رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التمتع ببيت الخلاص: إذ صرخ المرتل إلى الله إلهه ومخلصه وقوته معلنًا أنه يبقى سائرًا في الطريق الملوكي بالرغم من محاصرة الأحزان له ومضايقات الأعداء المستمرة له... الآن يطلب الله نورًا له يهديه إلى كنيسته بكونها بيته المقدس، بيت الخلاص. "ارسل نورك وحقك فإنهما أهديانني وأصعداني إلى جبلك المقدس وإلى مسكنك (خيامك)؛ فأدخل إلى مذبح الله تجاه وجه الله، الذي يفرح شبابي" [3-4]. أ. ما هو النور والحق اللذان يهديانني ويرتفعان بي للبلوغ إلى القمة جبل الله إلا السيد المسيح الذي هو "نور العالم" وهو "الحق". كثير من الآباء يرون أن النور هو الحب، والظلمة هي البغضة أو الكراهية؛ وكأن السيد المسيح وهو النور والحق يهبنا روح الحب الحقيقي لينتشلنا من ظلمة هذا العالم، ويحملنا إلى نور سمواته. لن نستطيع أن ندخل إلى العضوية الكنسية، كأعضاء في جسد المسيح ما لم نقبل الاتحاد مع المسيح الرأس، فيكون لنا نورًا وحقًا وحبًا. فإن هذا "النور" وذاك "الحق" هما في الحقيقة اثنان يُعبران عن حقيقة واحدة. لأنه ما هو نور الله إلا حقه؟ أو ما هو حق الله إلا نوره؟ شخص المسيح الواحد هو كلاهما. "أنا قد جئت نورًا إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة" (يو 12: 46)؛ "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6). هو نفسه "النور"، وهو نفسه "الحق". ليأتِ ويُخلصنا ويفصل في قضيتنا مع أمة غير بارة، وينقذنا من إنسان غاش وظالم. ليفصل الحنطة من الزوان، فإنه في وقت الحصاد سيرسل بنفسه ملائكته لكي يجمعوا من ملكوته كل أثيم ويطرحونه في لهيب نار، بينما يجمعون الحنطة معًا في الهري. القديس أغسطينوس يقول الأب أنثيموس أسقف أورشليم: [يقول النبي: "نور" ويعني "الفرح"، لأن الضيق والحزن هما قتام يظلم القلب؛ ومعناه ارسل فرحك الحقيقي وعونك ليبلغا بي إلى جبل صهيون وإلى مساكنك، أي إلى هيكل قدسك. وهذه هي طلبة المسبيين في بابل، الذين يلتمسون الاطلاق من أسرهم]. وأما القديس أثناسيوس الجليل فيقول: [إن هذه هي طلبة الأنبياء إلى الله الآب لكي يرسل ابنه الوحيد ربنا يسوع المسيح القائل: "أنا هو نور العالم، الذي يهدينا إلى أعلى السماء وإلى المساكن السماوية]. ويقل أوريجانوس: [إن جبل قدس الله هو ملكوته. وأما المساكن فهي مساكن القديسين، لأن ربنا له المجد يقول إن في بيت أبي منازل كثيرة]. ب. إن كان قبلًا في أنينه يقول: لماذا أسلك كئيبًا؟ فإنه لا يكتفي بالسلوك أو مداومة السير في الطريق الملوكي، إنما يطلب عونًا إلهيًا وتدخلًا إلهيًا لكي "يصعد"... هذا هو عمل السيد المسيح "المربي"، يهبنا روحه القدوس الذي يصعد بنا إلى جبله المقدس وإلى مسكنه، أي إلى الحضرة الإلهية (الجبل المقدس)، وإلى شركة القديسين بكونها سكنى الله وسط شعبه. يرى البعض أن ذكر "جبل الله" و "مسكن (خيام) الله" يُشير إلى أن الكاتب لا يمكن أن يكون قبل داود النبي ولا بعد سليمان، فقبل داود لم يكن يُعرف جبل مقدس لله، وبعد سليمان لم تُعرف الخيمة حيث بُني الهيكل. أما ذكر "خيام" بالجمع فلأنه في أيام داود النبي وُجدت خيمتان للعبادة الإلهية، واحدة في صهيون كما تكرر في الكتاب المقدس وأخرى في جبعون (1 أي 16: 37-39). على أي الأحوال لم يفصل الآباء حبنا لله عن تقديرنا لبيته، حتى في الغرب يحذر بعض الدارسين من تجاهل الارتباط ببيت الرب. يقول أحد الآباء إن من ليس فيه حب بيت الله هو بلا تقوى، و يقول أحد الآباء إن الذين يقتادهم الله إنما يقتادهم إلى جبله المقدس وإلى خيامه، أما الذين يتظاهرون أن الروح يقتادهم (تاركين الكنيسة بيت الله) ينتكصون على أعقابهم، مخالفين الوصايا المكتوبة، هؤلاء بكل تأكيد يخدعون أنفسهم. جبله المقدس هو كنيسته المقدسة، ذلك الجبل الذي بحسب رؤيا دانيال كان حجرًا صغيرًا جدًا حطّم ممالك الأرض، نمى حتى غطى وجه الأرض. من كان خارج هذا الجبل لا يترجى الحياة الأبدية، فإن كثيرين يجتهدون في صلواتهم لأسباب كثيرة، لكن يلزمهم ألا يفرحوا