رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صرخة لأجل الخلاص أَمَّا أَنَا فَلَكَ صَلاَتِي يَا رَبُّ فِي وَقْتِ رِضًى. يَا اللهُ بِكَثْرَةِ رَحْمَتِكَ اسْتَجِبْ لِي بِحَقِّ خَلاَصِكَ [13]. لم يجد المرتل من يرفع إليه شكواه، فقد تكتَّلت كل القوى ضده، وسخر الجميع به، لذا لم يعد أمامه سوى أن يرفع شكواه إلى العرش الإلهي. فإن الطغاة والظالمين لا يقدرون أن يغلقوا هذا الباب أمام المظلومين. يبقى باب العرش الإلهي مفتوحًا، والوقت دائمًا هو وقت رضى، فالله لا يغلق أبواب مراحمه في أوقات معينة. فإن هذه هي مسرته أن يستمع إلى صرخات المظلومين والمضطهدين. الله يود أن يسمع، ليس من أجل استحقاقات الصارخين، ولا من أجل لجاجتهم، وإنما من أجل كثرة رحمته، واهتمامه بخلاص الجميع، وتمتع الكل بالحق الإلهي. "هكذا قال الرب: في وقت القبول استجبتك وفي يوم الخلاص أعنتك" (إش 49: 8). "اطلبوا الرب مادام يوجد، ادعوه وهو قريب" (إش 55: 6). "هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص" (2 كو 6: 2). نَجِّنِي مِنَ الطِّينِ فَلاَ أَغْرَقَ. نَجِّنِي مِنْ مُبْغِضِيَّ، وَمِنْ أَعْمَاقِ الْمِيَاهِ [14]. سبق أن رأينا أن الطين يشير هنا إلى الأشرار، فإن كان الأشرار يضغطون بالاضطهادات على الصديقين لكي يغرقوا، فإن الصديقين من جانبهم يطلبون من الله أن يُحَرِّر نفوسهم حتى لا تسقط تحت قيود الطين، فتتسخ نفسه بالشرور. يقدم الأشرار اتهامات ظالمة، لكي يشوهوا صورته، فيكون كمن هو غارق في الطين، وتحوطه البغضة من كل جانب، فلا يقبل الأشرار أقل من موته والخلاص منه. "ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكًا كثيرًا جدًا فصارت شباكهم تتخرَّق" (لو 5: 7). شباكهم امتلأت سمكًا عن طريق المعجزة، لكي يثق التلاميذ بأن عملهم التبشيري لا يضيع سُدى، وهم يلقون شباكهم على جمهور الوثنيِّين والضالِّين. لكن لاحظوا عجز سمعان ورفاقه عن جذب الشبكة، فقد وقفوا مبهورين صامتين، وأشاروا بأيديهم إلى إخوانهم على الشاطئ ليمدُّوا إليهم يد المساعدة. معنى ذلك أن كثيرين ساعدوا الرسل القدِّيسين في ميدان عملهم التبشيري، ولا زالوا يعملون بجد ونشاط... لازالت الشبكة مطروحة، والمسيح يملؤها بمن يخدمونه من أولئك الناس الغارقين في بحار العالم العاصفة والثائرة، كما ورد في المزامير: "نجِّني من الطين فلا أغرق. نجِّني من مبغضيَّ، ومن أعماق نفسي" (مز 69: 14). البابا كيرلس الكبير لاَ يَغْمُرَنِّي سَيْلُ الْمِيَاهِ، وَلاَ يَبْتَلِعَنِّي الْعُمْق،ُ وَلاَ تُطْبِقِ الْهَاوِيَةُ عَلَيَّ فَاهَا [15]. سبق فأعلن أن جسده قد بلغ إلى أعماق المياه؛ ها هو يطلب ألا تنحدر نفسه إلى أعماق المياه، أي لا تسقط تحت سلطان الأشرار، فيشاركهم شرورهم. يرى المرتل أن الأحزان والمضايقات والاضطهادات قد تكتلت ضده. ليس من يقدر أن ينقذه منها سواء ساكن السماء، فقد انهارت عليه سيول مياه جارفة، وفتحت الأعماق فاهها لتبتلعه، وأبواب الهاوية تتلقفه. *دعونا نفحص