رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
السَّهر لِعَودة الرُّبِّ المَجيدة النَّص الإنجيلي (مرقس 13: 33-37) 33 فَاحذَروا واسهَروا، لِأَنَّكم لا تَعلَمونَ متى يَكونُ الوَقْت. 34 فمَثَلُ ذلكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ سافَرَ وترَكَ بَيتَه، وفَوَّضَ الأَمرَ إلى خَدَمِه، كُلُّ واحدٍ وعمَلُه، وأَوصى البَوَّاب بِالسَّهَر. 35 فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ متى يأتي رَبُّ البَيت: أَفي المَساء أَم في مُنتَصَفِ اللَّيل أَم عِندَ صِياح الدّيك أَم في الصَّباح، 36 لِئَلاَّ يَأتيَ بَغتَةً فَيجِدَكُم نائمين. 37 وما أَقولُه لَكم أَقولُه لِلنَّاسِ أَجمَعين: اِسهَروا)). المقدمة الأحَد الأول من زمن المَجيء هو مطلع السَّنة الليتورجيا حيث يُذكّرنا الإنجيل (مرقس 13: 33-37) أنّنا نعيش في الأزمنة الأخيرة؛ لانَّ هذه الأزمنة تبدأ مع مجيء المسيح بتجسُّده في ليلة الميلاد، مجيئه التَّاريخي الذي تمَّ قبل ألفي سنة في بيت لحم، وتكتمل في عودته الأخيرة كديَّان عند نهاية العَالَم. وهذا الزمن مُكوَّن على الصَّعيد الليتورجية من أربعة آحاد حيث يستعدّ فيه المؤمنون لميلاد يسوع المسيح من ناحية، وإلى مجيئه الثَّاني في نهاية الأزمنة عند نهاية العَالَم ليدين الأحياء والأموات من ناحية أخرى، كما جاء في نبوءة أشعيا:"يَحكُمُ بَينَ الأُمَم ويَقْضي لِلشُّعوبِ الكَثيرة " (أشعيا 2: 4). ويُدلّنا مرقس الإنجيلي كيف نعيش في استعداد لمجيء المسيح، وذلك عن طريق السَّهر الدّائم والصَّلاة والانتظار لِلقائه والحَذر (متى13: 33-37). والسّهر هو الطريق الرّئيسيّ للحياة المسيحيّة الذي يدور حوله حوار يسوع مع تلاميذه في إنجيل هذا الأحد. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النَّص الإنجيلي وتطبيقاته. أولا: وقائع النَّص الإنجيلي (مرقس 13: 33-37) 33 "فَاحذَروا واسهَروا، لِأَنَّكم لا تَعلَمونَ متى يَكونُ الوَقْت تشير عبارة "فَاحذَروا" في الأصل اليوناني βλέπετε (معناها أنظروا) إلى التَّيقظ والاستعداد والتَّأهب والتَّنبُّه والاحتراس، وكرَّر المسيح هذا الأمر في هذا الفصل مرَّتين، (مرقس 13: 23، 33)، وهذا التِّكرار دليل على هول التَّجارب التي يتعرَّض التَّلاميذ لها، والخَطر عليهم منها. وهذا الأمر يتطلّب الانسلاخ عن المَلذَّات والتَّعلق بالخيرات الأرضية، كما جاء في موضع آخر "فاحذَروا أَن يُثقِلَ قُلوبَكُمُ السُّكْرُ والقُصوفُ وهُمومُ الحَياةِ الدُّنيا، فَيُباغِتَكم ذلِكَ اليَومُ" (لوقا 21: 34). وقد قيل "احذرْ تِسلِم" من المَخاطر. وأمَّا عبارة "اسهَروا" في الأصل اليوناني ἀγρυπνεῖτε (تنبَّهوا) فتشير إلى المراقبة، وتؤكد على ضرورة البقاء يقظاً، دون نوم، أي ألا نعيش ونحن نائمون. فالسهر هو العُدول عن النَّوم ليلاً. وتكرَّرت هذه العبارة أربع مرات (مرقس 13: 33، 34، 35، 37)، مما يدل على المعنى العام لإنجيل اليوم وتركيزه على السَّهر. وقد يكون السَّهر بقصد مواصلة العمل (حكمة 6: 15)، أو لتحاشي العدوّ المفاجئ (مزمور 127: 1-2). وأمَّا فيما يتعلق بالمؤمن، فيكون الهدف من السَّهر الاستعداد للقاء الرُّبّ عندما يعود فجأةً. فالوَصيَّة هي الاستعداد الرُّوحي للقاء الرُّبّ، بغض النظر عن معرفة موعد عودة سيدهم. فالسَّهر إذا هو إعداد التَّدابير لمواجهة احتمال طول أمد انتظار عودة الرُّبّ ما دامت ساعة العَودة لا يمكن توقّعها، "فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكم لا تَعلَمونَ اليومَ ولا السَّاعة". (متى13: 35). نحن بحاجة للسَّهر في كلِّ ساعة ودقيقة لئلا يفوتنا مجيء ابن الإنسان. وفي هذا الصَّدد يحثُّنا القديس اسحق السِّرياني على ترك الكَسل من ناحية، والجهاد في السَّهر من ناحية أخرى، قائلًا: "النَّفس التي تُمارس أعمال السَّهر تتفوق فيها، لأنّ في إرادتها عينا الشَّروبين، بهما ترى في كل الأوقات الرُّؤى السَّماوية وتدنو إليها". أمَّا الكسل بالمفهوم الرُّوحي فهو فقدان الإنسان الرُّؤيا الرُّوحية السَّماوية، لأن سقف نفسه يتفكك، وتعجز يداه عن العمل الرُّوحي، وينهار إنسانه الدّاخلي. ويعلق كتاب التعليم المسيحي "الكسل هو شكل من أشكال الإرهاق النفسي، سببه التراخي في أعمال الزهد، والضعف في السهر، والإهمال في المحافظة على القلب" (التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، 2733). علينا أن نبقى ساهرين، ونسهر على قلبنا. أمَّا عبارة "لا تَعلَمونَ" فتشير إلى جهل التَّلاميذ وقت عودة المسيح، وهو أمرٌ محتومٌ وإن لم نعلم ساعته. إن موعد مجي الرُّبّ هو الذي لا نعلمه على وجه التَّحديد، إذ هو مخفيٌّ في عِلم الآب، حتى إنَّ الابن نفسه في حدود تَجسُّده التي قبلها طوعًا، لا يشترك في هذا السِّرِّ، وتخلى باختياره عن الاستخدام غير المحدود لقدراته الإلهية، ويُعلق القديس أوغسطينوس "إنَّ السَّيد المسيح لا يجهل اليوم، إنَّما يعلن أنه لا يعرفه، إذ لا يعرفه معرفة مَنْ يبوح بالأمر". لا يريد الإنجيل أن ينتقص من مساواة الآبن للآب، ولكن العَالَم اليهودي يعلن أن الله وحده يعرف النِّهاية ويُحدّدها، حيث جاء كلام يسوع مؤكدًا امتيازات الله الآب "لَيَس لَكم