![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() التأديب بالكلدانيّين: جاءت إجابة الرب على تساؤل النبي هكذا: "انظروا بين الأمم وابصروا وتحيّروا حيرة، لأني عامل عملًا في أيّامكم لا تصدّقون به إن أُخبر به: فهأنذا مقيم الكلدانيّين..." [5-6]. حقًا إن الله يصمت زمانًا لا تجاهلًا لما يحدُّث ولا لعدم اهتمام من جانبه، إنّما ليعطي فرصة لرجوع دون تأديب من جانبه، فإن لم يرجع الإنسان عن شرّه يقوم الرب نفسه بالتأديب، مستخدمًا كل وسيله للبنيان. أ. إن الله عامل عملًا في أيّامهم لا يصدّقون به إن أُخبر به... فهو يطيل أناته، لكنّه متى أدّب يُقدّم درسًا نافعًا حتى وإن كان قاسيًا. وكما جاء في سفر التثنية: "ويقول جميع الأمم: لماذا فعل الرب هكذا بهذه الأرض؟ لماذا حموّ هذا الغضب العظيم؟ فيقولون: لأنهم تركوا عهد الرب إله آبائهم" (تث 29: 24-25). \وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يكن الله يقصد أن يعاقب بقدر ما كان يقصد إصلاحهم مستقبلًا... الله صالح ومحب، ليس فقط عندما يهب عطايا بل وعندما يؤدّبنا أيضًا، فإنه حتى تأديباته وعقوباته هي من قبيل جوده، ومظهر عظيم من مظاهر عونه لنا]. كما يقول إن كان الله قد طرد آدم من الفردوس، إنّما لكي بطرده يردّه إليه... وهكذا إن كان الله سمح للشعب بالأسر إنّما ليبعث فيهم الشوق إلى الحريّة الداخليّة والحنين لا إلى الرجوع إلى أورشليم الأرضيّة فحسب وإنّما العليا أيضًا. ب. يقول: "هأنذا مقيم الكلدانيّين"، فهو سيّد التاريخ وموجَّههُ، يستخدم حتى الأشرار لتحقيق خطّته الإلهيّة الخيّرة للبشريّة. إن الكلدانيّون بحبهم للاغتصاب سبوا الشعب، لكن بسماح إلهي لأجل توبة الشعب، وكأن الله أقام الكلدانيّين خصيصًا لهذا العمل. ج. يُشير الكلدانيّين إلى عدوّ الخير الذي نسلم له أنفسنا بأنفسنا عبيدًا بسبب خطايانا ويحمينا الرب منه مرّة ومرّات حتى لا نسقط تحت مذلّته، لكنّنا إذ نصر على الخضوع له يتركنا الرب تحت يديه لتأديبنا. بهذا الروح يطلب القدّيس بولس الرسول من أهل كورنثوس أن يتركوا الشاب الذي سقط مع امرأة أبيه مسلّمًا للشيطان أن يُسلّم للتأديب، قائلًا: "باسم ربّنا يسوع المسيح إذ أنتم وروحي مجتمعون مع قوّة ربّنا يسوع المسيح أن يُسلّم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع" (1 كو 5: 4). وقد جاءت سمات أمّة الكلدانيّين هنا مطابقة لسمات عدوّ الخير وعمله ضدّنا: أولًا: "أمّة مرّة" [6] عدوّ الخير ليس كائنًا فردًا لكنّه أمة، أي مملكة يتزعّمها إبليس كملك له رؤساء وسلاطين وقوات (أف 6: 12)، له ملائكته وجنوده (مت 25: 41)، وهي مملكة مرّة تقدّم من عنديّاتها ما لها أي المرارة، تُسرّ وتفرح بمصائب الآخرين وهلاكهم، غايتها الهدم لا البنيان. ثانيًا: قاحمة: كان الكلدانيّين موضوع مرارة كل الأمم المحيطة بهم، لا يعرفون الملاطفة ولا عهود السلام بل الهجوم والمقاتلة. بهذا كانوا أمّة قاحمة تنقض على الآخرين لتأسرهم وتذلّهم. هكذا إبليس بكل ملائكته يقتحمون أبواب الإنسان لاستعباده وإذلاله، ليعمل لحسابهم. إنهم يتربّصون له ليقتحموا بسرعة اللحظات التي فيها تنفتح أبواب الحواس أو