رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إنَّ ابنَ الإنسانِ جَاءَ لِيبحَثَ عَن الهالِكِ فَيُخلِّصَه (لو 10:19) أَيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأحِبَّاء في الْمَسيحِ يَسوع. رَبُّ الكَرمِ يَخرجُ خَمسَ مَرَّات، يَبحَثُ عَنْ عَمَلَةٍ يَعمَلونَ في كَرمِه: عِندَ الفَجر، وعِندَ السَّاعَةِ التَّاسِعة، وعِندَ الظُّهر، وعِندَ الثّالِثة، وأَخيرًا عِندَ السَّاعَةِ الخامِسَة. وأَحَدُ أَهمِّ دَلالَات هَذا، هيَ أنَّ اللهَ يُريدُ خَلاصَ جميعِ النَّاس! ولأجلِ ذلك، لا يُوفِّرُ وَقتًا إلّا ويَستغِلُّه، سَاعيًا لِأنْ يَبلُغَ النَّاسُ الخَلاص. كَمَا يَقولُ الرَّسولُ بولس في رسالتِهِ الثّانيةِ إلى أَهلِ قُورنتوس: ﴿هَاهُوذَا الآنَ وَقتُ القُبولِ الحَسَن، وهَاهُوذا الآنَ يومُ الخلاص﴾ (2قور 2:6). واللهُ كُليُّ الرّحمَة، لا يَكُفُّ عَنْ دَعوةِ النَّاسِ للدُّخولِ في كَرمِهِ، أَيْ في مَلَكوتِه، الْمُعَدِّ لَنَا قَبلَ إنشَاءِ العَالم (راجع متّى 34:25). هَذَا الخَلاصُ الّذي جَاءَنا بهِ الله، مِنْ خِلالِ كَلِمتِهِ يَسوعَ الْمسيح، هوَ خَلاصٌ لكُلِّ إنْسان، مَتَى مَا قَرَّرَ الإنسانُ الاستِجَابَةَ للصَّوتِ، وتَلبِيَةَ الدَّعوةِ الإلهية، وقُبولَ الخلاصِ والدُّخولَ فيه. خَلاصُ اللهِ خَلاصٌ يَبْحَثُ عَنْ كُلِّ إنْسَان، يَدعوهُ مَا دَام هُنَاكَ وَقتٌ للدَّعوَةِ ومُتَّسَعٌ للقُبول. وإنْ حَدَثَ واستَجابَ البَعضُ للدَّعوةِ مُتَأَخّرين، فَهَذا لا يَعني أنَّ خَلاصَهم أَقلُّ مِنَ الّذينَ قَبِلوه مُبَكّرين. أَمَا قَبِلَ السّيدُ الْمَسيح تَوبَةَ الّلصِّ الْمُعَلَّقِ إلى جَانِبهِ عَلَى الصَّليب قَبلَ مَوتِهِ بِسُويعَات، مِثلَما قَبلَ تَوبَة كَثيرين، أَثناءَ تجوالِهِ وحَياتِهِ العَلَنيّة؟! وفي هَذَا الشَّأنِ تَكَلَّمُ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبيِّه حَزقيال، قَائِلًا: ﴿الشِّرَّيرُ إِذا رَجَعَ عَنْ جَميعِ خَطاياه الَّتي صَنَعَها، فَإِنَّه يَحْيَا حَياةً ولا يَموت. جَميعُ مَعَاصيه لا تُذْكَرُ لَه، وبِبِرِّه الَّذي صَنَعَه يَحْيا. أَلَعَلَّ هَوايَ في مَوتِ الشِّرَّير؟ يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. أَلَيسَ في أَنْ يَتوبَ عَنْ طُرقِهِ فَيَحْيا؟﴾ (حز 21:18-23). ومِنْ هُنَا نَقولُ أنَّ عَدلَ اللهِ لا يُناقِضُ رحمَتَهُ، لِأنَّ عَدلَ الله هوَ أنْ يَهَبَ "دِينَارَ الرَّحمَةِ" لِكُلِّ مَنْ تَابَ وعَادَ إليه، وتَركَ طُرُقَ الشَّرِّ والْمَعصيَة، حَتّى لو كَانَ ذَلكَ بَعدَ حين. دِينارُ الرّحمَةِ هذا هوَ مَا اسْتَكثَرَهُ بعضُ العَمَلَةِ الأشقِياء عَلَى زُمَلائِهم، واعْتَقَدوا أَنّهُم لا يَسْتَحِقّونَهُ! ولَكِنْ، مَن أَنتُم أيُّها العَملةُ الفَانون، لِتَتَطاوَلوا عَلَى اللهِ وحُكمِه العَادِل؟! مَنْ أَنتمُ لتُقرِّروا مَنْ يَستَحقُّ دينارَ الرّحمَةِ ومَنْ لا يستحقُه؟ مَنْ أَنتُم لِتُزاحِموا اللهَ فِيمَا هوَ لَهُ، وتُشارِكوهُ في مُلكِه الخَاص؟! فَفي الوَقتِ الّذي يَظهَرُ رَبُّ الكَرمِ رَحيمًا مُشْفِقًا، يُعَامِلُ الجميعَ بالعَدلِ والتَّسَاوي، لأنّهُ صَاحِبُ الْمُلكِ، وفي يَدِهِ الحُكمُ والقَرار، يظهَرُ لَنَا كَمْ أنَّ العَمَلَةَ أنفُسَهم، قُسَاةٌ جَائِرونَ في حَقِّ بَعضِهم، قُلُوبُهم مُتَحَجِّرة، عُقولُهم لا تَلين. يَقبَلُ الله تَوبَةَ الخاطِئ، مَهمَا غَلا في مَعصِيَتِه، إنْ عَادَ تائِبًا. وتَرى النَّاسَ يَرفضونُ رَحمةَ بَعضِهم البَعض، ويرفُضونَ مُجرّدَ فَكرةِ أَنْ يَهبَ اللهُ الرّحمةَ لأحدِ هؤلاءِ الخَاطِئين! أَلم يُنَوِّه الْمَسيحُ لِقَسوةِ النّاسِ ولُؤمِهم، هَذهِ الفِئةِ الْمُتَحَجِّرة، في مَثلِ الابنِ الضَّال؟ (راجع لوقا 11:15-32). فَحينَ قَبِلَ الأبُ تَوبَةَ ابنِهِ الأصغَر، وفَتَحَ لَهُ ذِراعَ الرّحمَة، نَرَى أَخَاهُ الأكبَر يرفُضُ ذلك، ويَشتَعِلُ غَضبًا وغَيضًا وحِقدًا، عَلَى أَخيهِ وأَبيهِ أيضًا! بِبَسَاطَة يا أحِبّة، النَّاسُ بِشكلٍ عَام: دَفَاترهُم لا تُغْلَق، وأَوراقُهُم لا تُحرَق، ومَا كَتَبوه لا يُمْحَى، بلْ يَبقَى كُلُّ شَيءٍ مَحفوظًا ولا يُنْسَى. لَقَدْ قَالَها دَاوود: ﴿فَلْنَقَعْ في يَدِ الرّبِّ، لِأنَّ مَراحِمَهُ كَثيرَة، ولا أَقَعَ في يَدِ النّاس﴾ (2صموئيل 14:24). اللهُ مَراحِمُهُ كَثيرَةٌ لا تَنْضُب، والنّاسُ مَراحِمُهم شَحيحَة، تَكادُ تكونُ جَافَّةً أحيانًا كَثيرة. الرَّحمَةُ صِفَةٌ إلهيّة: ﴿كُونوا رُحمَاء كَمَا أنَّ أباكُم رَحيم﴾ (لوقا 36:6). ومَنْ يَرحَمْ فَذلِكَ لأنَّ رُوحَ اللهِ سَاكِنٌ فيه. ومَنْ لا يَرحَم، بِغَضِّ النَّظرِ عَنْ أَسبابِهِ ومُبرّراتِه، فَروحُ الشَّرِّ يَستَوطِنُهُ، ولا مَكَانَ للهِ فيه! فَأنت مَسيحيٌّ صَالِح بِقَدرِ مَا تَرحَمُ عَلَى مِثالِ اللهِ الصَّالحِ الرّحيم. وأنت مَسيحيٌّ عَاق، بِقَدرِ مَا تَرفُضُ مَنحَ الرَّحمَةِ، وتُحجِمُ عَنْ إِعْطَائِهَا. يَقولُ الرّبُّ في إنجيلِ البَشيرِ لوقا: ﴿إنَّ ابنَ الإنسانِ جَاءَ لِيَبحَثَ عَنِ الهالِكِ فَيُخلِّصَه﴾ (لو 10:19). فخروجُ رَبِّ الكَرمِ خَمسَ مرّات، دَلالةٌ عَلى أنَّ اللهَ مراحِمُهُ لا تَنْتَهي، كَمَا يقولُ الْمزمورُ الثّامِنُ عَشَر بَعدَ الْمِئَة: ﴿اِحْمَدوا الرّبَّ لأنّهُ صالِحٌ، لأنَّ لِلأبَدِ رَحمتَهُ﴾ (مز 29:118). خَرَجَ اللهُ عِندَ الفَجرِ لَمَّا خَرجَ يَبْحَثُ عَنْ آَدمَ الّذي زَلَّ وخَطِئ (راجع تكوين 8:3-9). ثُمَّ خرجَ مِرَارًا وتَكرارًا، بالآباءِ والأنبِيَاء، يَحُثُّنَا عَلَى سُلوكِ طَريقِ الخَلاص. إلى أنْ خَرجَ أخيرًا بِكَلِمَتِهِ يسوعَ الْمسيح، الّذي جَاءَنا مُخلِّصًا وفَاديًا، لا خَلاصَ بأحدٍ غَيرِه. فَلا تَحزنُ نَفسي ولا تَكتَئِبُ رُوحي، إنْ لم يَرحمني النّاس! لأنَّ الخلاصَ في النِّهَاية، هوَ مِن اللهِ وليسَ مِنَ النّاس، فَالحمدُ للهِ عَلَى هَذا التّدبير. لأنّهُ لَو كانَ خَلاصُنَا مِنْ بَعضِنا البَعض، لأمْسَتْ أغلَبيَّتُنا في وادي الْموتِ والهلاك. |
|