رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صوت الراعي: الميزة الثانية للراعي الصّالح فيه صوته. "الخِراف إلى صوتِه تُصغي" (يوحنا 10: 3). الراعي الصّالح يعرف خِرافه ويدعو كل خروف باسمه ويسير أمام خِرافه ليقودها إلى المراعي الخصبة (مزمور 23)، والخِراف تميّز صوته وتُصغي له وتتبعه. فهناك معرفة متبادلة بين الراعي وخِرافه، وبالتالي محبة وثقة." أَنا الرَّاعي الصّالح أَعرِفُ خِرافي وخِرافي تَعرِفُني" (يوحنا 10: 15) الصّفة "صالح هي ترجمة للكلمة اليونانية " ὁ καλός " وهي الصّفة النموذجية التي تعبر عن المثالية في الصّلاح والأمانة والكمال. ويبيّن لنا متى الإنجيلي (متّى 2: 6) أنَّ يسوع هو الراعي الصّالح الذي قد حقق نبوة ميخا " أَنتِ يا بَيتَ لَحمُ أَفْراتَة إِنَّكِ أَصغَرُ عَشائِرِ يَهوذا ولكِن مِنكِ يَخرُجُ لي مَن يَكونُ مُتَسَلِّطاً على إِسْرائيل وأُصوِلُه مُنذُ القَديم مُنذُ أَيَّامَ الأَزَل" (ميخا 5: 1)، وكشف رحمته أنه الراعي الذي كان يريده موسى (عدد 27: 17) والذي يأتي لنجدة نعاج لا راعي لها كما وصفه متى الإنجيلي " ورأَى يسوع الجُموعَ فأَخذَته الشَّفَقَةُ علَيهم، لأَنَّهم كانوا تَعِبينَ رازِحين، كَغَنَمٍ لا راعيَ لها" (متى 9: 36). ويعتبر يسوع نفسه مرسلاً " إلى الخِراف الضَّالَّةِ مِن بَيتِ إِسرائيل" (متى 15: 24)، فجمع حوله " القَطيعُ الصّغير"، أي التلاميذ (لوقا 12: 32)، وهم نواة جماعة الأزمنة الأخيرة التي وعدها الله بملكوت القديسين كما جاء في نبوءة دانيال النبي "يُعْطى المُلكُ والسُّلْطانُ وعَظمَةُ المُلكِ تَحتَ السَّماءِ بِأَسرِها لِشَعبِ قِدِّيسي العَلِيّ " (دانيال 7: 27). وأمّا صفات صوت الراعي الصّالح فانه يعرف خِراف. إنه يدعو خِرافه بأسمائها " يَدعو خِرافه كُلَّ واحدٍ مِنها بِاسمِه ويُخرِجُها" (يوحنا 10: 3-4) مما يدل على العلاقة القائمة بينه وبين خاصته، لان الأسماء تطلق على الخاصة، كما دعا تلاميذه الاثني عشر (متى 10: 2) ودعا زكا (لوقا 19: 2) ونادى مريم المجدلية باسمها (يوحنا 20: 16). إنَّ الله يخاطبنا بأسمائنا ويطلب منا أن نتبعه (يوحنا 8: 47). الِصّفة الثانية لِصّوت الراعي الِصّالح تكمن في قيادة المسيح لخِرافه إلى المراعي الخصبة، إنه يقودها إلى الحَياةُ الأبدية (يوحنا 10: 9) كما ترنَّم صاحب المزامير "الرَّبُّ راعِيَّ فما مِن شيَءٍ يُعوِزني. في مَراعٍ نَضيرةٍ يُريحُني" (مزمور 23: 1)، وجاء نبوءات أشعيا تؤكد ذلك “يَرْعى قَطيعَه كالرَّاعي يَجمَعُ الحُمْلانَ بِذِراعِه ويَحمِلُها في حِضنِه ويَسوقُ المُرضِعاتِ رُوَيداً" (أشعيا 40: 11). وينتظر الخروف البطيء، ويعالج جراح الخروف الجريح، ويذهب في البحث عن الخروف الضائع، ويتبع الخِراف ويُبقيها متّحدة ببعضها ويُطمئنها من خلال صوته. ويقدِّس