رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المسكين المرفوض: "أنا قلت يا رب ارحمني. اشفِ نفسي لأني قد أخطأت إليك" [4]. هذه صلاة، في منتهى البلاغة في اللغة العبرية؛ فإنه ماذا يمكن لإنسان أن يفعل أكثر من الاعتراف بإخلاص وأمانة بخطاياه. ما هو ارتباط هذه الصلاة بحديثه السابق عن الاهتمام بأمر المسكين؟ يبدو أن المرتل قد سقط تحت تأديب إلهي، إذ يربط ضيقته بإثمه، متوقعًا أنه إذ ينظر إلى أمر المسكين، يتطلع الله إليه كمسكين لكن ليس دون اعتراف بخطاياه. هنا يُبرز المرتل أن ما يناله الإنسان من هبات كثمرة العطاء المملوء حبًا لا يتم عن برّ ذاتي، وإنما عن مراحم الله المجانية، إذ يعترف المرتل بخطيته طالبًا الرحمة والشفاء. كأن المرتل يقول: إن كنت قد تفهمت في أمر إخوتي المساكين فذلك ليس فضلًا مني، فإنك تتطلع إليّ وتتفهم أمري أنا المسكين المجروح بالخطايا والمحتاج إليك كطبيب للنفس والجسد. يشفيك الله فقط إن أقررت بجرحك. عندما ترقد تحت يديْ الطبيب، وتطلب عونه بلجاجة. فإن غَسل أو كوي أو بَتر، احتمل هذا بهدوء، لا ترتبك بذه الأمور فُتشفى. إنك تشفى إن قدمت ذاتك للطبيب؛ ليس لأنه لا يراك إن أخفيت نفسك، وإنما الاعتراف هو بداية استعداتك صحتك. الأب قيصريوس أسقف آرل اعتاد المرتل أن يبدأ اعترافه باتهام نفسه أولًا، بعد ذلك يشتكي العدو الشرير المقاوم له؛ فهو لا يبرر نفسه ولا يلقي باللوم على غيره، إنما يطلب عونًا من الطبيب ليشفيه أولًا ثم يقيه مما قد يصيبه من الخارج، إذ يقول: "أعدائي تقولوا عليّ شرًا: متى يموت ويُباد اسمه؟!" [5]. يود العدو الشرير أن يطيح بأولاد الله الأبرار، ويظن أن هذا يتحقق فعلًا، متجاهلًا أن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم. ويرى البعض أن هذا هو صوت السيد المسيح الذي اتهمه الأعداء كذبًا، وتآمروا على قتله وإبادة اسمه. ويبقى صوته هذا ينطق به في كنيسته التي تتألم لأجله والتي يُريد العالم يمحوها لينزع اسم مسيحها تمامًا. وكما يقول سفر الأعمال عن القديسين بطرس ويوحنا: "فدعوهما وأوصوهما أن لا ينطقا البتة ولا يُعلّما باسم يسوع" (أع 4: 18). هذا هو شخص ربنا يسوع المسيح؛ ولكن انظروا أما يُفهم ذلك أيضًا عن أعضائه. قيل هذا عندما سار ربنا بالجسد على الأرض... عندما رأوا الشعب قد ذهب وراءه، إذ قالوا: "متى يموت ويُباد اسمه"، بمعنى "إذ نقتله يُباد اسمه تمامًا من على الأرض، فلا يخدع بعد أحدًا إذ يموت. بهذا القتل نفسه سيفهم البشر أنه كان مجرد إنسان وقد تبعوه، ولا رجاء في الخلاص من جهته، فيهجرون اسمه ولا يكون بعد. لقد مات ولم يبد اسمه بل بُذر كبذرة كحنطة بموتها تنبت حنطة. مات المسيح ولم يبد اسمه؛ ومات الشهداء ونمت الكنيسة، ونمى اسم المسيح بين الأمم. باطلًا إذن اعتقادهم ضده؛ وكان الأفضل لهم أن يؤمنوا به حتى "يتفهموا أمر المسكين والفقير"، هذا الذي وهو غنى افتقر لأجلكم حتى تغتنوا بفقره... القديس أغسطينوس لقد دبر أخيتوفل المؤامرة لقتل داود الملك وإباده اسمه فكان رمزًا لعدو الخير إبليس الذي هّيج الكثيرين ضد ابن داود للخلاص منه بالصليب، فجاءت كلمات داود النبي تنطبق بصورة أكمل في شخص السيد المسيح، إذ يقول:"كان يدخل لينظر فكان يتكلم باطلًا، وقلبه جمع له إثما. كان يخرج خارجًا ويتكلم عليّ معًا. عليّ تدمدم جميع أعدائي. وتشاوروا عليّ بالسوء وكلامًا مخالفًا للناموس رتبوا عليّ. هل النائم لا يعود أن يقوم؟!" [6-8]. تحققت هذه النبوة في شخص السيد المسيح حيث اجتمع رؤساء الكهنة والكهنة والكتبة والفريسيون والناموسيون وبيلاطس وهيرودس عليه. تدمدموا معًا أي تهامسوا أو تشاوروا من وراء السيد، وحكموا عليه على خلاف الناموس، وظنوا أنه نام في القبر ولا يعود يقوم. كان كل من يدخل إليه أثناء محاكمته أو جلده أو صلبه يتكلم عليه باطلًا، إذ يحمل إثمًا في قلبه من جهته فلا يرى في ذلك إلا علامة غضب الله عليه، لذا يخرج خارجًا ينطق بتجاديف ضده! الذي يدخل بذاته إلى أحداث الخلاص، يدخل لينطق بتجاديف أثيمة، أما من يدخل بالنعمة إليها فيخرج أيضًا ليجد مرعى (يو 10: 9)، إذ يجد فيها فيض حب مشبع ومُروي للنفس. وكان يقول الرسول: "لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة (2 كو 2: 16). بعد أن تحدث عن الأعداء صالبي المسيح تكلم بوجه الخصوص عن يهوذا مسلمه، التلميذ الخائن: "وأن إنسان سلامتي الذي وثقت به الذي أكل خبزي رفع عليّ عقبه" [9]. من هو إنسان سلامته؟ يهوذا... لقد خانه بقبلة غاشة (يو 6: 70)، ليُظهر ما قيل عنه: "رجل سلامتي". القديس أغسطينوس |
|