خدود العريس ونستمع للعروس التي تتكلم عنها "خداه كخميلة الطيب وأتلام رياحين ذكية" يعني النص أن خديه يشبهان كوبًا للشرب أو آنية ليست عميقة ولا عالية ويعتبر هذا التشبيه مدحًا. فإذا مدح أي شخص نوع من التعليم المفتوح البسيط النقي مثل هذه الآنية فإن عمقه لا يمكن أن نخطئه. كما يقول النبي: "لا يغمرني سيل المياه ولا يبتلعني العمق ولا تطبق الهاوية عليَّ فاها" (مز 15:69). القديس غريغوريوس النيسي * "لا تطبق الهاوية عليَّ فاهها" [15]، لأنها عندما تستقبل الخطاة البائسين دون نوالهم دواء التوبة، تُغلق من فوق وتُفتح من تحت. فيكون في الهاوية طريقًا متسعًا، ولكن لا يوجد تنفّس حُر بعد، حينما تضغط الأبواب من فوق إلى أسفل . الأب قيصريوس أسقف آرل * "إذًا، مَنْ يظن أنه قائمٌ فلينظر أن لا يسقط"، لأنّ الذي سقط له فكرٌ واحدٌ فقط، هو أن يقوم مرةً ثانيةً، أمّا الذي هو قائمٌ ثابتٌ فعليه أن يكون متيقِّظًا حتى لا يسقط. والسقطات لها أنواعٌ مختلفة. والذين سقطوا فقدوا بلا شكٍّ رسوخ أقدامهم. أما الذي احتفظ برسوخ قدميه فينبغي ألاّ يحكم على الذي سقط بأنه أدنى منه، بل عليه أن يخاف على نفسه لئلاّ يسقط ويهلك ويذهب إلى هوّةٍ أعمق. لأنه حيث إنّ صراخه لأجل النجدة يكون مكتومًا بسبب عمق الهوّة، فربما لا يستطيع أن يطلب معونةً، لأنّ الإنسان البار يقول:" (لعل) العمق لا يبتلعني ولا تُطبِق الهاوية عليَّ فاها" (مز 69: 15). القديسة الأم سنكليتيكي اسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ لأَنَّ رَحْمَتَكَ صَالِحَةٌ. كَكَِثْرَةِ مَرَاحِمِكَ الْتَفِتْ إِلَيَّ [16]. صار ملجأ المرتل الوحيد هو مراحم الله الصالحة والفيَّاضة. "التفت إليَّ وارحمني، لأني وَحْدٌ ومسكين أنا" (مز 25: 16). * "استجب لي يا رب، لأن رحمتك عذبة". إنه يقدِّم هذا سببًا لضرورة أن يُستجاب له؛ لأنه عذبة هي رحمة الله... من يسقط في ضيق يلزم أن تكون رحمة الله له عذبة. بخصوص حلاوة رحمة الله، انظروا ما يقوله الكتاب في موضع آخر: "مثل مطر في وقت جفاف، هكذا حسنة هي رحمة الله في الضيق" (سي 17: 28). ما يقوله هناك حسنة (جميلة) يقول عنها عذبة. حتى الخبز لا يكون حلوًا ما لم يسبقه جوع. لهذا فإنه إن كان الرب يسمح لنا بتعب فهو رحوم. فإنه لا ينزع المعونة بل يلهب فينا الشوق إليها. القديس أغسطينوس وَلاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنْ عَبْدِكَ لأَنَّ لِي ضِيقًا. اسْتَجِبْ لِي سَرِيعًا [17]. حَجْب وجه الله يحطم النفس، لأن الله هو مصدر حياتها، تحتاج دومًا إلى عنايته الإلهية، والتمتع بالشركة معه. حَجْب الوجه هو موت للنفس لذا يصرخ طالبًا النجدة، لا بإزالة الاتهامات الظالمة والضيقات وإنما بظهور وجهه الإلهي عليه. * إنني في ضيق، حزني قد تقدَّم، فلتتبعه رحمتك. القديس أغسطينوس اقْتَرِبْ إِلَى نَفْسِي. فُكَّهَا. بِسَبَبِ أَعْدَائِي افْدِنِي [18]. غالبًا ما يشعر الإنسان في لحظات الضيق كأن الله قد ابتعد عنه، وسلَّمه لمضايقيه، أو