يقول العلامة أوريجينوس:
["هل صرتُ برية لإسرائيل أو أرض ظلام دامس؟" [31].
في بداية هذا النص، يقول الرب أنه لم يكن برية لإسرائيل، ولا أرض ظلام دامس... فهل أصبح اليوم برية لإسرائيل، هل أصبح الآن أرض ظلام؟ أم ماذا؟
عندما لم يكن لإسرائيل كذلك، هل كان للأمم في ذلك الوقت برية وأرض ظلام؟
إذا كان الله لم ولن يكن للجميع برية أو أرض ظلام، فلماذا إذًا يقول هذا الكلام لإسرائيل؟ لنراجع أعمال الله الصالحة العامة والخاصة.
لا يمكن أن يكون الله "برية" لأحدٍ وهو الذي "يشرق شمسه على الأشرار والصالحين". ولا يمكن أن يكون أرض ظلامٍ وهو الذي "يمطر على الأبرار والظالمين". كيف يمكن أن يكون أرض ظلامٍ وهو الذي عمل النهار، وأيضًا أعطانا الليل للراحة؟
كيف يكون برية وهو الذي يعطي الخصوبة للأرض؟
كيف يكون برية وهو الذي يعول كل نفسٍ، ويعطي للإنسان القدرة والحكمة والذكاء، ويعطيه أيضًا في جسده "الحواس المدربة" (عب 5: 14)؟
إذًا، من وجهة النظر العامة لا يمكن أن يكون الله برية لأحدٍ. أما من وجهة النظر الخاصة، فسوف أعود إلى موضوع إسرائيل وأقول: لم يكن الله لهم برية ولا أرض ظلامٍ عندما كانوا في مصر، فكان يصنع لهم العجائب ويعطيهم الآيات. لكن في كل مرة كانوا يتراخون فيها كانوا يجدون الله في نظرهم برية وأرض ظلام، مع أنه لا يمكن لله أن يكون كذلك.
مع ذلك، عندما لم يكن الله برية ولا أرض ظلام لإسرائيل، كان للأمم برية وأرض ظلام، ثم عندما تحول الله عن إسرائيل وأصبح بالنسبة لهم برية وأرض ظلام في نظرهم، كثرت النعمة للأمم، وأصبح يسوع المسيح بالنسبة لنا ليس برية وإنما شبعًا وامتلاءً؛ ليس أرض ظلامٍ وإنما أرض خصبة. لأن "بني المستوحشة أكثر منبنيذات البعل" (إش 54: 1).
يوجه الله الوعيد لهؤلاء الذين لم يكن لهم أبدًا في يوم من الأيام برية أو أرض ظلام، فيقول لهم: لم أكن لكم برية ولا أرض ظلام، ولكن أنتم الذين قلتم "قد شردنا (سوف لا يكون لنا إله) لا نجيء إليك بعد" [31].هل كان ذلك يأسًا من شعب إسرائيل عندما قالوا: "لا نجيء إليك بعد، سوف لا يكون لنا إله"؟].