رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يريدون الشر والرب يريد الخير فِي الْحَقْلِ يَحْصُدُونَ عَلَفَهُمْ، وَيُعَلِّلُونَ كَرْمَ الشِّرِّيرِ [6]. إذ يشعرون أنهم فوق القانون، يحصدون حقول غيرهم ويقدمون ثمارها علفًا لحيواناتهم. وكأنهم يحسبون حيواناتهم أفضل من أصحاب الحقول، فلا يبالون بجوع أصحاب الحقول المغتصبة، وإن كانت الثمار لا تقدم لبشرٍ بل للحيوانات. يرى البابا غريغوريوس (الكبير)أن الحقل هنا والكرمة يشيران إلى الكتاب المقدس. فالهراطقة يقتطفون عبارات منه ويحرفون معانيها لحساب أهوائهم الخاصة. * "يحصدون حقلًا ليس ملكهم، ويجمعون بالعنف كرمة من يضغطون عليه " [6]. يُشار بالحقل إلى نطاق الكتاب المقدس المتسع، يحصده الهراطقة بكونه ليس ملكًا لهم، إذ يقطفون منه عبارات لتحمل معانٍ بعيدة تمامًا عما تعنيها. هذا ما يوصف أيضًا بلقب "كرمة"، هذه التي تقدم عناقيد الفضائل خلال عبارات الحق. إنهم كمن يضغطون على مالك الكرمة - واضع الكتاب المقدس - بالعنف، إذ يحرفون بالعنف معاني كلمات الكتاب المقدس. وكما قال (الرب): "لكنكم جعلتموني أخدم خطاياكم، أتعبتموني بمعاصيكم" (إش 24:43). وهم يحصدون خمر تلك الكرمة، إذ يحصدون معًا عناقيد عبارات منه بعد أن ينحرفوا بها إلى مفاهيمهم الخاصة. يُمكن أيضًا أن يُفهم بالحقل أو الكرمة الكنيسة الجامعة هذه التي يحصدها الكارزون الفاسدون، ويضغطون على خالقها في أعضائه، "يجمعون معًا الخمر"، بأن يسيطروا على أشخاص يبدو أنهم أبرار. البابا غريغوريوس (الكبير) فيقول Henri de Lubac في كتابه عن أوريجينوس: [لا بُد للمرء أن يتقبل الإيمان بالله, بالروح الذي تعلمنا به الكنيسة. وأن لا يتصرف مثل الهراطقة الذين يبحثون في الكتاب لمجرد العثور على ما يؤكد مذاهبهم الخاصة. ترتفع بهم كبرياؤهم إلى "أعلى من أرز لبنان". سفسطتهم مليئة بالغش. لا فائدة من ادعائهم بأن لهم تقليد ينحدر إليهم من الرسل, فهم أساتذة في الخطأ. ففي حين لا يشرد المسيحي المخلص أبدًا عن التقليد العظيم, فلتأكيد أكاذيبهم يرغبون في جعلنا نعبد "مسيحًا " قد اخترعوه في "قفر"، بينما مسيحنا الحقيقي يكشف عن ذاته "داخل البيت". هم يشوّهون تلك الأوعية الذهبية والفضية, التي هي النصوص المقدسة, ليصوغوها بما يتمشى مع أهوائهم. إنهم لصوص وزناة, يضعون أيديهم على الكلمات الإلهية بقصدٍ واحدٍ, وهو أن يشوهوها بتأويلاتهم المنحرفة. هم مزيفون, إذ قد صكّوامذاهبهم خارج الكنيسة. معلمين كذبة وأنبياء كذبة, يغزلون من بنات أفكارهم ما يقترحونه. إنهم الكذابون الذين تحدث عنهم حزقيال, الذين بتحايلهم المخادع, يطلون أصنامهم - التي هي عقائدهم الجوفاء - بالحلاوة لمن يستمع إليهم, لجعل انحرافهم أكثر تأكيدًا. جميعهم يدعون أن يسوع هو معلمهم ويعانقونه. ولكن قبلتهم هي قبلة يهوذا.] يَبِيتُونَ عُرَاةً بِلاَ لِبْسٍ، وَلَيْسَ لَهُمْ كِسْوَةٌ فِي الْبَرْدِ [7]. مرة أخرى إذ لا يخضعون لقانون يسلبون الآخرين ثيابهم ويطردونهم، فيبيت هؤلاء دون أغطية لتحميهم من البرد القارس. هكذا يبذل الهراطقة كل الجهد لينزعوا عن المؤمنين ثيابهم، أي الشركة الحقيقية مع السيد المسيح، الذي يقول عنه الرسول بولس: "قد لبستم المسيح" (غل 3: 27) "ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كو 3: 10). أيضًا يقول: "و تلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق" (أف 4: 24). "البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس" (أف 