للضيقات. هنا يصرخ المرتل إلى الله لكي يقترب من نفسه ويفكها، أي يخلِّصها. يشعر المرتل كأن الأعداء قد وضعوا نفسه في موقف لا يمكن لإمكانيات البشرية أن تحلها، فمن أجل هؤلاء الأعداء القساة يتدخل الله بكونه المخلص الوحيد. تدَّخُل الله بمراحمه ونعمته هو الدرس العملي ليدرك الأعداء أن حكمتهم وقدرتهم وسلطانهم كلا شيء أمام الله. في موضع آخر يصرخ داود النبي: "إلى متى تنساني كل النسيان؟ إلى متى تحجب وجهك عني؟ إلى متى أجعل همومًا في نفسي، وحزنًا في قلبي كل يوم؟ إلى متى يرتفع عدوي عليَّ؟ انظر واستجب لي يا رب إلهي... لئلا يقول عدوي قد قويت عليه، لئلا يهتف مضايقي بأني تزعزعت" (مز 13: 1-4). يطلب المرتل من الله أن يقترب من نفسه ليحلها من رباطاتها، ويخلصها بسبب أعدائها. هنا يرى القديس أغسطينوس أن هذه الطلبة عجيبة، وأن الخلاص إما أن يكون خفية أو علنًا فالله لم ينقذ أجساد الإخوة المذكورين في سفر المكابيين (2 مك 7) من نار المُضطهِدين، بينما أنقذ أجساد الثلاثة فتية المذكورين في سفر دانيال (دا 3: 26). أنقذ نفوس المجموعة الأولى سرًا، وأنقذ أجساد المجموعة علانية. يرى القديس أغسطينوسإنه لو طبقنا هذا على شخص السيد المسيح، فإنه سمح له أن يخلِّص نفسه سرًا، حيث نزل إلى جحيم وتمم رسالته من جهة الذين كانوا مسبيين، ولكن من أجل الأعداء المقاومين خلص جسده أيضًا حيث قام من الأموات وصعد إلى السماوات، فلم يرَ جسده فسادًا. أَنْتَ عَرَفْتَ عَارِي وَخِزْيِي وَخَجَلِي. قُدَّامَكَ جَمِيعُ مُضَايِقِيَّ [19]. كثيرًا ما يشير الكتاب المقدس إلى عار الصليب الذي في حقيقته هو قوة الله للخلاص. وإذ يرتبط المؤمنون- كجسد المسيح- بالمصلوب، يضايقهم العالم، متهمًا إياهم بالعار والخزي والخجل. يُميِّز القديس أغسطينوس بين هؤلاء الثلاثة، متطلعًا إلى العار بكلمات الاستخفاف التي تصدر ضدهم. والخزي هو اتهامهم أنهم بلا ضمير، أو تصرفاتهم تنخر في الضمير، وأما الخجل فهو أن تصرفاتهم تسبب احمرارًا لوجه. ما هي جريمة المسيحيين- أعضاء جسد المسيح- التي تسبب عارًا وخزيًا وخجلًا؟ يقول القديس أغسطينوس: [يُوَجَّه الاتهام ضد المسيحيين، والجريمة الحقيقية هي أنهم مسيحيون.] عانى داود النبي الكثير من شاول الملك، كما من ابنه أبشالوم المتمرد. أما بخصوص ما لحق بالسيد المسيح من إهاناتٍ وعارٍ وخزيٍ فقد قيل عنه: "أما أنا فدودة لا إنسان، عار عند البشر، ومحتقر الشعب. كل الذين يرونني يستهزئون بي. يفغرون الشفاه، وينغضون الرأس، قائلين اتكل على الرب فلينجه، لينقذه لأنه سُرّ به" (مز 22: 6-8). "من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب، مستهينًا بالخزي" (عب 12: 2). "قدامك جميع مضايقي" [19]. ما أشتكي منه ليس افتراءً، فأنت يا الله العالم بكل شيء، وما يفعله الأعداء الأشرار في الخفاء منظور بالنسبة لك. كان داود يشعر أنه يشبه حَمَلًا لا حول له، وقد التف حوله ذئاب لا عدد لها. الْعَارُ قَدْ كَسَرَ قَلْبِي فَمَرِضْتُ. انْتَظَرْتُ رِقَّةً فَلَمْ تَكُنْ وَمُعَزِّينَ فَلَمْ أَجِدْ [20]. حتى النساء عندما بكين لما رأين آلام السيد المسيح، قال لهن: "يا بنات أورشليم لا تبكين عليَّ، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن" (لو 23: 28). بلا شك أن الضيق والشعور بالظلم يسبب انكسارًا للقلب، ويؤدي إلى إصابة الجسد بالمرض. فالدواء أو العلاج هو وجود معزٍ رقيق المشاعر، يشاركه آلامه. لكن من يستطيع أن يدخل قلب المتألم ويواسيه مثل الله الكلي الحب والحنو؟ يظن بعض الدارسين أن موت السيد المسيح السريع كان بسبب شدة الحزن والضيق، الأمر الذي سبب انكسارًا لقلبه. لكن حقيقة موته- مهما تكن الأسباب- فهي بناء على سلطانه أن يضع نفسه وأن يأخذها، فقد قبل العار والخزي كما قبل الآلام الجسمانية بإرادته من قبل حبه للبشرية، ولأجل خلاص العالم. إذ تأنس قبل الآلام جاء عنه: "فصرخ يسوع أيضًا بصوتٍ عظيم، وأسلم الروح" (مت 27: 50؛ راجع مر 15: 37؛ لو 23: 46). "وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوتٍ عظيمٍ، قائلًا: ألوي، ألوي، لما شبقتني. الذي تفسيره: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" (مر 15: 34). "ومعزين لم أجد"، بقدر ما تكاتلت كل القوى المعادية ضده، لم يكن حوله أحد من المعزين. فقد خانه أحد تلاميذه، وأنكره آخر، وتركه الكل في اللحظات المُرَّة. حتى في البستان لم يستطع التلاميذ أن يسهروا معه ساعة واحدة. يقول في إشعياء النبي: "قد دُست المعصرة وحدي، ومن الشعوب، لم يكن معي أحد" (إش 63: 3). على الصليب، إذ حمل خطايانا، شعر كلمة الله المتجسد كأن الآب قد حجب وجهه عنه. هذه الصورة من التخلي عنه من الجميع فريدة، داود النبي لم يعانِ منها هكذا. * تطلع النبي بعينيّ النبوة إلى يسوع المتألم فرآه آتيًا من آدوم بثياب حُمر فسأله: "ما بال لباسك مُحمرّ وثيابك كدائس معصرة" (إش 63: 2). رأى لباسه قد أغرق بالدماء، وثيابه كمن قد اِجتاز معصرة، فانسكبت دماؤه كلها. وقد صور يسوع نفسه حاله على لسان أنبيائه فقال: "قد دُستُ المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد" (إش 63: 3). "اِنتظرتُ رقَّة فلم تكن، ومعزِّين فلم أجد" (مز 69: 20). "أحاطت بي ثيران كثيرة. أقوياء باشان اِكتنفتني. فغروا علي أفواههم كأسد مفترس مزمجر. لقد أحاطت بي كلاب جماعة من الأشرار اِكتنفتني" (مز 22: 12، 13، 16). "فنظرت ولم يكن معين وتحيرت إذ لم يكن عاضد" (إش 63: 5). ربي... لقد اِجتزتَ المعصرة وحدك... أُهرق دمك الزكي وليس من يدافع ولا من يترفق! القديس مار يعقوب السروجي * الذين يقابلوننا في الطريق - الآتون إلينا من الشرق أو من أرمينيا أو من أية بقعة في الأرض - تنساب دموعهم كالنهر كلما رأونا، كانوا ينوحون وهم يرافقوننا في الطريق في أنينٍ! أقول هذا لكي تعرفي أن لي أحباء كثيرين، يشاركوننا عذابنا، وهذه تعزية كبيرة لنا. فلو أن الأمر على خلاف ذلك لكان الوضع ثقيلًا يصعب احتماله، وهذا ما يشتكي منه النبي قائلًا: "انتظرت إنسانًا