فلينظر كل واحدٍ متأملاً في كم أحتملت مريم العذراء في ذاتها وبأية شجاعةٍ قد أتصفت بتقدمتها أبنها هذا الحبيب محرقةً حيةً، ليموت على الصليب موت العار. فهذه هي الأم الأعظم سعادةً فيما بين الأمهات كلهن. من حيث أنها أختيرت والدةً لله، ولكنها في الوقت ذاته هي الأم المستحقة أكثر من سائر الأمهات التوجع من أجلها. لأنها أختبرت في ذاتها مرائر الألام بنوعٍ لم يحدث قط، ولا هو ممكنٌ أن يحدث لأمٍ سواها. لأنها من حينما حصلت على هذا الأبن. فأنما فازت هي به محكوماً عليه بأن يموت فيما بين الآلام الأشد قساوةً. فترى أيت أمٍ تقبل لها أبناً ذاك الذي قد أعد معيناً لأن يموت موت الخزي والعار أمام عينيها. فمريم وحدها قد أقتبلت أن تتبنى بهذا الأبن تحت شرطٍ هكذا شديد المرارة، وفائق الأحتمال طبيعياً، وليس فقط أنها قبلت هذا الشرط، بل أيضاً هي نفسها في مثل هذا اليوم قدمت أبنها بيديها، قرباناً معداً لذبيحةٍ دمويةٍ مزمعة أن تضحى على الصليب اللعدل الإلهي.