أَن تَعرِفوا الأَزمِنَةَ والأَوقاتَ الَّتي حَدَّدَها الآبُ بِذاتِ سُلطانِه (أعمال الرُّسل 1: 7). والبحث عن هذه المعرفة هو عائق للإيمان، لا مساعد له. المطلوب هو الاستعداد وليس الحساب. ويحمل جهل التَّلاميذ وقت مجيء المسيح على زيادة الانتباه والتَّوقع، لأنه يُمكن حدوثه في أي وقت كان. أمَّا عبارة "الوَقْت" في الأصل اليوناني καιρός (معناه اللحظة المواتية وليس χρόνος أي الوقت الزمني أو المتسلسل (فتشير إلى وقت الله للعمل الذي بلغ ذروته، زمن لنعمة للجميع وإمكانية حياة جديدة، وقت عودة المسيح ونهاية العَالَم. وقد تكرَّرت 86 مرة في أسفار العهد الجديد كما ورد في إنجيل متى وقت الحصاد (21: 34). وليس هناك وسيله أنجع مِن ترك السَّيد المسيح دون تحديد دقيق وقت عودته للكنيسة. ومن هنا نفهم أن ما يُطلب من المُؤمن هو السَّهر الدَّائم. من يسهر، وحده يدرك أن ملكوت الله حاضر. 34 فمَثَلُ ذلكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ سافَرَ وترَكَ بَيتَه، وفَوَّضَ الأَمرَ إلى خَدَمِه، كُلُّ واحدٍ وعمَلُه، وأَوصى البَوَّابَ بِالسَّهَر. تشير عبارة "كَمَثَلِ رَجُلٍ سافَرَ" في الأصل اليوناني ὡς (معناها يُشبه) إلى حال الكنيسة من وقت صعود المسيح إلى السَّماء إلى وقت مجيئه الثَّاني، لأنَّه غير ظاهر لعينها وكأنَّه مسافر عنها. تعتبر الحياة رحلة سفر، والرَّجُل المُسافر يُمثل السَّيد المسيح، صاحب البَيت أي الكنيسة. أمَّا عبارة " السَّفَر " فتشير إلى رحلة الحياة. في هذا المثل، يسوع المسيح هو الذي سافر عند صعوده إلى السَّماء عام 33مٍ بعد أن أتمَّ الفِداء "لِيَحصُلَ على المُلْكِ ثُمَّ يَعود" (لوقا 19: 12). أمَّا عبارة "ترَكَ" فتشير إلى تشديد النَّص على غياب السَّيد المسيح أكثر منه على مجيئه. والأمر واضح أكثر في نص لوقا الإنجيلي المُوازي لهذ النَّص "كونوا مِثلَ رِجالٍ يَنتَظِرونَ رُجوعَ سَيِّدِهم مِنَ العُرس، حتَّى إِذا جاءَ وقَرَعَ البابَ يَفتَحونَ لَه مِن وَقتِهِم. طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين "(لوقا 12: 36 -37). أمَّا عبارة "بَيتَه" فتشير إلى أهل البَيت أو العائلة (تكوين 12: 17) أو العشيرة (لوقا 2: 4) أو ما يقتنيه الإنسان (1ملوك 13: 8)، وتدل هذه الكلمة في إنجيل مرقس على الجماعة. وهي أقدم كلمة نتحدّث فيها عن الجماعة أي الكنيسة. أمَّا عبارة "فَوَّضَ الأَمرَ" في الأصل اليوناني δοὺς τὴν ἐξουσίαν (أعطى السَّلطان) فتشير إلى إعطاء يسوع لرسله السُّلطة لإنشاء كنيسته على الأرض، ثم لخَدمِ الكنيسة الذين جاءوا بعدهم يُسيِّرون أمور تلك الكنيسة وَفقَا ما تركه فيها من توصيات. وذلك السُلطان ليس سلطانَا مطلقًا، لأنَّه يسوس الكنيسة ويُرشد معلميها ومُدبِّريها بكلامه وبروحه. أمَّا عبارة " خَدَمِه" فتشير إلى رسله أولا ثم المؤمنين؛ أمَّا عبارة "كُلُّ واحدٍ وعمَلُه" فتشير إلى رجل يرحل من بلده تاركاً بيته بين يدي خَدَمِه، ويكلّف كل واحد منهم بمُهمَّةٍ مختلفة. كل شخص لديه مهمة في منزل سيده ولا يمكن لأحد أن يحل محل آخر في القيام بالمسؤولية التي أوكلها إليه سيده. هكذا يعطي الرَّبّ لكلِّ مؤمنٍ عملاَ مكلّف به، ومسؤوليته، ولكلِّ منهم مكانه، وذلك كي يُمجِّد الله ويُضيء كنورٍ في العَالَم، ويكون كالمِلح فيه، وشاهدًا أمينًا للمسيح قولا وفعلا فيأتي بأثمار كثيرة. أنَّ دعوة كل شخص هي جزء من رسالة الله العظيمة، حيث يقوم الجميع، كلٌّ بحسب عمله بالمساهمة فيها. أمَّا عبارة "أَوصى البَوَّابَ بِالسَّهَر" فتشير إلى التَّركيز على البَوَّاب، لان مهمّته هي السَّهر، أي التَّرقُّب من يأتي إلى البَيت، خاصة قدوم سيِّده وينبَّه النَّاس في الوَقْت المناسب. وهذا التَّمييز بين الخدم ضروري في البَيت، لانَّ الذين يعملون داخل البَيت لا يمكنهم مراقبة ما يكون خارجه. ويحّدد لوقا الإنجيلي مهمّة البَوَّاب أن يفتح الباب لسيّده عندما يعود، فيتمكن من الدّخول إلى بيته (لوقا 12، 36)؛ وأمَّا مرقس الإنجيلي الموجَّه كلامه إلى الرُّومان فيرسم لهم صورة البَوَّاب الذي يحرس منزل أحد النبلاء الرُّومان؛ وأمَّا متى الإنجيلي الذي يكلم اليهود فقد أطلق على البَوَّاب اسم "الخادِمَ الأَمينَ العاقِل" كما جاء في إنجيله " فمَن تُراه الخادِمَ الأَمينَ العاقِل، الَّذي أَقامَهُ سَيَّدُه على أَهلِ بَيتِه، لِيُعطيَهُمُ الطَّعامَ في وَقتِه؟" (متى 24: 45). ويضرب لنا يسوع مثلَ ربِّ البَيت ليساعدنا في تعريف السَّهر على انه لا يعني إهمال واجباتنا بل تأديتها بأمانة منتظرين من الرُّبّ أن يمتحن عملنا في يومٍ من الأيام، كما يؤكد ذلك بولس الرَّسول " سيَظهَرُ عَمَلُ كُلِّ واحِد، فيَومُ اللّه سيُعلِنُه، لأَنَّه في النَّارِ سيُكشَفُ ذلِك اليَوم، وهذِه النَّارُ ستَمتَحِنُ قيمةَ عَمَلِ كُلِّ واحِد" (1 قورنتس 3: 13) " لأَنَّه لابُدَّ لَنا جَميعًا مِن أَن يُكشَفَ أَمرُنا أَمامَ مَحْكَمةِ المسيح لِيَنالَ كُلُّ واحِدٍ جَزاءَ ما عَمِلَ و هو في الجَسَد، أَخيرًا كانَ أَم شَرًّا" (2 قورنتس 5: 10). 