17 - 07 - 2023, 11:09 AM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
تأثير الخطية و مفهوم الفساد في اللاهوت الشرقي
١)الخلق من العدم:
الخلق من العدم هو أساس كل تعليم عما يعرف اليوم بعلم الإنسان أو الأنثروبولوجي في اللاهوت المسيحي.و الخلق من العدم هو تعليم المسيحية في مواجهة الفلسفات و الديانات القديمة التي تؤمن بأزلية الكون و المادة.
الخلق من العدم دي نقطة انطلاق الاباء،فنلاحظ أن القديس اثناسيوس قد بدأ شرحه عن أسباب تجسد الكلمة بتأكيد(خلق الانسان من العدم،و عدم أزلية الكون [تجسد الكلمة ٢: ١]
طيب هل الخلق من العدم كان له انعكسات علي طبيعة الانسان؟
الاجابة اه يشرح القديس اثناسيوس انه ده ادي الي:ضعف تكوين الإنسان ، فهو مخلوق من العدم، و العدم هو اللاوجود، و هكذا رأي الله ضعف تكوين الإنسان و عجزه عن أن يبقي في حال واحدة [تجسد الكلمة ٣ :٣].
فيري القديس غريغوريوس النيسي ان تغير الانسان سببه الأصلي هو الانتقال من العدم إلي الوجود ، و بالتالي جاء هذا بالتغيير و صار التغيير هو أصل الإنسان و يلتصق بطبعه.
و يؤكد القديس اثناسيوس أن عدم ثبات الإنسان ، جعل حرية الاختيار عند الإنسان قادرة-حسب كلمات اثناسيوس- أن تميل إلي الخير أو الشر [تجسد الكلمة ٣: ٤]
٢)الموت الطبيعي:
يشرح القديس اثناسيوس في كتاب تجسد الكلمة
[ الانسان فان بطبيعته لأنه خلق من العدم إلا أنه بسبب خلقته علي صورة الله الكائن كان ممكنا ان يقاوم قوة الفناء الطبيعي و يبقي في عدم فناء لو انه ابقي الله في معرفته كما تقول الحكمة « حفظ الشرائع تحقق عدم البلي» و بوجوده في حالة عدم الفساد كان ممكنا ان يعيش منذ ذلك الحين كالله كما يشير الكتاب المقدس الي ذلك حينما يقول : «٦أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ.٧لكِنْ مِثْلَ النَّاسِ تَمُوتُونَ وَكَأَحَدِ الرُّؤَسَاءِ تَسْقُطُونَ»]
(تجسد الكلمة ٤: ٦)
الانسان قبل السقوط كان خالدا ام ميتا؟
كتب ثاؤفيلوس الأنطاكي حوالي عام ١٩٥ رسالتة الي اتوليكوس:
[خلق الله الإنسان، ليس خالدا و لا قابلا للموت، و لكن خلقه قادرا علي أن يتحول إلي أي من الجهتين(الخلود و الموت). و هكذا إذا اتجه إلي ما هو خالد و حفظ وصية الله،فإنه كان سينال مجازاة الخلود من الله و يصبح إلها بالنعمة.أما إذا اتجه إلي الأشياء التي تقود إلي الموت و عصي الله،فإن الانسان يصبح سبب موته لأن الله خلق الإنسان حرا و سيدا علي إرادته]
(الرسالة إلي اتوليكوس ٢ : ٢٧ مجلدا ٥: ٢٥ – ٣١)
ما علاقة الخطية بالموت او الفساد؟
الخطية في المفهوم الشرقي و الكتابي مش مجرد عمل اخلاقي خاطئ. لكن الخطية لها بعد كياني، نوضح مفهوم (البعد الكياني):
اولا الانسان خلق من العدم (فهو فاسد بالطبيعة)
ثانيا الانسان كان مدعوم بنعمة (خلق علي صورة الله) تحفظه من الفناء الطبيعي حسب طبيعته المخلوقة من العدم
ثالثا، كان من المفترض كي يصل الانسان للخلود (=التأله= الاتحاد بالله)انه يستثمر تلك النعمة(الخلق علي صورة الله) بانه يسير في مسار تقدمي نحو غاية خلقته، و هو ان يصل لمرحلة المثال(الاتحاد=التأله).
