رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القيادة الشريرة هؤلاء الذين أُقيموا لخدمة الشعب وإجراء القضاء العادل لكل إنسان لكنهم عوضًا عن ذلك استغلوا مراكزهم ونهبوا أموال الشعب، وتنعموا في ترفٍ زائدٍ بينما كان الشعب يئن من الجوع والظلم. يحتوي هذا الأصحاح على ثلاثة أحاديث هامة موجهة للقادة الأشرار: الحديث الأول أنهم قادة متوحشون [1-4]، والثاني أنهم قادة مخادعون [5-8]، والثالث أنهم قادة مرتشون كما تحدث عن ثمر القيادة الشريرة [9-12]. هنا يوبخ ميخا النبي القيادات على انخداعها بكلمات الأنبياء الكذبة المخادعة، حيث نادوا بأن السبي ينحل سريعًا جدًا، والعودة منه على الأبواب. يطالبهم ميخا النبي أن يميزوا الحق ويعرفوه، ولا ينخدعوا بالأكاذيب. 1. دعوة القادة للتعرف على الحق: وَقُلْتُ: اسْمَعُوا يَا رُؤَسَاءَ يَعْقُوبَ وَقُضَاةَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. أَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الْحَقَّ؟ [1] كان يليق بشيوخ إسرائيل أن يعيشوا وسط الشعب، يشاركونهم الحياة اليومية، لكنهم تحولوا إلى طبقة أرستقراطية حاكمة تعيش في العاصمة "أورشليم". والقضاة الذين كان يليق بهم أن يعلِّموا الشعب الشريعة ويشهدوا للحق الإلهي، وضعوا الشريعة جانبًا، وصاروا أكثر شرًا من الشعب، لا عمل لهم سوى سوء استغلالهم لمراكزهم وسلطانهم. * حقًا يكرر الأنبياء اتهام الشعب، قائلين: "اسمعوا يا حكام سدوم، رؤساؤكم غير أمناء" (إش 1: 10، 23). مرة أخرى يقول ميخا: "أما تعرفون العدل؟" في الواقع في كل موضع يحلونهم (يثبطونهم) بعنف. ماذا، إذن؟ هل ينسب أحد الخطأ في الله؟ حاشا أن يكون لنا هذا الفكر. فإن الخطأ بالحقيقة فيهم. فإنه أي تبرير فاضل يقدمه أحد أنكم لا تعرفون ناموس سوى أنكم ترفضون طاعته؟ القديس يوحنا الذهبي الفم * إنه يوجه حديثه إلى القادة، الذين اؤتمنوا على القضاء وداسوا العدل؛ لذلك وضع هذا في شكل سؤال: ألستم أنتم المسئولين عن القضاء، لكي تعاقبوا المذنبين وتطلقوا الأبرياء بدون لومٍ؟ إذن كيف أن الذين اؤتمنوا بتدبير الشرائع انحرفوا عن ممارسة الخير وساندوا الشر بحماسٍ؟ لقد مارستم مثل هذا الجشع بخصوص المحتاجين، فتجردونهم من كل ممتلكاتهم (يقترح هذا بالقول: سلبتم الشعب من جلودهم والجسم من عظامهم). ثيؤدورت أسقف قورش لا نعجب إن وقف نبي بسيط في قرية ليحاكم الرؤساء والقضاة ويستجوبهم، فإنه إذ يتمتع بالحق الإلهي يحمل مهابة خاصة، بينما هؤلاء العظماء إذ لم يعرفوا الحق في حياتهم وسلوكهم صاروا في ضعف، عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم.حيث يوجد الحق لا يجد الخوف له مكانًا، بل يحمل الإنسان مخافة الرب وفي تواضع لا يخشى الناس ولا الأحداث. من هو هذا الذين يستجوبهم: "أليس لكم أن تعرفوا الحق؟" حقًا يعرفونه ويحفظون الناموس والشرائع ربما عن ظهر قلب، لكنهم غرباء عنه في حياتهم وسلوكهم، فصاروا بلا معرفة. 