35 فَاسهَروا إِذًا، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ متى يأتي رَبُّ البَيت: أَفي المَساء أَم في مُنتَصَفِ اللَّيل أَم عِندَ صِياح الدّيك أَم في الصَّباح تشير عبارة "فَاسهَروا إِذًا، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ متى يأتي رَبُّ البَيت" إلى تكليف السَّيد المسيح مُهمة السَّهر ليس للبوَّاب فحسب إنَّما أيضًا للجميع كيلا يجدهم نائمين عند عودته، لا سيما وأنَّهم لا يَعلمون متى يعود. لذلك يُوصي السَّيد المسيح بضرورة الاستعداد بالسَّهر الدَّائم مثل حرَّاس الليل بدون إضاعة الوَقْت في البحت عن علامات نجدها لدى المُسَحاء والأنبياء الكَذَبة؛ لانّ مهمتنا في انتظار عودة المسيح. أمَّا عبارة "فَاسهَروا" في الأصل اليوناني γρηγορεῖτε (معناه ابقوا يقظًين وقائمين) فتشير هنا إلى انتظار شخص ما بهدف اللقاء به. إن هذا اللقاء لا يُمكن أن يتمَّ إن لم نَعش حياتنا في اليَقظة والانتظار. إن الرَّبّ يدعونا لعيش الحياة كأشخاص يقظين ومتنبهين، وحتى قائمين. أمَّا عبارة "أَفي المَساء أَم في مُنتَصَفِ اللَّيل أَم عِندَ صِياح الدّيك أَم في الصَّباح" فتشير إلى هِجْعات الليل الأربع: السَّاعة 6، 9، 12، 3، وكلُّ قسم عبارة عن 3 ساعات. وفي كل هجعة يُبدّل الحَرس بحسب التَّقسيم الرُّوماني لليل. فالمساء يمتد من المغرب إلى نهاية السَّاعة الثَّالثة منه، ونصف الليل فهو نهاية الهجعة الثَّانية، وصِياح الدّيك هو ثلاث ساعات بعد نصف الليل، والصَّباح من نهاية صِياح الدّيك إلى الصَّباح. وأمَّا العبرانيون قسَّموا الليل (مدة الظلام) إلى ثلاثة أقسام سمّوا كل قسم هزيعًا (خروج 14: 24). أمَّا الهزيع الأول فهو من غياب الشَّمس إلى منتصف الليل. والهزيع الثَّاني هو من منتصف الليل إلى أول صِياح الدّيك، والهزيع الثَّالث من صِياح الدّيك إلى شروق الشَّمس (لوقا 12: 38)، ولكن العِبْرانيون اقلعوا عن هذه التَّقسيم بعد عودتهم من السَّبي، إمّا بتأثرهم بالحضارة الفلكيَّة فيما بين النَّهرين وفارس، أو لسبب تأثُّر فلسطين بالحضارة اليونانيَّة الرُّومانيَّة. وكانت نتيجة لذلك أن أخذوا يُقسِّمون الليل إلى أربعة أقسام، كما الوَاردة أعلاه، ثم أخذ العبرانيون يُقسِّمون الليل بطوله إلى السَّاعات الاثني عشر، حسبما نفعله اليوم (أعمال 23: 23). فهده الأوقات الّتي يسردها مرقس الإنجيلي قد ترمز إلى مراحل آلام يسوع. أمَّا عبارة "أَفي المَساء" فتشير إلى إمكانية مجيء الرَّبّ في المساء عندما أسلمه يهوذا الإسخريوطي مقابل المال، إلى أيدي أعدائه، أولئك الّذين حاولوا اعتقاله (مرقس 14: 17). أمَّا عبارة "أَم في مُنتَصَفِ اللَّيل" فتشير إلى مجيء الرَّبَّ في وسط الظلام، فهو ذات الوقت الّذي تمّ فيه محاكمة يسوع أمام رئيس الكهنة (مرقس 14: 60-62). الظلمة هي في حوزة الشَّرير. كم من المآسي تحدث في الليل! شبابٌ وشابات تضيع وتنحرف في الليالي، حوادث السَّيارات تكثروا في الليالي، سرقات وصفقات ملتوية تتمُّ في الليالي، سكر، عربدة، خطف، انتحار. كلها تتمُّ في الليل، في الظلمة. إنَّ الإنسان دون الله هو في الليل، هو في الظلام. أمَّا عبارة "أَم عِندَ صِياح الدّيك" فتشير إلى مجيء الرَّبَّ عند صياح الديك، وهو وقت إنكار بطرس له ثلاث مرات (متى 10: 33). أمَّا عبارة "أَم في الصَّباح" فتشير إلى مجيء الرَّبَّ البيت في الصباح، عندما أسلمه رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة إلى أيدي بيلاطس (مرقس 15: 1). وحدهم من هم في البيت يستطيعون أن يرحِّبوا بالرَّبّ الآتي، والذي يريد أن يعود إلى بيته. 36 لِئَلاَّ يَأتيَ بَغتَةً فَيجِدَكُم نائمين. تشير عبارة "يَأتيَ بَغتَةً" إلى عودة المسيح بصورة مفاجأة دون معرفة أحد، ولكن هذا لا يعني انه يجب أن يفاجئنا، بل يَشدّنا على ضرورة بقاء المؤمن غير مكتوف اليدين، بل ساهرًا ومستعدًا ومنتبهًا إلى علامات المَلكوت في حياته وفي التَّاريخ، وعلى العمل بيقظة كي تصبح هذه العلامات حقيقة وواقعًا في قلب العَالَم. إنَّ حقيقة رجوع المسيح شخصيًا هي حقيقة مقرَّرة ثابتة لا تحتمل التَّأويل. ومَثل رَبِّ البَيت يساعدنا في تحديد السَّهر على انه لا يعني إهمال واجباتنا بل تأديتها بأمانة انتظارًا للرُّبّ الذي يومًا من الأيام سيمتحن عملنا كما جاء في تعليم بولس الرَّسول: "سيَظهَرُ عَمَلُ كُلِّ واحِد، فيَومُ اللّه سيُعلِنُه، لأَنَّه في النَّارِ سيُكشَفُ ذلِك اليَوم، وهذِه النَّارُ ستَمتَحِنُ قيمةَ عَمَلِ كُلِّ واحِد"(1قورنتس 3: 13). أمّا عبارة "نائمين" فتشير إلى أشخاص في استراحة مع تغيُّب الإرادة والوَعي جُزئيًا أَو كليًّا. 37 وما أَقولُه لَكم أَقولُه لِلنَّاسِ أَجمَعين: اِسهَروا. تشير عبارة "أَقولُه لِلنَّاسِ" إلى كلام يسوع الموجّه إلى التَّلاميذ الذين سينقلونه للجميع، وبالتالي لكل مسيحي في كل زمان ومكان إلى أن يأتي. أمَّا عبارة "أَقولُه لِلنَّاسِ أَجمَعين" فتشير إلى السهر الذي يتكرر أربع مرَّات في هذا النَّص لأهميته الموضوع. ولا يتعلق السهر بذلك الجيل فقط، بل بكل جيل من أجيال الكنيسة المسيحيَّة على مرِّ العصور. فقد يظن التَّلاميذ أنها مسؤولية الكنيسة، ولكن في الوَاقع هي مسؤولية كل واحد شخصيًا. وما يطلب من المؤمن هو السَّهر، لان عليه يتوقف مستقبل الكنيسة والجماعة المؤمنة. أمّا عبارة "اِسهَروا" فتشير إلى