العواطف، فيهجموا إلى الداخل ليعلنوا مملكتهم فيها. لهذا يصرخ المرتل: "ضع يا رب حافظًا لفمي وبابًا حصينًا لشفتيّ" حتى لا يقتحم العدوّ حياته. ثالثًا: سالكة في رحاب الأرض: كانت أمّة الكلدانيّين تجول في كل موضع لتستولي على شعوب وممالك بلا عائق، تجول كما في الأرض كلها لتلتهم الجميع، لكنّها لا تقدر أن ترتفع إلى فوق لتذل من هم قد ارتفعوا عن الأرض. هكذا يرى عدوّ الخير أن الأرض كلها قد انفتحت قدّامه، يسلك في رحابها، حتى دُعي برئيس هذا العالم أو أركانه. حدود عدوّ الخير هي "رحاب الأرض"، فهو كما يقول القديس جيروم: [كالحية يزحف على الأرض برأسه وذيله وبقيّة جسمه، ملاصق للأرض تمامًا. إنه يلتهم التراب، فمن كان منّا أرضًا أو ترابيًا صار مأكلًا له، أما من ارتفع بقلبه إلى السماء ليمارس الحياة العلويّة دون أن تسحبه محبّة الأرضيّات فلا يقدر العدوّ أن يقتنصه! رابعًا: تملك مساكن ليست لها: كان الكلدانيّين يعتدون على أموال الغير ونفوسهم، حاسبين أن كل شيء هو لهم وحدهم، من حقّهم أن يغتصبوا ويملكوا بلا عائق، ماداموا أصحاب القوّة والسلطان. هكذا يسطو عدوّ الخير على البشريّة التي ليست من عمل يديه ولا هي ملكه، بل هي ملك ذاك الذي "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3). طبيعة عدوّ الخير السطو على ما لله ليقيم مسكنه ومملكته في القلب الذي أوجده له ليكون هيكلًا مقدسًا له. لقد عبّر إرميا النبي عن هذه السمة الشيطانيّة بالمثل القائل: "حجلة تحتضن ما لم تبض، مُحصّل الغنى بغير حق، في نصف أيّامه يتركه، وفي آخرته يكون أحمق" (إر 17: 11). ويفسر العلامة أوريجانوس هذا المثل قائلًا: [إن الحجلة وقد عرفت كطائر ماكر تدور حول قدميّ الصيّاد لينشغل بها حتى تطمئن أن صغارها قد هربوا، وعندئذ تطير فلا يأخذ الصيّاد الصغار ولا أمهم، بهذا تشبه الشيطان الذي يشغل ذهن الإنسان بالأرضيّات فلا ينال الأرضيّات ولا السماويات. هذا الحجلة غالبًا ما تحتضن بيضًا ليس لها، وعندما يفرخ البيض يبقى الصغار معها حتى تأتي الأم الأصليّة فتُعطي صوتًا يفهمه الصغار فيتركون الحجلة المخادعة ويرجعون إلى أمهم. إنها صورة حيّة لما حدث، إذ احتضن إبليس البشريّة كصغار له وأغواها بخداعاته، لكن في نصف أيّامه جاء السيّد المسيح يُعطي صوت محبّته معلنًا إيّاه عمليًا على الصليب، مجتذبًا البشريّة المخدوعة لترجع إلى خالقها الحقيقي، فخسر إبليس ما اقتناه بدون حق، أما في آخر الدهور فيكون أحمقًا إذ يهلك تمامًا في نيران جهنم. إذ كان إبليس كالكلدانيّين ملكوا مساكن ليست لهم أو كالحجلة التي احتضنت ما لم تبض فإنه يخسر كل شيء حتى نفسه خلال الصليب الذي ردّ المؤمنين إلى خالقهم ومخلّصهم والذي أدان إبليس وكل جنوده وقد رفعه من الوسط مسمّرًا إيّاه بالصليب، إذ جرّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه" (كو 2: 15). خامسًا: هائلة ومخوفة: عدوّ الخير مرهب ومخيف للإنسان المجرّد، أما المختفي في المسيح يسوع الذي "خرج غالبًا ولكي يغلب" (رؤ 6: 2)، فلا يستطيع أن يرهبه بل يرتعب هو منه. لنختفِ في ذاك الذي يقدر وحده "أن يدخل بيت القوي وينهب أمتعته" (مت 12: 19). إن