2. الظالمون الأشرار الْمُبْغِضِينَ الْخَيْرَ وَالْمُحِبِّينَ الشَّرَّ، النَّازِعِينَ جُلُودَهُمْ عَنْهُمْ وَلَحْمَهُمْ عَنْ عِظَامِهِمْ. [2] إذ يتسلل حب المال والطمع إلى القلب يفقد الإنسان بصيرته الداخلية وتمييزه، فيبغض الخير للآخرين ويشتهي لهم الشر. أول سمة للظالمين هو بغض الخير وحب الشر، يعاملون الفقراء كآكلي اللحوم cannibals يقيمون ولائمهم بذبح الفقراء وطبخهم. في سفر حزقيال يوبخ الله الرعاة الأشرار، قائلًا: "ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم. ألاَّ يرعى الرعاة الغنم... بشدةٍ وبعنفٍ تسلطتم عليهم. فتشتت بلا راعٍ، وصار مأكلًا لجميع وحوش الحقل وتشتت... هكذا قال السيد الرب: هأنذا على الرعاة، وأطلب غنمي من يدهم، وأكفهم عن رعي الغنم، ولا يرعى الرعاة أنفسهم بعد، فأخلص غنمي من أفواههم، فلا تكون لهم مأكلًا" (حز 34: 2، 4، 10). وَالَّذِينَ يَأْكُلُونَ لَحْمَ شَعْبِي، وَيَكْشُطُونَ جِلْدَهُمْ عَنْهُمْ، وَيُهَشِّمُونَ عِظَامَهُمْ، وَيُشَقِّقُونَ كَمَا فِي الْقِدْرِ وَكَاللَّحْمِ فِي وَسَطِ الْمِقْلَى. [3] كان يليق بالقادة الروحيين أن يبذلوا أنفسهم لحساب الشعب، لا أن يشبعوا شهواتهم ويفترسوا الشعب كوحوش ضارية، كأكلة لحوم البشر. يقدم صورة بشعة لما بلغه هؤلاء القادة من وحشية ضد الشعب، فإنهم يأكلون لحومهم كوحوشٍ مفترسة، ويكشطون جلودهم حتى لا يتركوا أثرًا للحومهم، ويهشمون عظامهم ليأكلوا النخاع، ويشققون كما في القدر، كأنهم يقطعون لحومهم ويضعونها في قدرٍ! صورة مؤلمة للغاية عن شراهتم وقسوتهم بلا حدودٍ! حِينَئِذٍ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ فَلاَ يُجِيبُهُمْ، بَلْ يَسْتُرُ وَجْهَهُ عَنْهُمْ، فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا أَسَاءُوا أَعْمَالَهُمْ. [4] لن يسمع الله لصرخات من يأكل لحم أخيه، مهما تزايدت، ومهما علت، إنما يستر الرب وجهه عنهم ليترك العدالة تأخذ مجراها في الوقت المعين. "لأن الحكم هو بلا رحمة" (يع 2: 13). فكما لم يسمعوا لصرخات إخوتهم حين كانوا في وسعٍ ورخاءٍ، يصرخون هم أيضًا في شدتهم ولا يجدوا استجابة. وكما ستروا وجوههم عن إخوتهم المساكين، يستر الله وجهه عنهم. وكما قال أدوني بازق: "سبعون ملكًا مقطوعة أباهم أيديهم وأرجلهم كانوا يلتقطون تحت مائدتي، كما فعلت كذلك جازاني الله" (قض 1: 7). ويقول المرتل "مع الرحيم تكون رحيمًا؛ مع الرجل الكامل تكون كاملًا؛ مع الطاهر تكون طاهرًا؛ ومع الأعوج تكون ملتويًا، لأنك أنت تخلص الشعب البائس والأعين المرتفعة تضعها" (مز 18: 25-27). ويقول سليمان الحكيم: "من يسد أذنيه عن صراخ المسكين فهو أيضًا