يشاركني آلامي فلم يكن، ومعزِّين فلم أجد" (مز 69: 20). يا لها من تعزية عظيمة أن يجد الإنسان العالم كله يشاركه أحزانه...! إننا نجد أيضًا في ذكرى الآلام مصدرًا للفرح المستمر. إذ تفكرين في هذا انزعي عنكِ غيم الحزن، واكتبي لي باستمرار عن صحتك. تأملي هذا أن الأمور المفرحة والمحزنة في الحياة الحاضرة تعبر جميعها. فإن كان الباب ضيقًا والطريق كربًا، فإنه مهما يكن الأمر فهو طريق! اذكري هذه العبارة التي كررتها لك كثيرًا: "إن كان الباب واسعًا والطريق رحبًا فإنه هو أيضًا مجرد طريق" (راجع مت 7: 13). عندما تتركين الأرض وتنحلين عن الجسد، ابسطي جناح الحكمة، حتى لا يهلكك سواد الدخان. إنها أمور أرضية، لا تنسحبي إلى الأرض! إن رأيتي ظلمًا كثيرًا صنعوه بنا، وقد سيطروا على العاصمة، وتمتعوا بكرامات، وساروا في مواكب الحرس، رددي هذه العبارة "واسع هو الباب ورحب هو الطريق الذي يؤدى إلى الهلاك". بالأحرى أبكي عليهم. ونوحي من أجلهم! إنهم يصنعون آثامًا في العالم، وعوض تفكيرهم في خطاياهم يتمتعون باحترامات الناس. سيذهبون ومعهم احترامات الناس بكونها جزاءًا قد نالوه! القديس يوحنا الذهبي الفم * إذا أذابت الحرارة الشمع فإنّ البرودة تكون سببًا في صلابته. فإذا جعل المديح النفس تفقد عافيتها، إذًا فمن المؤكَّد أنّ التوبيخ والإهانة يقودان النفس بكل تأكيد إلى قمم الفضيلة. يقول الكتاب: "اِفرحوا وتهللوا... إذا قالوا عليكم كل كلمةٍ شريرةٍ من أجلي كاذبين" (مت 5: 12-11)، وفي مكانٍ آخر: "في الشدّة فرّجتَ عني" (مز4: 1 حسب السبعينية)، وأيضًا: "انتظرَت نفسي انتهارًا وإذلالًا" (مز 68: 20 حسب النص). وتوجد أيضًا آيات لا حصر لها مثل هذه في الكتاب المقدس نافعة للنفس. القديسة الأم سنكليتيكي وَفِي عَطَشِي يَسْقُونَنِي خَلًا [21]. هذا لم يحدث مع داود النبي، لكنه حدث حرفيًا مع السيد المسيح عند صلبه، كما ورد في الإنجيل المقدس. يرى البعض أنه قُدم له على دفعتين أو ربما على ثلاث دفعات. أ. قدموا له خلًا ممزوجًا بالمر (مت 27: 34). ب. قدموا له خلًا غير مضاف إليه مُرّ (مت 27: 48). ج. ربما قدم له خمر ممزوج بمرٍ. كان شرب الخل شائعًا بين الجنود الرومان، أما الخمر الممزوج بالمُر فبين اليهود. وهذا كله كان يُقدَّم من أجل التخفيف عن الآلام التي للصلب غير المحتملة، لكن هنا في المزمور ورد ذلك كنوعٍ من الاستخفاف والسخرية، وليس كنوعٍ من الشفقة على المصلوب. ورد في لو 23: 36، أنه قُدم له كنوعٍ من السخرية. ورد المُر gall في النسخة العبرية للكتاب المقدس 11 مرة، 8 مرات جاءت بمعنى المُر، ومرة بمعنى السم، ومرة بمعنى حقد venom، ومرة بمعنى الشوكران hemlock، وهو نبات يُستخرج من ثمره شراب سام. هذا المر غير مستخرج من كبد حيوانات، وإنما من نباتات أو من جذورها (تث 29: 18). رأينا في حديثنا عن صوم السيد المسيح، أنه كان جائعًا وعطشانًا لإيمان الناس به لأجل خلاصهم. لقد عطش، فقدموا له خلًا، الذي معناه "قديم". يطلب للبشرية التجديد المستمر ليحملوا