنَّ أن هذا يحرِّره، ويجعله شخصاً آخر أسعد حالاً. ولكن عندما يغترب الإنسان عن أبيه وعن نفسه كما يجب أن تكون، يفقد الأمان، لأن الله خلقنا بهدف معيَّن، فإذا لم نحقِّقه ضاع منّا معنى حياتنا. ظنَّ أنه يقدر أن يستقل عن أبيه: رسم الفكر الخاطئ للابن الأصغر أوهاماً زائفة، منها أنه يقدر أن يعيش سعيداً بعيداً عن أبيه، فطلب نصيبه من الميراث بدون أن يكون له الحق في طلبه، لأن أباه ما زال على قيد الحياة. وكان خطؤه أنه اعتبر أباه مصدراً للماديات، يأخذ منه، ولم يعتبره شخصاً ينتمي إليه ويحبه. وكان يمكن أن الأب يرفض طلب ابنه ويخيِّره بين البقاء في البيت أو الخروج منه خالي اليدين، ولكن الأب في محبته أراد أن يعلّمه درساً مكلفاً لكنه أساسي، فالدروس التي نتعلمها بدون ثمن سرعان ما تُنسى، أما الدروس التي تكلفنا كثيراً فتبقى في أعماقنا. وأراد الأب لابنه أن يتعلم بالطريق الصعب. ثم أنه لو أجبره على البقاء لحرمه من إنسانيته، ولكانت نتيجة الإجبار تأجيل انفجار ثورة الابن. لهذا منح الأب الحكيم ابنه حرية الاختيار. ومن الغريب أن الخاطئ اليوم يحيا بكل ما يمنحه الله له من خيرات، وفي وقت الحاجة يدعوه: «أَبَانَا ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ... خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا ٱلْيَوْمَ» (متى 6: 9، 11)، لأنه يعلم أننا «بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ» (أعمال 17: 28)، ويعرف قول المسيح: «بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً» (يوحنا 15: 5).. ولكنه يريد أن يستقلَّ عنه، ويردِّد قول فرعون: «مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ ؟.. لاَ أَعْرِفُ ٱلرَّبَّ» (خروج 5: 2). ستخدم مال أبيه استخداماً سيئاً: بحسب الشريعة الموسوية كان للوالد سلطان كامل على ممتلكاته، فكان يمكن أن يسند إدارتها لأولاده، لكنه لم يكن يملِّكها لهم. ولكن بطل قصتنا كان حكيماً، فأعطى ابنه نصيبه من المال، وترك له حرية التصرف، وسمح له بالبقاء في بيته لفترة باع أثناءها ما أعطاه له. بعدها حمل مال أبيه، الذي اعتبره ماله، وسافر إلى بلد بعيد، فتجمَّع حوله أصدقاء السوء، وأخذوا يتملقونه ويسهِّلون له طرق الغواية، فبذَّر ماله بإسراف حتى انتهى، فانفضَّ أصدقاؤه عنه. ولم يجد إلا واحداً منهم سمح له أن يرعى خنازيره. وواضحٌ أنه غير متديِّن، لأنه كان يخالف شريعة موسى التي أمرت بعدم أكل لحم الخنزير (لاويين 11: 7 وتثنية 14: 8). وصل إلى نهاية سيئة: نهاية الاغتراب عن الله خراب ودمار، وهذا ما انتهى إليه أمر الابن الضال. ففي نهاية المطاف أخذ يتأمل ما وصل إليه: إنه وحيد، رث الثياب، جائع، تفوح منه رائحة الخنازير! وبعد وقت اكتشف أن الخنازير كانت أفضل منه حالاً، لأنها كانت تأكل الخرنوب الذي لا يجده هو ليأكله! لقد انتقل من الغنى إلى الفقر، ومن الكرامة إلى الهوان، ونال الشوك من قدميه، وضاعت منه صورة أبيه، وشعر بالخجل من نفسه. لكن المؤسف أنه تمادى في الطريق الخاطئ، ولم يفكر في تصحيح مساره، ولسان حاله ما قاله رُديارد كبلنج في قصيدته «الابن الضال»: أبي ينصحني عابساً، وأخي ينظر إليَّ باحتقار. أمي تستجوبني، حتى رغبتُ أن ألعن الكل وأهرب!. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
التغيير سكة وقرار وخطوات بسيطة |
الضال وخطوات سقوطه |
شمشون وخطوات الانحدار |
اهم الاماكن السياحية في المكسيك وخطوات السفر لها |
شروط وخطوات حذف رسالة واتساب قبل قراءتها |