يصرخ ولا يُستجاب" (أم 21: 12). * في اللحظة التي فيها انسحب من الشر، في ذات اللحظة أتأهل أن تنصت إلى صلواتي . القديس جيروم * إنك تكيِّف المكافأة حسب اتجاهات الشعب يا رب. فتمد القديسين بما تستحقَّه القداسة، والأبرياء والمتحررين من الخطية بما يليق بهم، والمختارين والكاملين بما هو كامل؛ أما الذين ينحرفون عن الطريق المستقيم ويسيرون في الاتجاه المضاد فإنك تضمن لهم أن يجدوا نهاية طريقهم اللائق بهم. ثيؤدورت أسقف قورش هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَلَى الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُضِلُّونَ شَعْبِي، الَّذِينَ يَنْهَشُونَ بِأَسْنَانِهِمْ، وَيُنَادُونَ: سَلاَمٌ! وَالَّذِي لاَ يَجْعَلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ شَيْئًا يَفْتَحُونَ عَلَيْهِ حَرْبًا. [5] بينما ينهش الأنبياء الكذبة لحوم إخوتهم بأسنانهم كوحوش مفترسة، إذا بهم يقدمون كلمات معسولة كاذبة، مبشرين بالسلام الكاذب. هؤلاء الأنبياء يسندهم الأغنياء وأصحاب السلطة، لكن لن يدوم الأمر، فالحرب قادمة حتمًا! يترجم البعض "ينهشون بأسنانهم" "يعضون بأسنانهم؛ ففيما هم يتكلمون بالناعمات، منادين بالسلام يخفون كذبهم بالعض على شفاههم بأسنانهم حتى يحبسوا ما في داخلهم، فلا تفلت كلمة تكشف عن خداعهم وكذبهم. إنهم نهمون يطلبون أن يأكلوا لحم الغير بلا توقف. فمهم مفتوح للافتراس، فإن منعهم أحد يفتحون عليه حربًا، متوعدين إياه بأحكام الله القاسية. هذا هو عمل الطمع بالربح القبيح (1 تي 3: 3، تي 1: 7). * يقول (إرميا النبي) "وكل محبيك الذين تنبأت لهم بالكذب" (إر 20: 6). فمن يتحدث بطريقة شريرة عن أقوال الله، ويلقي بالكلمات النبوية في الحفرة يتنبأ، لكنه يتنبأ بالأكاذيب. * إنه لم يمنعهم عن مجرد الإصغاء إلى نبي، بل يصغون إلى كلمات الأنبياء عندما تقدم باطلًا (إر 23: 16). فإن من يسمع نبي مثل موسى لا يسمعه هو بل يسمع الرب الذي يتكلم خلاله. فإن الأنبياء الكذبة يعملون باطلًا. فإنهم إذ يتكلمون برؤى هي من قلوبهم لا يغيرون قلب المستمع، فيعملون باطلًا. العلامة أوريجينوس لِذَلِكَ تَكُونُ لَكُمْ لَيْلَةٌ بِلاَ رُؤْيَا. ظَلاَمٌ لَكُمْ بِدُونِ عِرَافَةٍ. وَتَغِيبُ الشَّمْسُ عَنِ الأَنْبِيَاءِ وَيُظْلِمُ عَلَيْهِمِ النَّهَارُ. [6] إذ جرى الأنبياء الكذبة وراء محبة المال التصقوا بالأغنياء، وسلكوا بروح الرياء، وبرروا الظلم، فصارت أذهانهم مظلمة وتحولت حياتهم إلى ليلٍ بلا نهار، لأنهم رفضوا شمس البرّ. يفقدون كل استنارة داخلية، فتظلَّم عقولهم وتزعجهم أفكارهم. يعلن الرب عن عجز الأنبياء الكذبة، إذ لا يتمتعون برؤيا في الليل، وعرافة في الظلام، ويصيرون في حالة إحباط شديد، ويحل بهم الخزي والعار. * "الشمس تغرب" (إر 15: 9) على هؤلاء الأنبياء