رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
“توب علينا” والاختزال! لا شك أن كلمة “التوبة” منتشرة بشكل كبير في شوارعنا، ومتأصلة بعمق في ثقافتنا، كشعب متدين بطبيعته. فالتوبة هي مطمح الجميع، وهي شهادة التغيير الأخلاقي من الجميع. فنسمع أن فلانًا “ربنا تاب عليه” من... وهكذا ينقسم المجتمع إلى مجموعة من التائبين، ومجموعة أخرى من الطامحين أن يكونوا تائبين، ولكني هنا أتساءل: ما معنى التوبة الحقيقي؟! وهل هي مجرد إبداء الأسف أو الاعتذار، أو التعهد بعدم تكرار الخطأ؟! أم أن هناك معنى آخر للتوبة علينا أن نختبره وعليه أن يختبرنا؟! الحقيقة أن البعض اختزل معنى التوبة في مجرد كلمات اعتذارية شفهية يُبدي فيها الإنسان بعض الأسف عن الخطإ الموجَّه نحو الله ونحو الناس. والبعض الآخر اختزل معنى التوبة في بعض التعهدات المستقبلية التي يتعهد فيها الإنسان بعدم تكرار الخطأ مرة أخرى منه. فكثيرًا ما نسمع الطفل الذي يختزل خطأه لوالدته قائلاً: “مش هاعمل كدا تاني!” أو نسمع العامل يختزل تأخره وإهماله لرئيسه قائلاً: “آخر مرة يا باشمهندس!” وكل ما سبق يقع في خانة الأعذار الكلامية أو “التأسفات” الشفهية أو التعهدات المستقبلية، وكلها بعيدة تمامًا عن معنى التوبة الحقيقية! والكتاب المقدس يخبرنا عن كثيرين غاب عنهم معنى التوبة الحقيقي، واختزلوه في مجرد اعتذارات كلامية، فنقرأ عن فرعون بعد ضربة البَرَد الرهيبة أنه قال «أخْطَاتُ هَذِهِ الْمَرَّةَ. الرَّبُّ هُوَ الْبَارُّ وَأنَا وَشَعْبِي الأشْرَارُ. صَلِّيَا إلَى الرَّبِّ وَكَفَى حُدُوثُ رُعُودِ اللهِ وَالْبَرَدُ» (خروج9: 27-28). وهنا لم يَتُب فرعون بل قسَّى قلبه، ورغم أنه اعتذر واعترف شفاهيًّا بشرِّه وشر شعبه، إلا إن هذا الاعتراف كان خارجيًّا ومزيفًا، وتحت ضغط؛ فزال بزوال الظرف الذي يضغطه ويخاف منه. ونقرأ عن سيمون الساحر، بعد أن أخطأ خطأً رهيبًا في محاولته لشراء موهبة الروح القدس، أن بطرس قال له: «فَتُبْ مِنْ شَرِّكَ هَذَا وَاطْلُبْ إِلَى اللهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ»، ولكنه بدل من أن يعمل بالنصيحة، اختزل التوبة في بعض التعهدات المستقبلية الفارغة: «اطْلُبَا أَنْتُمَا إِلَى الرَّبِّ مِنْ أَجْلِي لِكَيْ لاَ يَأْتِيَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُمَا» (أعمال8: 22، 24). وبذلك نرى أن في الحالتين السابقتين، كان لسان حال فرعون وسيمون، هو اختزال التوبة في اعتذار كلامي أو تعهّد هُلامي، فهلك الاثنين غير التائبين قلبيًّا، رغم أن لسان حالهما ظاهريًّا كان: توب علينا يا رب! |
|