بيشرح ده القديس غريغوريوس النزينزي فيقول:
يشرح القديس بالتفصيل قصد الله من الإنسان من خلال خطين متوازيين (الخط الروحى والخط المادى)، أى الرتبة الكهنوتية والملوكية، قائلاً: [ جعله حارسًا على الطبيعة المنظورة وخادمًا روحيًا للطبيعة غير المنظورة، ملكًا على موجودات الأرض، ومحكومًا فى نفس الوقت بحكم السماء، أرضيًا وسماويًا معًا، مؤقتًا يسيرًا وخالدًا، منظورًا ومعقولاً، كائنًا فى منزله بين منزلتى العظمة والدعة بين الروح والجسد. الروح بالنعمة والجسد لإمكان النهوض، والسمو بالواحد ليعيش ويمجد المحسن، وبالآخر يعانى ويحتمل، ليذكر ويتربى بالشوق والوجد مستهدفًا الارتفاع إلى العظمة فى مراتبها. الإنسان مقيم فى الأرض، ولكنه ينتقل إلى عالم آخر، وفى نهاية السير والمطاف يصير إلهًا من شوقه إلى الإله والتأله. لأنه، بحسب رأيى، إلى مثل هذه النتيجة، يقودنا بهاء الحقيقة المعتدل، البهاء الذى يظهر لنا فى الأرض، أعنى فى أن نرى ونستشعر بهاء الله وجلاله، بهاء من جعل مُرَكبنا من الروح والمادة والذى سيحل هذا المركب ثم يعيد تركيبه على وجه أبهى وأمجد]
(عظة للقديس غريغوريوس عن البصخة، والترجمة العربية للعظة تعريب الأسقف اسطفانوس حداد، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، منشورات النور 1994،صفحة ١٨٠)
ويؤكد القديس على هوية الإنسان الأساسية التى هى فى السماء، وعلى مسيرة الإنسان التصاعدية نحو الله بدون أن يُغيّب أو يُسطح مهمة الإنسان على الأرض، بل على العكس يؤكد على أن الإنسان هو سماوى وأرضى، ولكن يشدد على وجود الإنسان المؤقت على الأرض وخلوده فى السماء .
رابعا، بسبب الخطية (التعدي)، تشوهت الصورة اخفق الانسان في مسيرته التقدمية نحو المثال، فالنتيجة انه عاد الي طبيعته الاولي(الفساد الطبيعي) قبل ان يحقق غايته.
يشرح ذلك القديس اثناسيوس فيقول:
[ فلو كان تعد الانسان مجرد عمل خاطئ و لم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية. أما الان بعد حصل التعدي ،فقد تورط البشر في ذلك الفساد الذي كان هو طبيعتهم و نزعت منهم نعمة مماثلة صورة الله.فما هي الخطوة التي يحتاجها الامر بعد ذلك؟ أو من ذا الذي يستطيع أن يعيد للإنسان تلك النعمة و يرده إلي حالته الأولي إلا كلمة الله الذي خلق في البدء كل شئ من العدم ؟]
(تجسد الكلمة ٧: ٤)
٣) الانسان كخليقة عاقلة:
خليقة الله بحسب اللاهوت الارثوذكسي بتنقسم الي خلائق عقلية (الملائكة)، و خلائق مادية (الحيوانات). الانسان هو الكائن الذي يجمع الاثنين معا (نفس عاقلة + جسد مادي). لذلك يعتبر الانسان في مفهوم الاباء كون مصغر.
[ بعدما خلق الله من المادة الكائنة جسدًا، وبعدما وضع فيه نفخته (التى حدد الكلمة أن تكون نفسًا عقلية وصورة لله)، أقامه فى الأرض كعالم كبير فى صغره أو كملاك سماوى متسربل ثوبًا بشريًا ]
(عظة للقديس غريغوريوس عن البصخة، والترجمة العربية للعظة تعريب الأسقف اسطفانوس حداد، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي،صفحة ١٨٠)
الذي يجعل الانسان خليقة عاقلة هو معرفته لكلمة الآب (اللوغوس)
فيقول القديس اثناسيوس:
[ لأنه ايه منفعة للمخلوقات لو انها لم تعرف خالقها؟ أو كيف يمكن أن تكون (مخلوقات) عاقلة لو لم تعرف كلمة ( Lògon )الآب الذي به خلقوا؟ لأنهم لن يتميزوا بالمرة عن المخلوقات غير العاقلة (الحيوانات) لو أنهم انحصروا فقط في معرفة الأمور الأرضية.]