الذين يضلون شعبي، ساكنين في الظلمة. "سيكون لكم ليلًا، بدون رؤيا، وستكون لكم ظلمة بلا فجر". فعندما يفارق (الروح النجس) الإنسان يجتاز في أماكن (مت 12: 43). هذا يحدث تمامًا بالطبيعة. فإن (الرب) يرد هذا الحكم بالنسبة للشعب. "هكذا يكون أيضًا لهذا الجيل" (مت 12: 45). فإنه في أيام الأنبياء خرج منهم (الروح النجس) الذي هو الخطية ذاتها. القديس مار أفرام السرياني فَيَخْزَى الرَّاؤُونَ، وَيَخْجَلُ الْعَرَّافُونَ، وَيُغَطُّونَ كُلُّهُمْ شَوَارِبَهُمْ، لأَنَّهُ لَيْسَ جَوَابٌ مِنَ اللَّه. [7] إذ ما سأل أحد الأنبياء الكذبة مشورة قدموا مما في داخلهم من ظلمة، لأن ليس لديهم "إجابة من الله". غطاء الشوارب أيضًا يُشير إلى عجزهم عن أن يتنبأوا، فيصمت لسانهم ويغطون شفاههم، ويتلمس الشعب طريقه وسط الظلمة الروحية. يُقصد بتغطية شفاههم العليا تغطية الشارب، إذ جاءت الكلمة العبرية sapham. كان للشارب واللحية تقدير خاص لدى العبرانيين كعلامة عن الشجاعة والرجولة والقوة. فتغطية الشفة العليا علامة الحزن والأسى. هكذا فإن النص هنا يعني أن الأنبياء في حزن، لأن الله يرفض أن يعلن ذاته لهم، لهذا يغطون شفاههم. ولهذا السبب يُطالب الأبرص أن يغطي شفته العليا (لا 13: 45). وردت ذات العادة في حزقيال (حز 24: 17، 22). 4. ميخا وقوة الروح: لَكِنَّنِي أَنَا مَلآنٌ قُوَّةَ رُوحِ الرَّبِّ وَحَقًّا وَبَأْسًا، لآخَبِّرَ يَعْقُوبَ بِذَنْبِهِ، وَإِسْرَائِيلَ بِخَطِيَّتِهِ. [8] بينما ينفضح الأنبياء الكذبة يومًا ما ويخزون، إذا بالنبي يتزكى على الدوام خلال عمل روح الرب القدير وتمسكه بالحق الإلهي. يُرجع ميخا سرٌ قوته إلى عمل الروح القدس فيه. فقد أهله روح الرب للعمل النبوي الرعوي، فامتلأ قوة وحقًا وشجاعة، يتكلم كمن له سلطان. وكما يقول إشعياء النبي: "والسيد الرب يعينني لذلك لا أخجل، لذلك جعلت وجهي كالصوان، وعرفت أني لا أخزى" (إش 50: 7). فهو لا يخشى مقاومة الناس، حتى وإن كانوا أصحاب سلطان! أدرك النبي عجزه بذاته عن القيام بهذا العمل، لكن روح الرب هو سرّ قوته، لأنه: "مَنْ هو كفء لهذه الأمور؟" (2 كو 2: 16)، وكما يقول الرسول: "كفايتنا مِنْ الله" (2 كو 3: 5) على نقيض الأنبياء الكذبة الذين حل بهم الإحباط الشديد امتلأ ميخا بقوة الروح الإلهي، يحمل قوة داخلية، وحقًا وبأسًا. لا يشعر بضعفٍ، ولا تعوزه معرفة الحق، ولا يفقد عمله البطولي في الرب. كأنه يقول لهم: ليس من وجه للمقارنة بين الأنبياء الكذبة وبيني، إذ "ما للتبن مع الحنطة" (إر 23: 28). إذ تمتع ميخا النبي بهذه المؤهلات تكلم بجرأة وأخبر يعقوب بذنبه، وإسرائيل بخطيته. لقد التزم رجال الله أحيانًا أن يكشفوا عن صدق إرساليتهم والإمكانيات الإلهية التي تمتعوا بها، ليس للافتخار وإنما لأجل الخدمة وبنيان ملكوت الله في هذا