رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلَكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ" [6]. يمكن أن تُفهم عبارة: "ولكن احفظ نفسه"، بمعنى أن تكون للتجربة حدود، وهي حفظ نفسه لا تحطيمها. بمعنى أن التجربة تكشف عن ضعف الإنسان، فيتواضع أمام الله، وتُحفظ نفسه من الكبرياء. أما إذا تعدت حدود طاقة الإنسان، فيسقط في اليأس ويصيبها الإحباط، فتهلك نفسه بسبب عدم إيمانه. وضع الرب حدًا للتجربة: "ولكن احفظ نفسه"، أي لا يبلغ به إلى الموت. كان يطمع الشيطان أن يميته في إحدى لحظات ضعفه بعدما يدفعه إلى التجديف. لكن الله قيَّد الشيطان فلا يقتله. يفسر البعض التعبير "احفظ نفسه" بأنه "احفظ عقله"، بمعنى أنه سمح له بأمراض الجسد دون فقدان قدرته على التعقل والتفكير. يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارة ليظهر مدى ضعف الشيطان، فمع أنه كوحشٍ كاسرٍ، وبلا جسدٍ، لكنه لا يقدر أن يقترب ليجرب إنسانًا يحمل جسدًا إلا بسماح من الله. * "احفظ نفسه"، بمعنى لا تميته. بهذا ليس له سلطان على ذلك ما لم ينل سماحًا به... نفهم من ذلك أن سلطانه مشروط بالسماح له أو الرفض... تعبير "احفظ نفسه" أقوى من "لا تمس حياته". * لا تخف إذن من الشيطان، حتى وهو بلا جسد، حين يقترب من الجسد. فإنه ليس من هو أضعف من ذاك الذي يقترب بهذه الكيفية مع أنه غير ملتحفٍ بجسدٍ، وليس أقوى من ذاك الشجاع الجريء حتى وإن حمل جسمًا قابلًا للموت! القديس يوحنا الذهبي الفم لكن كيف يُقال للشيطان: "لكن احفظ نفسه"؟ إذ كيف يحفظ ذاك الذي يتوق دومًا إلى تحطيم الأمور المحفوظة؟ حفظْ الشيطان له هنا بمعنى عدم تجاسره على التحطيم. وذلك كما نتحدث مع الآب في الصلاة طالبين: "لا تدخلنا في تجربة"، لأن الله لن يُدخل أحدًا في التجربة، إذ يظلل دائمًا برحمته على عبيده ليحميهم من التجربة. مع هذا إن لم يحمنا من إغراءات التجربة يكون كما لو أنه يدخلنا في التجربة. بهذا فإنه بعدم السماح لنا أن نُجرب فوق ما نحتمل يكون كأنه لا يدخلنا في شباك التجربة. بنفس الطريقة كما يقال لله: "لا تدخلنا في تجربة" إن سمح لخصمنا أن يدخلنا فيها، هكذا يُقال عن خصمنا أنه "يحفظ نفسنا" متى التزم ألا يُقهرنا بتجربته. البابا غريغوريوس (الكبير) إنك تعجز عن أن تقول بأن آخر يهاجم حياة أيوب، لأنك أنت تهاجمه يا من أقيمك حافظًا له. ستكون مُدانا إن وضعت كمينًا لحياته. * هنا الحماية الواقية تسير جنبًا إلى جنب مع السماح بالضرب، ويتحقق التدبير الإلهي خلال الحماية، وخلال التخلي عن العبد المختار، فبينما يتخلى عنه يحرسه... هكذا سُلم القديس في يد الخصم (أي 2: 6)، أما نفسه فمحفوظة في يد (الله) معينه، فإنه من ضمن القطيع الذي قال عنه الحق في الإنجيل: "لا يخطفها أحد من يدي" (يو 28:10). علاوة على هذا، فإنهم لا يرون لوسيفر يقوم، هذا الذي قال عنه إشعياء: "لوسيفر الذي قام في الصباح"، ثم يكمل "قُطع إلى الأرض" (إش 12:14)، مشيرًا إلى أنه لا يعود يستعيد كرامته السابقة. بسقوطه من السماء على الأرض أراد دمار الإنسان، لكن الله يُعطي من لا يُخدع سلطانًا أن يدوس على الخائن بقدميه، ويحطمه إلى أجزاء. الأب هيسيخيوس الأورشليمي الأب سيرينوس القديس جيروم * كل من يؤمن يقبله الرب، لكنه يؤدب كل ابن يقبله (عب 6:12). وفي تأديبه له لا يسلمه للموت. لأنه