(تجسد الكلمة ١١: ٢)
بيشرح القديس اثناسيوس الفرق بين طبيعة الجسد و طبيعة النفس العاقلة لدي الانسان فيقول:
[فطالما أن الجسد هو مائت بالطبيعة، فكيف يفكر المرء في عدم الموت و في مرات كثيرة يفضل الموت من أجل الفضيلة؟ او طالما أن الجسد مؤقت فكيف يفكر الإنسان في الأبدية حتي انه يحتقر العالم الحاضر و يشتهي فقط العالم الآخر؟ فالجسد بذاته لا يستطيع أن يفكر بهذه الأفكار عن نفسه و لا حتي يستطيع أن يفكر فيما هو خارجه؛ لأنه فن ووقتي، و يتبع هذا أن الذي يفكر فيما هو ضد الجسد و طبيعته يجب أن يكون مختلفا عنه. و هل يمكن أن يكون هذا شيئا بخلاف النفس العاقلة الخالدة؟ لانها تحدث الأفض للجسد، و هذا يتم ليس من خارجه بل من داخله تماما]
(ضد الوثنيين ٣٢ : ١)
و لكن ملحوظة لا يقصد بالنفس انها خالدة من تلقاء نفسها بل انها خالدة بسبب نعمة الروح القدس.
هدف الانسان قبل السقوط:
بيشرح المطران ايروثيوس فلاخوس في
عظات للمؤمنين حديثًا: العظة الثالثة
الإنسان والسقوط
المطران إيروثيوس فلاخوس- ترجمة د جورج عوض
[ القديس غريغوريوس اللاهوتي حدد هدف الإنسان بطريقة رائعة: الإنسان لديه حياة ويتدبر في معيشته, لكن يسير تجاه الحياة الأخري. هذه المسيرة من الحياة البيولوجية إلي الحياة الروحية يُقال عنها سر. وبالطبع, نهاية السر هو أن يصير بنعمة الله على مِثال الله.]
السقوط و نتائجه:
يشرح المطران ايروثيوس فلاخوس:
[ الإنسان خُلِق من الله طاهر (نقي) بإمكانية أن يصل إلي التأله. لكن الخطية هي الدخيل الأحدث, نتيجة عصيان الإنسان لله والإبتعاد عنه. خطية الإنسان كانت أنه أراد أن يسلب أعمال الله وكان يهدف أن تستمر حياته بحسب إراداته وليس بحسب مشيئة الله. كما يبدو في العهد القديم أراد أن يطيع ذاته وعقله وليس مشيئة الله. بالنسبة له كان مركز كل شيء هو ذاته وشهواته وليس الله. هذا هو جوهر مأساة الخطية الجدية, بل وأيضًا كل خطية أخري…
عندما يحاول المرء أن يستنزف كل معيشته في حدود حياته البيولوجية ويفسرها عقليًا, يألَفَ الإبتعاد عن الله. تغرَّب الإنسان في كورة بعيدة, وفقد الشركة والإتحاد بالله. منذ خلقته الإنسان لديه نفس وجسد, مرتبطين برباط لا ينفصل فيما بينهما. النفس هي حياة الجسد, بل حياة النفس هي الروح القدس هكذا, الإنسان بدون الروح القدس هو ميت روحيًا. إنه من الواضح جدًا أن أب المثل قال بعد رجوع إبنه: “إبني هذا كان ميتًا فعاش” (لو24:15). هذا يعني أن الإبتعاد عن الله يُنشيء الموت. حقًا, بدون الله الإنسان هو ميت روحيًا يستطيع أن يتحرك ويعمل ولديه مكانة عالية في المجتمع لكن بدون الله كل الأشياء هي ميته والحياة تافة .
القديس يوحنا الدمشقي, وهو يتحدث عن سقوط آدم وحواء, يقول إن الإنسان بالخطية فَقَدَ النعمة الإلهية إظلمَّت صورة الله فى الانسان , عُرَّي من النعمة الإلهية والنتيجه أنه شعر بُعريه أيضًا في جسده ، لقد كانت النتائج رهيبة. ولأنه فَقَدَ النعمة الإلهية أتي الموت, أولاً أتى الموت الروحي, أي إبتعاده عن الله, وبعد ذلك أتى الموت الجسدي, اي الأمراض وفي النهاية الإنفصال بين النفس والجسد.
