الْيَوْمَ كُلَّهُ يُحَرِّفُونَ كَلاَمِي.
عَلَيَّ كُلُّ أَفْكَارِهِمْ بِالشَرِّ [ع5].
يتعجب داود النبي مما يفعله الأشرار المحيطون بشاول، فيحرِّفون تصرفاته وكلماته بافتراءات: "وقال داود لشاول: لماذا تسمع كلام الناس القائلين هوذا داود يطلب أذيتك" (1 صم 24: 9). لقد اتفق الأشرار معًا في التفكير بالشر ضد داود لأجل أذيته. "كل مبغضي يتناجون معًا عليّ؛ عليَّ تفكروا بأذيتي" (مز 41: 7).
إن كان داود النبي يفتخر بكلام الله ووعوده الصادقة الأمينة، فإنه يشتكي من كلام الأشرار وأفكارهم الخفية فإنها متغيرة وملتوية، تنصب الشباك لاصطياد الصديقين وافتراسهم.
إذ ينطق المؤمن بكلمات الحق، ماذا يتوقع من الأشرار مبغضي الحق؟ "اليوم كله يحرفون كلامي". إنهم يقاومون الحق الذي ينطق به المؤمن الحقيقي وتتحول كل أفكارهم للتخطيط ضده.
* هكذا هم (يحرفون كلامنا)، لتعلموا هذا. تكلموا بالحق، اكرزوا بالحق، اعلنوا عن المسيح للوثنيين، أعلنوا عن الكنيسة للهراطقة، أعلنوا عن الخلاص لكل البشر. إنهم يقاومون ويحرفون كلماتي. وحينما يحرفون كلماتي، من يقاومون سوى ذاك الذي أفتخر بكلامه؟ "اليوم كله يحرفون كلامي" [5]... عندما يرفضون الكلمات، عندما يبغضونها، فإن هذه الكلمات يفيض منها الحق، فماذا يفعلون بذاك الذي ينطق بها؟ ماذا يفعلون سوى ما جاء بعد ذلك: "عليَّ كل أفكارهم بالشر" [5]. إن كانوا يبغضون الخبز نفسه، فماذا يفعلون بالسلة التي بها يُخدم الخبز...؟ إن كانوا قد صاروا ضد الرب نفسه؛ ليت الجسد لا يستنكف مما قد حدث مع الرأس، حيث يلتصق الجسد بالرأس. لقد استخفوا بربك، فهل تنتظر أن تُكرم بواسطة أولئك الذين صاروا غرباء عن القديسين؟ لا ترغب لنفسك إن تطالب بما لم يطالب به ذاك (المسيح) قبلك. "ليس التلميذ أفضل من المعلم، ولا العبد أفضل من سيده. يكفي التلميذ أن يكون كمعلمه، والعب كسيده. إن كانوا قد لقبوا رب البيت بعلزبول، فكم بالحري أهل بيته" (مت 10: 24-25).
القديس أغسطينوس
يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن المرتل هنا يشير إلى اليهود الذين يشوّهون كلمات ربنا يسوع ليصطادوه بكلمة، ويسلموه للحاكم. وبعد صعوده استخدموا نفس الأسلوب مع الرسل والتلاميذ. هذا ما نلاحظه في خطاب الرسول بولس في أيامه الأخيرة، إذ قال لوجوه اليهود عند وصوله إلى روما: "أيها الرجال الإخوة مع أني لم أفعل شيئًا ضد الشعب أو عوائد الآباء، أُسلمت مقيدًا من أورشليم إلى أيدي الرومانيين" (أع 28: 17).
* إن الله كثير الرحمة لكل الداعين إليه، ومراحمه على كل أعماله (مز 145: 9). تأملوا في العالم ترون ذلك من تلك التأثيرات الظاهرة في كل مكان. فتشوا الكتاب المقدس، تجدوا آدم وحواء عريانين خائفين، ورحمة الله متجلية بشعائر المحبة، وتدعوهما كأم حنون لتكسوهما وتطمئنهما.
القديس يوحنا الذهبي الفم