* يبقى لنا أن نقارن بولس بالملائكة. لنترك الأرض ونصعد إلى أبواب السماء. لا يقل أحد إن كلماتنا تحمل جسارة فائقة إن كان الكتاب المقدس يدعو يوحنا ملاكًا وأيضًا الكهنة، فلماذا تتعجب حين نقول إن بولس يستحق أن يُدعَى هكذا لتفوقه في هذه الفضائل؟!
ما هو سبب عظمة الملائكة؟ طاعتهم لله، هذا ما أعجب داود فيهم: "أقوياء في الفضيلة، يطيعون كلمته" (مز 20:102). لكن طاعة بولس لا تُقاَرن حتى بالكثير من الكائنات غير المتجسدين. ما يجعلهم مباركين هو طاعتهم لوصية الله ورفضهم التام لعصيانه. هذا ما فعله بولس بإخلاص تامٍ. لقد تمم كلمة الله ووصاياه أيضًا. ليس فقط وصاياه، بل ما هو أكثر، كما أفصح قائلًا: "إذ وأنا أُبَشِّر أجعل إنجيل المسيح بلا نفقة" (1 كو 18:9).
ماذا يرى النبي في الملائكة ما يستحق الإعجاب؟ "الصانع ملائكته رياحًا، وخدامه نارًا ملتهبة" (مز 4:103). هذا أيضا نراه في بولس، كنارٍ وريحٍ عبْر الأرض طولًا وعرضًا في ترحاله...
هذا ما يجعل الأمر مميزًا بالأكثر، بينما كان بولس على الأرض في الجسد الفاني أظهر مثل هذه الشجاعة وهزم القوات غير المنظورة.
كم نُحسَب في لومٍ إذًا إن لم نجاهد متمثلين بمثل هذا الإنسان على وجه الخصوص الذي اجتمعتْ فيه كل الصفات الجليلة في إنسانٍ واحدٍ.
لنفكر مليًا في هذه الاعتبارات، فنكون بلا لومٍ.
لنجاهد لكي تكون لنا مثل غيرته، فنشاركه ذات البركات بنعمة ربنا يسوع المسيح ومحبته الحانية، الذي له المجد والقوة، الآن وكل أوان، آمين .
* "الصانع ملائكته أروحًا، وخدامه لهيب نار" (مز 104: 4). فبولس يُقَدِّم لكم المشهد عينه. فهو كالروح والنار، يطوف الأرض كلها ويُطَهِّرها، حين لم يكن بعد قد اقتنى السماء، وفي ذلك أعجب العجب، من كونه وهو لا يزال حيًا في هذا العالم ولابسًا جسدًا مائتًا، قد ماثل القوات المُجرَدة عن الجسد .
القديس يوحنا الذهبي الفم