٤)ما معني الموت في اللاهوت الشرقي، و ما تأثير الخطية علي الطبيعة العاقلة؟
[يقول القديس مكسيموس المعترف أننا عندما نتكلم عن الموت فإننا نعني بصورة رئيسية الانفصال عن الله. ويحدث هذا الانفصال من خلال الخطية، فالخطية هي إذاً مركز الموت. ولأن الإنسان لم يطع وصية الله، ولأنه ابتعد عن الله “كان من الضروري أن يتبع ذلك موت الجسد”]
(Second Century on Love, 93, Philokalia 2, ed. Faber, p. 81.)
زي ما ذكرنا الانسان (نفس عاقلة +جسد) الجسد حي بسبب النفس العاقلة. و النفس العاقلة بتستمد وجودها من الله.
الانسان الحقيقي في فكر الاباء وحده واحده (نفس عاقلة +جسد) الخطية ادت الي تشوه صورة النفس (موت روحي)
و بالتالي ادي ذلك الموت جسدي (انفصال النفس عن الجسد)
لكن مهم اننا نفهم ان النفس لم تموت بمعني انها تعود الي العدم
[وبالطبع عندما نقول أن آدم مات فإننا لا نعني أن الطبيعة البشرية قد دُمرت تدميراً تاماً. ولكن لأنه اختبر أولاً الموت الروحي، فإنه اختبر الموت الجسدي بعد ذلك, ولكن دون أن يؤول ذلك إلى عدم الوجود. لقد انفصل الإنسان عن الله، واهتز بهذه النتائج ولكن دون أن يُدَمَر كليةً. وكما يخبرنا القديس مقاريوس المصري بطريقة مميزة: “ومع ذلك نحن لا نقول أنه ضاع تماماً وأُبيد من الوجود ومات. لقد مات بمقدار ما اختلت علاقته بالله، ولكنه لا يزال يعيش في طبيعته]
(Macarius of Egypt: Homily 12, 2, CWS p. 97.)
[يُستعمل تعبير “موت” لكي نعني عزلة وانفصال الإنسان عن الله الذي فيه الحياة الحقيقية. وبالتالي فإن أي شخص يبتعد عن الحياة أي عن الله فإنه يموت. وكما يؤكد القديس غريغوريوس بالاماس في هذا المعنى قائلاً: “إن أول من عانى هذا الموت هو إبليس الذي ابتعد عن الله بسبب عصيانه. لقد نقل الشيطان المائت الموت إلى الإنسان أيضاً، لأن الإنسان استمع لنصيحته وعصى الله وفقد نعمته”]
Gregory Palamas: Homily 16. EPE 9, p. 434ff (GK)
وبحسب القديس باسيليوس الكبير، سمح الله بالموت لكي لا يبقى الإنسان إلى الأبد في موت حي
Basil the Great. Homily: That God is not the cause of evils, PG. 31, 345 ab.
