رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لَوْلاَ أَنَّ الرَّبَّ مُعِينِي، لَسَكَنَتْ نَفْسِي سَرِيعًا أَرْضَ السُّكُوتِ [17]. إن كان بالكاد يجد الصديق إنسانًا يقف في جانبه وقت الشدة إلا أن الله دائمًا يحوط حول أولاده ويظلل عليهم. لذا لاق به أن يتكل على الله. غالبًا ما يُقصد بأرض السكوت هنا القبر. عوض "أرض السكوت" جاء في تفسير القديس أغسطينوس: "جهنم". * جرمانوس: إذن أين مكان حرية الإرادة؟ وكيف يمكن أن نكون مستحقين للكرامة كثمرة للجهاد مادام الله هو الذي يبتدئ وهو الذي يختم كل شيءٍ فينا بخصوص خلاصنا؟ بفنوتيوس:... نحن نعرف أن الله يخلق لنا فرصًا للخلاص بطرق متنوعة، فإنه في مقدورنا نحن أن نستخدم الفرص الممنوحة من السماء، إما بجدية أو في رخاوة. يقدم الله الفرصة كقوله: "اذهب من أرضك"، لكن الطاعة كانت من جانب إبراهيم الذي خرج فعلًا. إن كان في الحقيقة قد تحول القول: "اذهب من أرضك" إلى فعل من قبل ذاك الذي أطاع، فإن إضافة هذه الكلمات "التي سأريك إياها" تأتي من نعمة الله الذي أمر ووعد. فمن المفيد لنا أن نتأكد أنه وإن كنا نمارس كل فضيلة بمجهودات لا تتوقف، لكننا لا نستطيع بلوغ الكمال بجهدنا وغيرتنا، فلا يكفي نشاط الإنسان وجهاده المجرد للبلوغ إلى عطية النعمة الغنية ما لم يصن جهاده بالتعاون مع الله وبتوجيهات الله للقلب نحو الحق. لهذا ينبغي أن نصلي في كل حين قائلين مع داود: "تمسكت خطواتي بآثارك، فما زلّت قدماي" (مز 17: 5)، "أقام على صخرة رجليَّ، ثبّت خطواتي" (مز 40: 2). الله هو المدبر غير المنظور للقلب البشري، يهبنا أن يوجه قلوبنا نحو الفضائل، ولكن بكامل إرادتنا، هذه التي لديها الاستعداد للانحراف نحو الرذيلة، إما بسبب نقص معرفتها للصلاح، أو بسبب اللذة بالشهوات. يظهر هذا بوضوح في قول النبي: "دحرتني دحورًا لأسقط، معلنًا ضعف إرادتنا الحرة"، ثم يقول: "وأما الرب فعضدني" (مز 118: 13)، معلنًا عون الله لإرادتنا. هكذا لا نهلك إذ نسقط بحرية إرادتنا، لأن الله يعضدنا ويعيننا، باسطًا يديه لنا. فبالقول: "إذا قلت زلّت قدمي" يقصد "زلّت إرادتي". وبالقول: "فرحمتك يا رب تعضدني" (مز 94: 18) يظهر عون الله لضعفنا، معترفًا أنه ليس بمجهودنا بل برحمة الله لنا لا تزل أقدام إيماننا. كذلك "عند كثرة همومي في داخلي" التي تنشا بالتأكيد عن إرادتي الحرة، "تعزياتك تلذذ نفسي" (مز 94: 19)، أي بدخول التعزيات في قلبي بالإلهام الإلهي، تعلن صورة البركات العتيدة التي أعدها الله للذين يعملون في اسمه، هذه التعزيات ليست فقط تنزع الهموم من القلب، بل وتنعم عليه بالابتهاج العظيم. وأيضًا: "لولا أن الرب معيني لسكنت نفسي سريعًا أرض السكوت" (مز 94: 17). يعلن هنا أنه بسبب ضعف إرادتنا الحرة نسكن في الهاوية (أرض السكوت) لو لم ينقذنا عون الله وحمايته... هذا أيضًا يُقال عن النقاوة الكاملة، فإنه لا يقدر أحد بذاته أن يطلب البرّ ما لم تمد الرحمة يدها وتعينه عند عثرته وسقوطه في كل لحظة، وإلاَّ سقط وهلك، وذلك عندما يزلّ بسبب ضعف إرادته الحرة . الأب بفنوتيوس * ألاّ تظن أنّ هذه هي مشيئة الله أن لا نسقط في الخيالات والأوجاع الأخرى، بل إنه بسبب تغافلنا يسمح لنا أن نقاسي من مثل هذه الأمور، ومن قِبَل تحنُّنه يُكسِبنا من شرورنا تواضعًا لأجل خلاصنا. ماذا إذن؟ هل ننسب خلاصنا لأوجاعنا الشريرة؟ حاشا! بل ننسبه إلى ملء رحمته وبراعة حكمته. فلاحظ، إذن، كيف أنّ الله يُنهِض ذهننا من جميع النواحي لنتذكر أن نقول: "لولا أنّ الرب معيني لسكنت نفسي سريعًا أرض السكوت (أو الجحيم)" (مز 94: 17). فإذ علمنا أنه بسبب ضعفنا وإهمالنا نقاسي من هذه الأمور، دعنا نعمل ما في وسعنا ألاّ نسقط فيها، والله برحمته ينقذنا منها. القديس برصنوفيوس |
|