مكتوب: "أدبًا أدبني الرب، وإلى الموت لم يسلمني" (مز 18:118). يعلمنا بولس الرسول ألا نهجر أولئك الذين ارتكبوا خطية للموت، إنما نلزمهم بخبز الدموع (التي للتوبة)، لكن ليكن حزنهم معتدلًا. وهذا هو ما تعنيه عبارة "سقيتهم الدموع بالكيل" (مز5:130). فحزنهم يجب أن يكون بكيلٍ، لئلا يبتلع التائب من فرط الحزن. وذلك كما قال لأهل كورنثوس: "ماذا تريدون أبعصا آتي إليكم أم بالمحبة وروح الوداعة؟!" (1 كو 21:4). إنه يستخدم العصا، لكن بغير قسوة، إذ قيل: "تضربه أنت بعصا، فتنقذ نفسه من الهاوية" (أم 14:23). وماذا يقصد الرسول بالعصا، ظهر عند طعنه خطية الزنا (1 كو 1:5)، منذرًا ضد الفسق بالأقرباء المحرم الزواج بهم، معنفًا كبرياءهم، إذ تكبر هؤلاء الذين كان يلزمهم أن يحزنوا. وأخيرًا في حديثة عن المذنب أمر بعزله عن الجماعة وتسليمه للشيطان، ليس لأجل هلاك نفسه بل لهلاك جسده. وبولس في هذا يقتدي بالله الذي لم يعطِ للشيطان سلطانًا على روح أيوب الطوباوي، بل سمح له بإبلاء جسده (أي 6:2). فبولس سلم الخاطي إلى الشيطان لهلاك الجسد، حتى تلحس الحية تراب جسده (مي 17:7) أما روحه فلا تضرها... وإذا أردنا أن نشرح ما يعنيه بولس الرسول، نتأمل كلماته ذاتها، بأي معنى قال بأن يسلمه إلى الشيطان لهلاك الجسد، لأن الشيطان هو الذي يجربنا، إذ يجلب عللًا وأمراضًا لأجسادنا. فالشيطان ضرب الطوباوي أيوب بقروحٍ مريرةٍ من القدم إلى الرأس، لأنه نال سلطانًا لهلاك جسده، عندما قال له الرب: "ها هو في يدك، ولكن أحفظ نفسه" (أي6:2). هذا أيضًا ما أخذ به الرسول بنفس الكلمات، مسلمًا الزاني إلى الشيطان لهلاك الجسد، لكي تخلص روحه في يوم الرب يسوع (1 كو 5:5). عظيم هو هذا السلطان!! وعظيمة هي هذه العطية، التي بها يهلك الشيطان ذاته بذاته، وذلك بحثه على تجربة الإنسان، إذ يجعله قويًا بالروح بدلًا من أن يكون ضعيفًا. فإذ يضعف جسده تقوى روحه، لأن ضعف الجسد يقاوم الخطية، أما تنعمه فيشعل نار الخطية. لقد خُدع الشيطان، إذ جرح نفسه بضرباته التي وجهها ضد نفسه، محاربًا نفسه بتفكيره في إضعاف الخاطي. هكذا سلح الشيطان أيوب أكثر عندما جرحه. فإذ بلى جسده كله بالقروح، احتمل بالحق ضربة الشيطان دون أن يصيبه شيء من سُمِهِ، وهكذا بحق قيل عنه: "أما لوياثان أفتمسكه بشصٍ... أتلاعبه كالعصفور، وتأسره لعبة لجواريك.. ضع يدك عليه" (أي41: 5). أنظر كيف سخر بولس بالشيطان، فصار كالطفل المذكور في النبوة الذي وضع يده على الحية دون أن تضره. لقد سحبه من خباياه وحول سمه إلى ترياق روحي ضد السموم. محولًا السم دواءً للسم الذي يُستخدم لهلاك الجسد صار علاجًا للروح! إذن لأترك الحية تضرب ما هو أرضي في (جسدي)، أتركها تعض جسدي، وتسبب ازرقاقًا فيه، فسيقول لها البرّ عني: "ها هو في يدك، ولكن احفظ نفسه" (أي 6:2). يا لقدرة الله!! إنه يسلم حفظ نفس الإنسان في يد الشيطان الذي يريد هلاكه...!! فبوصايا السيد جعل الشيطان حافظًا لغنمه، فبغير إرادته صار ينفذ وصايا السماء، وبقسوته يطيع وصايا الوداعة! القديس أمبروسيوس |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
وعدهم أن ينال الجسد نفسه كمالًا تامًا في المستقبل بلا فقدان |
ماذا حدث لايوب |
فقدان الشغف و الإحساس مثل فقدان الروح |
مايوت |
8 إشارات من الجسد تنذرك بأمراض خطيرة لا تتجاهلها |