ذاته من أجلها كما أعلن يسوع في صلاته "أُكَرِّسُ نَفْسي مِن أَجلِهمِ لِيَكونوا هم أَيضاً مُكَرَّسينَ بِالحَقّ (يوحنا17: 19) ولم يفقد أحد منها كما صرّح يسوا المسيح “لَمَّا كُنتُ معَهم حَفِظتُهم بِاسمِكَ الَّذي وَهَبتَه لي وسَهِرتُ فلَم يَهلِكْ مِنهُم أَحَدٌ إِلاَّ ابنُ الهَلاك فتَمَّ ما كُتِب" (يوحنا 17: 12). الصّفة الثالثة لِصّوت الراعي الصّالح إنه يبذل نفسه عن الخِراف "أَنا قَد أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم" (يوحنا 10: 11)، ويُعلق البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني "عندما قال الرّب يسوع المسيح هذه الكلمات، لم يكن الرّسل يعرفون أنّه كان يتكلّم عن نفسه. حتّى يوحنّا، الرّسول الحبيب، لم يكن يعرف ذلك. لقد فهم ذلك في الجلجلة، عند أقدام الرّب يسوع المعلّق على الصّليب، حين رآه يقدّم حياته بصمت فداءً لخرافه " (عظة بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لحبريّته). يسوع يُخاطر بحياته لكي يحمي غنمه ويبذل نفسه لأجلها "أَحَبَّ المسيحُ الكَنيسة وجادَ بِنَفسِه مِن أَجْلِها" (افسس5: 25). وفي هذا الصّدد كتب القدّيس أوغسطينوس "لقد تمّم ما علّمنا إيّاه: لقد أرانا ما أمرنا بأن نفعله. لقد بذل نفسه من أجل خِرافه، كي يكون ممكناً، في داخل سرّنا، أن يتحوّل جسده ودمه إلى طعام، ويُغذّي الخِراف الّتي افتداها بطعام جسده الخاصّ. لقد أرانا الطريق الّتي علينا أن نسير فيها، بالرغم من الموت. لقد وضع النموذج الّذي يجب أن نتطابق معه. إنّ الواجب الأوّل الملقى على عاتقنا هو استخدام ممتلكاتنا الأرضيّة بالرحمة من أجل حاجات خِرافه، ومن ثمّ، إن كان ضروريّاً، أن نعطيهم حياتنا. الشخص الّذي لا يعطي من جوهره من أجل خِرافه، فكيف سوف يبذل حياته من أجلهم؟". الصّلاح هي الميزة المسيحية الجوهرية التي تنفرد بها الحَياةُ المسيحية: وهي أن نصغي إلى الصّوت، أن نتأمل كلمة يسوع، يسوع الذي يدعونا بأسمائنا كما دعا مريم المجدلية باسمها، عرفته صوته، لقد دعاها باسمها ولهذا عرفته. أمّا صوت السَّارِق فيٌسبب الذعر بين الخِراف لأنها لا تعرف صوته. وفي الواقع هناك فئتان من الناس: فئة الذين هم ملك الراعي ويُلبُّون نداءه، ويسوع وسيط الخلاص لهم " فما هلك منهم أحد" (يوحنا 17: 12)، وفئة الذين لا يتجاوبون معه، لأنهم ليسوا من خاصته. وأمّا الرعاة الذين يتبعون يسوع المسيح ينبغي أن يرعوا كنيسة الله بحمية ونزاهة (حزقيال 34: 2-3)، وأن يصبحوا مثالاً للقطيع. حينذاك يمنحهم "رئيس الرعاة إكليلاً من المجد لا يذوى" كما جاء في توصيات بطرس الرسول "لا تَتَسلَّطوا على الَّذينَ هم في رَعِيَّتكم، بل كونوا قُدْوةً للِقَطيع. ومتى ظَهَرَ راعي الرُّعاة تَنالونَ إِكليلاً مِنَ المَجدِ لا يَذبُل. (1 بطرس 3:5-4). |
|