6: 11). "فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفا وتواضعا ووداعة وطول أناة" (كو 3: 12). "وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال" (كو 3: 14). *"يطردون أناسًا عراة، ويأخذون ثيابهم، هؤلاء الذين ليس لهم أغطية في البرد" [7]. كما تغطي الثياب الجسم، هكذا تفعل الأعمال الصالحة مع النفس. لذلك قيل: "طوبى لمن يحرس ثيابه ويحفظها، لئلا يسير عاريًا، ويرون عاره" (رؤ15:16). عندما يحطم الهراطقة الأعمال الصالحة من ذهن أحدٍ، ينزعون بكل وضوح ثيابه. حسنًا قيل: "ليس لهم أغطية في البرد"، لأن الغطاء له صلة بالبرِّ، والبرد بالخطية. البابا غريغوريوس (الكبير) وإذ نخلع الإنسان العتيق وأعماله، نلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله (أف 22:4، 24)، ونلهج في ناموس الله نهارًا وليلًا، بعقل متواضع وضمير نقي. لنطرح عنا كل رياء وغش، مبتعدين عن كل رياء ومكر. ليتنا نتعهد بحب الله ومحبة القريب، لنصبح خليقة جديدة، متناولين خمرًا جديدًا... إذًا لنحفظ العيد كما ينبغي . * نحتاج أن نلبس الرب يسوع لكي نستطيع أن نحتفل بالعيد معه. الآن نحن نلبسه عندما نحب الفضيلة، ونعادي الشر... حين نحب البرّ لا الظلم، ونكرم القناعة ويكون لنا قوة الفكر، ولا ننسى الفقير، بل نفتح أبوابنا لكل البشر، ولا ننسى تواضع الفكر ونكره الكبرياء. البابا الأنبا أثناسيوس الرسولي أرجوك أن تخلع الزنا والنجاسة، وتلبس ثوب النقاوة المتألق. إنني أوصيك بهذا قبل أن يدخل العريس يسوع ويتطلع إلى ثوبك. إنني اترك لك زمانًا طويلًا للتوبة. إنها فرصة كافية لكي تخلع وتغسل وتلبس وتدخل! القديس كيرلس الأورشليمي يَبْتَلُّونَ مِنْ مَطَرِ الْجِبَالِ، وَلِعَدَمِ الْمَلْجَأ يَعْتَنِقُونَ الصَّخْرَ [8]. إذ يعمل الأشرار على سلب المؤمنين إيمانهم بالسيد المسيح، ليحرموهم من الثياب الإلهية والغطاء السماوي، يصير هؤلاء المساكين عراة يعانون من أمطار الجبال حيث لا ملجأ لهم يستترون فيه من المطر، ويبحثون عن حجارة يحتضنونها أو صخرة ما لعلها تسترهم من المطر. *"مبللون بأمطار الجبال، ويحتضنون الحجارة لعوزهم إلى ثوبٍ" [8]. أمطار الجبال هي كلمات المتعلمين. عن هذه الجبال عينها قيل بصوت الكنيسة المقدسة: "رفعت عيني إلى التلال" (مز 1:121). هؤلاء الأشخاص يُبللون بأمطار الجبال، هؤلاء الذين يمتلئون إلى النهاية بمجاري الآباء القديسين. وأما الثوب الذي نأخذه كغطاء فهو السلوك الصالح، يتغطى به الإنسان لكي ما يتغطى دنس فساده في عيني الله القدير. هكذا مكتوب: "طوبى للذين غُفرت آثامهم، وسُترت خطاياهم" (مز 1:32) من هم هؤلاء الذين نفهمهم بلقب "الحجارة" إلا الأقوياء الذين في داخل حدود الكنيسة المقدسة، هؤلاء الذين أٌعلن لهم بواسطة الراعي: "كونوا أنتم أيضًا كحجارة حيَّة مبنيين بيتًا روحيًا (1 بط 2: 5). هكذا هؤلاء الذين على أساس سلوكهم العملي ليس فيهم أي تواكل، فيطيرون إلى حماية الشهداء القديسين، ويمارسون الدموع والتوسلات عند رفاتهم المقدسة لينالوا بشفاعتهم مغفرة. ماذا إذن يُفعل هؤلاء بمثل هذا التذلل سوى أن يحتضنوا الحجارة، إذ ينقصهم غطاء الممارسة العملية الصالحة؟ البابا غريغوريوس (الكبير) يَخْطُفُونَ الْيَتِيمَ عَنِ الثُّدِيِّ، وَمِنَ الْمَسَاكِينِ يَرْتَهِنُونَ [9]. في عنفهم يخطف الأشرار اليتيم وهو يرضع من ثديي أمه، ويبحثون عن المساكين ليستخدموهم رهائن. لا يشفقون على الطفل الرضيع أنه يُحرم من أمه، ولا على الأم أن تُحرم من رضيعها أيضًا. يختارون وقتا حرجًا حيث يسلبون الرضيع أثناء رضاعته، ولا يبالون بصرخات وجوعه! لقد قتل فرعون أطفال العبرانيين وهكذا فعل هيرودس بغية قتل الطفل الملك، هذان خطفا الأطفال والرضع عن صدور أمهاتهم بالسيف. يرى البعض أن الظالمين بعد أن يقتلوا الآباء يخطفون الرضع ليحرموهم من أمهاتهم. ويرى آخرون أنهم يخطفون الرضع كعبيدٍ، كما حدث في أيام نحميا (نح 5:5). *"يستخدمون العنف في افتراسهم اليتامى، ويفسدون قطيع المساكين العام" [9]... يستخدم الهراطقة العنف في افتراسهم اليتامى، إذ يهجمون بعنف على عقول المؤمنين الضعيفة بالكلمات والأعمال. أما "قطيع المساكين العام"، فهم الجموع غير المتعلمة، التي لو نالت غنى المعرفة الحقيقية لما نُزع عنها غطاء إيمانها. فالمعلمون الأصليون يشبهون نوعًا من الشرفاء (سيناتور) في داخل حدود الكنيسة المقدسة، يضاعفون المعرفة في القلب، ويزيدون من الغنى الحقيقي الذي فيهم، أما الهراطقة فيفسدون قطيع المساكين العام، حيث يسحبون غطاء الإيمان من غير المتعلمين، فيجعلونهم عرايا خلال كرازتهم المسمومة، بينما لا يقدرون أن يفعلوا هكذا مع المتعلمين. البابا غريغوريوس (الكبير) عُرَاةً يَذْهَبُونَ بِلاَ لِبْسٍ، وَجَائِعِينَ يَحْمِلُونَ حُزَمًا [10]. *"يأخذون سنابل الحنطة من العرايا، ومن الذين يسيرون بلا غطاء، ومن الجائعين" [10]. يقول "عرايا" ثم يكرر الذين يسيرون "بلا غطاء"، إذ يوجد فارق بين أن يكون الشخص عاريًا وأن يسير عاريًا. فكل شخصٍ لا يفعل ما هو صالح ولا ما هو شرير يكون عريانًا وتافهًا. أما من يصنع شرًا فهو "يسير عريانًا"، فإذ ليس له غطاء الممارسة الحسنة يسير في طريق الشر. لكن البعض يعرفون شر بؤسهم، فيسرعون لكي يشبعوا بخبز البرّ، ويجوعوا ليقبلوا أقوال الكتاب المقدس. هؤلاء عندما يتغيرون في الفكر تصير عبارات الآباء لإصلاح أذهانهم كما لو كانت تحمل سنابل حنطة من محصولٍ جيدٍ. وهكذا ينزع الهراطقة سنابل الحنطة من العرايا، ومن الذين يسيرون بلا غطاء، ومن الجائعين. البابا غريغوريوس (الكبير) يَعْصُرُونَ الزَّيْتَ دَاخِلَ أَسْوَارِهِمْ. يَدُوسُونَ الْمَعَاصِرَ وَيَعْطَشُونَ [11]. لا يكف الأشرار عن أن يطأوا بأقدامهم على أولاد الله لكي يذلوهم ويحطموهم. لكنهم لا يدرون أنهم وهم يدوسونهم بأرجلهميتحولالمؤمنون إلى طيب، والى خمر روحي مفرح. ماذا يعني بقوله: "داخل أسوارهم"؟ يود الأشرار أن يذلوا المؤمنين فيطأوا عليهم داخل أسوار المدينة أي يقتحمون مواضعهم، ويهينونهم في بيوتهم. لكن الله يحول المدينة إلى معصرة مقدسة ليشارك المؤمنون مسيحهم المصلوب، القائل: "اجتزت المعصرة وحدي" (إش 63: 3). يدوس الأشرار المعصرة فتفيض المعصرة بخمر يفرح قلب الله ويعتز به السمائيون، أما الأشرار فيخرجون من المعصرة في حالة عطش، لا ينالون شيئًا من عنفهم سوى الفراغ. *"يستريحون في منتصف النهار وسط أكوام (أجران) الظمئ إلى معصرة الخمر المُداس" [11]. كل الذين يضطهدون الكنيسة المقدسة، ماذا يفعلون، سوى أنهم يدوسون المعصرة؟ هذا يُسمح به خلال التدبير الإلهي لكي ما تفيض عناقيد النفس بالخمر الروحي بكونها تتجرد من الجسد الفاسد، فتجري في المواضع السماوية كما في إناءٍ. فبينما يدوس الأشرار على الأبرار، يكونون كمن يضعون عناقيد العنب تحت أقدامهم. البابا غريغوريوس (الكبير) * لا ترجع النفس إلى الله إلا إذا انتزعت من العالم، ولا ينزعها بحق إلا التعب والألم. القديس أغسطينوس |
|