بهذا الاجتهاد، لأن الشياطين أيضًا كانت نشيطة في صلواتها حين طلبت إرسالها لتدخل في الخنازير. لنشتهِ الجهاد لأجل بلوغ الحياة الأبدية، وبهذا الاشتياق نقول: "إرسل نورك وحقك". الخيمة هي للرُّحل وأما المسكن فهو للذين هم في شركة واحدة. الخيمة هي لأهل البيت ولمن هم في حالة حرب، لهذا عندما تسمع عن أخبار خيمة وتدرك وجود حرب احترس من العدو! القديس أغسطينوس ج. يُدعى بيت الله بيتًا للخلاص لأنه يقوم على ذبيحة الصليب بكونها سرّ المصالحة مع الله وتمتع بالاتحاد معه. لهذا كانت أنظار المرتل متجهة إلى المذبح، إذ يقول: "فأدخل إلى مذبح الله تجاه وجه الله". عندما نتحدث عن المذبح الذي يظهر في الهيكل فإننا نشير أيضًا إلى مذبح آخر يُقام داخل نفوسنا، ليس هو آخر بل هو واحد معه. (صلسس) لم يدرك أن نفس كل إنسان صالح منا إنما هي مذبح يرتفع منه بخور، بالحق والروح ذو رائحة ذكية، أي الصلوات بضمير نقي... في اختصار نقول إن جميع المسيحيين يُجاهدون في إقامة مذابح وتماثيل (مثل الكاروبين) من هذا النوع، ليست بلا حياة أو بلا مشاعر، بل هي قادرة على تقبل روح الله. العلامة أوريجانوس نحن نفهم روحيًا أن الإيمان هو مذبح هيكل الله الداخلي، وإليه يرمز الهيكل المنظور. فكل عطية نقدمها لله، سواء نبوة أو تعليم أو صلاة أو تسبحة أو ترنم بالمزامير أو أي عطايا أخرى روحية نابعة عن الذهن، لن يقبلها الله إن لم تقدم بإيمان صادق، فتوثق تمامًا وتُثبَّت على هذا المذبح بغير حراك، عندئذ تخرج كلماتنا نقية بلا دنس. القديس أغسطينوس المذبح السماوي الذي يقوم بيننا هنا هو اجتماع الذين كرسوا حياتهم للصلاة، فيكون لهم صوت واحد وفكر واحد. القديس أكليمندس الإسكندري يدعو القديس أغناطيوس الأنطاكي الكنيسة "مكان الذبيحة Thysiasterion" في أكثر من موضع، وذلك حين كتب رسائله وهو في طريقه إلى الاستشهاد. لقد عرف الكنيسة بكونها حياة مع السيد المسيح الذبيح، تتمتع بالأفخارستيا، جسد الرب ودمه، هبة المذبح للمؤمنين، وها هو ينطق ليُقدم حياته ذبيحة حب على مذبح الله خلال الاستشهاد.وكأن الكنيسة في حقيقتها هي الجلجثة التي تعلن الحب المتبادل بين الله والإنسان، فيها تُعلن ذبيحة المسيح الكفارية الفريدة على المذبح المقدس، وفيها أيضًا يشتهي المؤمن أن يموت كل النهار من أجل محبوبه الذبيح. هذا ما عبَّر عنه القديس أغسطينوس قائلًا: [إنها الذبيحة الجامعة، يُقدمها الكاهن الأعظم لله، هذا الذي قدم نفسه بالآلام من أجلنا لكي يجعل منا جسدًا لرأس عظيم كهذا. هذه هي ذبيحة المسيحيين، حيث يصير الكل في المسيح يسوع جسدًا واحدًا فريدًا. هذا ما تُقدسه الكنيسة خلال سرّ المذبح! فإنها وهي ترفع القرابين لله تُقدم نفسها قربانًا له...!]. كما يقول: [لأنه يوجد في السماء مذبح معين غير منظور، لن يدنو منه الإنسان الشرير... ما هو نوع الذبيحة هناك؟ الذي يدخل هناك هو نفسه يُقدم ذبيحة محرقة]. د. إذ يدخل المرتل بيت الخلاص يترنم، قائلًا: "الذي يفرِّح شبابي" [4]. تحوَّل إلى شاب متهلل للروح لا يقدر الزمن أن يدخل به إلى الشيخوخة العاجزة، ولا الأحداث المُرّة أن تفقده فرحة الشباب. يرى القديس أغسطينوس أننا في هذا العالم كمن في حالة شيخوخة محزنة، لكن الله يعمل فينا ليدخل بنا إلى تجديد أبدي مفرح حيث نسمع قول السيد: "ها أنا أصنع كل شيء جديدًا" (رؤ 21: 5). نحن نختبر فرح الشباب خلال تجديد الطبيعة الذي نلناه في مياه المعمودية بالروح القدس الذي يجدد مثل النسر شبابنا، ويبقى الروح عاملًا فينا واهبًا إيانا تجديدًا مستمرًا خلال التوبة الدائمة وشركة الحياة مع الله، حيث نخلع أعمال الإنسان العتيق ونلبس أعمال الإنسان الجديد. يقول الرسول: "إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة؛ الأشياء العتيقة قد مضت؛ هوذا الكل قد صار جديدًا" (2 كو 5: 17). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور43 - في بيت الخلاص |
مزمور43 - أحكم لي يا رب |
مزمور43 - الإطار العام |
مزمور43 - العنوان |
مزمور43 - أحكم لي يا رب |