06 - 04 - 2023, 12:37 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
يا لعظمة الحكمة!
لاَ يُعْطَى ذَهَبٌ خَالِصٌ بَدَلَهَا،
وَلاَ تُوزَنُ فِضَّةٌ ثَمَنًا لَهَا [15].
لما كانت حكمة الله هو أقنوم الكلمة، لذا فإن من يقتنيها إنما يقتني الخالق نفسه, فليس من وجه للمقارنة بينه وبين المخلوقات مهما كانت قيمتها.
* إلى ماذا يشير الذهب الخالص إلا إلى الملائكة الذين بحقٍ يدعون ذهبًا خالصًا. فهم ذهب، لأنهم يشرقون ببهاء البرّ، وذهب خالص لأنه لم يصبهم قط أي دنس للخطية، أما بالنسبة للبشر فطالما هم في الجسد القابل للفساد وخاضعون للموت، يمكن أن يكونوا ذهبًا، لكن لا يُمكن أن يكونوا ذهبًا خالصًا. "الجسد الفاسد يثقل النفس، والخيمة الترابية عبء للعقل الكثير الهموم" (حك 15:9). فإنهم حتى في هذه الحياة قد يشرقون ببهاءٍ فائقٍ للبرّ، ومع هذا فلن يتخلصوا تمامًا من زغل الخطايا. يشهد الرسول يوحنا لهذا بقوله: "إن قلنا إننا بلا خطية نضل أنفسنا، والحق ليس فينا" (1 يو 8:1). يؤكد يعقوب ذلك، قائلًا: "فإننا في أمورٍ كثيرةٍ نعثر جميعنا" (يع 2:3). بنفس الطريقة يتوسل النبي، قائلًا: "لا تدخل في المحاكمة مع عبدك يا رب، فإنه لن يتبرر قدامك إنسان" (مز 2:143).
فالحكمة تُعلن عن نفسها بذاتها، حتى يمكن للجنس البشري أن يخلصوا من الخطية. لا يُرسل ملاك عوض الحكمة، إذ من الضروري أن يتحرر المخلوق بواسطة الخالق. هكذا يقول الرب في الإنجيل: "إن حرركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو 36:8).
لكن الرجل القديس (أيوب) إذ امتلأ بروح هذه الحكمة سبق فرأى أن اليهودية يصير بها من يضعون رجاءهم في صاحب الشريعة، ويجعلون من موسى مصدر خلاصهم، إذ نطقوا بالشر حتى مع ذاك الذي شُفي: "أنت تلميذ ذاك، وأما نحن فإننا تلاميذ موسى" (يو 28:9).
البابا غريغوريوس (الكبير)
لاَ تُوزَنُ بِذَهَبِ أُوفِيرَ،
أَوْ بِالْجَزْعِ الْكَرِيمِ،
أَوِ الْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ [16].
جاء في الترجمة السبعينية: "لا تُقارن بألوان الصبغة في الهند". ويرى البابا غريغوريوس (الكبير)أن حكمة الله لا تشوبها زخرفة البلاغة، فإنها تكون مبهجة كثوبٍ بلا صبغة. لقد استخف بولس بالصبغة بقوله: "التي تتكلم بها أيضًا، لا بأقوال تُعلمها حكمة إنسانية، بل بما تُعلمه الروح القدس" (1 كو 13:2). فقد اختار الرسول أن يستخدم هذه الحكمة في بساطة الحق النقي وحدها، ولكن دون أن يلطخها بصبغة الكلام.
لاَ يُعَادِلُهَا الذَّهَبُ وَلاَ الزُّجَاجُ،
وَلاَ تُبْدَلُ بِإِنَاءِ ذَهَبٍ إِبْرِيزٍ [17].
إذ تجسد كلمة الله وصار إنسانًا، لم يعادله أي إنسان سواء كان ذهبًا أو زجاجًا. مهما كان بريقه كالذهب أو نقاوته الشفافة كالكريستال.
* رأى يوحنا في الرؤيا هذا حين قال: "بناء سورها من يشب، والمدينة ذهب نقي شبه زجاج نقي" (رؤ 18:21). ذلك لأن كل القديسين سيشرقون في بهاء النعيم الفائق، لذلك وُصفت (أورشليم العليا) أنها بناء من ذهب... لكن مادمنا في هذه الحياة ولا يمكن لقلوبنا أن ينظرها الآخرون، فإنها ليست أوانٍ من الزجاج، بل هي أوانٍ خزفية. في هذا الطين الذي قد يفسد الذهن يخشى النبي أن يوحل فيه، إذ يقول: نجني من الطين، لكن لا أوحل" (مز 14:68). خيمة أجسادنا ذاتها يدعوها بولس: "بيت خيمتنا"، فيقول: "لأننا نعلم أنه إن نُقض بيت خيمتنا الأرضي، فلنا في السماوات بناء من الله، بيت غير مصنوع بيدٍ، أبدي" (2 كو 1:5)... ومع هذا فإن كل القديسين يتألقون بمثل هذا البهاء العجيب، ويشرقون بنقاوة فائقة هكذا، حتى إذ يصيروا على شكل الحكمة، لكنهم لا يعادلونها. ولهذا السبب فإن كل القديسين يُحضرون إلى الأفراح الأبدية حتى يصيروا على مثال الله كما هو مكتوب: "إذ أُظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1 يو 2:3). ومع هذا مكتوب: "أيها الرب إله القوات، من هو مثلك؟" (مز 8:89، 6). أيضًا: "من سيكون مثل الله بين أبناء الله". كيف يكونون مثله، ولا يكونون مثله، إلا لأنهم سيكونون مثل هذه الحكمة في الشبه، ولكنهم ليسوا معادلين لها. إنهم مثله، لأنهم يصيرون مطوبين، وليسوا مثله، لأنه هو الخالق، لا يعادلونه حيث أنه غير مُدرك، أما هم فكائنات مدركة. لذلك فليُقل بعدلٍ: "لا يعادلها الذهب ولا الزجاج". فإنه مهما بلغ بهاء القديسين ونقاوتهم فيشرقون، فإن هذا يخص البشر بكونهم حكماء في الله، وأما هو فحكمة الله، إنه أمر آخر...
"ولا تبدل بإناء ذهب إبريز" [17]... فالكنيسة لن تستبدل هذه الحكمة بأوانٍ ذهبية ثمينة وسامية، إذ تتمسك بالمسيح ابن الله، ليس كواحدٍ من الأنبياء، بل رب الأنبياء الواحد.
البابا غريغوريوس (الكبير) * يعطي الابن ذاته حتى أنه هو نفسه بكونه البرّ يُزيل منا الشر، تقدم الحكمة ذاتها لكي ما تحتل موضع الجهالة.
لاَ يُذْكَرُ الْمَرْجَانُ أَوِ الْبَلُّوْرُ،
وَتَحْصِيلُ الْحِكْمَةِ خَيْرٌ مِنَ اللآّلِئِ [18].
لاَ يُعَادِلُهَا يَاقُوتُ كُوشَ الأَصْفَرُ،
وَلاَ تُوزَنُ بِالذَّهَبِ الْخَالِصِ [19].
الحكمة هي رب المجد يسوع الذي هو أثمن من كل اللآلئ والمرجان والبلور وكل ما هو ثمين.
* كثيرًا ما قلنا إن المسيح هو الحكمة والعدل والسلام والفرح والحنو وما هو بقية ذلك. لتلاحظوا أن أسماء كل هذه الفضائل محبوبة حتى من الذين لا يسعون وراءها. ليس من مجرمٍ يعلن في وقاحة أنه لا يحب الحكمة والعدل.
|