وَقُلْتُ لَهُمَا: لاَ تُفْتَحْ أَبْوَابُ أُورُشَلِيمَ حَتَّى تَحْمَى الشَّمْسُ.
وَمَا دَامُوا وُقُوفًا فَلْيُغْلِقُوا الْمَصَارِيعَ وَيُقْفِلُوهَا.
وَأُقِيمَ حِرَاسَاتٌ مِنْ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ،
كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِرَاسَتِهِ،
وَكُلُّ وَاحِدٍ مُقَابِلَ بَيْتِهِ. [3]
بعد اختيار القادة وتشغيل الطاقات البشرية، اهتم نحميا بحماية المدينة وحراستها، لئلا يُهدم كل ما قد بُني.
كانت العادة أن تفتح أبواب المدينة عند شروق الشمس حتى يستطيع التجار الدخول، وإقامة خيامهم وقت استيقاظ الشعب.
وقد خشي نحميا أن يقتحم الأعداء المدينة في هذه الفترة قبل استيقاظ الشعب واستعادته حيويته وقدرته على المقاومة.
قيام نحميا بتدبير الحراسة المشددة والمتسمة بالفرح والتهليل كما بروح العبادة، حيث وجد مع البوابين المغنون واللاويون، لا يعني عدم الاتكال على حراسة الرب ورعايته. فالله لا يأمرنا بالكسل والإهمال، إنما إذ نفعل ما يلزمنا نتغنى مع المرتل قائلين: "إن لم يحرس الرب المدينة، فباطلًا يتعب الحراس" (مز 127: 1).
* إن أردنا أن يحرسنا الله الذي تواضع من أجلنا وتمجَّد لكي يحفظنا. فلنتَّواضع نحن أيضًا. فلا يحسب أحد أنه شيء، فإنَّه ليس لأحدٍ شيء صالح ما لم يكن قد أخذه من الله الذي هو وحده صالح.
القديس أغسطينوس
* الذين يؤمنون أن الأمور البشرية تقودها العناية الإلهية لا ينسبون شيئًا تحقق بواسطة البشر إلى مجهودهم الذاتي. "إن لم يبن الرب البيت باطلًا يتعب البناءون. وإن لم يحرس الرب المدينة باطلًا يتعب الحراس" (مز 127: 1). إنه لا يقول إنه لا يجوز لأحدٍ أن يبني، أو لأي أحدٍ أن يحرس المدينة، بل يليق بهذا أن يتذكر بأنه إن لم يعطِ الله نجاحًا للمجهود المبذول فإن كلًا من المجهود والذين يصارعون لأجله يصيرون بلا نجاحٍ. إنه من جانبنا لنا أن نبدأ، ولكن من جانب الله أن يهب النجاح. نحن نبدأ نبني البيت، والله يعيننا ويكمل العمل. نحن نحرس مدينتنا، ونراعي القرار بأن نحرسها، لكن الله هو الذي يحفظها دون أن تُدمر أو تهزم من المعتدين عليها. هذا عبَّر عنه الأمثال: "فوق كل تحفظ احفظ قلبك" (أم 4: 23). مع هذا فإنك وإن كنت بنفسك تحفظ قلبك بك احتراسٍ، لكنك تقول لله: "أنت أيها الرب تحرسنا وتحفظنا" . هذا الفكر يؤكده بولس إذ يقول: "فإن ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى، بل لله الذي يرحم" (رو 9: 16). إنه لا يمنع الركوض نحو تحقيق أهدافنا في السعي وأن ترغب فيها، وإنما يمنعنا من أن نظن أننا نبلغها بمجهودنا الذاتي. كثيرون من الذين كان لهم هذا التوقع وجدوا غير ناجحين في جهودهم .
القديس ديديموس الضرير
* ليس في قدرة نفس بشريّة أن تحفظ أمورًا عظيمة كهذه؛ لماذا؟ لأنه يوجد لصوص كثيرون يتربصون لها، وظلمة كثيفة، وشيطان على الأبواب يدبر خططًا ضدها! كيف إذن يمكننا أن نحفظها؟ بالروح القدس؛ بمعنى إن كان الروح ساكنًا فينا، إن كنا لا نطرد النعمة يقف (الله) معنا. فإنه "إن لم يبن الرب البيت فباطلًا يتعب البناءون، وإن لم يحرس الرب المدينة فباطلًا يسهر الحراس" (مز 127: 1). هذا هو حصننا، هذه هي قلعتنا هذا هو ملجأنا! إن كان الروح ساكنًا فينا وهو حارسنا، فما الحاجة للوصية؟ لكي نتمسك بالروح ولا نجعله يهجرنا .
القديس يوحنا الذهبي الفم
يرى الحكيم سليمان في كلمة الله قوة إلهية لحراسة النفس البشرية، بل حراسة المؤمن ككلٍ، بكونه بناء الله، لذا يسألنا أن نلتصق بالوصية على الدوام.
"يا ابني احفظ وصايا أبيك، ولا تترك شريعة أمك. اربطها على قلبك دائمًا. قلِّد بها عُنقك. إذا ذهبت تهديك، إذا نمتَ تحرسك، وإذا استيقظت فهي تُحدثك" (أم 6: 20-22).