نرجع نعيد تاني(النفس ماتت بانفصلها عن الله)، الله سمح ان تركيبة الانسان(النفس+الجسد) تنحل كرحمة منه لئلا يعيش الانسان الي الابد بتركيبة مشوهه(النفس تشوهت):
فنلاقي الكنيسة لاخوتنا الروم ارثوذكس بلورت تلك الرؤية:
لقد بلورت الكنيسة هذه الرؤية في صلاة الحلّ التي يصليها الأسقف في خدمة الجناز. فهو يقول من ضمن أشياء أخرى أن الله في محبته لجنس البشر، ولكي لا يصبح الشر أبدياً خالداً، سمح لرباط النفس والجسد الغير قابلة للكسر أن تنحل بإرادته، أي أنه سمح للموت أن يحدث
الموت بيؤدي الي الخطية و الخطية بتؤدي الي الموت في اللاهوت الشرقي:
[وبمقدار ما ضعفت الطبيعة البشرية بواسطة خطية آدم، بمقدار ما أصبح من الطبيعي أن كل شخص لكونه جزءاً لا يتجزأ من هذه الطبيعة لا يستطيع أن يهرب من الفساد الذي سيطر عليها. بالإضافة إلى ذلك، يوجد رباط لا ينحلّ بين كل الخطايا والأهواء من جهة، والفساد والموت من جهة أخرى. وبالتالي، ليس الموت نتيجة للخطية فقط ولكنه سبب لها أيضاً. ويأتي هذا القول الأخير من وجهة نظر أن الفساد والموت اللذين نرثهما من آبائنا يتسببان في تكوين الأهواء العديدة مثل التهاون، البخل، محبة المجد الباطل؛ وبوجه عام يتسبب الموت في وقوعنا في العديد من الخطايا]
See Romanides op. cit. p. 158ff (GK)
ينبغي علينا أيضاً أن نقول شيئاً عن مشكلة ميراث الموت، لأنه يوجد اختلاف على هذه النقطة أيضاً بين علم اللاهوت الغربي وعلم اللاهوت الشرقي. فبحسب المفهوم الغربي يكون توريث الموت هو توريث الذنب؛ كما لو كان كل شخص قد أخطأ في شخص آدم وبالتالي يكون كل واحد هو المتسبب في موته الخاص. ولكن في تعليم الآباء القديسين، لا يتعلق الأمر بتوريث الذنب ولكن بتوريث نتيجة خطية آدم والتي هي الفساد والموت.
إننا نستطيع بهذه الافتراضات أن نتكلم عن انتقال الموت وليس ببساطة عن انتقال الذنب كما يتمسك بذلك علم اللاهوت الغربي.
لقد تمسك أوغسطينوس، الذي كان له تأثير عظيم على علم اللاهوت الغربي النظري وعلى موضوع توريث الموت، بأننا نرث كل خطية آدم؛ على حين أنه من الواضح في تقليد الآباء أننا نرث نتائج الخطية التي هي الفساد والموت، وتنـتقل تلك عند ميلاد الجسد. وبحسب القديس يوحنا ذهبي الفم، يكون التوريث البيولوجي للفساد الذي دخل إلى الطبيعة البشرية لنسل آدم مبرراً. “وهو إذ صار فاسداً، هكذا أيضاً صار الأولاد الذين أنجبهم”. يقول القديس كيرلس السكندري نفس الشيء: “بعد السقوط في ذلك (الموت) أنجبا أطفالاً. ولكونهم ثمرة آتية من فساد، فإنهم أُنجِبوا فاسدين
Theodorou Zisi: Man and world in God’s economy according to John Chrysostom, Thessaloniki 1971, p. 120 and note 7 (Gk)
وفي الحقيقة يشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى أننا نعمد حتى الأطفال “على الرغم من كونهم بلا خطية”، بحيث قد يُضاف “التقديس، والبر، والتبني، والميراث، والعضوية في أخوية المسيح، والصيرورة كمسكن للروح”
٥)المسيح عمل ايه؟
لقد كان الهدف من تجسد المسيح هو تدمير الموت والخطية، وهزيمة الشيطان. وفي الحقيقة، اتخذ المسيح جسداً مائتاً وضعيفاً لكي يهزم الموت. فقد غلب الموت من خلال صلبه وقيامته، وأعطى الإنسان أن يغلبه هو نفسه في حياته الشخصية بعد أن يتحد به. ويتحقق هذا الهدف من خلال أسرار الكنيسة التي لا تحرر الإنسان مما يسمى الشعور النفسي بالذنب، ولا هي تستعطف الله عن خطية آدم، ولكنها تهزم الموت. إننا نصبح من خلال المعمودية أعضاءاً في جسد المسيح القائم، ومن خلال التناول المقدس من جسد ودم المسيح نتناول دواء عدم الموت. ليست النفس فقط هي التي تتحد بالله، ولكن الجسد أيضاً يتلقى شعوراً بهذا التغيير الداخلي وبتحول النفس. ويُرى ذلك بوضوح في رفات قديسي الكنيسة.
وبالطبع توجد حقيقة عميقة المعنى، وهي أنه حتى بعد المعمودية والتناول المقدس يبقى الموت. لأنه، كما يشرح القديس مكسيموس المعترف، ما حدث في حياة المسيح يحدث هنا أيضاً. ففي ولادة المسيح التي هي بلا خطية بقي فساد جسده من أجل غرض معين، وهو أنه بفضل آلامه المخلصة يستطيع أن يهزم الموت. وهكذا، تبقى طبيعة الشخص المعمد قابلة للهلاك بعد المعمودية ليس كعقاب لطبيعته الخاطئة، ولكن كوسيلة لإدانة الخطية والقضاء عليها
.
