رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مدينة الملك العظيم: "عظيم هو الرب؛ ومسبح جدًا في مدينة إلهنا على جبله المقدس" [1]. يرى البعض أن هذا المزمور هو منجم يحوي ألقابًا ثمينة للكنيسة، مدينة الله: (مدينة إلهنا، جبله المقدس، جبال صهيون، جوانب الشمال، مدينة الملك العظيم، مدينة رب القوات الخ...) كل لقب يكشف عن جانب من جوانبها الحية. * مدينة إلهنا... أي المدينة التي نلتقي فيها مع الله بكونه إلهنا المنتسب إلينا، نلتقي به خلال علاقات شخصية، بدخولنا معه في عهد وميثاق. فالكنيسة هي التقاء الله مع شعبه الخاص ليوقّع بآخر قطرة من دمه الثمين على ميثاق الحب الذي أُعلن بالصليب. * جبله المقدس... هي مدينة الله القدوس، لذا ترتفع كالجبل، تشهد أمام الكل بقداسته خلال ممارستها الحياة المقدسة وشركتها معه. إنها كالجبل الذي لن تهزه عواصف التجارب! * جبال صهيون... (صهيون تعني حصنًا)؛ إنها الجبال التي نجد فيها حصانة بالله حصننا وسورنا! * جوانب الشمال... يرى البعض أنها إشارة إلى السحاب القادم على أورشليم، فتعطيها خصوبة وثمارًا. ويرى آخرون أن الشمال يشير إلى الأعداء حيث كان الآشوريون على شمالهم، فهي مدينة مُحاربة من الأعداء على الدوام، لكنها غالبة ومنتصرة. * مدينة الملك العظيم... حيث يتربع فيها ملك الملوك، ليقيم من شعبه ملوكًا وكهنة لله أبيه (رؤ 1: 6). * مدينة رب القوات... مرهب كجيش بأولية (نش 6: 4، 10) تحت قيادة الرب نفسه واهب النصرة. واضح أن جمال الكنيسة وقداستها ونصرتها يقوم على انتسابها لله الساكن فيها، والذي يتربع في داخلها كملك. لقد نزل السماوي إلى العالم ليقيم كنيسته مجيدة بلا عيب ويؤهلها للحياة السماوية، لهذا يُسبح المرتل لله قائلًا: "عظيم هو الرب؛ ومسبح جدًا في مدينة إلهنا على جبله المقدس" [1]. * عظيم هو الرب في الجوهر والقدرة والعمل، لذلك تسبحه خلائقه الناطقة. وأما مدينته ففيها صار جلاله معروفًا للكل... ولأنه تصرف فيها بنفسه، وصنع تدبير تجسده فقال إنها مدينته وجبل قدسه. أيضًا يُقال مدينته للساكنين بسيرة مرضية أمامه. وكنيسته المقدسة هي أيضًا مدينته لسكناه فيها. وهي جبل قدسه لما فيها من علو شرف المعتقدات الإلهية، كأنها قائمة للبناء على جبلٍ عالٍ، يراها كل ذي بصيرة فيتخذها منهجًا لخلاصه. الأب أنثيموس أسقف أورشليم دُعيت مدينة لأنها تضم جماعة المؤمنين، فهي لا تقوم على فرد معين أو أفراد بل هي مسكن الله مع جميع المؤمنين منذ آدم إلى أخر الدهور، كل يتمتع بلقاء شخصي ومعاملات شخصية مع الله دون اعتزاله الجماعة المقدسة. عُزله الإنسان لجماعة المؤمنين تحول قلبه من مدينة الله إلى قفر، فإن المدينة التي لا يوجد فيها إلا شخص واحد هي أقرب إلى الخراب مهما كانت إمكانياتها. يرى الأب مار اسحق السرياني أن الذي يلتقي مع الله خلال دائرة الحب، يقيم الله ملكوته فيه ويتجلى في داخله، كما يلتقي مع ملائكة الله وقديسيه. دُعيت أيضًا جبله المقدس لأجل رسوخها في الإيمان وثباتها، لا تقدر التجارب أن تزعزعها؛ كما تُشير إلى سمو عقائدها وحياتها. وقد رآها دانيال النبي جبلًا عظيمًا جدًا يملأ الأرض، انطلقت خلال الكرازة بالسيد المسيح حجر الزاوية المقطوع بغير أيدٍ وقد نما هذا الإيمان في كل المسكونة. * لقد وُجد حجر زاوية معين مرذول، بينما تعثَّر فيه اليهود، قُطع بغير أيدٍ من جبل معين، أي جاء من مملكة اليهود بغير أيدٍ، لأنه لم تكن ولادة المسيح من مريم بزرع بشر... ماذا تقول نبوة دانيال إلا ذاك الحجر الذي نما وصار جبلًا عظيمًا؟ أية عظمة؟ لقد ملأ وجه الأرض كلها. إذ نما وملأ وجه الأرض بلغ ذلك الجبل إلينا. فلماذا إذن نطلب نحن الجبل كأنه غائب وليس كحاضر نصعد إليه؟! ليصير الرب فينا "عظيمًا"، ومُسبح جدًا. القديس أغسطينوس "أحسن أصلها بهجة لكل الأرض، جبال صهيون، جوانب الشمال، مدينة الملك العظيم" [2]. إذ رأى في كنيسة العهد الجديد المدينة التي يجتمع فيها الله بشعبه والجبل الذي ملأ الأرض وقد حمل قداسته وبره يعلن عن بهائها وجماله، وعن دورها كبهجة كل الأرض. يرفضها العالم ويرذلها ويهينها ويضطهدها طالبًا الخلاص منها، أما هي فكعريسها بجماله الروحي تعلن حبها للعالم، تعمل كخامة باذلة، لكي تجتذب حتى المضايقين إلى فرح الرب وبهجته. إنها تكرز بالحياة الإنجيلية، بالأخبار السارة التي تحقق خلاصنا في استحقاقات الصليب، وتكشف عن الحب الإلهي المُسجل بالدم الثمين المبذول، لتدخل بالكل كأبناء لله الآب، وتهبهم عطية الروح القدس واهب الحياة والقداسة. إنها تدخل بالأمم إلى العرش السماوي، إلى الفرح الأبدي كعذارى حكيمات، لكنهن لسن مدللات ولا متراخيات، وإنما كجبال شامخة، لذا يدعوهن "جبال صهيون" * صهيون هي جبل واحد، فلماذا يقول: "جبالًا"؟ ذلك لأن صهيون تنتمي أيضًا إلى القادمين من كل جانب، ليلقوا معًا على حجر الزاوية، ويصيروا حائطين، كما لم كانا جبلين، واحد من الختان والآخر من الغرلة؛ واحد من اليهود والآخر من الأمم، ومع التنوع لا يوجد اختلاف، أنهم جاءوا من جهات متنوعة والآن هم في الزاوية (معًا)... القديس أغسطينوس تجتمع الكنيسة كلها معًا، مع ما فيها من تنوع في المواهب والقدرات والإمكانيات، باتحادها معًا في حجر الزاوية ربنا يسوع، ليبعث إليها روحه القدوس كسحاب ذهبي يفيض عليها بمياه الحياة لتحولها إلى جنات تحمل ثمر الروح. * تأتي سحب ذهبية اللون من الشمال؛ عظيم هو مجد القدير وكرامته! عظيم هو مجد الطبيب، الذي يشفي المريض اليائس. "من الشمال تأتي السحب"، ليست سحبًا داكنة ولا مظلمة ولا سفلية بل ذهبية اللون. أليس إلا أنها تستنير بالمسيح؟ أنظر فإنه من جوانب الشمال مدينة الملك العظيم. القديس أغسطينوس مادامت الكنيسة على الأرض تبقى مُحاربة كما من الشمال، كما فعل الآشوريون الذين جاءوا إلى أورشليم لمحاصرتها وسبيها... لكنها تبقى الكنيسة "مدينة الملك العظيم" التي لا تُحطمها هجمات العدو المتتالية. وللشمال أيضًا معانٍ أخرى كما سنرى: * يدعوها النبي "جوانب الشمال"، وذلك لأجل استتارها لصغرها كاختفاء جوانب الشمال، إذ تخفيها شوامخ الجبال... وأيضًا لأن الآشوريين الذين كانوا يمارسون السطوة بالقتال ضد اليهود، وكانت بلادهم من ناحية الشمال... فمع كونها محاربة من أهل الشمال لم تكف عن أن تكون مدينة الملك العظيم. وأيضًا يدعو الأنبياء الأمم "أهل الشمال"... بمعنى أن الأمم المدعوين أهل الشمال مزمعون أن يصيروا مدينة الملك العظيم ومسكنه لقبولهم الإيمان بالمسيح. وأيضًا لأن الشريعة القديمة قد أمرت بأن يُذبح حمل الذبيح في جانب المذبح من ناحية الشمال. فكان ذلك رمزًا لحمل الله ربنا يسوع المسيح الذي ذُبح لأجل مغفرة خطايا العالم، هذا الذي يشمل بنظره الأمم ويجعلهم خاصته، ومدينته الحصينة يحوطها بجبال ثابتة، أي بالرسل القديسين والملائكة الحارسين. الأب أنثيموس الأورشليمي تظهر الكنيسة كمدينة الله الملك العظيم وقصره، أما المؤمنون فيظهرون بكونه شرفاته التي من خلالها يظهر الملك بكل أعماله العجيبة، خاصة عهده مع كنيسته، بل ومع كل عضو فيها، يتهم بها كجماعة مقدسة وكأعضاء، كمدينة واحدة وكشرفات عديدة، يقصد الكل بكلمته ووعوده، وبعمله الخلاصي على الصليب، ويهتم بمن لا معين لهم... فهو أب الأيتام وقاضي الأرامل ومنصف المظلومين. "الله يُعرف في شرفاتها إذا ما هو نصرها" [3]. |
|