كان العدوّ قويًا فقد ربطه السيّد بالصليب وسحب منه غنائمه التي هي البشريّة، وصار الرب بنفسه قائد المعركة الروحيّة. يقول الأب ثيوفان الناسك: [اعلم أن أعداءنا وكل مكائدهم في قبضة ربّنا يسوع المسيح، قائدنا الإلهي، الذي تُحارب أنت من أجل مجده وعظمته. وإذ يقودك في المعركة بذاته، فهو بالتأكيد لا يسمح باستخدام العنف ضدّك، ولا يشاء أن تكون مغلوبًا من العدو، ما لم تمل أنت إلى جانبهم بإرادتك]. سادسًا: من قبل نفسها يخرج حكمها وجلالها: أمّة الكلدانيّين مستبدّة برأيها، لا تخضع لقانون سوى هواها، وعدوّ الخير في تعامله معنا لا يحكمه سوى هواه، فالنقاش معه غير مُجدٍِ. لهذا ينصحنا آباء الكنيسة ألاَّ نعطي أذنًا لكلماته ولا ندخل معه في حوار، لأنه حواره مملوء خداعًا وغير بنّاء. سابعًا: خيلها أسرع من النمور: في هذا الأصحاح يُقدّم لنا الوحي الإلهي صورة حيّة واقعيّة لبشاعة العدوّ الحقيقي، إبليس، الذي يبذل كل طاقاته ليستعبدنا: فمن جهة سرعة حرّكته في الافتراس أسرع من النمور، وفي دهائه يعمل في الظلمة أعنف من ذئاب المساء، دائرة عمله بلا حدود، منتشر في كل موضع ينصب شباكه، إمكانيّاته جبّارة، قادر أن يأتي من بعيد لينقض على فريسته من حيث لا نتوقع، قدرته على الاغتصاب والهرب كالنسر الذي يخطف الفريسة ويطير بها، دستوره هو شريعة الظلم بلا رحمة ولا تفاهم، في طبيعته حيواني مفترس وجهه إلى قدام كالوحوش، مسبيّوه كالرمل بلا عدد، يذل الملك ويهزأ بالرؤساء، قتلاه أقوياء، يُحطّم الحصون ويكوّمها كتراب يستخدمه لحساب مملكته، أثيم بطبيعته. والآن نتحدّث عن هذه السمات في شيء من التفصيل، فمن جهة سرعة حرّكته في الافتراس كما قلنا أسرع من النمور. فهو سريع الحرّكة، مملوء مكرًا ودهاءً، يقتنص كل فرصة لاصطياد النفس، مترقّبًا أقل إهمال أو تراخي لسحب النفس إلى شبكته. والمؤمنون بدورهم يقظون ينتهزون كل فرصة للنمو والتمتّع بالإكليل... الحياة الروحيّة في حقيقتها انتهاز فرص، العدوّ ينتهز الفرصة والمؤمن ينتهز الفرصة. إنه صراع روحي مستمرّ لبلوغ كل منهما غايته. يمكننا تلمّس ذلك من كلمات القدّيس أغناطيوس الأنطاكي الذي أسرع بالكتابة إلى أهل رومية ليوقف خطّتهم التي وضعوها لإنقاذه من الاستشهاد، إذ حسب ذلك محبّة لكن في غير أوانها... حسب استشهاده فرصة قد لا تتكرّر فلماذا يحرمونه منها؟! إنه يقول: [أطلب إليكم ألاَّ تظهروا ليّ عطفًا في غير أوانه، بل اسمحوا ليّ أن أكون طعامًا للوحوش الضارية، التي بواسطتها يوهب ليّ البلوغ إلى الله. إنني خبز الله، اتركوني أطحن بأنياب الوحوش لتصير قبرًا ليّ، ولا تترك شيئًا من جسدي، حتى إذا ما متّ لا أتعب أحدًا... توسّلوا إلى المسيح من أجلي حتى أعد بهذه الطريقة لأكون ذبيحة لله... ليتني أتمتّع بالوحوش الضارية التي أُعدّت ليّ، فإنني أُصلي أن يكون لها شغفًا أكثر لتنقض عليّ، وإنني سأُحرّضها لتفترسني سريعًا]. ثامنًا: أحّد من ذئاب المساء: إن كان إبليس يتحرّك في النهار كالنمر في خفّة شديدة مع دهاء، ففي المساء لا يتوقّف إنّما يخرج كذئاب المساء ليخطف. إنه لا يعرف الراحة نهارًا ولا ليلًا، لذا يليق بنا المثابرة بلا توقّف... حتى