الكلمة الأوّلى والأخيرة الّتي يبدأ ويختم أيضا يسوع بها هذا النص الإنجيلي. يأتي نداء يسوع إلى السهر كتوصية وتحذير يتركه يسوع لتلاميذه ولنا اليّوم في الأيام الصعبة التي بها يغادرنا يسوع للصعود عند أبيه السَّماوي. ثانياً: تطبيقات النَّص الإنجيلي (مرقس 13: 33-37) بعد دراسة موجزة عن وقائع النَّص الإنجيلي (متى 25: 14-30)، نستنتج انه يتمحور حول أهمية السَّهر الذي يدعو السَّيد المسيح إليه في حديثه عن مجيئه الأخير ترقبًا للقاء معه، ويُعلق بيار دو بلوا " من المؤكّد أنّ هذا المجيء سيتمّ، لكن من غير المؤكّد متى سيتمّ، لأنّه ما من شيء أكيد أكثر من الموت، وما من شيء غير أكيد أكثر من اليوم الذي ستحصل فيه الوَفاة فحِينَ يَقولُ النَّاس: سَلامٌ وأَمان، يأخُذُهمُ الهَلاكُ بَغتَةً كما يأخُذُ المَخاضُ الحامِلَ بَغتَةً، فلا يَستَطيعونَ النَّجاة" (1تسالونيقي 5: 3) (العظة الثَّالثة حول زمن المجيء). ومن هنا نتساءل لماذا أوصانا يسوع بالسَّهر وكيف نعيش في السَّهر انتظارا لمجيء المسيح؟ 1) لماذا أوصانا يسوع بالسَّهر؟ آثر المسيح أن يأمر تلاميذه بالسَّهر دون غيره من الفضائل والأعمال، لانَّ السَّهر يقتضي انتباه كل قوى الجسد وقوى العقل. فمن سهر لا يغفل عن سائر واجباته. لذلك يخاطبنا يسوع قائلا: "احذَروا واسهَروا، لِأَنَّكم لا تَعلَمونَ متى يَكونُ الوَقْت" (مرقس 13: 33)، ويُوصينا بالسَّهر لئلا يحملنا جهلنا وقت مجيء المسيح على النَّوم فيأتي ويجدنا نيامًا. ويتضمن النَّوم المقصود هنا إهمال الوَاجبات ونِسيان الوَصايا والتَّخلي عن وعده بالمجيء ثانية وإهانة الرُّبّ يسوع. وهناك أربع أمور تدفعنا للنوم وهي: العادات والتَّردد، والانتظار والهموم والانشغال، مما تجعلنا أن نعيش حياتنا وكأن يسوع لم يأتِ بعد، ولن يأتِ. شدَّد يسوع في إنجيل مرقس على السَّهر للأسباب التَّالية: الحفاظ على الكنز الرُّوحي: "وما أَقولُه لَكم أَقولُه لِلنَّاسِ أَجمَعين: اِسهَروا "(مرقس 13: 37). يطلب مرقس الإنجيلي منا أن نسهر على كنزِ نفوسنا، حيث كنز نفوسنا هو حب المسيح الذي آتى وسيأتي. ويُعلق القدّيس أوغسطينوس " يا إخوتي، تَفحَّصوا بدقّة مساكنكم الدَّاخليّة، افتَحوا عيونَكم وتَبصّروا في مَخزونِكم من الحبّ، ثمّ أضيفوا المجموع الذي تكونونَ قد اكتَشفتُموه في أنفسكم. اسهَروا على هذا الكنز كي تكونوا أغنياءَ داخليًّا" (العظة 34 عن المزمور 149). تجنُّب الخطيئة: "قالَ لهم: ((نَفْسي حَزينَةٌ حتَّى المَوت. أُمكُثوا هُنا واسهَروا)). (مرقس 14: 34). أمّا سِرّ حزن يسوع فهو ليس الخوف من الآلام الجسديّة، إنّما ثقل الخطيئة التي لا يقبلها السَّيِّد ولا ُيطيقها، لكنّه من أجل هذا جاء، ونيابة عنّا، خضع في طاعة للآب حاملا موت الخطيئة فيه. وبكلمة اسهروا يطلب يسوع من رسله أن يكونوا مستعدين للهروب من الخطيئة. مقاومة التجربة: "اِسهَروا وصَلُّوا لِئَلاَّ تَقَعوا في التَّجرِبة. الرُّوحُ مُندَفِع، وأَمَّا الجَسدُ فَضَعيف "(مرقس 14: 38). يطلب يسوع هنا السَّهر بتواضع بسبب ضُعفنا، لانَّ أعداءنا كثيرين وعلينا أخطار من داخل ومن خارج كما جاء في سفر أيوب "أَلَيسَت حَياةُ الإنْسانِ في الأَرضِ تَجَنُّدًا وكأَيَّامِ أَجيرٍ أيَّامُه؟" (أيوب 7: 1). والنَّوم هو نتيجة التَّسليم لأهواء الجسد وتأثير هذه الدُّنيا ضد تأثير العَالَم الآتي. في حين يجبُ أن نستخدمَ العَالَم لا أن نكونَ له خادمًا. ويُعلق القدّيس قِبريانُس أسقف قرطاجة " فإننا نتذكّر ضُعفنا بحيث لا ينظر أيّ منَّا إلى نفسِه نظرة مجاملة، وحتى لا يعزو أي شخص لذاته المَجد النَّابع من ولائه أو محنته، في حين يعلمّنا الرُّبّ نفسه التَّواضع عندما يقول، "اِسهَروا وصَلُّوا لِئَلاَّ تَقَعوا في التَّجرِبة. الرُّوحُ مُندَفِع، وأَمَّا الجَسدُ فَضَعيف". وإن كنا نعتمد التَّواضع أولًا فإننا نُعيد إلى الله كلّ ما نطلبه بخشية وإجلال، ويمكننا أن نتأكّد من أن طيبته سوف تغمرنا" (صلاة الرُّبّ، 26-28). تمييز علامات الأزمنة "اسهَروا إِذًا، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم" (متى 24: 42)، يطلب منا الرُّبّ تمييز "علامات الأزمنة." إن تمييز هذه العلامات هو محاولة لمعرفة كيفية التَّقاء الرُّبّ من خلال حوادث العَالَم وأزماته. عيش الوقت الحاضر: “اسهَروا إِذًا، لأَنَّكم لا تَعلَمونَ اليومَ ولا السَّاعة" (متى 25: 13) يطلب منا الرُّبّ عيشَ الوَقْت الحاضر ونحن نترقب المستقبل مدركين الهدف الذي نسير إليه، وإلى أين يأخذنا الرُّبّ وأين ينتظرنا. يقول أحدُ الآباء: كثيرون هم الذين يسهرون، لكنهم يقضون الليل في عمل الشَّر. فكيف ينبغي أن نسهر؟ 2) كيف نعيش في السَّهر انتظارا لمجيء المسيح؟ ضرب لنا يسوع مثل رب البَيت ليحُّثنا على السَّهر. لفظ سهر يفيد العدول عن النَّوم ليلًا. وقد يكون السَّهر بقصد مواصلة العمل (حكمة 6: 15)، أو لتِحاشي العَدوّ المُفاجئ (مزمور 127: 1-2). والمَعنى المَجازي هو اليقظة، والكِفاح ضدَّ الخُمول والإهمال، من أجل بلوغ الغَرض المُستهدف (أمثال 8: 34). وأمَّا فيما يتعلق بالمُؤمن السهر هو أن يكون مستعدًا للقاء الرُّبّ، عندما يحلُّ يوم مجيئه. آثر المسيح أن يأمر تلاميذه بالسَّهر دون غيره من الفضائل والأعمال، لانَّ من سهر لا يغفل عن سائر واجباته. والسَّهر يقتضي انتباه قوى الجسد وقوى العقل ليس لمعرفة مجيء الرَّب، بل يميِّز مجيئه. ومن هذا المنطلق نستنتج أنه يوجد هنالك خمسة طرق في السَّهر انتظارًا لمجيء المسيح؟ الطَّريقة الأولى: السَّهر بالاستعداد: السَّهر هو أن يكون المُؤمن على أُهبة الاستعداد لعَودة الرُّبّ: يوصي يسوع تلاميذه ويحثهم على اليقظة استعدادًا لمجيئه الثَّاني. "فاسهروا إذاً، لأنكمٍ لا تعلمون أيّ يوم يأتّي سيّدكم" (متى 24: 42). فالنَّوم، على العكس من السَّهر، لن يكون سوى فقدان الوَعي، والعيش وكأننا لا نتوقع مجيء المسيح. من ينام لا يلتقي بالنور! وإنّ مجيء ابن الإنسان سيكون مفاجِئًا، كما كان الطَّوفان في أيام نوح، ومثل مجيء السَّارق ليلا (متى 24: 43-44)، ومثل السَّيد الذي يعود أثناء الليل دون إخطارٍ سابقٍ لخَدَمِه (مرقس 13: 35-36)، وذلك للتحريض على الاستعداد. الرُّبّ يدعونا إلى اليقظة لعدم معرفتنا ساعة عودة رب البَيت، لذا علينا أن نعيش وقتنا الحاضر باستعداد وحذر وتيقّظ. يعلق البابا فرنسيس "نسهر لكي نحرس قلبنا ونفهم ماذا يحدث في داخله. هذه حالة الاستعداد لدى المسيحيّين الذين ينتظرون مجيء الرّبّ يسوع النّهائي" (تعليم في السهر 14/12/2022). المسيحي شأنه شأن البَوَّاب الأمين، ينبغي له أن يسهر، أي أن يمكث متأهّبًا ويظلَّ على استعداد لاستقبال الرُّبّ. ولا عجب أن يوصينا بولس الرَّسول على السَّهر: " لَسْنا نَحنُ مِنَ اللَّيلِ ولا مِنَ الظُّلُمات. فلا نَنامَنَّ كما يَفعَلُ سائِرُ النَّاس، بل علَينا أَن نَسهَرَ ونَحنُ صاحون" (1 تسالونيقي 5: 1-7). وهكذا على المسيحي أن يظلّ يقظًا لمقاومة ظُلمات الشَّرّ، حتى لا يتعرّض إلى مداهمة مجيء المسيح الثَّاني، بل أن يكون مستعدًا لاستقبال الخلاص النهائي، كما يؤكد بولس الرَّسول "هذا وإِنَّكُم لَعالِمونَ بِأَيِّ وَقْتٍ نَحنُ: قد حانَت ساعةُ تَنبَهُّكمِ مِنَ النَّوم، فإِنَّ الخَلاصَ أَقرَبُ إِلَينا الآنَ مِنه يَومَ آمَنَّا" (رومة 13: 11). من الضَّروري إذا السَّهر المتواصل استعدادًا لمفاجأة مجيء الرُّبّ السَّعيدة. وهذه المفاجأة تكمن في أن نصبح للمسيح خَدَم كما ورد في إنجيل لوقا: "طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين. الحَقَّ. أَقولُ لكم إِنَّه يَشُدُّ وَسَطَه ويُجلِسُهُم لِلطَّعام، ويَدورُ علَيهم يَخدُمُهم" (لوقا 12: 37). والسَّهر هو قرار استعداد وخدمة. في بداية زمن المجيء يتوجب علينا أن نكون مستعدين لمجيء ابن الإنسان، "فيسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إلى السَّماء" (أعمال الرُّسل 1: 11-9)، وأن نكون مستعدين لهذا الحدث الذي غيّر وجه البشرية. والوَاقع، إن مجيئه الثَّاني هو أهم حدث في حياتنا، فنتائجه تبقى إلى الأبد، ولا يُمكن أن نؤجل الاستعداد له، لأنَّنا لا نعلم متى سيحدث. فلا يجوز أن نعيِّن سنة ذلك المجيء بل ينبغي أن ننتظره بالإيمان كل حين. "فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم ... لِذلِكَ كونوا أَنتُم أَيضًا مُستَعِدِّين، ففي السَّاعَةِ الَّتي لا تَتَوَقَّعونَها يأَتي ابنُ الإِنسان (متى 24: 42، 44). "َاسهَروا إِذًا، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ متى يأتي رَبُّ البَيت: أَفي المَساء أَم في مُنتَصَفِ اللَّيل أَم عِندَ صِياح الدّيك أَم في الصَّباح" (مرقس 13: 35). ويُعلق القدّيس يوحنّا بولس الثَّاني بابا روما " تُذكّرُني هذه الكلمات بالنِّداء الأخير الذي سيحلّ في اللحظة التي يريدها الرُّبّ. أرغب في أن أستجيب لذلك النِّداء وأن يكون كلُّ ما في حياتي على هذه الأرض سبيلاً لأستعدّ لتلك اللحظة "(الوَصيّة). الطَّريقة الثَّانية: السَّهر بالحَذر من التَّجارب اليوميّة: لا يتطلب السَّهر الاستعداد فحسب، إنما أيضا الحَذر. والحَذر هو الاحتراس والحِماية من التَّجارب اليومية. وهذا الأمر يتطلب المثابرة في الانتظار لعودة يسوع عن طريق الكفاح ضِدَّ التَّجارب اليومية. ويُظهر يسوع نموذجًا بارزًا لليقظة في لحظة التَّجربة، بقدر ما يُظهر التَّلاميذ تخاذلا مُهملين توصيات معلّمهم: "إِسهَروا وصَلُّوا لِئَلاَّ تَقَعوا في التَّجرِبَة" (متى 26: 41). ويُردِّد لوقا الإنجيلي كلمات يسوع بقوله "احذَروا أَن يُثقِلَ قُلوبَكُمُ السُّكْرُ والقُصوفُ وهُمومُ الحَياةِ الدُّنيا، فَيُباغِتَكم ذلِكَ اليَومُ" (لوقا 21: 34)، ولا يتردَّد بطرس الرَّسول في الحَثِّ على الحَذر إزاء أخطار الحياة الحاضرة بقول: " كونوا قَنوعينَ ساهِرين. إِنَّ إِبليسَ خًصْمَكم كالأَسدِ الزَّائِرِ يَرودُ في طَلَبِ فَريسةٍ لَه" (1 بطرس 5: 8). ويبيِّنُ بولس الرَّسول الأسلحةَ التي يستخدِمُها في مقاومةِ الخصمِ فيقول: "جَهدٌ وَكَدٌّ، سَهَرٌ كَثِيرٌ، جُوعٌ وَعَطَشٌ، صَومٌ كَثِيرٌ، بَردٌ وَعُرْيٌ" (2 قورنتس 11: 27). فانّ السَّهر الذي يطلبه السَّيد المسيح غايته هي يقظة القلب الدَّاخلي، كما جاء في سفر نشيد الأناشيد "إِنِّي نائِمَةٌ وقَلْبي مُستَيقِظ " (نشيد الأناشيد 5: 2). ويأتي زمن المجيء ليَدعونا لنفتح قلوبنا كي نكتشف الحاضر بيننا دون أن نراه، وأن نلتفت إلى القائم وسطنا