رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كلي القداسة: الرب خالق المسكونة كلها يقدم حياته المبذولة من أجل خلاص العالم كله، كقول الرسول يوحنا: "هو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضًا" (1 يو 2: 2)، فيضم إلى جسده أعضاء من كل الأمم والشعوب والألسنة خلال الإيمان به ونوال البنوة في مياه المعمودية. الآن إذ يعلن المرتل عن الله الكلي القداسة إنما يكشف عن التزام الكنيسة وكل عضو فيها أن يحيا في الحياة المقدسة اللائقة بعريس النفس القدوس. "من يصعد إلى جبل الرب؟" [3]. ترفع الكنيسة كما على الجبل (السيد المسيح)، السماوي، البار؛ بكونها الجسد المقدس للقدوس. * من يصعد إلى قمة جبل برّ الله؟ أو "من يقوم في موضع قدسه؟" عند بلوغ ذلك المكان المقدس المؤسس على البحار والمُثبت على الأنهار، من يقدر أن يُثبت هذا الأساس؟ القديس أغسطينوس الحياة الكنسية هي حالة "صعود" مستمرة، لا تعرف التوقف ولا الانحدار. مع كل يوم ينعم المؤمن بخبرة شركة مع السيد المسيح الجبل القدوس، حيث نرتفع بالروح القدوس فيه وننعم بمرتفعات المجد. لم نصل بعد إلى القمة حيث ننعم بالصورة الكاملة للسيد المسيح مُشَكَّلةً في أعماقنا ومعلنة في حياتنا العملية، لكننا نترجى في يقين أننا نبقي دائمًا صاعدين. التمتع بالحياة الكنسية الإنجيلية هي نعمة إلهية لا فضل لنا فيها، والثبوت فيها والنمو الدائم هما من عمل روح الله الساكن فيها، لذا يقول المرتل: "من يقوم في موضع قدسه؟" من ذا الذي يقدر أن يبقى هناك؟ يعجز الناموس أن يثبتنا في الشركة مع الله أو حتى الاقتراب منه، لكن نعمة الله الغنية تؤهلنا للوجود في الحضرة الإلهية. روح الله القدوس الذي يحملنا إلى مياه المعمودية لننال البنوة لله ويقدس أعضاءنا بالمسحة المقدسة، يهبنا دموع التوبة غسلآً دائمًا لخطايانا وتطهيرًا لأعماقنا؛ وهو بعينه يهبنا خلال سرّ الافخارستيا الثبوت في المسيح بتناولنا جسده ودمه المبذولين عنا. روح الله يهبنا الثمر الروحي الذي يفرح النفس بالله ويفتح القلب بالحب ليتسع لكل البشرية، ويقدس الإنسان بكليته. الكنيسة مقدسة [3]، ويلتزم أعضاؤها بالطهارة [4]، لا يفكرون في الباطل [4]، بل في السمويات، ويحبون بعضهم بعضًا. بدون قداسة لا يعاين أحد الرب؛ وحيث لا توجد نقاوة لا توجد كنيسة! الخروف ليست جداءً، حتى وإن اختلطت بالجداء. فعند الله الحظ الفاصل بين القديسين والأشرار، ومتسع اتساع الأرض عينها. يلزم التعبير عن قداسة الكنيسة بالأعمال بجانب المشاعر الداخلية والإرادة. لذا يقول المرتل: "الطاهر اليدين (الأعمال)، التقي بقلبه" [4]. إنها تمس علاقتنا بالله وباخوتنا كما بأنفسنا: "الذي لم يأخذ نفسه باطلآً، ولم يحلف لقريبة بغش" [4]. "الطاهر اليدين": في لغة الكتاب المقدس يُحسب طاهر اليدين من لم يدنسهما بالدماء أو بالعنف أو الرشوة أو الربح القبيح أو صنع الشر بأية صورة نحو الله أو الإنسان. الأيادي هي وسيلة لتحقيق الأعمال، لكن الذي يحركها ويحكمها هو القلب، لذا وجب أن يكون نقيًا. طهارة اليدين لا تعني مجرد التطهيرات الظاهرة؛ لئلا نغسل خارج الكأس والصفحة بينما يبقى الدالخل دنسًا. لا تعني الاغتسال بالماء كما فعل بيلاطس البنطي أثناء محاكمة السيد المسيح. طهارة اليدين تؤكد مفهومنا للإيمان الحيّ، الإيمان العامل بالمحبة (غل 5: 6). "الذي لم يأخذ نفسه باطلآً": يليق بمن يود الصعود إلى بيت الرب أو التمتع بالشركة مع الله القدوس ألا يأخذ نفسه باطلآً، أي لا ينشغل بملذات العالم الباطلة، إنما تنسحب نفسه إلى السماويات، إلى الأفراح الأبدية. "ولم يحلف لقريبة بغش" علامة الحياة المقدسة في المسيح الحق، أن تكون كلمة المؤمن صادقة وأقوى من أي قسم. ينطق بالحق لأنه متحد بالمسيح الحق، وقد صار ابنًا للحق. أما من يرتبط بإبليس الكذاب وأبي الكذابين فإنه غالبًا ما ينطق بالكذب حتى وإن حلف بقَسَم. الآن ما هو ثمر هذه الحياة الكنيسة المقدسة؟ "هذا ينال بركة من الرب، ورحمة من الله مخلصه. هذا جيل الذين يطلبون الرب ويبتغون وجه إله يعقوب" [5-6]. المؤمنون الذين يسلكون في حياة مقدسة يصعدون إلى جبل الرب ويثبتون في موضع قدسه، يبدأون بالروح ولا يكملون بالجسد بل يلتهبون بالروح وينمون. إنهم "ينالون بركة من الرب"، فهم لا يصعدون لكي يعطوا بل ينالوا؛ إن قدموا قرابين إنما هي من عند الرب، مما أعطاهم... لكنهم ينالون السيد المسيح نفسه برّهم وفرحهم وشبع نفوسهم ومجدهم الأبدي. ينالون رحمة من الله مخلصهم، فيختبرون الرحمة خلال عمل الله الخلاصي... يتمتعون بالله كمخلص لهم، ليس فقط يغفر لهم خطاياهم إنما يقبلونه هو شخصيًا مجدًا لهم.! يُحسب المؤمنون جيلآً طالبًا الرب ومبتغيًا وجه إله يعقوب... بصعودهم بيت الرب يزدادون عطشًا نحو الله، فيطلبونه لا لأجل عطاياه وإنما لمعاينته وجهًا لوجه. يقول القديس أغسطينوس: [إنهم يطلبون وجه هذا الإله الذي أعطى حق البكورية للابن الأصغر (يعقوب) (تك 25: 23)]. بمعنى أننا نطلب وجه الله الذي هو ربنا يسوع المسيح، إذ ونحن صغار جعلنا كنيسة أبكار، لنا حق الميراث الأبدي. يرى القديس أكليمندس الإسكندرى أن داود قد أوضح أن الله هو مخلصه، وقد دُعي وجه إله يعقوب لأنه هو رسم جوهر الآب (عب 1: 3) الذي أعلن الحق الخاص بالآب، موضحًا الحقيقة أن القدير هو الله الواحد الوحيد الآب الذي لا يعرفه إلا الابن ومن يُعلِن له الابن (مت 11: 27) . |
|