العالم. في تفسير الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس (2 كو 11: 21 إلخ) يوضح القديس يوحنا الذهبي الفم أن الرسول بولس لم يفعل ذلك بغية الافتخار بنفسه، إنما ليُبكم أفواه الذين يريدون تحطيم خدمته بإنكارهم رسوليته. وقد قدم الذهبي الفم أمثلة كثيرة لرجال الله الذين دافعوا عن أنفسهم من أجل بنيان الكنيسة ونجاح العمل الإلهي. فصموئيل النبي يقول: "هأنا فأشهدوا عليٌ قدام الرب وقدام مسيحه، ثور من أخذت، وحمار من أخذت، ومن ظلمت، ومن سحقت، ومن يد من أخذت فدية لأغضي عيني عنه، فأرد لكم" (1 صم 12: 3). وعاموس النبي يقول لأمصيا: "لست أنا نبيًا، ولا أنا ابن نبي، بل أنا راعٍ وجاني جميز فأخذني الرب من وراء الضان، وقال ليّ الرب: اذهب تنبأ لشعبي إسرائيل" (عا 7: 14 إلخ.)، وهكذا أيضًا ميخا النبي هنا. 5. توبيخ القادة في صراحة: اِسْمَعُوا هَذَا يَا رُؤَسَاءَ بَيْتِ يَعْقُوبَ وَقُضَاةَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ يَكْرَهُونَ الْحَقَّ، وَيُعَوِّجُونَ كُلَّ مُسْتَقِيمٍ. [9] إذ ينعم ميخا النبي بروح الرب القدير لن تعوزه الإمكانية للحديث الجريء ضد الرؤساء والقضاة الذين يبغضون الحق ويعوِّجون المستقيم. لعله يقصد بتعويج كل مستقيم إساءة تفسير كلمة الرب، فيحولونها لصالحهم الخاص. هذا أيضًا ما يفعله الهراطقة حين يسيئون استخدام بعض العبارات الكتابية لخدمة هرطقاتهم. في رسالته [19: 8] كتب القديس كيرلس الكبير عن الذين يفسدون الحق بإساءة استخدام بعض العبارات من الكتاب المقدس. كما بعث مع الرسالة نسخة من خطاب القديس أثناسيوس الرسولي لابيكتيتوس Epicetetus التي شوهها الهراطقة. الَّذِينَ يَبْنُونَ صِهْيَوْنَ بِالدِّمَاءِ وَأُورُشَلِيمَ بِالظُّلْمِ. [10] سعى قادة الأمة أن يبنوا مدينة مزدهرة، فانشغلوا بالإنشاءات الفخمة والمظاهر الخارجية على حساب طبقة الشعب الفقيرة. يهتمون بمظهر المدينة وجمالها كمن يسعون نحو المصلحة العامة، بينما يكسرون الناموس ويظلمون المساكين. * "الذين يبنون صهيون بالدماء" (مي 3: 10). لم يتعلموا ضبط النفس، مع أنهم تسلموا هذه الوصية أولًا: "لا تقتل"، وأمروا أن يكفوا عن أمورٍ أخرى لا حصر لها بسبب هذا، وبطرقِ كثيرة متنوعة كانوا يُحثون على حفظ هذه الوصية. ومع هذا لم يتوقفوا عن هذه العادة الشريرة، وإنما ماذا قالوا عندما رأوه؟ هلم نقتله. وما هو الدافع؟ وما هو السبب؟ أي اتهام كان كبيرًا أو صغيرًا يوجهونه ضده؟ هل لأنه يكرمكم، ولأنه وهو الله صار إنسانًا لأجلكم، وصنع عجائب لا حصر لها؟ أو لأنه غفر خطاياكم؟ أو لأنه دعاكم للملكوت؟ لتروا شرهم العظيم مع غباوتهم، وعلة قتله هو جنونهم المطبق. القديس يوحنا الذهبي الفم رُؤَسَاؤُهَا يَقْضُونَ بِالرَّشْوَةِ، وَكَهَنَتُهَا يُعَلِّمُونَ بِالأُجْرَةِ، وَأَنْبِيَاؤُهَا يَعْرِفُونَ بِالْفِضَّةِ، وَهُمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلِينَ: أَلَيْسَ الرَّبُّ فِي وَسَطِنَا؟ لاَ يَأْتِي عَلَيْنَا شَرٌّ! [11] يُدين النبي القادة الدينيين الذين يعملون كأجراء، فتغويهم الرشوة، وينحرفون بسب محبة المال. كما يُحذر الأغنياء وأصحاب السلطة من استخدام إمكانياتهم للتأثير على خدام الله، هذه تُحسب رشوة! تحوَّل الأنبياء الكذبة إلى مرتزقة يتنبأون حسبما يُقدم لهم من فضة، فلا يشغلهم إعلان إرادة الله إنما كيف يكسبون المال. لقد تمثلوا ببلعام الذي "أحب أجرة الإثم" (2 بط 2: 15). * لقد سُمح لك أيها الكاهن أن تعيش من المذبح لا أن تحيا في ترفٍ. لا يُكم فم الثور الذي يدرس الحنطة. فالرسول لم يسيء إلى الحرية، بل إذ كان له طعام ولباس كان مكتفيًا، يعمل ليلًا ونهارًا، حتى لا يكون مدينًا لأحدٍ (1 تس 2: 6؛ 2 تس 3: 8). وفي رسالة أشهد الله أنه عاش بوقارٍ (1 تس 2: 10)، في غير طمعٍ في إنجيل المسيح. أكَّد هذا أيضًا، لا بخصوص نفسه وحده، بل وبخصوص تلاميذه، أنه لم يرسل أحدًا يسأل أو يأخذ شيئًا من الكنائس. ولكن إن كان في بعض الرسائل عبَّر عن مسرته ودعا العطايا التي أرسلها البعض أنها نعمة الله (2 كو 12: 17-18) فإنه لم يجمعها لنفسه وإنما لقديسي أورشليم الفقراء، وهم اليهود الذين آمنوا أولًا بالمسيح وقد طردهم آباؤهم وأقرباؤهم وفقدوا ممتلكاتهم وكل مصالحهم، حيث خرَّبها كهنة الهيكل والشعب. ليقبل هؤلاء أن يأخذوا. ولكن تحت ستار الفقراء اغتنى قلة، فتأكل في أوانٍ ذهبية وزجاجية وصينية (خزفية ثمينة). ليتنا بغنانا نغير عادتنا أو لا نسمح للفقراء أن يكون علة لبلوغ غنى الأشراف... القديس چيروم اتفق القادة المدنيون والدينيون جميعًا من رؤساء وكهنة وأنبياء على أمرٍ واحدٍ وهو محبة المال. وخلال ممارستهم للعبادة في شكليتها بدون روح ظنوا أن الله في وسطهم يحميهم من كل شرٍ. يظنون أن تصرفاتهم الشريرة هذه لا تسبب ضررًا، لأنهم شعب الله اسمًا. إنه الإيمان غير العامل بالمحبة، فهو إيمان ميت، يقوم على الشكليات بلا روح وحياة."أليس الرب في وسطنا؟" ألسنا في مدينة أورشليم، مدينة الله؟ أليس هيكله وتابوت عهده وكتابه المقدس وكهنته وذبائحه اليومية بين أيدينا؟ هكذا أساءوا استخدام الامتيازات الإلهية المقدمة لهم لأجل تقديسهم، فتركوا القداسة وتمسكوا بالشكليات. تحولت عطايا الله لهم عن غايتها، فتوهموا أن الله في وسطهم مادامت لهم هذه العطايا، حتى وإن أصروا على محبة العالم والظلم والعنف. لِذَلِكَ بِسَبَبِكُمْ تُفْلَحُ صِهْيَوْنُ كَحَقْلٍ، وَتَصِيرُ أُورُشَلِيمُ خِرَبًا، وَجَبَلُ الْبَيْتِ شَوَامِخَ وَعْرٍ. [12] كان لهذه النبوة أثرها الفعال بعد أكثر من قرن حيث اقتبسها إرميا النبي (إر 26: 18)، وقد كان لها انطباعها العميق