دون أن ندري. هذا هو معنى السَّهر الذي ينادي به يسوع، أيقظوا قلوبكم من نومها، أفيقوا من غفلتكم، أخرجوا من سكرة همومكم ونزاعاتكم وبحثكم عن السَّعادة الوَاهية والخادعة وراء مباهج الاستهلاكيّة والشَّهوانيّة. نستنتج مما سبق أنَّه ينبغي على المسيحي أن يكون دائمًا على حَذرٍ، وأن يصلِّي بإيمان، وان يتجنَّب بتجرّده مكائد العدو الشَّيطاني وأعوانه، وألاَّ يقاوم المجيء الأول للمسيح حتى لا يخاف مجيئه الثَّاني. جاءَ مرّةً أُولى وسيأتي أيضًا. وقد سَمِعْنا ذلك من فمِه في الكتابِ المقدَّس: "سَتَرَوْنَ بَعدَ اليَومِ ابنَ الإنسَانِ آتِيًا عَلَى غَمَامِ السَّمَاءِ" (متى 26: 64). ولذلك لا بُدَّ للإنسان المسيحي أن يكون على حَذر، وينتظر الرُّبّ في السَّهر والصَّلاة لمقاومة التَّجارب. وانتظار الرُّبّ هو عمل الحياة كلها. دعوتنا ليست للإيمان فقط، بل للسهر بإيمان مرتقب. إنّ نوع التَّرقّب الّذي يقصده الرُّبّ ليس طريقة سلبيّةً للحياة "الانتظار ورؤية ما يحدث" بل الاهتمام بالحياة بحيوية وحب، كما نعتني بمنزلنا. معنى السَّهر الذي ينادي به يسوع هو أن نُيقظ قلوبنا من نومها، ونستفيق من غفلتنا، ونخرج من سكرة همومنا ونزاعاتنا وبحثنا عن السَّعادة الوَاهية والخادعة وراء المباهج الاستهلاكيّة والشَّهوانيّة "لِنَسِرْ سيرةً كَريمةً كما نَسيرُ في وَضَحِ النَّهار. لا قَصْفٌ ولا سُكْر، ولا فاحِشَةٌ ولا فُجور، ولا خِصامٌ ولا حَسَد" (رومة 13: 13). وحذّرنا الرُّبّ يسوع من ذلك من خلال مَثَل الرَّجُل الغنيّ الجاهل الذي يُطلب من الله أن يؤدّي حساب نفسه خلال تلك الليلة (لوقا 13: 12-21)، ومثل الخادم الّذي "أَخَذَ يَضرِبُ الخَدَمَ والخادِمات، ويأَكُلُ ويَشرَبُ ويَسكَر" (لوقا 12: 45)، ومَثَل ُالعذارى الجاهلات (متى25: 2). الطَّريقة الثَّالثة: السَّهر بالصَّلاةِ والدُّعاءِ في الرُّوح يتطلب السَّهر أيضًا الصَّلاةِ والتَّأمل والدُّعاءِ في الرُّوح. ويعلق البابا فرنسيس " لأن السَّهر َوالصَّلاة هما الكلمتان لزمن المجيء، لأنَّ الرُّبّ قد أتى في تاريخ بيت لحم وسيأتي في نهاية العَالَم ونهاية حياة كلِّ فرد منا، ولكنَّه يأتي يوميًّا وفي كلِّ لحظة إلى قلبنا من خلال إلهام الرُّوح القدس" (عظة 3/12/2018). ولقد تكلم مرقس الإنجيلي كثيرًا عن الصَّلاة نحو 12 مرة، فهو يوضِّح أنَّ يقوم السَّهر في سبيل الصَّلاة: تمضية الليل في الصَّلاة، وعقد سهرات الصَّلاة أو السَّهرات الإنجيلية، كما يوصي بولس الرَّسول: "أَقيموا كُلَّ حينٍ أَنواعَ الصَّلاةِ والدُّعاءِ في الرُّوح، ولِذلِكَ تَنبَّهوا وأَحيُوا اللَّيلَ مُواظِبينَ على الدُّعاءِ" (أفسس 6: 18)، وذلك اقتداءً بما كان يفعله يسوع "وفي تِلكَ الأَيَّامِ ذَهَبَ إلى الجَبَلِ لِيُصَلِّي، فأَحْيا اللَّيلَ كُلَّه في الصَّلاةِ لله" (لوقا 6: 12). وفي موضع آخر يقول "اسهَروا مُواظِبينَ على الصَّلاة، لكي توجَدوا أَهْلًا لِلنَّجاةِ مِن جَميعِ هذه الأُمورِ التي ستَحدُث، ولِلثَّباتِ لَدى ابنِ الإِنْسان (لوقا 21: 36). ويُوضّح بولس الرَّسول كلمة المسيح بقوله " واظِبوا على الصَّلاة، ساهِرينَ فيها وشاكِرين" (قولسي 4:2)، وتعلق القدّيسة تيريزا الطَّفل يسوع " بعد منفى الأرض، أرجو الذهاب لأنعم بك في الوَطن الأبدي؛ لكنّي لا أريد أن أكدّس استحقاقات لأجل السَّماء، بل أريد العمل في سبيل حُبِّك وحده... أريد إذًا أن ألبس بِرّك وأنال من حبّك امتلاكك الأبديّ. لا أريد على الإطلاق عرشًا آخرًا ولا إكليلًا آخر، سواك يا حبيبي! " (فعل تقدمة الذات لحبّ اللّه الرَّحيم). دخولنا في الصَّلاة يعني أننا خرجنا من نومنا، وقلوبنا مُستعدَّة للقاء الحبيب السَّاكن فيه. يُكلمنا الله بالصَّلاة لنتجدد روحًا وقلبًا، ونتذوق طعم الفرح والسَّلام، وتمتلئ عيوننا بالنُّور، فتشع حياتُنا بهجةً ورجاءً حولنا. والصَّلاة هي أولى أعمال سيدنا يسوع، إذ كرَّس أربعين يومًا للصوم والصَّلاة والسَّهر. إنّ الصَّومَ يشفي الرُّوحَ الضَّعيفة، والصَّلاة تُغذّي النَّفس المتديّنة، والسَّهر يُبعِد مكائدَ الشَّيطان، ويُعلق القديس سيرافيم السَّاروفيّ "فإن كانت الصَّلوات والتَّأمّلات تعود عليكم بالكثير من النِّعَم فاسهروا إذًا وصلّوا. وإن كان الصَّوم يمنحكم نِعَمًا كثيرة فصوموا. وإن كان عمل الإحسان يفيض عليكم بالمزيد من النِّعَم فافعلوه " (لقاء مع موتوفيلوف). زمن المجيء هو دعوة إلى السَّهر بالصَّلاة، كما تقول كلمات التَّرتيلة "نحن ساهرون ومصابيحنا مشتعلة ننتظر عودتك أيها الرُّبّ يسوع". ويُنبأ النَّبي أشعيا بأنّ الرُّبّ سوف يكافئ، بالتَّأكيد، أولئك الّذين ينتظرون افتقاده: "مُنذُ الأَزَلِ لم يَسمَعوا ولم يُصْغوا ولم تَرَ عَينٌ إِلهًا ما خَلاكَ يَعمَلُ لِلَّذينَ يَنتَظِرونَه " (أشعيا 64، 4). الطَّريقة الرَّابعة: السَّهر بالعمل بضمير حيٍّ السَّهر يقتضي أيضًا العمل بضمير حيٍ. فالسَّهر لا يمنع عن العمل، والعمل لا يمنع عن السَّهر بانتظار قدوم المسيح. والعمل يتطلب منَّا أن نعمل بضميرٍ حيٍ ما نعمله ضدَّ العادات السَّيئِّة حتى لا تتحوَّل هذه العادات إلى سُبات عميق تُخدّرنا، وتُبعد عيوننا عن التَّركيز على هدفنا، وهذا التَّركيز يدفعنا إلى فعل