يقول الكتاب: "فسمع المصريون وسمع بيت فرعون"... سمعوا صوت البكاء مع صرخة يوسف لكنهم لم يفهموا ما يحدث في الداخل: هل هو بكاء الفرح أم الدهشة أم الحزن؟! لقد كانوا كالحراس عند القبر شاهدوا بهاءً شديدًا وأحسوا بالزلزلة لكنهم لم يكونوا قادرين على معرفة سرّ قيامة السيد المسيح ولا قبوله فيهم، إذ هم في الخارج! أقول إنهم كانوا كالمرافقين لشاول الطرسوسي الذين شاهدوا بهاءً شديدًا وصوتًا من السماء لكنهم لم ينعموا بفهم صوت القائم من الأموات ولا عاينوه... إنما كان اللقاء مع شاول وحده.
"قال يوسف لإخوته: أنا يوسف"... وكأنه يرمز إلى السيد المسيح الذي قال من السماء: "أنا يسوع الذي أنت تضطهده، صعب عليك أن ترفس مناخس" (أع 9: 5). وكما ارتاع إخوة يوسف من هذا اللقاء، ارتاع أيضًا شاول وتحير!
ليتنا نسمع صوت يوسفنا الذي بعناه بخطايانا: أنا يوسف أخوكم الذي أحببتكم وقدمت لكم كل حنو، فبعتموني بفضة غاشة! أنا يوسف الذي دفعتموني إلى المذلة... "لا تتأسفوا ولا تغتاظوا لأنكم بعتموني إلى هنا، لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم" [5]. بعناه بالفضة الغاشة، فإذا به يُصلب ليهبنا حياة أبدية.
أقول ليتنا لا نخاف من اللقاء مع ربنا يسوع القائم من الأموات فإنه رقيق غاية الرقة حتى في عتابه معنا!
إذ أعلن ذاته لهم، قال: "أحيّ أبي بعد؟!" [3]. لقد عرف منهم قبلًا أنه حيّ، لكنه يسأل في دهشة، وكأنه يقول: كيف احتمل أبي التجربة؟! ألعله ينتظر مترجيًا أن يراني إنما ليكشف لنا أن ما يشغل فكر يوسفنا الجديد حين نلتقي به خلال القيامة هو تقديم ذبيحته الكفارية طاعة للآب الذي هو "حيّ" ويشتاق أن يهب حياة لكل إنسان.
"فلم يستطع إخوته أن يجيبوه لأنهم ارتاعوا منه" [3]. ما هو سرّ خوفهم؟ لقد رأوا يوسف كمن قد مات وقام! لم يكونوا يتوقعون رؤية أخيهم بعد، خاصة في هذا المجد العظيم. ولعلهم تذكروا أحلام يوسف التي استهانوا بها وسخروا بها، واليوم تتحقق في أروع صورة! أو لعلهم حسبوا أنفسهم قد وقعوا في فم الأسد، فالذي ألقوا به في الموت بلا رحمة قد قام فجأة يحمل السلطان!