في لحظات النوم تقول نفوسنا: "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش 5: 2). يرى الأب ثيوفان الناسك أن المؤمن ليس فقط يُثابر متحفظًا من ضربات الشيطان، إنّما بقوّة الروح يُثير الحرب ضدّه ليغتصب منه كل موقع سبق فاحتله داخل القلب، إذ يقول: [إن أردت يا أخي أن تنال انتصارًا سريعًا وميسورًا على أعدائك، عليك أن تشن حربًا بلا توقّف، وبشجاعة ضدّ كل أوجاعك... لذا يجب أن تكون محاربتنا الروحيّة مستمرّة بلا توقّف، ومدعّمة باليقظة وشجاعة النفس، وهذه يمكن الوصول إليها بسهولة إن طلبتها كهبة من الله. فاستمر إذن في المعركة بلا تردّد]. إنه كذئاب المساء يعمل في الظلمة ليخفي حيله ومكائده (أف 6: 11). وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [يُحاربنا هذا العدوّ لا بطريق مكشوف وواضح وإنّما بالمكايد... فلا يقترح علينا الخطايا بألوانها الحقيقيّة... وإنّما يُقدّمها بثوب آخر ليجعل حديثه مقبولًا ومتنكر]. تاسعًا: فرسانها ينتشرون، يأتون من بعيد: ينصب عدوّ الخير فخاخه في كل موضع، باذلًا كل طاقاته لاصطياد النفوس حتى وإن كان الإنسان في موضع مقدّس. لقد تجرّأ فحارب السيّد المسيح على جناح الهيكل، وقد سمح له الرب بذلك ليُحذرنا، مؤكدًا لنا أن العدوّ يُحارب في كل موضع، في البيت كما في العمل، في الكنيسة كما في الشارع، في المخدع حيث الصلاة الخاصة وأثناء العبادة الجماعيّة. أينما وجدنا يتسلّل نحونا لعلّه يجد موضعًا في قلوبنا. أما كونه يأتي من بعيد، فإنّما يعني أنه يُحاربنا من حيث لا نتوقع. لذا يليق بنا أن تكون لنا بصيرة روحيّة متّقدة، تدرك أسرار الحرب الروحيّة وتعرف حيل إبليس وخداعاته. عاشرًا: فرسانها يطيرون كالنسر المسرع إلى الأكل: يقول العلامة أوريجانوس: [إن النسر يستطيع أن يرى فريسته وهو على بعد شاهق، فبسرعة خاطفة ينقض عليها ويطير، ولا يقدر أحد أن يسحبها من مخالبه. هكذا فرسان إبليس أو شياطينه تراقب النفس لتعرف متى تنقض عليها بسرعة فائقة وخلال المفاجأة المذهلة ينحدر الإنسان إلى الخطيّة في فترة قصيرة ليجد نفسه قد خسر الكثير. إن كان البناء يحتاج إلى زمن طويل فالهدم يتم في لحظات بسيطة، وإن كانت الفضائل المقدسة تتطلب جهاد طويل في الرب فإن هدمها يتحقّق في لحظات إهمال بسيطة]. وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [بإن ضربة سيف خاطفة لا تستغرق إلا لحظات تجرح الإنسان ليُعالج منها ربّما لسنوات وقد تقضي على حياته. فالعدوّ يضرب بسيفه في لحظات إهمالنا... لكن هذه اللحظات تفسد جهاد سنوات طويلة!]. حادي عشر: يأتون كلهم للظلم [9]: شريعة إبليس أو دستوره الذي يعمل به هو "شريعة الظلم"، لا يطلب إلاَّ حرماننا من الخير الأعظم، وسحبنا عن الحياة السماويّة حتى لا نرتبط بالشريعة الإلهيّة أو الحق. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن الشياطين: [إنها لا تُصارع لتنال شيئًا، إنّما لكي تُفسدنا نحن... فالشيطان يبذل كل طاقته لكي يطردنا من السماء]. ثاني عشر: منظر وجوههم إلى الأمام: ربّما يقصد بهذا أنهم ليسوا كالبشر لهم الوجه المرتفع الذي يطلب السماء، وإنّما لهم سمة الوحوش الضارية التي تمتد بوجوهها لتفترس بلا حنو ولا شفقة! ثالث عشر: يجمعون سبيًا كالرمل: يصطاد إبليس النفوس بلا عدد، ويسبيها كالرمل، فقد لقب بـ"رئيس هذا العالم" و"رئيس سلطان الهواء الذي يعمل الآن في أبناء المعصية" (أف 2: 2). يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [لماذا يدعو (الرسول) الشيطان برئيس العالم؟ لأنه قد التفت البشريّة كلها تقريبًا حوله، وصاروا عبيدًا له بإرادتهم ومحض اختيارهم]. رابع عشر: تسخر من الملوك، والرؤساء ضحكة لهم [10]: في كل مرة يسقط الشعب تحت السبيّ يُذل الملك ويصير العظماء موضوع سخرية وهزء أمام المنتصرين، فعندما سبي نبوخذ نصر أورشليم ومدن يهوذا أمر بقتل أولاد الملك صدقيا قدام عينيه، وفقأ عيني الملك وحمله إلى بابل للسخرية به. هكذا إذ يسقط مؤمن تحت يديّ عدوّ الخير بسبب استهتاره أو تراخيه يسخر به. إن كنّا في المسيح يسوع ملك الملوك صرنا ملوكًا روحيين (رؤ 1: 6، 5: 10)، فإن إبليس يبذل كل طاقاته ليأسرنا مستهينًا بنا. في دراستنا لسفر هوشع رأينا أن الملك يشير للإرادة الإنسانيّة التي تملك على الإنسان لتُدير كل أموره، والرؤساء يشيرون إلى طاقات الإنسان ومواهبه... فإنه إذ يأسر العدوّ إنسانًا يسخر من إرادته البشريّة، إذ يفقده إيّاها ليعيش بقيّة حياته كعبد ذليل يفعل إرادة سيّده الجديد (الشيطان)، ويبدّد مواهبه وطاقاته (الرؤساء) ليجعل منهم هزءًا وسخرية! عدوّ الخير يفقد الإنسان كل شيء: إرادته ومواهبه وطاقاته حتى جسده أيضًا، وأخيرًا يحمل معه إلى حيث الهلاك الدائم. خامس عشر: تضحك على كل حصن: لم يكن للحصون أن تقف أمام أمّة الكلدانيّين، وهكذا أيضًا لا يستطيع أحد أن يتحصّن لا بخبراته الطويلة ولا بقدراته ومواهبه ولا بمعرفته الفكريّة العقلانيّة ولا بكرامته أو نوعيّة عمله... إذ يضحك إبليس على هذه الحصون، إنّما يبقى حصن واحد إن تمنعنا لا يقدر على الاقتراب إليه، ألاَّ وهو السيّد المسيح صخر الدهور. يقول القديس جيروم: [إن السيّد المسيح هو الصخرة (1 كو10: 4) الملساء التي لا تقدر الحيّة أن تزحف عليها، فمن يتحصّن فيّه يحتمي من العدو، الحيّة القديمة]. سادس عشر: تكوّم التراب وتأخذه: إمعانًا في الإذلال يهدم العدوّ الحصن الشامخ ويحوله إلى تراب ثم يعود العدوّ ويستخدم التراب لحساب مملكته أي لصالحه. أقول إنها صورة مرّة لعمل إبليس في حياة المأسورين بواسطته، يحول حياتهم إلى تراب، إذ يسحب قلوبهم إلى الأرض، ويفسد طبيعتهم... وعندئذ يستخدم هذا التراب كأوان خزفيّة تحمل سماته لاصطياد الآخرين. إن كان العدوّ قد سقط من السماء، فهو لا يكف عن أن يبذل كل طاقاته لا ليحرم ضحيّته من الحياة السماويّة وينحدر به إلى محبّة الأرضيّات، وإنّما يستخدمه أيضًا لإسقاط الآخرين وحرمانهم من السموات التي في داخلهم. سابع عشر: تتعدّى روحها فتعبر، هذه قوّة إلهها [11]: تتعدّى روحها أو تتغيّر إلى ما هو أردأ أو أشر، فتعبر من شر إلى شر، ومن إثم إلى إثم... متطلّعين إلى إثمهم واغتصابهم كقوّة إلههم الذي يهبهم النصرة على الشعوب. لقد حسبوا أن آلهتهم أقوى من إله إسرائيل، فازدادوا تمسكًا بوثنيّتهم واعتزازًا بها. |
![]() |
|