على إرميا. اقتباسها أدى إلى إنقاذ حياة إرميا عندما تعرض لخطر الموت قتلًا في أيام يهوياقيم. لقد ادعوا أنهم يبنون صهيون ويهتمون بإنشاءاتها ]10[، وهم لا يدرون أنهم فيما هم يهتمون بالشوارع والمباني الفخمة يعملون على خراب الأماكن المقدسة. إن كان القادة قد ظنوا أن الله في وسطهم فلن يحل بهم هلاك، فبسبب إصرارهم على اغتصاب الحقول يسمح الله بدمار صهيون، فتتبدد مبانيها، وتتحول إلى حقول وخرائب وقفرٍ! ما يحل بصهيون يكشف عما يحل بأعماق هؤلاء الأشرار، وما سيحل أيضًا كثمرة إصرارهم على الشر، متسترين بوجود صهيون وهيكل الرب كعلامة على سكنى الله في وسطهم. * هنا أيضًا ميخا الإلهي كان غير قادرٍ أن يطيق من صهيون من يجري فيه الدم، والذي يُفسر بأن أورشليم ملطخة بالظلم. بينما كان رؤساء بيت يعقوب يشمئزون من العدالة، كان الكهنة يعلمون من أجل الأجرة. كان الأنبياء يتنبأون من أجل المال! ماذا يقول ميخا عن نتيجة هذا؟ "تحرث صهيون كحقلٍ، وتصير أورشليم كمستودع ثمر (مدمر) وجبل البيت مثل بستان غابة". لقد انتحب أيضًا على انعدام الاستقامة، فيندر وجود ساق (نبات) أو أثر عنب، حيث أن الرئيس يسأل والقاضي يتملق (مي 7: 1-4). فقد جاءت لغته غالبًا ما تشبه قول داود القوي: "خلصني يا رب فإن البار قد فني" (مز 12: 1). فستنتهي خيراتهم، إذ "أفنيت مثل العث مشتهاة" (مز 12: 1). القديس غريغوريوس النزنيزي يرى البعض أن هذه النبوة قد تحققت حرفيًا على يد تيطس حين حرث الرومان الأرض التي كانت المدينة قائمة عليها حتى يتحقق الخراب التام.من وحي ميخا 3 لأعرف الحق فأصير قائدًا! * ترتعب نفسي عند سماعي عن القادة الأشرار. ظنوا أنهم يعرفون الحق ويدافعون عنه. وهم أبعد من أن يعرفوه! أنت هو الحق الإلهي، اكشف عن عيني فأعرفك، أسلك أفيك، فأحيا إلى الأبد! * هب ليّ أن أحب الخير، وأبغض الشر. لأحب الخير مهما كانت تكلفته، ولأبغض الشر مهما كانت إغراءاته! * لأحب الخير لكل بشر، فأحبك أنت يا محب البشر! انزع عني كل طمع وجشع وأنانية، انزع عني الوحشية العنيفة. هب ليّ الحب الباذل المجاني. أحب ولا أطلب أن أُحَب. لأني أحبك أنت حتى في المقاومين ليّ. * لأترفق بالغير فتترفق أنت بيّ. لأستجيب لطلبات الغير، فتسمع صوتي وتجيب صلواتي. * انزع عني كل رياء، فانطلق بالحق دون مداهنة! أرضيك فلا أطلب رضاء الناس. ألتصق بك، فتشرق بنورك عليَّ أتعرف على مشيئتك، واستنير ببهاء برَّك. تصير حياتي كلها نهارًا بلا ليل، ونورًا بلا ظلمة، وحبًا بلا بغضة! * هب ليّ قوة روحك القدوس، فامتلئ بالقوة والحق والبأس. أنطق بالحق مهما كانت تكلفته، ولا أداهن غنيًا أو صاحب سلطان! أنطق بكلماتك دون اعوجاج! * أعبدك بالروح والحق، فلا تبتلعني شكليات بلا روح! أدرك حلولك وسكناك فيَّ! فتقيم صهيون الروحية، وتقدس أعماقي هيكلًا لك. |
|