نجني يا الله وارحمني
المزمور التاسع والخمسون
1. المزمور التاسع والخمسون هو مزمور توسّل ينشده المرتّل طالبًا العون على أعدائه، مستنزلاً عقاب الله عليهم فيعبّر عن ثقته بالرب ويشدّد على براءته ممّا ينسب إليه الناس من خطيئة بسبب هذه المحنة التي تصيبه. كان المزمور في الاصل صلاة فرديّة، ثم تكيّف فأصبح جماعيّة تعبّر عن محنة المؤمنين المحافظين الذين وقفوا بوجه المتسلطين المتعاطفين مع الحكم الأجنبي، وحاربوا الفتور واللامبالاة المتأتية عن ذلك.
2. الرب حصن يحمي مؤمنيه المضطهدين، وينصرهم على وجه العالم.
آ 2- 3: مقدمة: نداء وتوسّل إلى الرب بكلمات تعوَّدنا أن نسمعها ضد أعداء يقومون على المرتّل طالبين سفك دمه: أنقذني من أعدائي، ومن الذين يقومون عليَّ احمني.
آ 4- 11: القسم الأول: يعرض حالته مرتين (آ 4- 5 و7- 8) وفي كل مرّة ينتظر ردّة الفعل عند الله (آ 6، 9- 11). في اللوحة الأولى، يبدو الله كرجل حرب يُدعى لمساعدة حبيبه وقد هاجمه الأعداء. ويلتفت المرتّل إلى الرب فيقول. له: انهض، تعال وانظر، فأنت حليفي. كن بلا شفقة على عدوّ خائن. وفي اللوحة الثانية (آ 7- 11)، يصوّر الأعداء بطريقة تنمّ عن احتقار لهم فيشبههم بالكلاب. يطوفون حول المدينة وينبحون، وكلامهم كسيف قاطع. وينادي الله ليضحك عليهم ويستهزئ بهم (2: 4). ثم يقول: أنت عزي ولك أشيد، وقد جئتَ إليّ بسرعة ونجيتني.
آ 12- 16: يستعين المرتّل بالرب على أعدائه. هم قوم خونة نقضوا العهد، فاستحقّوا أن يتّقد غضب الله عليهم ويفنوا، فيعرف العالم كله أن الربّ هو السيد على الأرض: الله يسود إلى أقاصي الأرض.
آ 17- 18: الخاتمة: ينشد المرتّل لله عند الصباح: الرب قوّة وحصن ورحمة لمحبّيه.
3. يناشد المرتّل الرب أن يتدخّل بسرعة، لأن الخطر كبير والقضية قضية حياة أو موت. ثم يقابل بين الأعداء والكلاب (الحيوانات صورة عن العدو). يفتشون في حياة الناس الخفيّة ليروا ما يتهمونهم به، كما تبحث الكلاب عن أكل في القمامة. هم خونة بالنسبة إلى المرتل وإلى شعب العهد وإلى رب العهد، بعد أن تعاطفوا مع الأجنبي فصاروا كالشعوب الوثنية الذين يستحقون عقاب الله: يخرج الرب ليفتقد إثم شعب الأرض (أش 26: 21)، والرأفة بالمنافق لا تعلمه البر (أش 26: 10). ويطلب المرتّل للأعداء قصاصًا طويلاً يكون بمثابة موت بطيء، فيكونون عبرة للشعب فيعتبر.
4. لا يطلب المرتّل مصلحته الخاصّة، بل ظهور عظمة الله العادل في قضائه لدى سكان الأرض. الله هو السيد، ويجب على الناس أن يعرفوا ذلك. يسوع صلّى هذا المزمور، ولم تمنعه صلاته من أجل مضطهديه أن يرى عداوتهم للرب ونعت مقاوميه بأولاد الافاعي (مت 23: 33). قال فيهم: ستنزل النكبة على هذا البلد وغضب الله على هذا الشعب فيسقطون بحدّ السيف ويؤخذون أسرى في جميع الامم (لو 21: 23- 24).
ونحن عندما نصلي هذا المزمور فإنما نصليه باسم الكنيسة المتألمة التي تنتظر نهاية أعداء الله مرددة مع سفر الرؤيا (15: 4): "جميع الأمم ستجيء وتسجد بين يديك، لأن أحكامك العادلة ظهرت لكل عين".
5. تأمّل
أنشد المرتّل الربّ على أنه القوّة والحصن على ما في مز 28: 7: "الربّ عزّتي وترسي وعليه توكّل قلبي". وهو إله الحنان الذي يرأف بمؤمنيه كما في مز 144: 2: "هو راحمي وحصني، معقلي ومنقذي وترسي. به أحتمي". قد ينتصب الأعداء ولكنه لا يخاف. قد تأتي الحرب فيبقى ثابتًا. وحتى رجال الدماء يبيدون بعد أن مقتهم الله (5: 7).
نحن هنا أمام لوحتين، وكل لوحة تنتهي بردّة فعل من قبل الربّ. في الأولى، يبدو الله "رجل حرب" يدافع عن خادمه الذي يهاجمه الخونة. وفي الثانية، نقض هؤلاء الخونة العهد. خطئوا ضد القريب وضد الله. لهذا، فالله سيعاقب ساعة ينشد المؤمن لعزّة الرب ويرنّم في الصباح لرحمته بعد ما نال منه خلاص.
يستحلف المؤمن الربّ، يدعوه إلى أن يفيق، أن لا يبقى نائمًا بعد أن أحاطت به الكلاب واعتبرت أنّ الله لا يسمع ولا يدافع عن صفيّه. ليأت الرب ويرَ ماذا يحدث، وليتصرّف بدون شفقة تجاه هؤلاء السرّاق الذين لا يسلبون أشياء وأموالاً، بل أشخاصًا جعلوا ملجأهم في الله.
6. "نجّني من أعدائي يا إلهي، واحمني من الهاجمين عليّ". هذا ما تمّ في جسد المسيح. ويتمّ أيضًا فينا. فأعداؤنا الشيطان وجنوده ما فتئوا يهاجموننا كل يوم. ويحاولون بلا انقطاع أن يتغلّبوا على ضعفنا وسرعة عطبنا بسرابهم وإيهاماتهم وتجاوبهم، كل هذه الفخاخ التي يضيّقون بها علينا ما زالت بعدُ على هذه الأرض. فليكن صوتنا ساهرًا أمام الرب وليصرخ في أعضاء المسيح بحماية رأسنا الذي يقيم في السماء: "نجني من أعدائي يا إلهي، ومن المهاجمين عليّ نجّني". (أوغسطينس).