رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يونان النبي رسالة يونان النبي: لكي نعرف رسالة هذا النبي، ينبغي الرجوع إلى الكتاب الذي يحمل اسمه، وهو سفر يونان النبي، لأن هذا السفر يقدم لنا واحداً من أهم الأسرار اللاهوتية، وهو السر الذي نادى به بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس: + “إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِتَدْبِيرِ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي لأَجْلِكُمْ. أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ. كَمَا سَبَقْتُ فَكَتَبْتُ بِالإِيجَازِ. الَّذِي بِحَسَبِهِ حِينَمَا تَقْرَأُونَهُ، تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْهَمُوا دِرَايَتِي بِسِرِّ الْمَسِيحِ. الَّذِي فِي أَجْيَال أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو الْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْلِنَ الآنَ لِرُسُلِهِ الْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ بِالرُّوحِ: أَنَّ الأُمَمَ شُرَكَاءُ فِي الْمِيرَاثِ وَالْجَسَدِ وَنَوَالِ مَوْعِدِهِ فِي الْمَسِيحِ بِالإِنْجِيلِ.” (أف ٣: ٢-٦). واضح أن سر المسيح هنا هو أن الله ليس لليهود فقط، بل للأمم أيضاً. لقد أراد يونان النبي أن ينقل هذه الأفكار إلى شعبه إسرائيل، وقد كان يعلم تماماً أنه من العسير عليهم قبول هذا الفكر، لأنه هو نفسه كان يرفض هذا المفهوم تماماً. لماذا؟ فكلما أخطأ شعب إسرائيل وحاد عن طريق الله، كان الله ينذرهم أنه سوف يؤدبهم بواسطة الأمم. لذلك نظر بنو إسرائيل إلى الأمم نظرة عداء شديدة وتمنوا لهم العقاب المستمر، ولم يخطر عل بالهم أبداً إمكانية خلاص هذه الشعوب. وحاولوا أن يفتشوا في أقوال الأنبياء عن النبوءات التي تتنبأ عليهم بالخراب والدمار، وما أكثرها. أما إذا وجدوا أي تلميح في كلام الأنبياء عن إمكانية خلاص هذه الشعوب حاولوا تفسيره تفسيراً رمزياً غير صحيح حتى يبعدوا عن فكرهم أية إمكانية لخلاصهم. ومن التلميحات القليلة التي تشـير إلى قبول الله للأمم، والتي ذكرها الأنبياء بصورة عرضية، قول إشعياء النبي في نبوءته عن يوحنا المعمدان:”صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ أي بين الشعوب التي لم تعرف الله) سَبِيلاً لإِلَهِنَا. (إش ٤٠: ٣). كما يتكلم إشعياء أيضاً عن عودة كل الأمم إلى حظيرة الرب: «ويكون في أخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال، ويرتفع فوق التلال، وتجري اليه كل الأمم» (إش٢:٢). ومن الواضح أن هذه النبوءات كانت تُشير إلى عصر مجيء المسيا الرب يسوع. هكذا كانت تلميحات الأنبياء. أما يونان النبي فبدلاً من أن يقدم تعاليم وأقوالاً نظرية حول قبول الله لتوبة الامم، اضطر لأن يقص عليهم قصة تعامل الله معه هو شخصياً في الإرسالية التي أرسله فيها الله للامم ليدعوهم للتوبة. كما أوضح لهم أنه كان في البداية رافضاً لفكرة توبة الامم ورجوعهم إلى الله. وكيف حاول الهروب من وجه الرب حتى لا يذهب ويبشر الامم فتتوب وترجع ويصفح عنها الله. وأثناء هروبه إلى ترشيش (التي ربما تكون أحد موانى بلاد أسبانيا الحالية)، أهاج الله عليه البحر، وكادت السفينة أن تغرق، فاضطر البحارة إلى القائه في اليم، حيث أعد الله له حوتاً ابتلعه وحفظه سالماً ثم لفظه على البر. فرضخ يونان لأمر الله وذهب ليكرز لأهل نينوى، الذين حالما سمعوا صوت النذير، تابوا إلى الله، مقدمين صوماً نقياً استدر مراحم الله فصفح عن إثمهم. لقد لقَّن الله يونان درساً لن ينساه، وهو يريد الآن من إخوته اليهود أن يعوا هذا الدرس. وها هي كنيسة العهد الجديد، وقد استفادت هي أيضاً من هذا الدرس، تقنن صوماً خاصاً على غرار صوم أهل نينوى حتى تغرس في نفوس أولادها دائماً أن الله لا يفرح فقط بتوبة ورجوع الخاطئ إليه، بل إنه أيضاً ليس إله كنيسة بعينها ولا شعب بعينه، بل هو إله الخليقة كلها «الذي يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون» ( ١تي ٢: ٤)، وأنه: «في كل أمة، الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده» (أع ١٠: ٣٥). وبالإضافة إلى هذا السر الذي يعلنه النبي، وهو سر قبول الله للامم، يؤكد أيضا على حياة التوبة. فهو يخبرنا عن توبة البحارة الوثنيين وإيمانهم بإله السماء والأرض والبحر، وفي توبتهم نذروا لله نذوراً وذبجوا ذبيحة (يون ١: ١٦). كما يقص علينا توبة أهل نينوى من كبيرهم إلى صغيرهم وعودتهم إلى الله نادمين وجالسين في المسوح والرماد (يون ٣: ٥-٩). كما يخبرنا أيضاً – ولو بإشارة خفية – عن توبته هو نفسه. فإن كان النبي لم يذكر لنا صراحة أنه تاب، لكنه في كتابته لهذا السفر اعتراف صريح منه بالطريق الخطا الذي سلكه. |
|