الخير لأنفسنا، لنصبح عاملين مجتهدين ومنتبهين من اجل المسيح. وهكذا نعيش الانتظار بصورة جيدة بحيث لا يمضي يوم وشهر وسنة ونحن لا نعمل شيئًا، بل نثق بالله ونتعلق فلا نجعل همومنا وانشغالنا تسيطر علينا بل كما قال البابا السَّابق بندكتس السَّادس عشر" نحن بحاجة إلى النُّهوض وإعادة اكتشاف معنى هدف كياننا"، فيُساهم كلُّ فردٍ بسب مُهمته ودعوته للقاء الرُّبّ. باختصار، يسوع يدعونا إلى السَّهر" وما أَقولُه لَكم أَقولُه لِلنَّاسِ أَجمَعين: اِسهَروا. (مرقس 13: 37)؛ وعندما نوجّه قلوبنا إليه تعالى، ونرفع نحوه همومنا وانتظارنا ومخاوفنا وقلقنا وهمونا وآلامنا، كل شيء يتَّخذ معناه. لننتظر مُستعدِّين لمجيء المسيح، ونحن نرنِّم مع صاحب المزامير " كما يشْتاقُ الأيَلُ إلى مَجاري المِياه كذلِكَ تَشْتاقُ نَفْسي إِلَيكَ يا أَلله" (مزمور 42: 2). ويُعلق القديس كولومبانس " طُوبى لذلك السَّهرِ الذي يُعِدُّ النَّفسَ لملاقاةِ الله، مُبدِعِ كلِّ الكائنات، ومالِئِ الكلِّ والعليِّ فوقَ كلِّ شيء" (الإرشاد في انسحاق القلب 12، 2-3). الطَّريقة الخامسة: السَّهر باتباع تحذيرات الرُّبّ يقدِّم لنا إنجيل مرقس في الفصل الثَّالث عشر بعض التَّحذيرات أيضًا للسهر انتظارًا لمجي المسيح: التَّحذير الأول: لا ننام " لِئَلاَّ يَأتيَ بَغتَةً فَيجِدَكُم نائمين (متى 13: 36). إن إنجيل هذا الأحد يُحذِّرنا من مرض بدأ يتفشى في حياتنا، مرض بدأ يتغلغل في عالمنا، ألا وهو أن نسير في الحياة ونحن نائمون، أن ننعس خلال حياتنا. لا نعي بما يدور حولنا، "فكَما كانَ النَّاسُ، في الأَيَّامِ التي تَقَدَّمَتِ الطَّوفان، يَأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَتزَّوجونَ ويُزَوِّجونَ بَناتِهِم، إلى يَومَ دخَلَ نوحٌ السَّفينَة، 39 وما كانوا يَتَوَقَّعونَ شَيئًا، حتَّى جاءَ الطَّوفانُ فجَرَفهم أَجمَعين، (متى 24: 38-39). وما كانوا يتوقعون شيئًا، وما كانوا يُدركون شيئًا، وما كانوا يشعرون بشيء. إنَّ الشَّخص النَّائم لا يشعر بشيء. وينُهزم في المعارك بسبب غياب السّهر، لأنه لم يحرس الباب. ويوجه لنا النبي أشعيا في القراء الأولى (أشعيا 63: 16-64: 7) نداءً يُوقظنا من نومنا وغفلتنا، لئلا يتغلب علينا عدونا الشرير. التَّحذير الثَّاني: لا نرتبك بدعاوي مُضلِّلة أو تفسيرات باطلة لَمَا يحدث " إِيَّاكُم أَن يُضِلَّكم أَحَد. فسَوفَ يَأتي كثيرٌ مِنَ النَّاسِ مُنتَحِلينَ اسمي فيَقولون: أَنا هو! ويُضِلُّونَ أُناسًا كثيرين (متى 13: 5-6)؛ لقد صرّح يوسيفوس فلافيوس المؤرخ اليهودي أن مزوِّرين كثيرين وسحرة جذبوا إليهم كثيرين إلى البَرِّية يخدعونهم، فمنهم من جنّ، ومنهم من عاقبه فيلكس الوَالي الرُّوماني، ومن بينهم ذلك المصري الذي ذكره قائد الألف الأمير حين قال للرسول بولس:" أَفَلَستَ المِصرِيَّ الَّذي أَثارَ مُنذُ أَيَّامٍ أَربَعَةَ آلافِ فَتَّاك، وخَرَجَ بِهم إلى البَرِّيَّة؟ "(أعمال الرُّسل 21: 38). التَّحذير الثَّالث: لا نخشى الاضطهاد، رغم كل ما يمكن أن يقولوه أو يفعلوه بنا "فخُذوا حِذْرَكم. سَتُسلَمونَ إلى المَجالِسِ والمَجامِع، وتُجلَدون، وتَمثُلونَ أَمامَ الحُكَّامِ والمُلوكِ مِن أَجْلي شَهادةً لدَيْهِم" (متى 13: 9)؛ بل يجب أن نثبُت في الإيمان ولا نندهش من الاضطِّهاد: "يُبغِضُكم جَميعُ النَّاسِ مِن أَجلِ اسمي. والَّذي يَثبُتُ إلى النِّهاية، فَذاكَ الَّذي يَخلُص" (متى 13: 13). التَّحذير الرَّابع: لا نتحالف مع هذا العَالَم، وياء للأسف، كثيرٌ من النَّاس يهزؤون من الدّين علانيّة، كما جاء في رسالة يهوذا "سيَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ مُستَهزِئُونَ يَتبَعونَ شَهَواتِ كُفْرِهم "(يهوذا 1: 18)، هؤلاء لا يسهرون، وهم لا يفهمون أنّهم مدعوّون ليكونوا "غُرَباءً نُزَلاءً في الأَرض" (عبرانيين 11: 13)، وأنّ ممتلكاتهم الأرضيّة ما هي إلاّ حوادث عابرة في تاريخ وجودهم، وبالتَّالي هم لا يملكون شيئًا. وليس هناك من شكًّ في أنّ من يعيشون بهذه الطَّريقة لن يتمكّنوا من الاستعداد لمُلاقاة الرُّبّ عند مجيئه. نستنتج مما سبق أنَّ الرُّبّ يسوع طلب منا السَّهر حيث أنَّ دعوتنا ليست للإيمان فقط، بل أن نسهر بإيمان مترقّب أيضًا؛ ليس أن نحبّ فقط، بل أن ننتظر بتوق متلهّف؛ ليس أن نطيع فقط، بل أن نُعدّ بترقّب فَرِحْ! ماذا علينا أن نترقّب، وننتظر؟ وأن نُعدّ لماذا؟ إنّ الحدث الأعظم القادم وهو عودة سيّدنا وربّنا يسوع المسيح في المجد كي يلقانا في نهاية الأزمنة. لننتظر مجيئه، كما جاء في توصيات بولس الرَّسول "مُنتَظِرينَ السَّعادَةَ المَرجُوَّة وتَجَلِّيَ مَجْدِ إِلهِنا العَظيم ومُخَلِّصِنا يسوعَ المسيحِ" (طيطس 2: 13). إنّه يأتي لكي نعرفه، ذاك الّذي لم يعرفْه أحد (يوحنا 1: 10)؛ لكي نؤمن به، ذاك الّذي لم يؤمنْ به أحد؛ لكي نخافه، ذاك الّذي لم يَخَفْه أحد؛ لكي نحبّه، ويعلق القدّيس ألريد دو ريلفو " ذاك الّذي لم يعرفْه أحد ولم نؤمنْ به، والّذي لم نكن نخشاه، والّذي لم نحبّه؟" (عظة حول زمن المجيء). أنّ هذا اللقاء لا يمكن أن يتمّ إذا لم نعشْ الحياة في الاستعداد والحَذر والصَّلاة واتباع تعليمات الرُّبَّ وتحذيراته. لذا لنردد مع