بالإيمان صورته، لكنهم مصرون على تقديم الخل، أي الحياة القديمة. * كنت عطشانًا، فقدموا لي خلًا، بمعنى كنت مشتاقًا لإيمانهم، ولكنني وجدت فيهم القدم (الإنسان القديم لا الجديد). القديس أغسطينوس * هكذا تكلم أيضًا داود النبي مشيرًا إلى الصليب قائلًا: "ثقبوا يديَّ ورجليَّ" (مز 22). لم يقل "سيثقبون"، بل "ثقبوا"، و"أُحصي كل عظامي" (مز 22: 17). ويصف أيضًا ما يحدث بين الجنود قائلًا: "مقتسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون" (مز 22: 18). وأشار أيضًا إلى تقديمهم المر إليه ليأكل، وخلًا ليشرب فقال: "ويجعلون في طعامي علقمًا، وفي عطشي يسقونني خلًا" (مز 69: 21). القديس يوحنا الذهبي الفم * بالرغم من احتمال كل هذه الآلام إذ جاء لخلاص الجميع إلاّ أن الشعب (اليهودي) جازاه مجازاة شريرة. قال يسوع "أنا عطشان". هذا الذي أخرج لهم الماء من الصخرة الصماء، يطلب ثمر كرمته التي زرعها، فماذا فعلت كرمته؟ هذه الكرمة التي بحسب الطبيعة هي من الآباء القديسين، لكنها بحسب قلبها مثل سدوم. "لأن جفنة سدوم جفنتهم، ومن كروم عمورة" (تث 32: 32). قدمت هذه الكرمة لسيدها إسفنجًا مغموسًا خل فوق قصبة. "ويجعلون في طعامي علقمًا، وفي عطشي يسقونني خلًا" (مز 69: 21). ها أنت ترى وضوح النبوة وصفاءها! لكن أي نوع من العلقم وضعوا في فمه؟ "أعطوه خمرًا ممزوجًا بمرّ" هذا المر طعمه كالعلقم شديد المرارة. أبهذا تجازي الرب أيتها الكرمة؟! أهذه تقدمتك له؟! بالحقيقة قال إشعياء في القديم مولولًا عليك: "كان لحبيبي كرم على أكمة خصبة. فنقبّه ونقّىّ حجارته وغرسه كرم سورق... فانتظر أن يصنع عنبًا (إذ عطش طالبًا عنبًا) فصنع شوكًا" (راجع إش 5: 1-2). هل رأيت الإكليل التي تزينت به؟! لكن ماذا أفعل؟ "سأوصي السحب أن لا تمطر عليه مطرًا" (راجع إش 50: 6). لأن السحب هي الأنبياء الذين نُزعوا من بينهم وصاروا للكنيسة... القديس كيرلس الأورشليمي * لقد قبَّل يهوذا ليس لأن المسيح يعلمنا أن نتظاهر، وإنما يعلمنا أنه لم يرد أن يهرب من الخائن. لهذا لم يحرم يهوذا من تقديم التزام الحب له. مكتوب: "كنت رجل سلام مع الذين يبغضون السلام" (مز 69: 21 LXX). القديس أمبروسيوس * من بين الأمور الأخرى التي تنبأوا بها عنه، مكتوب: "يجعلون في طعامي علقمًا (سمًا)، وفي عطشي يسقونني خلًا" (مز 69: 21). نحن نعرف في الإنجيل كيف حدثت هذه الأمور. أولًا قدموا علقمًا. أخذه وذاقه وتفله. فيما بعد وهو على الصليب معلقًا فلكي تتحقق هذه النبوات قال: "أنا عطشان" (يو 19: 28). أخذوا إسفنجة مملوءة خلًا ووضعوها على قصبة، وقدموها له حيث كان معلقًا. أخذها وقال: "قد أكمل" (يو 19: 30). ماذا يعني: "قد أكمل"؟ كل ما قد تنبئ له قبل آلامي قد تحقق. القديس أغسطينوس |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لنتوقع مجيء الرب لأجل الخلاص النهائي |
مزمور 83 | صرخة لله |
مزمور 71 | صرخة قلب |
مزمور 44 - صرخة من أجل الخلاص |
أيها الاب ملجأ الخلاص للبائسين إرحمنا |