اخيرا
يصبح الإنسان بواسطة المعمودية، ومن خلال حرية إرادته قادراً على محاربة الخطية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهلاك وموت جسده. ومن هذا المنطلق، يكون خلاص الإنسان عملية إلهية، ولكنه أيضاً تعاون بشري.
إن كل هذه الأمور التي قدمناها حتى الآن مذكورة بوضوح شديد في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية. ولكوننا لا نستطيع أن نقدم هنا تحليلاً مستفيضاً لكل ما يقوله الرسول، فسوف نؤكد باختصار على نقاط قليلة.
النص التالي هو الذي يقدم تلك الحقيقة: “فإني أُسَر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي. ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت. أشكر الله بيسوع المسيح ربنا”(رو7: 22-25).
لو درس أحد بعناية الإطار الذي قيلت فيه هذه الأشياء، فإنه سوف يقتنع بأن الرسول يشير هنا إلى زمن الناموس عندما كان يحاول من خلال ناموس الله أن يحرر نفسه من ناموس الخطية ولم يستطع. ولكنه نجح في ذلك بقوة المسيح المتجسد. وهكذا، نستطيع أن نرى هنا قيمة المسيح المتجسد بالمقارنة بناموس العهد القديم، وأننا نخلص ليس بطاعة الناموس ببساطة، ولكن بالإشتراك في قيامة المسيح في حياتنا الشخصية.
من الواضح في النص الذي استشهدنا به أن الإنسان الباطني يخدم ناموس الله ويُسر به، مما يعني أنه يقتني الصلاة الداخلية والاستنارة النوسية. ونحن نعلم جيداً أن رجال العهد القديم الأبرار اقتنعوا أيضاً بالصلاة الداخلية. فالإنسان يتنقى من الأهواء بواسطة الناموس ويصل لتذكر الله الدائم.
ولكن بينما يُسَر الإنسان الباطني بناموس الله فإنه في نفس الوقت يشعر بناموس الخطية في أعضائه. وناموس الخطية هذا هو الفساد والموت الذي خلق فرصاً للخطية لكي تأخذ اليد العليا. تساعد الأمراض، والضيقات، وعملية الموت ورحلته أهواء النفس على التعبير عن نفسها على عكس الطبيعة، كما أنها تعطي الشيطان فرصة لكي يشن حرباً ضد الإنسان. وهذا هو بالضبط ما يتحمله القديسون. ولذلك يعبر الرسول عن مراثي كل أناس العهد القديم الأبرار الذين وجدوا أنفسهم تحت سلطان الموت وغير قادرين على تحرير أنفسهم بواسطة الناموس عندما قال: “ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت”.
يأتي هذا التحرر مع تجسد المسيح ومع آلامه وقيامته التي يختبرها الإنسان في الكنيسة التي هي جسد المسيح. وهذا هو السبب الذي يجعله محتاجاً إلى تقديم الشكر القلبي لله. ثم بعد ذلك يقول الرسول: “لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت”(رو2:8). فالمسيح فعل ما لم يستطع الناموس أن يفعله بإدانته الخطية والموت في جسده (رو 3:8) وبالتالي صار الإنسان ودُعي “روحانياً”.
ولكي نكمل موضوع الموت ينبغي علينا أن نقول أن الموت لم يُخلَق بواسطة الله، بمعنى أن الإنسان لم يُخلَق من قِبَل الله ككيان مائت. ولكن الموت دخل إلى الطبيعة البشرية كدخيل بعد خطية آدم من خلال صبر ومحبة الله. لأنه بفضل الموت لا يستطيع الشر أن يبقى خالداً وأبدياً. الموت يُوَرَث بسبب ضعف الطبيعة البشرية وليس كذنب الإنسان وكعقاب الله. وفي الوقت المعين، ومن خلال تجسد ابنه، أعطى الله للإنسان إمكانية القضاء على الموت. لقد تم القضاء على الموت الروحي أولاً عندما اتحد الإنسان بجسد المسيح القائم بواسطة الأسرار، ثم بعد ذلك تحرر من الموت الجسدي أيضاً.
|