أشعيا النبي " يا رَبُّ لَيتَكَ تَشُقَّ السَّمواتِ وتَنزِل فتَسيلُ الجِبالُ مِن وَجهِكَ" (أشعيا 63: 19) ولنُرنِّم مع صاحب المزامير "اللَّهمَّ أَرجِعْنا وأَنِرْ علَينا بِوَجهِكَ فنَخلُص " (مزمور 80: 4)، إنها ادعيه صادقة موجهة إلى الله الآب لكي يأتي ويستعيد العلاقة بشعبه. الخُلاصَة نبدأ سنة الليتورجيا مع زمن المجيء وترافقنا كلمات يسوع في إنجيل مرقس، وفي قلوبنا شوقٌ كبيرٌ إلى مخلّصٍ يُشفينا من قلقنا ويُحرِّرنا من مخاوفنا، وفي عمقنا اشتياق إلى زمن سلام وعدل يرفع عن مجتمعاتنا وأوطاننا خطرَ التَّعنّت والتَّعصّب وما يتبعهما من عنف وحرب وظلم. الله معنا حين يغوص البَشر في مشاكل حياتهم ويغيب الله عن أذهانهم وحياتهم. وهو معنا من خلال يسوع المسيح. يحثَّ السَّيد المسيح تلاميذه على ضرورة السَّهر في انتظار عودته فهو يقترب منا ونحن نقترب منه. يروي يسوع مثلًا قصيرًا يتحدث عن رَجُل يغادر بلده في رحلة ويترك بيته في رعاية الخدم، ويعهد إلى كل واحد منهم بمهمته الخاصة. ويُكلف البَوَّاب بمُهِمَّة السَّهر أي التَّرقُّب، ثم تمتد هذه المُهِمَّة لتشمل الجميع. يجب عليهم السَّهر كي لا يجدهم عند عودته نائمين خاصة وأنَّهم لا يعلمون زمن رجوعه. السَّهر بمعنى اليقظة الوَاعية هي واحدة من مُتطلبات الإيمان بيوم الرُّبّ، وهي الطَّابع المُميَّز للمسيحي الذي ينبغي له أن يقاوم الجحود في آخر الأزمنة، وأن يظلّ مُستعدًّا مسط تَجارب الحياة الحاضرة لاستقبال المسيح الذي يأتي. لذللك ينبغي أن تمارس اليقظة المسيحية يومًا بيوم في الكفاح ضِدَّ الشَّرير، كما علّمنا السَّيد المسيح في الصَّلاة الرُّبّيّة "ولا تُدخلنا في التَّجربة" (متى 6: 11)، إذ يحاول الشَّيطان أن يُهلك من تُغريه التَّجربة. فالسَّهر يتطلب من التَّلميذ الصَّلاة والقناعة المتواصلتين: "اسهروا وصلّوا وكونوا قنوعين". ولنجهّز نفوسنا ليس للعيد بل لصاحب العيد، ولنعش حياتنا اليومية بروح مُتجدِّد وبمشاعر الانتظار العميق لمجيء الرُّبّ، انتظار مجيء مُخلصنا يسوع المسيح في حياة كل واحد منَّا وفي وسطنا وعَالَمنا. لا يسعنا أخيرًا إلاَّ أنَّ نختتم بهذا السَّؤال " يمكن أن نُمضي شهورًا أو سنوات للتخطيط للزَّواج أو ولادة طفل أو لتغيير العمل أو لشراء منزل. فهل نعطي أهمية مثل هذا الاهتمام بمجيء المسيح؟ فمجيئه هو أهم حدث في حياتنا، لأنَّ نتائجه ستبقى إلى الأبد، ولا يمكننا أن نؤجل الاستعداد له، لأننا لا نعلم متى سيحدث ذلك. "طوبى لِذلِكَ الخادِمِ الَّذي إِذا جاءَ سَيِّدُه وَجَدَه مُنصَرِفًا إلى عَمَلِه (لوقا 12: 43)، انه يستطيع أن يشترك في انتصار موكب الرُّبّ. ويُعلق البابا القدّيس يوحنّا بولس الثَّاني: "فَاسهَروا إِذًا، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم". تُذكّرُني هذه الكلمات بالنِّداء الأخير الذي سيحلّ في اللحظة التي يريدها الرُّبّ. أرغب في أن أستجيب لذلك النِّداء وأن يكون كلّ ما في حياتي على هذه الأرض سبيلًا لأستعدّ لتلك اللحظة. لا أعلم متى سيأتي ولكنّي أضع تلك اللحظة بين يَدَيْ والدّة معلّمي يسوع المسيح، تمامًا كما أضع كلّ شيء بين يديها: "كُلّي لكِ". الدُّعاء أيها الآب السَّماوي، أيقظ قلوبنا وفكرنا، واجعلنا نستعدّ لمجيء ابنك يسوع مُخلصنا وديَّاننا، بالسَّهر والصَّلاة واتباع وصاياه حتى إذ جاء وجدنا في فرح ساهرين، بقدومه مرحّبين بنور حقيقته ومشتاقين إليه " كما يشْتاقُ الأيَلُ إلى مَجاري المِياه كذلِكَ تَشْتاقُ نَفْسي إِلَيكَ يا أَلله" (مزمور 42: 1) آمين. قصة وعبرة: بازار السَّماء بينما كنتُ في إحدى الأيام أسير في طريق الحياة، قرأت إعلانًا فوق متجر يقول: "بازار السَّماء". وما أن اقتربتُ من المتجر حتى انفتحت أبوابه وحدها ووجدتُ نفسي في الدّاخل. كانت الملائكة تملأ المكان. اقترب ملاكٌ مني وقدّم لي سلّة كبيرة وقال لي: "تفضّل، اشترِ ما تحتاج إليه". كان المكان مليئا بمختلف أنواع البضائع. رأيت رفًّا مكتوبًا عليه: "الصَّبر"، فأخذت حاجتي منه. رأيت "المحبة" في نفس المكان، فأخذتُ منها قسطًا لا بأس به. سرتُ قليلا فرأيت مكان "التَّفهّم"، فقال لي الملاك: "خذ منها، فستحتاجها أينما ذهبت". فأخذتُ منها علبتين. ثم تقدّمت أكثر فرأيت "الإيمان"، أخذتً منه حصتين أيضًا. ثم "الرُّوح القدس"، فأخذتُ منه الكثير. ثم فضيلة "القوة"، فلم أحرم نفسي، ثم "الشَّجاعة"، وأنا في أشد الحاجة إليها. بدأت سلتي تمتلئ، وتذكرتُ أني بحاجة إلى "النِّعمة"، فأخذت، ثم إلى "المغفرة" وأخذتُ لي ولغيري. أخيرًا، وقفت في الصَّفّ لأدفع الحساب قبل أن أغادر المكان، فرأيت بجانب موظف الصَّندوق كميات كبيرة من "الفرح" و"السَّلام" و"الصَّلاة"، فحملتُ ما استطعتْ حمله. وعندما أتى دوري لأدفع ثمن ذلك سألتُ الموظَّف: "كم؟" فابتسم وقال لي: "احملْ كل ذلك معك أينما ذهبتَ". فألححتُ عليه: "قل لي كم يجب أن ادفع؟" فابتسم مُجدَّدًا وقال: "يا بُنيّ، لقد دفع الله الحِساب بدلاً منك عندما تجسَّدَ وعاش في وسطنا وفداك ومات على الصَّليب وقام... هو نفسه سيعود ليُجازينا على ما فعلنا بكل ما نلنا من نعم وبركات. "فَاحذَروا واسهَروا، لِأَنَّكم لا تَعلَمونَ متى يَكونُ الوَقْت" (مرقس 13: 33). |
|